جمال العاصى.. الرجل المدهش
لما سمعت اسم جمال العاصى لـ أول مرة، حسيت إنى مش فاهم بـ الظبط الكلام رايح فى أى اتجاه، لـ حد ما اتقابلنا ثم اشتغلنا سوا، أو على الأدق اشتغلت تحت إدارته، وأظن إنى فهمت.
جمال العاصى هو صحفى، واحد من شيوخ المهنة وكباراتها، لكن لما تيجى السيرة ما تعرفش إحنا بـ نتكلم عن صحفى رياضة «كورة يعنى» ولا صانع صحف، ولا شخصية عامة ولا شيخ عرب، ولا مسئول، والواقع إنه كان كل دا وأكتر.
هو قبل كل هذا راجل شبراوى، وأحد عُمَد شبرا، فـ هو رجل شارع، يعرفه الجميع هناك، وفيه أمور اجتماعية كتير لا تتم دون وجوده ومشاركته، ودا نوع من البشر مش موجود كتير فى مصر، اللى هو قادر على التواصل مع عم بيومى السباك وعم حسين رجل النظافة، ومحمود بيه الوزير، والفنان سعيد، واللاعب جمال بـ نفس القدر من الكفاءة والقدرة على التفاهم.
المهارة دى صحيح بـ تيجى من حس إنسانى، لكن كمان بـ يبقى وراها وعى بـ تركيبة هذا البلد الخاص اللى اسمه مصر، واللى العلاقات فيها مركبة ومعقدة، والأمور لا تسير وفق معادلات رسمية صارمة، ولا وفق أعراف قبلية محدد فيها الأدوار، وهى أيضًا مش عشوائية، إنما ليها منطق خاص، فهمه بـ يحتاج تركيبة خاصة، وقليلين الناس اللى عندهم القدرة دى ومنهم جمال العاصى.
لما دخل الصحافة، حافظ على هذا الحس وتلك القدرة، بـ التالى بقى أحد أعمدة الشغلانة، اللى بـ تاخد معاه أبعاد كتير تتجاوز الكتابة وجمع المعلومات وغيرها من مهارات الشغلانة الاعتيادية، وبـ اعتبارى قربت منه فترة، فـ أنا لمست دا بـ نفسى كتير.
جمال العاصى مثلًا كان مؤثرًا فى الوسط الرياضى، اللى هو أبعد كتير من صحفى تباصى له معلومة، وكان له دخل مباشر بـ أحداث كبيرة، زى انتقال التوأم من الأهلى لـ الزمالك، وزى دعم حسن شحاتة فى تولى المنتخب، وسمير زاهر- عليه رحمة الله- كان بـ يستشيره دايمًا، ثم إنه كان له ثقل فى انتخابات الأندية، سواء الأهلى أو الزمالك أو اتحاد الكرة.
الثقل فى الانتخابات وإدارتها تجاوز كرة القدم، وياما لعب أدوار فى انتخابات سياسية مهمة، وكان له دور بارز فى حملة حمدين صباحى لـ رئاسة الجمهورية «بـ غض البصر عن موقفك من الأستاذ حمدين نفسه»، لكن الوصول بـ مرشح ما كانش له فرصة فى أى منافسة لـ إنه يكون الحصان الأسود ويقترب من الإعادة، دى حاجة تحسب لـ كل رجال الحملة، وتدل على قدراتهم، واللى كان أحد قادتها جمال العاصى.
على مستوى آخر، كان مهندس لـ تأسيس عدد من الصحف المهمة، منها صوت الأمة، وكان له دور محورى فى الدستور الإصدار الأول، يمكن ساعتها أنا كنت صغير ومش فاهم الدور دا، لكن بـ مزيد من الخبرة تقدر تعرف إنه الصحف مش كلام بـ تحمله أحبار المطبعة لـ القراء، ولا صناعة محتوى وإدارته فقط، إنما فيه حاجة فى الصناعة، ربما مالهاش اسم واضح، لكن زى ما تقول كدا «دينامو».
بـ عينى، شفت وسمعت ناس كتير بـ يقصدوا العاصى فى خدمات، من أول الراجل اللى مش لاقى شغل وعايز يفتح شغل «حتى لو كشك صغير» لـ اللاعب المعتزل القديم اللى اتنسى وما بقالوش مورد، لـ مديرين فنيين لـ إداريين لـ لاعبين لـ فنانين، وهو طول الوقت كان حلال لـ المشاكل، رغم شغله فى الصحافة.
مدهش هذا الرجل، مدهش!