خطة سحب القداسة من مصر.. انتزاع الأنبياء من أرض الأديان
الأمر قديم ومتصل، أقدم بكثير من ادعاء يهود اليوم بأن أجدادهم بنوا أو شاركوا فى بناء الأهرامات، فى السنوات التى كانوا يعانون فيها من السخرة على أرض مصر- كما زعموا-فمقابر العمال الموجودة حول الأهرامات تؤكد أن المصريين وحدهم هم من بنوا مقابرهم ومعابدهم المقدسة، فحيث إنها مقدسة، لم يسمحوا للأغيار وغير المطهرين حتى بلمس حجر من أحجار البناء، بل حتى بالاقتراب من محيط القداسة، وسيقول قائل، وتتعجب قائلة: يا لعنصرية أولئك الذين يسمون الشعوب الأخرى أغيارًا، ويصفونهم بأنهم نجس وغير مطهرين، يا للمصريين القدماء.
يا صديقى ويا صديقتى، ألم يحن الوقت لنكف عن الوقوع فى تلك الخدعة؟ وهى قياس إنسانية وتحضر الشعوب القديمة بمقاييس هذا العصر- غير الإنسانى أصلًا- فكل شعب من الشعوب القديمة كان يصف الشعب الآخر بأنه «آخر»، بأنه «غير»، وأنه «بربرى»، وأنه أقل وأدنى فى كل شىء، بل إن بعضها كان يصف الشعوب الأخرى بأنهم حيوانات خلقهم الله فى صورة بشر، حتى لا يفزع منهم السادة وحواشيهم أثناء الخدمة، حيث يجب أن يكون الخادم مقبول الشكل نظيفًا ومطيعًا.
قلت «الشعوب القديمة» لأن البعض قد يستدعى الآن مثلًا صورة الخادم أو الخادمة السوداء فى بيوت الأمريكيين، كما نراها فى الأفلام التى تصف إحدى مراحل الاستعباد، قبل أن يتطور الاستعباد لصور أكثر تماشيًا مع تطور ذهنية الرجل الأبيض فيما يخص صورة الآخر، صورة الغير، صورة البربرى، صورة الخادم، وهو تطور ناجح سلس وجميل، خاصة فى تبنى الأبيض لقضايا حقوق الإنسان، بغض النظر عن القلة المندسة من الأوربيين الذين يسيئون للتطور، مثل مسئول السياسات الخارجية بالاتحاد الأوروبى، جوزيف بوريل الذى أطلق فى أكتوبر ٢٠٢٢ ما كان مخبوءًا تحت لسانه قائلًا: «أوروبا حديقة، لقد بنينا حديقة، أفضل مزيج من الحرية السياسية والرخاء الاقتصادى والترابط الاجتماعى استطاعت البشرية أن تبنيه، لكن بقية العالم ليس حديقة تمامًا، بقية العالم.. أغلب بقية العالم هو أدغال»، لكن وللحق فقد اعتذر الرجل بعد ذلك عن مقولته، كما اعتذر تونى بلير عن فعلته، وكانت الفعلة هى اشتراك بريطانيا فى اجتياح العراق عام ٢٠٠٣، ما نتج عنه تدمير العراق وتحويله إلى دغل كبير، خاصة مع تجريده من أهم ثرواته وهى آثاره، وما مشهد جنود أمريكا وهم ينهبون محتويات المتحف العراقى ببعيد.
الحقيقة أن صاحب الحديقة بناها على حساب أهل الدغل، بل إنه يريد أن يحول كل حديقة تخص غيره إلى دغل، ولو بتغيير ثوابت الجغرافيا والتاريخ، بل وبتغيير ثوابت المقدسات، وتغيير ثوابت الإرثين الحضارى والثقافى، فى مظهره المادى وغير المادى، وهنا دعنى أذكرك بدعوة أحد السفلة الذى دعا فى فبراير من سنة ٢٠١٢ المشئومة إلى هدم الأهرامات وأبى الهول قائلًا: «إنه يجب تحطيم الأصنام والتماثيل التى تمتلئ بها مصر، كما فعلنا بأفغانستان وحطمنا تماثيل بوذا».
وعليك أن تتخيل ماذا لو تم تحقق تلك الدعوة، وصحونا لنجد مصر بدون الأهرامات وأبى الهول، لنجد مكان هذه الحديقة الحضارية التاريخية دغلًا من فراغ الأنقاض؟
لكن تعالوا إلى تخيل آخر، ماذا لو صحونا يومًا ووجدنا مصر بدون قصة العائلة المقدسة؟ أى أن يوسف النجار لم يصطحب السيدة العذراء وطفلها السيد المسيح إلى مصر كما قال لهم ملاك الرب؟ لم يأتوا إلى مصر ويحتموا بها ويعيشوا فيها؟ ماذا لو نجح من يريدون هدم هذه القصة، هدم هذا الإرث الدينى والحضارى والثقافى غير المادى؟ هدم البركة التى حلت على مصر؟
وتخيل مصر بدون أهل البيت؟ ماذا لو تم إقناعكم بأن آل البيت لم يزوروا مصر، وأن مشاهدهم ما هى إلا خيالات وأوهام تاريخية، وعلى ذلك فلا يجب أن تحوى النفس المصرية بركاتهم ونفحاتهم التى لا تزال تزهر عند مقاماتهم؟ ماذا لو تم هدم هذا الإرث النفسى والروحى المقدس؟
واتساقًا مع ذلك الهدم، هدم زيارة أبوالأنبياء إبراهيم عليه السلام إلى مصر وزواجه من المصرية هاجر، وعطفًا على ذلك نفى أن يكون يوسف وموسى عليهما السلام قد عاشا فى مصر، ومعنى ذلك أن أرض مصر ليست أرض الأديان، وليست أرض الأنبياء، وليست أرض القديسين والأولياء، ومن هنا تبدأ خطة سحب القداسة عن مصر، انتزاع المقدس من تاريخها، وهو أمر بالغ الخطورة لو تحقق، لا يقل فى بشاعته عن هدم الأهرامات.
خطة شريرة وصبورة وماكرة، خاصة فى طريقة تحقيقها وتحققها، فهى تعتمد فى طريقة تنفيذها على ما قد يصادف هوى البعض، كأن يقال: «إن اليهود لم يشاركوا فى بناء الأهرامات، لأنهم لم يعيشوا فى مصر أصلًا»، سيسعد البعض بجملة مثل هذه، فالحقيقة أن اليهود عاشوا بمصر، كما عاش الأغيار من الأمم الأخرى على أرضها وتمتعوا بخيراتها، مثل الرومان والفرس والأتراك والفرنسيس وخادمى الملكة فيكتوريا إلخ، لكن اليهود لم يضيفوا أى إضافة ملموسة للإرث الحضارى المصرى، ويكفى أنهم فى خروجهم منها سرقوا ذهب المصريات وصنعوا به عجلهم المقدس.
والحقيقة أننا فى ذلك يجب أن نعتمد على حقائق واضحة الدلالة بأن المصريين هم وحدهم بناة الأهرامات، بدليل مقابر العمال، وبدليل تاريخى آخر أن فترة بناء الأهرامات سبقت بمئات السنين دخول اليهود إلى مصر.
سيستريح البعض إلى «لم يعيشوا فيها أصلًا»، دون أن يدرك الخطر المترتب على ذلك، ومنه مثلًا نفى أن يكون سيدنا موسى قد عاش بها، وبذلك لم يكلمه الله فى الوادى المقدس طوى، أقدس مكان على وجه الأرض، الأكثر قداسة من الكعبة المشرفة، ومن كل معابد وكنائس ومساجد الأرض، لأنه المكان الوحيد على وجه الأرض الذى تكلم فيه رب العزة سبحانه وتعالى: «إِنِّى أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى».
وبذلك سينتزع من مصر واديها المقدس، وسيترتب على ذلك هدم حدائق حضارية وروحية ونفسية بطريقة لا يمكن تعويضها، وسيترتب على ذلك تغيير مشروعات حضارية وروحية وثقافية، سياسية واقتصادية، المستقبلى منها قد يغير اقتصاد هذا البلد، مثل مشروع التجلى الأعظم، الذى لو تحقق سيجلب إلى مصر ١٦ مليون سائح سنويًا من أوروبا وحدها، كما سيترتب على هدم قصة العائلة المقدسة، إلغاء اعتماد الفاتيكان لمسار العائلة كأحد معالم الحج المسيحى، وعليك أن تتخيل الخسائر المادية المترتبة على ذلك، وكل ذلك سيصب فى مصالح دول وحكومات ومنظمات وهيئات، تريد أن تلغى الثقل الدينى الروحى المعنوى المصرى، لصالح أن تكون هى البديل الأمثل للإرث الروحى مستقبلًا، و الحقيقة أننى لا ألوم على من يريد أن يفعل ذلك، لكن اللوم يقع علينا لو سمحنا بذلك.