لماذا لا نرى مسلسلًا عن محمد غنيم أو مجدى يعقوب؟

رغم أننى لست من هواة مشاهدة التليفزيون، فإننى ألقى نظرة عليه من حين لآخر لمشاركة الآخرين ما يشاهدونه ويفكرون فيه. ومع كثرة المسلسلات التليفزيونية، فإن معظمها يدور ويرتفع ويهبط فى قاع فنجان صغير، وتطفو فى دورانها البذاءة والعنف من غير أن تنفتح على عالم أكبر
أتأمل ذلك وأتساءل: لماذا لا نرى مسلسلات عن دكتور محمد غنيم؟ أو دكتور مجدى يعقوب؟. من وجهة النظر الفنية، فإن قصة كفاح كل من هذين الطبيبين العظيمين تعد قصة شيقة، جماهيرية، كيف بدأ كل منهما شابًا وأى مصاعب وعقبات واجهت كلًا منهما، وكيف تمسكا بالأمل فى تحقيق الحلم؟. وهنا بطبيعة الحال لا بد أن يكون العمل على تلك القصص عملًا فنيًا، شيقًا، مليئًا بالإثارة، لأن التليفزيون ومثله الإذاعة وسائل إعلام جماهيرية، لا بد أن تراعى أنها تتعامل مع جمهور ضخم، وليس مع نخبة من المثقفين. لكن وضع مسلسلات عن هذين العالمين، وغيرهما ممكن، بل ضرورى، إذا راعى التليفزيون أن دوره ليس مقتصرًا فقط على إشباع الحاجات الجماهيرية، بل توجيه تلك الحاجات بدرجة ما. لماذا لا نرى مثلًا مسلسلًا عن الشاعر الشعبى ابن عروس؟ كان هناك مسلسل عنه عام ١٩٧٠ بطولة صلاح قابيل، لكن انقضى عليه الآن نصف قرن، علمًا بأن حياة ابن عروس شيقة للغاية من الناحية الجماهيرية، فقد بدأها زعيم عصابة فى الصعيد وختمها شاعرًا عظيمًا. ألا يكون هذا موضوعًا لمسلسل شيق يجمع بين المتعة والفائدة؟. وبوسعى هنا أن أستحضر أسماء كثيرة وقضايا كثيرة صالحة كلها لمسلسلات عوضًا عما نراه. لديك السيدة العظيمة روز اليوسف، وقصة كفاحها لإنشاء مجلة؟ فإذا مضينا مع خيالنا إلى بعيد لقلنا ولماذا لا نرى مسلسلات عن الشهيدات من البنات فى ثورة يناير؟ أميرة دويدار، ومريم مكرم نظير، ورحمة خضير؟ ويمكن لمحترفى كتابة المسلسلات أن يتخيلوا صداقة ربطت بين البنات الثلاث وأحلامهن، ثم استشهادهن فى سبيل الوطن؟ ألا يصلح ذلك لمسلسل شيق ومفيد؟ بل نحن لا نرى حتى مسلسلات عن أبطالنا القوميين الذين لا يعرف الكثيرون عنهم شيئًا، مثل سيد زكريا خليل الذى اشتبك بمفرده فى حرب أكتوبر مع العدو وأباد منه اثنين وعشرين جنديًا، وبعد ٢٣ عامًا من استشهاد سيد زكريا قال جندى إسرائيلى عنه: «اعتقدنا حينذاك أننا نواجه كتيبة كاملة». وعلى أى حال هناك الكثير من القضايا ومن الأسماء المرشحة لكى تكون موضوعًا للمسلسلات الجيدة الممتعة، لكن أحدًا لا يقترب منها ما دامت هناك وصفة تجارية سهلة ومضمونة.
أما الأسوأ من ذلك بكثير فهى البرامج الخيرية التى تقدم الأموال أو المعونات للناس، ذلك أنك تسمع مقدم البرنامج وهو يستفسر عن ظروف الشخص التعسة بالتفصيل، لكى يظل الآخر يحكى ويعرض بؤسه وجراحه، وبهذا تتضح لنا عظمة مقدم البرنامج صاحب الأيادى البيضاء الذى أنقذ إنسانًا! لو كان منكم من سمع أو شاهد مثل تلك البرامج، فليتذكر كيف يظل المذيع يستدرج الشخص ليحكى تفاصيل حياته المؤلمة، ومن ثمّ تشعر فى النهاية أن القصد ليس تقديم العون، بل تلميع مذيع، أو تلميع برنامج بفتح جراح الآخرين على الملأ.