أحمد هاشم الشريف: نجيب محفوظ وعقدة سلمان رشدى
الملاحظ أننا فقراء فى الفكر وأن مجتمعنا يخلو من الأفكار الجديدة، باستثناء النشاط الفكرى الذى نبذله كل ليلة فى حل الفوازير، فالشريحة العظمى من مجتمعنا تدور فى أفكار السلف إلى جانب فئة قليلة تدور فى أفكار الغرب، وقد بلغ فقرنا الفكرى درجة جعلتنا كلما داهمتنا مشكلة نسارع إلى كتب السلف أو كتب الغرب باحثين عن حل.
وكثيرًا ما أسأل نفسى أين نجيب محفوظ بعد فوزه بجائزة نوبل؟
لقد تحول إلى شخصية عالمية لها وزنها وتأثيرها ولكنه لا يمارس وزنه وتأثيره، والدليل على ذلك ما حدث فى بلادنا الإسلامية بعد صدور رواية سلمان رشدى.
لقد تحولنا جميعًا- ومعنا نجيب محفوظ- إلى مجرد رد فعل وكأننا عجزنا عن الفعل، وبعد أن نقلتنا جائزة نوبل أمام العالم إلى دائرة الفعل، عدنا إلى دائرة رد الفعل، ونسينا أن عملًا بلغة العصر مثل فيلم الرسالة أو عمر المختار أو صلاح الدين أبلغ فى الدفاع عن عقيدتنا وتراثنا، من رد الفعل العصبى سواء فى صورة رصد الملايين لقتل سلمان رشدى كما فعل الخمينى، أو مظاهرات الاستنكار وإحراق الكتب التى كانت أعظم دعاية لسلمان رشدى فوزعت روايته ملايين النسخ فى أسابيع.
إن الانفعال وقتى وينتهى أثره بعد حين، ولن يجدينا أن نتهم الغرب بأنه يقود حملة صليبية جديدة، الأجدى والأبقى أن نتوقف أمام شخصية سلمان رشدى وندرسها بهدوء حتى نفهمها، لأنها صورة من صور اتصالنا بحضارة الغرب، وقد غرق البعض فى طوفان هذه الحضارة الغالبة، وعاد البعض الآخر سالمًا إلى بلادنا، وصورة توفيق الحكيم فى رواية «عصفور من الشرق» ويحيى حقى فى قصة «قنديل أم هاشم» لا تزال ماثلة أمامنا.
كنا ننتظر من نجيب محفوظ أن يفكر ويفكر ثم يصيح مثل أرشميدس وجدتها، عرفت عقدة سلمان رشدى وسوف أجعل منه بطلًا لروايتى القادمة، حتى يعرف الشرقى استحالة ذوبانه فى المجتمع الغربى.
أقول ذلك على سبيل المثال، لأن مفكرينا فى القرن الماضى واجهوا الفكر بالفكر وتحولوا من رد الفعل العاقل إلى الفعل المؤثر، فى مواجهة الهجوم على عقيدتنا وتراثنا القادم من الغرب.
أذكر أن «الأفغانى» رد بالمنطق والحجة على «رينان» عندما حاول أن يسلب العرب والمسلمين كل ميزة علمية، و«محمد عبده» رد على ادعاء «هانوتو» بتخلف المسلمين لإيمانهم بعقيدة القضاء والقدر، مؤكدًا أن فى القرآن أربعًا وستين آية تدعو إلى حرية الإرادة، ثم ألف كتابًا عن الإسلام بين العلم والمدنية.
وكتب «قاسم أمين» ردًا على كتاب «الدوق داركور»، ثم انتقل من رد الفعل إلى الفعل المؤثر، فكان لكتابه تحرير المرأة أثر بالغ على تطور المجتمعات العربية.
أما مع رواية سلمان رشدى وهى قضية مفتعلة صرفتنا عن أخطر القضايا فى نهاية القرن العشرين، فقد انسقنا فى رد الفعل العصبى وكأننا أصبحنا مجندين للدعاية لدور النشر الغربية، ولا أستبعد أن تستثمر دور النشر الغربية هذه الدعاية المضمونة فى الترويج لكتب أخرى تهاجم عقيدتنا وتراثنا ما دمنا نعيش فى هذا الفراغ الفكرى.
صباح الخير- 4 مايو 1989