نجيب محفوظ: حقيقة أقوالى عن كتاب سلمان رشدى
عن سلمان رشدى وكتابه، تلقيت سيلًا من الأسئلة من صحفيين وإذاعيين فاق عددهم الحد المعقول، جميعهم أجانب، وقد نشرت أقوالى فى الإذاعة والتليفزيون والصحافة دون متابعة منى، ودون أدنى شك فى تحريف أقوالى.
واطلعت بعد ذلك فى صحفنا على إشارات من أقوالى جاءت على أحوال:
أولًا: بعضها صادق وفى إيجاز شديد.
ثانيًا: بعضها صادق وأُول تأويلًا عدائيًا ولكلٍ رأيه وتأويله.
ثالثًا: البعض اختصر بصورة بعيدة عن واقعه، فتبلور فى صورة اتهام ظالم لا يتفق مع خُلق الإسلام.
من أجل ذلك، رأيت أن أعرض جملة ما قلته متفرقًا فى بيان واحد يفصح عن الحقيقة التى ألتزم بها وأتحمل مسئوليتها أمام الموافقين والمخالفين.
بدأت أحاديثى بحقيقة لا لبس فيها، وهى أننى لم أطلع على كتاب رشدى ولا علم لى بما جاء فيه، وعليه فلا رأى لى فى موضوعه.
أما عن إهدار دمه الصادر من الزعيم الخمينى، فأدنته من ناحية اختراقه العلاقات الدولية، وخروجه على الإسلام الذى نعرفه فيما يتعلق بمحاسبة المرتد، وضربت بالأزهر مثلًا طيبًا فى تصديه للكتاب بالرد عليه فى كتاب آخر، كما أشرت إلى فتوى فضيلة المفتى، وذلك كله بهدف أن يدرك القارئ أو السامع أو المشاهد، أن للإسلام رسالة غير الإرهاب والتحريض على القتل، وأننى أعتقد أن الخمينى أساء للإسلام والمسلمين إساءة لا تقل- إن لم تزد- عما قصده مؤلف الكتاب.
وأما عن حرية الرأى، فقلت إننى أنادى بأن تكون مقدسة، وأنه لا يصحح الفكر إلا الفكر، ولكن لا تتساوى المجتمعات فى تحمل الحرية إذا تجاوزت الحدود، وإن على المفكر أن يتحمل مسئولية فكره فى حدود إيمانه وشجاعته وظروف مجتمعه.
ولذلك أيدت فى أثناء المناقشة مقاطعة الكتاب أو مصادرته حفظًا للسلام الاجتماعى، على شرط ألا يُتخذ ذريعة لقهر الفكر، بل أيدت مطالبة الأزهر بمنع «أولاد حارتنا» طالما أن رأيه فيها لم يتغير، وأكدت لمحدثى أن كتابى ليس فيه ما يمس الأديان أو الرسل، وأن الربط بينه وبين كتاب رشدى خطأ بالغ، وأننى كبير الأمل فى أن أوضح للمعترضين عليه وجه الحق فيه.
وفى آخر حديث «١٨/٢/١٩٨٩» مع التليفزيون السويسرى، كانت حقائق جديدة قد ذكرت عن الكتاب، فعرفت أنه- والعهدة على الكاتبين- سب وقذف لم يجر بمثله قلم من قبل، فقلت للسيدة المذيعة إنه إن صح ذلك فالكتاب يكون تحت مستوى المناقشة، وإنه كأى فعل خارج عن حد القانون والأدب، فمخاصمته تكون فى المحاكم أو فى اتخاذ الإجراءات الرادعة على مستوى العلاقات الدولية، وإذا كان احترام حقوق الإنسان يصون للمفكر فكره، فيجب أيضًا أن يصون للناس مقدساتهم، ولو فى حدود الذوق والأدب.
وإننى أدرك الآن أنه إذا كان رشدى قد انحرف بخياله، فإن المسلمين أساءوا التصرف بالمظاهرات وحرق الكتاب وإهدار الدم، ما قلب الوضع، فجعل من المجرم ضحية ومن الضحية متهمًا.
وتخفيفًا من البلوى أقترح:
أولًا: أن تعلن الدول الإسلامية عن رفضها الإرهاب وإهدار الدماء باسم الاسلام.
ثانيًا: أن تطالب الدول باحترام الديانات والمقدسات لدى الشعوب، مع عدم التعرض لحرية البحث العلمى القابل للمناقشة.
ثالثًا: أن تقاطع دور النشر التى تتولى نشر الكتاب.
جريدة الأهرام - 2 مارس 1989