سهير المصادفة: غالبية الإصدارات الروائية الأخيرة «كلينكس»
منذ سنوات تتعرض الرواية إلى مطبات كبرى، ستجعلها فى مرتبة أدنى من هرم الأدب. زادت أعداد الروايات الصادرة كل عام، بالنسبة إلى أنواع الكتب الأخرى. اعتقد الكثيرون أنها متاحة وسهلة المنال، ويمكن كتابتها ببساطة، فهى على كل حال مجرد حكاية، وبقية ما يتعلق بها، يستطيعون تعلمه فى ورش الكتابة.
تكاثرت دور النشر، فالصناعة فى مثل هذا «الهوس» أصبحت رائجة ومربحة، فمن يريد أن يكون روائيًا يدفع لدار النشر، وتطبع له نسخًا معدودة، بل تكتب على غلافها ما تشاء من عدد الطبعات، ويمكنه أيضًا التقدم بها للحصول على جوائز.
تكاثرت مجموعات القراءة على مواقع التواصل الاجتماعى، لتدشين بعض الأسماء لأسباب أيدولوجية، أو صراعات مثل «الأدب النظيف»، هذه المقولة التى أجهزت على السينما المصرية، بالطبع مع عوامل أخرى، علاوة على تعاضد «لوبى» الجوائز مع بعض الناشرين، ومع وجوه لا تتبدل أبدًا فى لجان التحكيم.
لم تعد المقولة القديمة: «إن الزمن مصفاة للأعمال الجيدة» صالحة الآن، فى ظل احترافية الناشطين على مواقع «الميديا»، وقسوتهم غير المبررة، فيما يشبه البلطجة، فالكلام عن تفاهة عمل حاصل على جائزة ممنوع، ونقد بعض لجان التحكيم يكاد يقترب من الممنوعات. ربما ما يحدث هو تمهيد لإحلال «الذكاء الاصطناعى» لتولى الأمر، عبر إنتاج روايات مشابهة، بلصق المواد المتاحة فى مسيرة البشرية إلى جوار بعضها، وتوليفها بشكل متعسف لإنتاج وجهة نظر ما.
معظم هذه الروايات يتكئ على التاريخ اتكاءً كبيرًا، ولا يستلهمه وإنما يسرق منه كتلًا كاملة، وبالضبط هذا هو مأزق الرواية الآن. لقد تم استبدال كتب التاريخ والدين والسياسة والسيرة الذاتية بها. بينما اختفت هذه الكتب من المكتبات. بالتأكيد كل ما ذكرت يعد روافد من روافد الرواية، ولكن ليس الرواية، فهى أكبر من ذلك، وخلقت فى البداية من الخيال، وذلك ما نُزع عنها وبقسوة منهجية.
وفى النهاية أصبح الكثير من الروايات الأخيرة تتم معاملته مثلما نتعامل مع ورق «الكلينكس»، للاستخدام مرة واحدة ثم التخلص منه، بحيث لا يتبقى شىء منه بعد عام، لا اسم العمل ولا مؤلفه، ناهيك عن تخليد أحد أبطاله، مثل «زوربا» فى «زوربا اليونانى»، أو «روسلكينوف» فى «الجريمة والعقاب»، أو «الست أمينة» فى ثلاثية نجيب محفوظ، أو «جين أير»، ولا توجد عبارة أو فكرة كبرى، أو سؤال وجودى، أو هم حقيقى يجعلنا نتساءل لماذا بالفعل كتبت هذه الرواية؟