البحث عن ونس لـ حسن غريب
أخذ منى الضجر كلّ ما أخذ، فليس هناك شىء يسلينى فى هذه المدينة الرمادية البائسة.
اعتقدت أنّ عندى مرضًا نفسيًا خطيرًا، قال بعض الناس إننى مصاب بالانطواء، فقصدتُ طبيبًا ليشخصنى، وبعد أن فحصنى وألقى علىْ أسئلة كثيرة وعجيبة، استنتجَ أنّنى لست مصابًا بالاكتئاب.
أراد أن يعرف منّى إذا كانت لدىّ أهل وأصدقاء، فأجبته بأنّنى مقطوع من شجرة، أمّا عن أصدقائى، فلدىّ صديق واحد لا أعرف سواه منذ ولدتُ، هو ذاتى.
استغرب الطبيب من جوابى، قائلًا لى:
لا يُجدى ذلك، فعليك أن تجد أصدقاء؛ فالوحدةُ هى اليأسُ بعينه، وإذا طالت عزلتك، تتحوّل إلى حالة مرضيّة حادّة قد تؤدّى إلى عواقب وخيمة.
أليست لديك هواية؟
قلتُ: لا أعرف إذا كان تنفّس الهواء من الهوايات؛ الشهيق والزفير هما الشيئان الوحيدان اللذان أتقنهما جيدًا.
قال: هواية لا تنفع. من الضرورىّ أن تعمل بنصيحتى، وتجد مَن يكون إلى جانبك ويساعدك، ويكون وفيًّا لك.. هل فهمت ما أعنى؟
صديق لوقت الضيق؛ الدنيا مليئة بالناس الطيّبين.. لا تيأس، فلديك متّسع من الوقت، والذين فى عُمرك يبدأون حياتهم من جديد. عُدْ إلىَّ بعد أيّام، ويقينى أنّك ستكون قد شُفيتُ من عقدة الضجر التى تشكو منها.
خرجتُ من عند الطبيب، ضاربًا فى الأصقاع والشوارع والمقاهى، حتّى وصلت إلى القفار؛ أخفقت فى العثور على صديق.
انقضى يوم ثمّ أيّام.. حتّى تعبتُ وبكيتُ، قصدتُ الطبيبَ مجددًا، أجرُّ قدمىْ جرًّا من شدّة الإرهاق. ثيابى مغطّاةٌ بالغبار، وشعرى فيه رمل وعشبٌّ يابس.. وعيناى محمرّتان.
ما إن رآنى فى تلك الحال، حتّى عاجلنى بالسؤال: ماذا بك؟
هل وجدتَ صديقًا؟
قلتُ له: وجدته؛ وقد صار لى صديقان الآن، هما نفسى ونفسى.