The Flower of Life.. «زهرة الحياة» رؤية أمريكية لسيرة السيدة فاطمة الزهراء
لم تستطع الدراسات الغربية فى أى وقت أن تُخفى المكانة التى أرساها الإسلام للمرأة، كشريك كامل ومتساوٍ للرجال، مشيرة إلى أن الدين الإسلامى أكد أهمية دور حواء داخل أسرتها وفى المجتمع ككل، باعتبارها الأم والزوجة والأخت والحبيبة والابنة.
وظهر العديد من المحاولات الأدبية العالمية للتعمق فى تلك المنطقة، من خلال نشر كتب ودراسات وأبحاث حول قيمة المسلمات الأوائل، منذ بداية الدعوة فى بيت السيدة خديجة، مرورًا بالسيدة فاطمة الزهراء، التى تعد أكثر النساء المسلمات اللاتى حظين باهتمام وقدسية فى كل دول العالم.
نساء من الجنة
تطرق الكتاب إلى فترة حمل السيدة خديجة بـ«الزهراء» فجاء فيه أن «بعد زواج السيدة خديجة من النبى محمد، بعدت نساء مكة عنها، ومنعت أى امرأة من زيارتها، وكن يرفضن حتى تحيتها عندما تمر عليهن فى الطريق، لأنها تزوجت محمد بن عبدالله، بدلًا من الزواج بأحد سادة قريش».
ويضيف: «لما حملت فى فاطمة كانت تحدثها وهى فى بطنها، كانت تؤنس وحدتها، وعندما دخل عليها ذات يوم سيدنا محمد وسمعها تتحدث، قالت له إنها تتحدث إلى الجنين فى بطنها، فقال لها إن جبريل يبشره بأنها أنثى، وأن من نسلها أئمة فى الأمة».
فلما جاء موعد ميلاد «فاطمة»، أرسل الله لـ«خديجة» ٤ سيدات من نساء الجنة هن: حواء، وآسية زوجة فرعون، وكلثم أخت موسى، ومريم بنت عمران، لمساعدتها فى الولادة، وفق مؤلف الكتاب، مضيفًا: «ولدت فاطمة وهى ساجدة رافعة أصبعها للتوحيد».
ويواصل المؤلف: «عندما ولدت فاطمة شاع نورها فى كل بيت من بيوت مكة، لم يبقى شىء إلا وطاله نور فاطمة، هدية الله للبشرية، كما أن ١٠ من حور العين نزلن من السماء بمياه من نهر الكوثر، وغسلن به المولودة، ثم أحاطوا جسدها بقطعتين من القماش الأبيض، لهما رائحة أذكى من المسك والعنبر».
ويُكمل «مغنية»: «عند ميلاد السيدة فاطمة غنت ملائكة السماء لمولدها، وعندما فتحت عينيها على الدنيا، كل الأحياء على الأرض انحنوا لعظمتها، وكأن رياح من الجنة هبت على أشجار مكة للاحتفال بقدومها إلى الحياة»، وفق تعبيره.
ويتابع: «هرع سيدنا محمد إلى البيت ليرحب بالمولودة الجديدة، ودخل على السيدة خديجة، ثم أسرع ليحمل السيدة فاطمة بين ذراعيه الشريفتين، وقبّلها وقرأ فى أذنها اليمنى الأذان، وكان أول كلام تسمعه هو الثناء على الله بصوت رسوله وحبيبه محمد، وبعد ذلك أسماها فاطمة، وعندما سئل لماذا أعطاها هذا الاسم، قال لأنها فُطمت وفصلت عن النار، وأن النار لا تستطيع الاقتراب منها».
ويشير إلى أن «سيدنا محمد كان عندما يتحدث عن ابنته فاطمة وكأنها قطفت من ثمار الجنة، وكلما اشتاق لريح الجنة كان يشم ريحها.. كانت نور عينى النبى وزهرة حياته، كما كانت أيضًا لزوجها الإمام على أكبر نصرة وأقوى سند وأبلغ داعية»، مضيفًا: «كانت ابنة الرسول، بصفتها أم أبيها، قمة الفضيلة وأبهى مظهر لما أراده الله فى خلقه الحبيب، بعد محمد».
Fatima:The Flower of Life
فى فبراير الماضى، صدر كتاب جديد حول السيدة فاطمة الزهراء، يحمل عنوان: «Fatima: The Flower of Life»، أو «فاطمة: زهرة الحياة»، للمحامى والمحاضر الأمريكى من أصول لبنانية جلال مغنية، والذى يرصد من خلال كتابه كيف عاشت السيدة فاطمة خلال السنوات الأكثر أهمية وصعوبة فى تاريخ المسلمين قبل الهجرة، وكذلك زواجها من على بن أبى طالب، ثم حياتها القصيرة بعد وفاة النبى.
ويستعرض الكتاب سمات الشخصية الأسطورية للسيدة فاطمة الزهراء، وكيف كانت تتسم بالعطاء ونكران الذات، وتتجاوز سنوات عمرها بكثير فى الفكر، حتى إنها كانت «أم أبيها»، وفقًا للأدبيات الإسلامية.
ويسرد «مغنية» كيف استطاعت الفتاة الصغيرة «فاطمة» الاعتناء بوالدها، وتطييب جراحه جسديًا، واحتضانه عاطفيًا بين ذراعيها الصغيرتين، فى الوقت الذى يعتبر أعظم رجل مشى على وجه الأرض، ثم كيف شهدت وفاته، ثم وفاتها بعد أشهر قليلة فقط من رحيله. ويشدد المؤلف، فى كتابه الصادر عن دار نشر مؤسسة «ماين ستاى» الأمريكية، على أن السيدة فاطمة أثرت فى معظم المسلمين، واصفًا إياها بأنها ابنة الرسول الأكثر شهرة فى قلوب وعقول المسلمين بجميع طوائفهم ومعتقداتهم، فهى تحظى بنفس التقدير فى كل الملل والمذاهب الإسلامية، ولم يُمس إرثها وثقلها لدى كل المسلمين.
يقول «مغنية»، فى الكتاب الذى يتضمن بين دفتيه ٢٠٥ صفحات، إن «قصة السيدة فاطمة الزهراء تحمل الكثير من العظمة والإيمان داخل الوعى الشخصى لكل مسلم، فهذه القصة ألهمت المسلمين ليستمروا فى الطريق المثالى لوالدها النبى محمد، صلى الله عليه وسلم، مشيرًا إلى أنه وجد صعوبة شديدة فى تأليف هذا الكتاب عن الرسول وابنته الأحب، لذا استغرقت كتابته عدة سنوات.
وفاة الحبيب
يُركز المؤلف بشكل كبير على الشهور القليلة التى تلت وفاة سيدنا محمد، لأنها كانت صعبة للغاية على «الزهراء»، خاصة فى ظل ما شهدته من صراعات بين المهاجرين والأنصار، وحتى عدم تصديق البعض حينها وفاته، وسط انقسام كبير حول اختيار أول خليفة للمسلمين بعد وفاة النبى.
ويقول المؤلف إن «السيدة فاطمة عاشت خلال السنوات الأكثر أهمية فى تاريخ المسلمين، بداية من تربيتها فى العصر الذى واجه فيه مجتمع أتباعه الأوائل اضطهادًا مستمرًا قبل الهجرة، ثم زواجها من بطل المسلمين على بن أبى طالب، فى ذروة ظهور الإسلام خلال حياة النبى، وهو الزواج الذى جاء منه نسل النبى ممثلًا فى سبطيه الحسن والحسين، وصولًا إلى وفاة النبى».
ويضيف «مغنية»: «السيدة فاطمة شهدت وفاة والدها، والتى جاءت مع حقبة جديدة من السلطة فى الدولة الإسلامية المؤسسة حديثًا وهى الخلافة، والتى تعرضت فيها إلى هجوم على منزلها، فى إطار صراع الخلافة».
ويشير الكاتب إلى أن السيدة فاطمة ماتت بعد أشهر قليلة فقط من وفاة والدها، مؤكدًا أن وفاتها المبكرة حزنًا على أبيها هى السبب الرئيسى الذى جعله يؤلف هذا الكتاب عنها، ورغم صدمة وفاتها وحياتها السريعة، فإن نورها وإرثها يتحديان الزمن وباقيان حتى الآن.
ويبين أن أنه لا يوجد اتفاق كامل على عمرها عند الوفاة، فبعض الفقهاء يقولون إنها ماتت فى سن الثامنة عشرة، وآخرون يقولون إنها توفيت وهى فى سن السابعة والعشرين، لكن من المؤكد أنها توفيت حزنًا على والدها، وفى ظل فترة حرجة وبداية عهد جديد للأمة الإسلامية عنوانه الخلافة. ويكشف الكاتب أنه خلال بحثه عن حياة وإرث السيدة فاطمة، استفاد بالكثير من المراجع العربية، مشددًا على أنه «رغم قصر حياتها، تركت السيدة فاطمة الزهراء قصصًا ومعرفة وحكمة للأجيال من بعدها، مستمدة من رؤية أبيها سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام»، ومشيرًا إلى أنه ترك الكلمات والأحاديث والقصص التى رويت عنها كما هى، سواء على لسان سيدنا محمد، أو والدتها السيدة خديجة، أو الصحابة.
نور من نور
يحمل الفصل الأول من كتاب: «فاطمة: زهرة الحياة» عنوان: «النور يُولد من النور»، وفيه يصف المؤلف السيدة فاطمة بأنها كانت «سيدة النور»، مبينًا أن لقبها «الزهراء» كان بسبب بياضها وإشراقة وجهها المنير والصافى، كما أنها جمعت بين الحسن وسعة العلم.
ويقول مؤلف الكتاب إن «السيدة فاطمة كانت النور فى ليل النبى محمد، ودفء الشمس فى نهاره، فى الوقت الذى كان يتعرض للسخرية من أهل مكة، بسبب عدم إنجابه إلا البنات، ووفاة ولديه القاسم وإبراهيم من السيدتين خديجة وماريا، وهما لا يزالا طفلين»، معتبرًا أن هذه مشيئة الله، فهو خاتم الأنبياء، ولم يشأ الله أن يورث المسلمون النبوة لأحد من أولاده الذكور، إذا بقوا على قيد الحياة.
ويرى الكاتب أن السيدة فاطمة الزهراء كانت هدية ومكافأة من الله للنبى محمد، الذى وهبه هذه المخلوقة الملائكية عوضًا عن الذكور، مضيفًا: «نهر الكوثر والغالية فاطمة كانا من أسباب ابتسامة النبى محمد فى وجه كل من سخر منه لعدم إنجابه الذكور، وهناك الكثير من التفسيرات التى تربط اسم الكوثر بالسيدة فاطمة من الأساس».
ويضيف المؤلف: «إذا كان فى الجنة أميرات، فإن السيدة فاطمة هى الملكة التى تشع نورًا يملأ الأرض والسماء»، لافتًا إلى أنه «رغم قصر حياتها كانت ذات معنى وتأثير كبيرين، بل وكانت قدوة للرجال والنساء، ولِمَ لا؟ وهى التى تربت على يد أفضل والدين فى العالم، النبى محمد والسيدة خديجة بنت خويلد، التى نقلت نورها إلى ابنتها لتصبح سيدة النور وزهرة الحياة؟».