عبدالرحمن مسعد محمد يكتب: الرأس وأجندة جدى
أسبوع لم أذق فيه طعم الراحة فى النوم، أقف أمام المرآة، أتذَكَّر كابوس كل ليلة، أتحسس رأسى، أحمد الله، مازال موجودًا، لم يسقط من فوق كتفى. أطالع ذلك التقعر فى منامتى، ثقب أسود، أصبحت أخشى أن يبتلعنى أثناء نومى.
الكابوس يغشانى منذ أسبوع، أستقل فيه المترو، يجلس أمامى رجل برأس عجيب، يثير فى نفسى فضول متابعته عن كثب، يبدأ رأسه بالاهتزاز اهتزازاتٍ مضحكة، أبدأ بالضحك على هذا المنظر، تتزايد حركات رأس الرجل، وتتزايد معها ضحكاتى، فجأة يبدأ رأس الرجل بالاهتزاز بشدة، تنتفخ عروق رأسه كأنما توشك على الانفجار، يسقط رأس الرجل من على كتفيه، ينفتح باب المترو، ويخرج منه الرأس مغادرًا الرجل، أُسرِع بمغادرة المترو راكضًا خلف الرأس المهتز، منظر مثير للضحك. يركض الكثيرون خلف الرأس متابعين بفضول، نواصل الركض، تتزايد سرعة الرأس بشدة، وتتعالى معها ضربات قلوبنا، ونفقد الإحساس بالزمان والمكان وكل شىء! تتعالى ضربات القلوب لأعلى درجاتها، نرتجف، تنتفخ العروق فى رءوسنا، وتبدأ رءوسنا فى الاهتزاز مؤذنة بالانفجار، فجأة، يقفز رأس الرجل فى بئر على جانب الطريق، يبتلعه البئر، عندها يحدث الانفجار، تبدأ رءوسنا جميعًا بالتساقط من على أكتافنا، وتقفز فى البئر، فيبتلعها تمامًا كما ابتلع الرأس الأول.
الحمد لله أن رأسى لم يبرحنى فى الليالى الماضية، أشعر أننى لو نمت الليلة، سأستيقظ لأجد رأسى ليس على كتفى، سيبتلعه البئر ككل يوم، ولكنه لن يعود هذه المرة!
أتذكر مفكرة جدى، أو «الأجندة» كما كان يسميها، كان قد أوصانى قبل وفاته بقراءتها، شغلتنى تطبيقات الترفيه الاجتماعى عن مطالعتها، أمضى الساعات يوميًا أشاهد مقاطع الفيديو الترفيهية، سأقوم الليلة بقراءتها كلها، ولن أنام! فليداهمنى الكابوس من بين الأوراق إن استطاع!
أبدأ بالقراءة؛ أفراحٌ وأتراحٌ مُؤرَّخَة، مصحوبة بما جال فى خاطر جدى حينها، تهانٍ وتعازٍ، متابعة دقيقة لزيادة الأسعار مع مرور الزمن، رسائل مخطوطة بخط اليد من أصدقائه وأقربائه فى أزمان مختلفة، قصاصات ورقية من جرائد ومجلات، تحوى من الأدب والشعر والدين الكثير، قائمة بأهم الكتب التى قرأها، و..
فى المترو، يجلس أمامى الرجل نفسه ذو الرأس العجيب، يبدأ الرأس بالاهتزاز، وأبدأ بالضحك، يسقط الرأس من على كتفيه، ينفتح باب المترو، يخرج منه الرأس مغادرًا الرجل، أُسرِع قائمًا ضاحكًا راكضًا خلفه، تسقط من على قدمى أجندة جدى، لم أكمل قراءتها بعد، أرفعها من على الأرض، بينما ينغلق باب المترو.. أنسى أمر الرأس تمامًا، وأواصل قراءة ما تبقى من أجندة جدى!