سماح أبوبكر عزت: كاتب الأطفال «طفل يكتب للكبار»
- نحتاج للاستعانة بأدب الطفل فى المناهج ولدىّ قصص تُدرس فى الإمارات ولبنان
- أتمنى تقديم مسلسلات مثل «نورة» طوال العام وليس فى رمضان فقط
- الكتابة للطفل الآن «فخ» ومهمة صعبة بسبب انفتاح الصغار على كل العالم
لم يكن غريبًا اختيارها شخصية معرض زايد لكتاب الطفل، فما قدمته سماح أبوبكر عزت للأطفال، خلال السنوات الأخيرة، ليس بالقليل، بداية من كونها واحدة من أهم كاتبات أدب الأطفال فى العالم العربى، مرورًا بسفرها إلى قرى المبادرة الرئاسية «حياة كريمة» بمختلف أنحاء الجمهورية، للقاء الأطفال والحكى معهم ولهم، وتنمية شخصياتهم ومواهبهم، بعد تعيينها سفيرة لشئون الطفل فى المبادرة.
وكذلك لم يكن غريبًا اعتماد اسمها ضمن اللجنة العليا لجائزة الدولة للمبدع الصغير، التى ترعاها السيدة انتصار السيسى، فى ظل ما تمتلكه من موهبة كبيرة فى مجال الإبداع للأطفال، ومشاركتها فى العديد من ورش الحكى وتنمية مواهب الصغار.
عن كل هذه المحطات فى حياتها، ورؤيتها للأسس التى ينبغى توافرها فى كاتب الأطفال، وغيرها من الموضوعات، يدور حوار «حرف» التالى مع سماح أبوبكر عزت.
■ بداية.. كيف ترين اختيارك شخصية معرض زايد لأدب الطفل؟
- مفاجأة سعيدة وغير متوقعة، وتقدير سعدت به للغاية، وأرجو أن أكون على قدره. أنا أعمل ولا التفت إلا لمردود العمل مع الأطفال، وإن أتى هذا المردود من أى جهة فأهلًا وسهلًا، لكن الأساس هو عملى مع الأطفال.
والحمد لله، هذا التقدير الكبير أراه محل رضا وإعجاب من كثيرين من القراء، الذين رأيت تعليقاتهم، وقالوا لى إنهم سيشاركون فى المعرض بدافع أن أطفالهم سيسمعون قصصًا ويحبون مقابلة «ماما سماح».
■ كيف ترين استقبال الأطفال المبادرة الرئاسية «حياة كريمة» وأنتِ سفيرة لها وكنتِ فى جولة بالأقصر مؤخرًا؟
- تشريف وسعادة كبيرة أن أكون سفيرة لشئون الطفل فى المبادرة الرئاسية «حياة كريمة»، وهى فرصة كنت أتمناها من زمن، للقاء الأطفال فى القرى والنجوع والحوار معهم واكتشاف مواهبهم وقدراتهم، خاصة أن الطفل يحتاج إلى معرفة موهبته واكتشافها.
سافرت إلى كل محافظات الجمهورية تقريبًا، ورأيت كيف استقبل الأطفال المبادرة فى أماكنهم، والفرحة تملأ ملامحهم، ودائمًا ما أواجههم بسؤال: «ما الذى فعلته مبادرة حياة كريمة لكم؟»، فتكون إجاباتهم رائعة، يفكر الطفل منهم قليلًا، ثم يقول إن المبادرة بنت وطورت مستشفيات ومدارس... إلخ.
ويظل الطفل منهم يستعرض معلومات عن «حياة كريمة»، يتحدث بحماس شديد للغاية، ويقول إن «حياة كريمة» رصفت الشوارع وبطنت الترع، فأشير إلى أهمية الحفاظ على هذه المشروعات، لأنها ملكهم، وبعد انتهاء الجولة والمغادرة يستمرون فى التواصل معى، ويرسلون إلىّ شهاداتهم وتفوقهم، ويسعدون لفرحتى لهم.
وأؤكد أن هناك تواصلًا مستمرًا ومتابعة لهؤلاء الأطفال وذويهم من خلال مكاتب «حياة كريمة»، وأنا على صلة بالمنسقين فى كل المحافظات، وهم فريق متميز للغاية.
■ وماذا عن إطلاق الدولة جائزة الدولة للمبدع الصغير؟
- كنت أنتظر منذ زمن إطلاق جائزة باسم الدولة لاكتشاف مواهب الأطفال فى القصة والموسيقى والرسم والبرمجيات، لتكوين جيل جديد من الموهوبين، لذا أرى أن هذه الجائزة محترمة، وتسهم فى تنشئة جيل مبدع فى مختلف المجالات، خاصة مع عدم الاكتفاء بالإعلان عن الفائز فحسب، بل يتم صقل موهبته من خلال تدريبات مستمرة.
والحمد لله جرى ضمى إلى اللجنة العليا للجائزة برئاسة الدكتورة نيفين الكيلانى، وزيرة الثقافة، بعد أن كنت مُحكمة فيها منذ إطلاقها، وهذه اللجنة مسئولة عن قراءة القوائم القصيرة، ولقاء الأطفال والتحاور معهم؛ للتأكد من أنهم هم من كتبوا النصوص الفائزة.
ومن هنا أحيى السيدة الفاضلة انتصار السيسى، راعية هذه الجائزة، التى تبحث عن اللآلئ وتكتشفها، وأرى أنه شىء فى منتهى الرقى تخصيص جائزة للمبدع الصغير، الذى سيصبح يومًا مبدعًا كبيرًا، ويتذكر كيف كان يلقى كل هذه الرعاية والاهتمام.
■ قدمت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية العديد من الأعمال الموجهة للطفل، من بينها مسلسل «نورة»، الذى كنت أحد المشرفين عليه.. ما رأيك فى هذا التوجه؟
- قدمت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية ٤ أعمال للطفل، بداية من مسلسل «يحيى وكنوز»، الذى وجد صدى واسعًا حتى موسمه الثالث، إلى جانب مسلسل «نورة» الذى أشرفت على محتواه الدرامى.
«نورة» هو أول مسلسل موجه للفتيات من سن ١٤ والأسرة ككل، ويعالج العديد من مشاكل البنات، ويلقى الضوء على النماذج الناجحة منهن، وعلى رأسها فتاة أسوان بائعة المناديل التى شاركت فى ماراثون جرى وتفوقت فيه على الجميع.
المسلسل تعرض للعديد من الموضوعات المهمة، مثل علاقة البنت بأخيها، وعلاقتها بجدتها، وعلاقة الأب والأم مع بعضهما البعض ومع أولادهما، ليقدم صورة الأسرة المصرية الجميلة، وكيف أنها أسرة فاعلة فى حياة أبنائها، لذلك وجد صدى واسعًا، ولمست الإعجاب الكبير به فى الريف، وأتمنى تقديم مسلسلات أكثر مشابهة كل شهر، وليس فى رمضان فقط، فمن المهم جدًا أن يجد الأطفال ما يشغلون به وقتهم، ويعبر عن مشاكلهم ويعالجها.
■ قدمت الكثير من ورش العمل فى معارض الكتاب.. كيف ترين حاجة الأطفال لمثل هذه الورش، خاصة ورش الحكى وسرد القصص؟
- قدمت ورش حكى فى جميع أنحاء العالم وليس فى مصر فقط، فى المدرسة المصرية فى لندن، والأكاديمية المصرية فى روما، والمركز الثقافى المصرى فى باريس، ومهرجان برلين للحكايات، وترجمت قصتى «صانع السعادة» إلى الألمانية.
قدمت ورشًا أيضًا فى معرض الكتاب، فى جناح «روايات مصرية للجيب»، ومكتبات مصر العامة المنتشرة فى مختلف المناطق، إلى جانب معارض الكتب العربية، وآخرها معرض أبوظبى.
وتجولى فى مختلف الدول منحنى خبرة كبيرة فى قراءة الأطفال وتفكيرهم، والاختلافات بينهم من مكان لآخر، وصولًا إلى الورش التى قدمتها فى الريف ضمن المبادرة الرئاسية «حياة كريمة»، التى منحتنى أيضًا خبرات كبيرة ومهمة.
■ ما روشتة الكاتبة سماح أبوبكر عزت لتوعية الأمهات بطرق التعامل مع الأبناء؟
- دائمًا ما أقول إن هناك فروقًا كبيرة بين الرعاية والتربية، كثير من الأسر تعتقد أن توفير الحياة المرفهة من لعب وملابس ومدارس دولية وما شابه، يعنى أنها أكملت ما عليها، متناسية أن هناك دورًا أكبر، يتمثل فى الجلوس مع الأبناء والحديث معهم، أن يكون هناك جسر تواصل، ولا ينفصل كل منا فى جزر منعزلة.
يجب أن نعرف أصحاب أبنائنا، كيف يمشى يومهم أولًا بأول، مع المتابعة الدقيقة لهم، وليس السؤال لمجرد السؤال، على أن يكون ذلك من خلال علاقة صداقة جميلة بين الأب والأم وأبنائهما.
من المهم أيضًا منح الطفل ثقة فى النفس، وجعله يشعر بأنه ليس وحده، وإذا واجه مشكلة أو أزمة ما يبلغ أسرته عنها دون أى خوف، لكن للأسف بعض الأسر تترك الطفل مع «الموبايل»، وهذا يخلق فجوة كبيرة، ويُشعِر الطفل بالوحدة، ويدفعه للجوء إلى أمور أخرى للتسلية قد تكون ضارة.
■ كيف يمكن أن نعزز هوية الطفل وانتمائه إلى وطنه؟
- تعزيز الهوية من الأمور المهمة، وسبق أن كتبت قصة بعنوان «قنال لا تعرف المحال»، عن ملحمة السفينة «إيفر جيفين» التى جنحت فى قناة السويس، وكيف نجحنا فى تعويمها بعد جهود كبيرة، وهو ما مثل تحديًا كبيرًا، لأننى هنا أكتب عن شىء رأوه وسمعوه وليس خيالًا.
القصة معروفة، لكنى حرصت أن تكون على لسان طفل يعمل والده فى قناة السويس، مع إضافة مناطق إنسانية جميلة، مثل علاقة الطفل بالجد، والعلاقة بين الجد والأب، وكيف تستفيد الأجيال من بعضها البعض، مع تعريف الأطفال بمفردات بيئية قد يكونون لا يعرفونها، مثل آلة السمسمية، وكيف كان العمال يغنون عليها، إلى جانب مفردات أخرى، مثل: الكراكة والعامل والقبطان.
وحين انتهيت من القصة أصدرتها هيئة الكتاب، وقدمنا معها «بازل» هدية يتضمن مشهد تعويم السفينة، وبتوفيق من الله جرت ترجمتها إلى اللغة الصربية عن طريق دار «جلوبوس».
فى إطار تعزيز الهوية أيضًا قدمت قصة «حياة وكريمة»، التى بسطت المبادرة الرئاسية «حياة كريمة» للصغار، من خلال قصة بنتين مصريتين، واحدة منهما تعيش فى أسوان، والأخرى لا تعرف اللغة العربية.
والجزء الثانى من «حياة كريمة» صدر بالتزامن مع النسخة الأخيرة من معرض القاهرة الدولى للكتاب، فى يناير الماضى، وحمل عنوان: «أهل كرم»، إلى جانب قصة أخرى فى نفس السياق بعنوان: «حلم فارس»، ووزعناها على الأطفال، علاوة على «صلاح وأمنية»، وهى ١٧ قصة للأطفال، بينت فيها أهداف التنمية المستدامة، وتضمنت أنشطة بسيطة تنمى العلاقات الإنسانية الحية بعيدًا عن منصات التواصل الإلكترونى.
■ ماذا عن نصائحك من أجل طفولة سوية قادرة على حمل أحلام المستقبل؟
- الطفولة هى الفترة الغنية التى تشكل ملامح الإنسان فيما بعد، فالشخصيات العظيمة قابلت مواقف فى هذه الفترة وجهتها إلى اتخاذ خط معين فى الحياة، أو جرى اكتشاف موهبة معينة لديها، لذا من المهم معرفة أن الطفولة هى الفترة الذهبية فى حياة كل إنسان.
محظوظ جدًا من يجد أسرة تكتشف موهبته وهو صغير، وتتعامل معه على أنه ليس مجرد «شىء» فى المنزل، وعندها سيكون لدينا أطفال أسوياء ولديهم اكتفاء ذاتى من الحب والحنان. أذكر أننى حين زرت متحف «بيكاسو» فى برشلونة، عرفت كيف أثرت طفولته عليه، وتسببت فى دعم موهبته حتى وصل إلى ما وصل إليه.
لابد أن نهتم بهذا، ونحاول أن نجعل الأطفال يشعرون بأنهم أصحاب كيانات مستقلة، خاصة أن الطفل ذكى وبمثابة قطعة إسفنج تمتص كل الكلمات والتصرفات، لذا يستقى كل التجارب والسلوكيات من الأسرة، ما يتطلب منا أن نراقب سلوكياتنا، لذا حين تقول لى أم: «ابنى لا يقرأ»، اسألها: «وهل أنتِ تقرأين؟».
■ هل تسهم المناهج المدرسية فى دعم هذه الفترة الذهبية؟
- المناهج الدراسية تحتاج إلى تطوير، لماذا لا نستعين بنماذج منشورة من أدب الطفل فى هذه المناهج، بشرط أن تكون مكتوبة بشكل جيد وأسلوب أدبى لطيف وبها كل آليات الجذب؟ وللعلم أنا لى قصص تدرس فى مناهج تعليمية بدولة الإمارات، وكذلك فى لبنان.
■ ما الأسس التى يجب أن تتوافر فى الكاتب كى يكتب للطفل؟
- الكتابة للطفل دائمًا ما أقول إنها «فخ»، وأرى أنها أصبحت أكثر صعوبة فى الوقت الحالى، لأنك تحاول أن تمس قلب طفل منفتح على العالم كله، وبالتالى لا يستطيع أى شخص أن يقدم له معلومات ساذجة.
على الكاتب للطفل أن يكون إحساس الطفولة لديه عاليًا، وأن يخاطب الطفل بدهشة، فالطفل يحب الدهشة وجذب الانتباه، وهو كائن فضولى يجب أن نستثيره، والعنوان يثير دهشته، والعناوين التقليدية الخالية من الإثارة لا يحبها.
يجب أن تمنحه دافعًا وشغفًا كبيرًا للتفكير، وهذا يحتاج إلى جهد وصبر وخبرات، وكاتب يفهم نفسية الطفل، ويكتب بإحساس هذا الطفل، فكاتب الأطفال بالنسبة لى طفل يكتب للكبار، وتسكنه دهشة، ويستطيع أن يعيش جميع الفصول فى لحظة، ويقدم حكمة مشوقة بتأن وصبر، لذا دائمًا ما أقيس قصصى على الأطفال قبل كتابتها، وأحيانًا أغير من نهايتها وطريقتها وأضيف وأحذف منها بناءً على ردود أفعالهم وإحساسهم بها.