نسرين أسامة أنور عكاشة: كان يتابع أعماله مثل «طالب ينتظر نتيجة الامتحان»
- رسم شخصية «حسن أرابيسك» من جولاته فى مصر القديمة
- عشق «الشيشة» واستلهم ز ينهم السماحى وسليمان غانم من المقهى
- الحجار ومدحت صالح ومحمد الحلو الأقرب إلى قلبه وكان يسخر من المطربين الجدد
- غضب من يحيى الفخرانى لرفضه تقديم الجزء الثالث من « زيزينيا»
- أحجم عن تشجيع الزمالك فى أواخر أيامه بسبب خسائر الفريق وإدارة النادى
اسمه على تتر المسلسل بمثابة شهادة ضمان أو صك نجاح للعمل قبل أن يعرض على الشاشات، بنات أفكاره كانت كفيلة بتمخض عمل يعيش أبد الدهر، عمل «متعتق» يزداد بريقًا وأصالة مع مرور السنين، أنامله صنعت «الأرابيسك» فى ورشة الأسطى حسن، عيناه باتتا ساهرتين حتى الصباح تتجول بين أزقة وحوارى الحلمية ليكتب عن لياليها، ليالى المعلم زينهم السماحى وسهرات العمدة سليمان غانم، ليعود لحوارى الإسكندرية وليالى المنشدين يبحث عن بشر عامر عبدالظاهر فى الحى الراقى «زيزينيا»، إنه حامل لواء الدفاع عن الهوية المصرية فى الدراما «أسامة أنور عكاشة».
أنا «بنت أسامة أنور عكاشة»، هكذا بطاقة هوية نسرين ابنة الكاتب الكبير، وبهذا التعريف بدأت حديثها مع «حرف»، لتكشف «ريحة الحبايب»، كما لقبتها فى نقاشى معها عن حكايات وأسرار من حياة كاتب عشق الحارة المصرية فاحتضنته، انغمس بين أهلها ومقاهيها، عايشهم همومهم وشاركهم أفراحهم، كتب عنهم من بينهم وليس من برج عاجى فاعتبروه واحدًا منهم، وثق فيهم فمنحوه قلوبهم.
عن صداقته بالعمدة صلاح السعدنى ويحيى الفخرانى، وعشقه الإسكندرية وحوارى مصر القديمة، وإحجامه عن تشجيع الزمالك لخسائره وأدائه المخيب للآمال، نسرين أسامة أنور عكاشة تحكى لـ«حرف»..
■ ١٤ عامًا على رحيل أحد أعمدة الدراما المصرية.. لو تحدثنا عن أسامة أنور عكاشة الأب ماذا يمكن أن نقول؟
- أقول إننى ورغم مرور تلك الفترة إلا أن شعور الفقد ينتابنى حتى الآن، تصاحبه رغبة مُلحة فى البحث عنه والحديث معه باستمرار. الآن تأكدت أننا سنعيش طيلة العمر فى حاجة له.
الراحل لم يكُن مجرد مؤلف وروائى فحسب، بل نبراس لتشكيل وجدان جيل بكامله، من بينهم أبناؤه، وكان لمسيرته بالغ الأثر فى إعادة تأسيس وتنشئة جيل يعى جيدًا التزاماته وواجباته قبل حقوقه، ولديه الدراية الكاملة عن أهمية وقيمة وطنه وتراثه.
أستطيع أن أقول إن أبى كان حالة خاصة شهدتها الدراما والحياة الفنية المصرية، بل والحياة بشكل عام، حالة نجحت فى إسعاد الملايين، ليس فى مصر فحسب، بل فى العالم العربى كله.
■ شخصية المؤلف والروائى بطبيعتها الفنية كيف كانت تتعامل داخل المنزل مع الأبناء والأحفاد؟ وما الذى كان يغضبه؟
- رغم خصوصية شخصية والدى، كان حسه الدرامى والأدبى المسيطر الأكبر على تعاملاته اليومية داخل بيتنا، كان الشجن والحس المرهف المحرك الرئيسى فى تعامله معنا، وكان يقرأ الأحداث بشكل جيد ويحللها.
أحيانًا كثيرة، ومن فرط حسه، كان يمنح الأزمات صخبًا أكثر مما تستحق، ويصبغها فى قالب درامى يحولها إلى شبه مأساة. وكانت العصبية والغضب يغلبان على أفعاله فى كثير من الأحيان، خاصة بسبب الكذب والمواربة فى الأفعال والتصرفات، فقد كان يبحث دائمًا عن الحقيقة داخل المنزل، مثلما كان يبحث عنها فى أعماله.
■ تلك الشخصية القوية ألم تكن لها نقاط ضعف تؤثر عليها؟
- نقطة ضعف أبى الوحيدة كانت أبناءه وأحفاده وكل ما يخص عائلته، كان يكره أن يرى أحدًا من أبنائه فى موقف ضعف أو شجن، وتصيبه كل آلام الدنيا حال وجد دموعًا فى عينى أحد منا، ويرفض أن يتركنا نبكى، على الرغم من شخصيته العاطفية الودودة.
■ رغم ازدحام حياة الراحل بالروايات والأعمال الدرامية.. ألم تكن له هوايات أخرى يمارسها؟
- التذوق هو هواية والدى الأولى والأخيرة، تذوق كل ألوان الفن من دراما وطرب وغيرهما. وكانت القراءة صاحبة النصيب الأكبر من يوم والدى. كان يقرأ كل شىء ومتابعًا ومُلمًا بشكل واسع لكل جديد فى عالم الأدب. لم يكتفِ بالقراءة فقط، بل كان يجلس لبحث وتحليل ما يقرأه، وأذكر أن الأديب الكبير نجيب محفوظ وكتابات يوسف إدريس كانت صاحبة نصيب الأسد من مكتبته.
■ أعماله الدرامية كان يغلفها دائمًا تتر ينافس الرواية ذاتها.. مَن المطربون الأقرب إلى قلبه؟
- كان يهوى سماع أغلب المطربين الذين قدموا تترات مسلسلاته وأعماله، مثل على الحجار ومدحت صالح ومحمد الحلو، كما كان يعشق سماع أم كلثوم وعبدالحليم حافظ وفيروز. وبالنسبة للمطربين الجدد كان يستمع إليهم بدافع النقد، بل والسخرية أحيانًا، لم يكُن يتذوق أصواتهم، وإن كان يميل لتشجيع بعض المطربين الشباب آنذاك مثل هدى عمار وحنان ماضى.
■ هل كان زوجًا متعاونًا داخل المنزل؟ هل صادفتِ وجوده فى المطبخ مثلًا؟
- على الإطلاق، وكما ذكرت كانت القراءة المسيطر الأكبر فى حياته، ومن خلالها كان يقرأ وصفات تحضير الأكلات، ويكلف أحد أفراد العائلة بتحضيرها، ويكتفى فقط بوصف المقادير والطريقة التى قرأها، دون أن يكون له دور فى إعدادها.
■ ماذا كان يفعل حين يريد أن يبتعد عن صخب الحياة الأدبية؟
- كان حريصًا على متابعة مباريات كرة القدم، وبالتحديد نادى الزمالك، فقد كان شديد الانتماء لـ«القلعة البيضاء»، وكان يستغل مشاهدة المباريات فى جمع أصدقائه، لتتحول المشاهدة إلى جلسة نقاش وتباحث عاصفة حول المباراة وتفاصيلها، لكنه فى الأيام الأخيرة من حياته امتنع عن تشجيع نادى الزمالك.
■ وما سبب إحجامه عن تشجيع الزمالك؟
- لا شك أن موجة الهزائم التى مُنى بها الزمالك كانت الباعث الرئيسى لإحجامه عن تشجيعه، بجانب اعتراضه على أسلوب إدارة النادى فى بعض الأحيان من قبل القائمين عليه.
■ «الشيشة» كانت «ونسًا» دائمًا للكاتب الكبير أثناء كتاباته.. هل كانت له طقوس خاصة غيرها؟
- بالفعل، كان يعشق «الشيشة»، وكانت جلسة المقهى ركُنًا أساسيًا فى يومه وحياته، وفى أحيان كثيرة كان يستلهم شخصيات وأبطال رواياته من المقهى و«حواديتها»، ويحرص قبل كتابة عمل ما على أن يجلس مع نفسه فى البداية لتجميع خيوطه، ثم يبدأ التشاور مع المقربين منه حول الفكرة، سواء شقيقى أو والدتى، قبل أن يختلى بنفسه داخل مكتبه، ليستمع إلى بعض المقطوعات الموسيقية، أو يبدأ «الشخبطة» على الأوراق واللعب بالأقلام قبل بدء الكتابة. كما كانت رحلاته إلى الإسكندرية من ضمن تحضيراته للكتابة.
■ مَن مِن شخصيات رواياته استلهمها من المقهى؟
- أعتقد أن شخصية «المعلم زينهم السماحى»، التى قدمها الفنان الكبير سيد عبدالكريم فى مسلسل «ليالى الحلمية»، هى من بنات أفكار المقهى، وكذلك شخصية «العمدة سليمان غانم»، التى قدمها الراحل صلاح السعدنى. أما جولاته فى شوارع مصر، وتحديدًا حى «مصر القديمة»، فكانت الدافع والباعث الرئيسى لرسم شخصية «حسن أرابيسك» لـ«السعدنى» أيضًا.
■ علاقة الوالد والفنان صلاح السعدنى كان لها طابع خاص.. ما السر؟
- أظن أن الأرضية الفكرية المشتركة والبيئة ووجهات النظر السياسية كلها أمور لها بالغ الأثر فى تكوين هذه الصداقة التى دامت لسنوات طويلة. وكان مسلسل «أرابيسك» تتويجًا لتلك الصداقة.
■ هل كان الراحل منفتحًا فى صداقاته داخل الوسط الفنى؟
- كان يرتبط بعلاقة صداقة مع كثيرين، وإن كان أقربهم إليه يحيى الفخرانى ومحمد متولى وسيد عبدالكريم وشوقى شامخ وسيد عزمى ونبيل الدسوقى ونبيل الحلفاوى، إلى جانب المخرجين الكبيرين عاطف الطيب وإسماعيل عبدالحافظ.
■ الراحل شكّل مع المخرج الكبير إسماعيل عبدالحافظ ثنائيًا رائعًا.. هل كانت لديه نفس مساحة الثقة مع باقى مخرجى أعماله؟
- علاقة والدى مع المخرج الكبير إسماعيل عبدالحافظ كانت علاقة صداقة، وليست علاقة عمل فحسب، ورغم أنه لم يكُن يثق بشكل كامل فى خروج أى عمل إلى النور بالشكل الذى يرضيه، شكّل «عبدالحافظ» مع محمد فاضل وإنعام محمد على «مثلث ثقة» كان يمنحه كثيرًا من الاطمئنان.
■ بعد عرض عمله على الشاشة.. كيف كان يراقب ردود الفعل عليها؟
- بتوتر شديد للغاية، وكان يحرص على متابعة الحلقات الأولى بالتحديد من المسلسل، ثم يبدأ فى استنباط ردود فعلنا، حتى لو عن طريق تعبيرات الوجه، مع فرض حالة طوارئ داخل المنزل، وكأنه طالب ينتظر نتيجة الامتحان.
■ هل كانت متابعته تقتصر على الأعمال الدرامية التى يكتبها فقط؟
- على الإطلاق، بل كان يحرص على متابعة كتابات العديد من أصدقائه، مثل الكاتب الكبير وحيد حامد، وكذلك محفوظ عبدالرحمن، ويسرى الجندى، قبل أن يحجم عن متابعة كل الأعمال فى آخر عامين من حياته.
■ تدخله فى اختيار أبطال رواياته هل تسبب يومًا فى نشوب خلاف مع أحدهم؟ وهل ندم على اختيار فنان بعينه؟
- لا أتذكر أنه ندم يومًا على اختيار بطل معين، لكن كانت تحدث بعض المناوشات التى تنتهى سريعًا، مثلما حدث مع الفنان الكبير يحيى الفخرانى، الذى اتفق معه على تصوير الجزء الثالث من مسلسل «زيزينيا»، والذى كان يعتبره والدى «ملحمة فنية»، لكن بعد الاتفاق اعتذر «الفخرانى» أكثر من مرة، وتغير شكله بمرور الزمن، ما أصاب والدى بحزن شديد.
وتكرر موقف مشابه مع الفنانة آثار الحكيم، بعد أن اعتذرت عن عدم تقديم الجزء الثانى من مسلسل «زيزينيا»، وأيضًا غضب والدى بشكل كبير منها، لأنه كان يرى ضرورة استكمال العمل بكل نجومه، حتى لا يفقد ترابطه مع المشاهد.. جميعها كانت مشاحنات لم يدُم أثرها طويلًا.
■ وهل ندم على عمل بعدما شاهده على الشاشة؟
- أذكر أنه بعد عرض مسلسل «لما التعلب فات»، للفنان يحيى الفخرانى، لم يكُن سعيدًا بالمُنتج النهائى للعمل، وكانت لديه بعض الانتقادات عليه، وأعتقد أن سببًا رئيسيًا فى غضبه كان عدم قدرته على حضور تصوير وإعداد المسلسل، لظروف سفره إلى الخارج لفترة طويلة، من أجل الخضوع لعملية قلب مفتوح آنذاك. كما أتذكر أنه لم يكن راضيًا عن الشكل الذى خرج به مسلسل «أحلام فى البوابة» للفنانة سميرة أحمد، وسجل اعتراضه حينها على بعض النقاط فيه.
■ الفترة الأخيرة شهدت إعادة إنتاج لعدد من أعمال الراحل مثل مسلسل «راجعين يا هوى» وفيلم «الإسكندرانى».. كيف تقيّمين التجربة؟
- مسلسل «راجعين يا هوى» فاق توقعاتى من فرط نجاحه، وعلى الرغم من قلقى الشديد من الفكرة، إلا أن الفنان خالد النبوى قدم الشخصية ببراعة، علاوة على الإخراج المتميز للعمل.
أما فيلم «الإسكندرانى» فكان لدىّ توقع مسبق بأن العمل سيشهد بعض الاختلافات بسبب وجهة نظر المخرج، الذى قدّم شكلًا ومضمونًا مختلفًا تمامًا عن الرواية الأصلية.
■ أسامة أنور عكاشة كان شخصًا مشاكسًا طيلة الوقت.. هل تسبب له ذلك فى أزمة خلال حياته؟
- بالفعل، كان دائمًا ما يخوض المعارك، سواء الفنية أو السياسية، وأذكر أنه خلال فترة حكم الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، لم يكُن يمتلك من الوفاق مساحة كبيرة مع نظامه السياسى حينها، وكان أصدقاؤه المقربون دائمًا ما يحذرونه من هذه المناوشات، خاصة حينما كان يعبّر بشكل علنى عن وجهات نظره فى بعض الأمور.