دراسة علمية تكشف السر .. لماذا لم تُسجل قصص الأنبياء فى مصر القديمة؟
الملوك وغالبية المصريين لم يتبعوا هؤلاء الأنبياء ومن ثم لم يكترثوا لذكرهم أو تسجيل ما يخصهم خاصة على جدران المعابد المخصصة لمعبوداتهم المتعددة أو مقابرهم
كهنة آمون واجهوا الديانة الآتونية بقوة على الرغم من أن زعيمها ملك ورأس دولة وقاموا بمحو آثاره.. ومن المستحيل أن يسمحوا بتسجيل وتوثيق دعوة إلى عبادة الله الواحد الأحد
نقوش تل العمارنة تشير إلى إيمان بعض المصريين برسالة سيدنا موسى.. ويمكن مراجعة النص الموجود فى معبد إخناتون مع سفر التكوين للتوراة ومع كتاب «فجر الضمير»
الأنبياء كانوا فى نظر الكهنة والملوك أعداءً للدولة والديانة الأساسية. . والمصريون اعتبروهم أجانب ومن هنا لا يوجد أى شىء لهم وهو شىء طبيعى جدًا
جدل كبير تفجّر مؤخرًا بعد أن قال عالم المصريات الشهير الدكتور زاهى حواس نصًا: «مفيش عندنا دليل على وجود بنى إسرائيل فى مصر، ولا يوجد فى الآثار أو الكتب التاريخية ما يثبت وجود سيدنا إبراهيم أو سيدنا موسى فى مصر»، وجاء هذا التصريح خلال مداخلة هاتفية مع أحد البرامج التليفزيونية.
وقد تعالت الأصوات بعدها، لكن أيًا منها لم يرد بشكل علمى، وقد قررنا فى «حملة الدفاع عن الحضارة المصرية»، التى أشرُف برئاستها، أن نضع ردًا علميًا متوازنًا، وهذا الرد يأتى استنادًا لآراء متخصصين فى الآثار والتاريخ من أساتذة الجامعات والآثاريين بالمجلس الأعلى للآثار وباحثى التاريخ والآثار، وهم: الدكتور حسن قلاد، الدكتور محروس الصناديدى الآثارى بالمجلس الأعلى للآثار، الباحثة رشا الخطيب، الدكتور سليم فرج، الدكتور أشرف محمود، الدكتور على صديق عثمان، والآثارية بالمجلس الأعلى للآثار سناء العلاقمى، الدكتور محمد أنور، الدكتورة سحر سمير فريد.
بداية نقول إن السؤال الأهم، الذى كان يجب أن يُطرح على العالم الجليل الدكتور زاهى ويجيب عنه هو: ما سر عدم وجود ذكر لأنبياء الله إدريس ويوسف وموسى فى النصوص المصرية القديمة رغم أن وجودهم واقع دينى لا يمكن إنكاره؟
وقد يتفاجأ البعض بأن «حملة الدفاع عن الحضارة المصرية» طرحت هذا السؤال على خبراء الآثار منذ شهر، قبل تصريح الدكتور حواس، وكأنها تتنبأ بهذا التصريح، وجاءت إجاباتهم منطقية وعلمية، نوجزها بأن السبب فى ذلك ربما لإخفاء حقيقة الدعوة إلى الله الواحد الأحد، لأن كل الأنبياء دعوا إلى عبادة إله واحد، وهذا الأمر كان لا يتناسب مع كهنة المعابد، ويستحيل لحكام مصر القديمة تكليف الكتبة بتسجيل هذه الأحداث نقوشًا على جدران المعابد والمقابر أو البرديات.
ورغم أن الفكر الدينى المصرى فى معظمه أصله فكر سماوى ولكن أدخل عليه التحريف وتم تنسيبه لأرباب من دون الله، وتلك الأرباب ربما كان معظمها أنبياء أو أشخاص صالحين لهم معجزاتهم وكرامتهم، ومنها تصوير أحداث يوم الحساب بما فيه وزن القلب، وذكرت فى الآية ٨٩ سورة الشعراء «إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ»، وفكرة تمثيل الروح بالطائر الذى يحوم على مقبرة صاحبها، وفكرة عمل تماثيل الأوشابتى فى سورة الواقعة آيات ١٧- ١٨ «يطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ»، وأن المدن وأماكن السكن كانت أكثر الأماكن عرضة للتدمير بفعل كثرة الاستخدام من أجيال كثيرة، وهو ما قلل فرصة أن نجد مصادر عنهم، فضلًا عن أن هناك أشياء كثيرة فى النصوص المصرية تحتاج إلى تمصير وتحقيق علمى.
وتضمنت آراء الخبراء وجود الطهارة وختان الذكور والدعوة للزواج والقيم وفضل الأم فى مصر القديمة وغيرها من العادات التى تدل على وجود دين ودعوة سابقة، كما تشير نقوش تل العمارنة إلى إيمان المصريين برسالة سيدنا موسى، ويمكن مراجعة النص الموجود فى معبد إخناتون بتل العمارنة مع سفر التكوين للتوراة، ومع ما قاله وكتبه جيمس هنرى بريستد فى كتابه «فجر الضمير».
وكذلك مراجعة الإشارات عن أسطورة خلق العالم فى تاسوع هليوبوليس مع المفاهيم الدينية عن سيدنا إدريس، وما تم ذكره تاريخيًا عن نشأة الخلق وتاريخ الكتابة عند المصريين من خلال أسطورة إيزيس وأوزوريس، كذلك ما كتبه الدكتور عبدالعزيز صالح عن حفائر مدينة أونو، وبخاصة عام ١٩٨٣ عندما أعلن الكشف عن صوامع غلال عملاقة فى حفائر مدينة أونو بعرب الحصن بمدينة القاهرة، وعن علاقة تلك الصوامع بفترة سيدنا يوسف، ونشر مقالة علمية فى مجلة «JEA» عن تلك الاكتشافات عام ١٩٨٣، ولا توجد نصوص مباشرة عن الآثار المصرية غير نصوص تل العمارنة.
كما أن كهنة المعابد، وفى مقدمتهم كهنة آمون، واجهوا الديانة الآتونية بقوة على الرغم من أن زعيمها ملك ورأس دولة وصاحب عاصمة، وقاموا بمحو آثاره، وأجبروا توت عنخ آمون على العودة الإجبارية، ولذلك فمن المستحيل أن يسمح هؤلاء الكهنة بتسجيل وتوثيق دعوة إلى عبادة الله الواحد الأحد، كما أن الأنبياء فى نظرهم كانوا أعداءً للدولة والديانة الأساسية، لذا لا يوجد أى شىء لهم، وهو شىء طبيعى جدًا.
ولم يتبع الملوك وغالبية المصريين هؤلاء الأنبياء، والذين اتبعوا دعوتهم قليل من الناس بدليل استمرار عبادة الآلهة المتعددة خلال عصور الحضارة المصرية منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى دخول المسيحية إلى مصر، لذا لم يكترثوا لذكر الأنبياء أو تسجيل ما يخصهم، خاصة على جدران المعابد المخصصة لمعبوداتهم المتعددة أو مقابرهم، ومن الممكن العثور على شىء يخص الأنبياء فى البرديات أو الأوستراكا فى المستقبل.
كما أن من يقوم بتسجيل النصوص ديانته مختلفة عمّا جاء به الأنبياء، فمن الطبيعى تجاهل كل ما هو مخالف.. وكان الأنبياء فى نظرهم أعداءً للدولة والديانة الأساسية لذا لا يوجد أى شىء لهم، وهو شىء طبيعى جدًا، وأن المصرى القديم نظر للأنبياء باعتبارهم أجانب، حتى نبى الله يوسف رغم المكانة التى وصل إليها ومن نسله جاء موسى، عليه السلام، وتربى بصفته ابنًا لملك مصر وزوجته، وحين جهر سيدنا موسى بدعوته آمن به بعض المصريين، ولكن لا نعلم هل دون ذلك أم لا.
إدريس
نبى الله إدريس اسمه فى التوراة العبرية خنوخ، وفى الترجمة العربية أخنوخ، وقد جاء فى سورة مريم آية ٥٦ «وَاذْكُرْ فِى الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًا»، وكان أول من أعطى النبوة بعد آدم وشيث، عليهما السلام، وأول من خط بالقلم، وقد أدرك من حياة آدم ٣٠٨ أعوام.
وقال معظم المفسرين بميلاده فى مصر، وأسموه هرمس الهرامسة، ومولده بمدينة منف «ميت رهينة حاليًا»، وأقام بمصر يدعو للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وتكلم الناس أيامه ٧٢ لغة، وعلمّه الله منطقهم ليخاطبهم جميعًا، ورسم تمدين المدن، وهو أول من علم النجوم واجتماع الكواكب وعدد السنين والحساب، ومن المعروف أن قدماء المصريين برعوا فى علم الفلك وسبقوا كل الحضارات القديمة.
يوسف
حدث جدب فى أرض فلسطين، ما أدى لانتقال نبى الله إبراهيم وزوجته سارة وابن أخيه نبى الله لوط إلى أرض مصر، وقد أهدى ملك مصر السيدة هاجر إلى السيدة سارة، زوجة إبراهيم، والتى تزوجها نبى الله إبراهيم وقد أنجبت له سيدنا إسماعيل عليه السلام.
واستقبلت مصر بنى إسرائيل آمنين، ويُنسبون إلى جدهم نبى الله يعقوب الذى ذكر فى القرآن الكريم باسم إسرائيل «وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ» سورة مريم آية ٥٨، وكلمة إسرائيل كلمة عبرانية مركبة من «إسرا» بمعنى عبد أو صفوة، ومن «إيل»، وهو الله، فيكون معنى الكلمة عبدالله أو صفوة الله.
وتزوج نبى الله يعقوب وأنجب اثنى عشر ولدًا، هم بنو إسرائيل أبناء نبى الله يعقوب بن اسحاق بن إبراهيم الخليل، وهم الأسباط الإثنا عشر، أصغرهم يوسف وأخوه بنيامين، فأمّا يوسف فقد باعه إخوته إلى قافلة من الإسماعيليين والتجار وهم فى طريقهم إلى مصر، ثم باعه هؤلاء إلى رئيس شرطة فرعون عام ١٦٩٩ ق. م، وكان يوسف أمينًا لمخازن ملك مصر «ايبيبى- أبو فيس الأول» رابع ملوك الهكسوس.
موسى
نسب نبى الله موسى، هو موسى بن عمران بن قاهات بن لاوى بن يعقوب بن إسحاق بن إيراهيم الخليل، ويشير القرآن الكريم إلى تربية ونشأة نبى الله موسى فى بلاط أحد ملوك مصر القديمة فى الآية الكريمة رقم ١٨ من سورة الشعراء «قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ».
وتربى نبى الله موسى فى بيت أحد ملوك مصر القديمة، وتولى البلاط الملكى تربيته، كما كانوا يربون أبناء الملوك فى ذلك العهد بواسطة الكهنة ورجال الدين، وتعلّم موسى تعليمًا راقيًا، وهذا مع ما أفاضه الله عليه فى كبره من الحكمة والعلم الثابت اتضح فى قوله تعالى «وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَٰلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ» سورة القصص آية ١٤.