هالة صلاح الصياد تكتب: قاتل الفئران
كانت المرة الأولى التى أقتل فيها فأرًا صغيرًا مذعورًا، لأن زوجتى كانت تجرى وتصرخ فى أرجاء المنزل، حتى ظن الجيران أن واحدًا من أطفالنا قد مات.
فيما وقفت أراقب آخر اختلاجة للحياة تتسرب عبر أطرافه الصغيرة، شعرت أن الزمن قد توقف!
بالطبع توقف، لم يعد لشىء أهمية فى تلك اللحظة التى استطعت فيها أن تُنهى بنفسك حياة، تاركًا الجسد جثة هامدة. تستخرج ذلك الشىء اللامرئى الذى بفقدانه فقط، يبدأ الجسد فى التحلل رويدًا، التعفن، فقدان ماهيته الأصلية وتحوله إلى شىء تعافه النفس.
لم يعد لشىء أهمية بعدها، بدت الأرواح هشة والحياة تافهة!
ذاع صيتى على لسان زوجتى، فقد دارت تتباهى بزوجها الذى استطاع التخلص من الفأر بضربة واحدة حاسمة على أم رأسه. ثم أصبحت تلك مهمتى، بدأ الأمر بالجيران، ثم البيوت المجاورة، ثم الحارة كلها، حتى وصل للحارات الأخرى، ثم للمدينة، ورأت زوجتى أن أتقاضى أجرًا، فتركتُ عملى كمدرس، إذ إن قتل الفئران كانت أرباحه مضاعفة. ولضمان استمرار الربح، كنت أربى الفئران وأجعلها تتكاثر فى القبو الصغير الملحق بالبيت، لقد كف الزمن عن الحركة، وكففت عن حصر الأرواح التى أراها بنفسى وهى تُولد بالقبو. أطعمها بيدى كل يوم، حتى تسمن ثم أطلقها، قبل أن أقتلها بنفس اليدين.
لكننى كنت أعتذر.
فى كل مرة
ومع كل ضربة قاضية على رأس فأر آخر
وقبيل خروج أنفاسه الأخيرة مباشرة
كنت أخبره كم كان فأرًا لطيفًا،
ومحببًا
وأننى قضيت وقتًا ممتعًا أطعمه بيدى
وأعتذر
ثم يغدو جثة هامدة
لا قيمة للزمن،
الفئران تولد على يدى وتموت على يدي، تولد وتموت، تولد وتموت، والنقود تتدفق وتذهب، تتدفق وتذهب، زوجتى تشترى الملابس، نستهلكها ونتخلص منها، تشترى الطعام وتطهيه، نأكله ونتبرزه، والفئران تولد ثم تموت.
كففت عن حصر الأرواح،
لكنى لم أكف عن الاعتذار.