الإثنين 16 سبتمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

سيد على إسماعيل: صارعت إبليس وحين هزمته انهمرت بالبكاء

سيد على
سيد على

أخذت أنظر إلى الكعبة وأستحضر صورة رسول الله وهو يحكم بين وجهاء قريش فيمن يحمل «الحجر الأسعد» ورأيه أن يتشارك كلهم فى حمله فيأخذ كل منهم ثواب الحمل

الحمد لله والشكر لله فقد أديت فريضة الحج مرتين، وقمت بثلاث عمرات. ورغم ذلك فالشوق إلى مكة يراودنى كل عام! وكلمة الشوق هذه لها ذكرى مهمة، كونها كانت السبب الأول فى تعليمى درسًا لم أنسه، أظن من واجبى توضيحه لمن لم يزر مكة حتى الآن.

حدث هذا عام ١٩٩١ حيث زرت مكة لأول مرة، قادمًا من الدمام برفقة صديق لى من أهل مكة اسمه «الشيخ محمد». طوال الطريق وأنا متلهف لرؤية الكعبة، وغير مصدق بأننى ذاهب إليها، لاحظ «الشيخ محمد» شعورى الفياض بزيارة الكعبة فقال لى» «هون عليك».

مرت الساعات طويلة ثقيلة حتى وصلنا إلى مكان الإحرام، وشرح لى «الشيخ محمد» كيفية الإحرام والاستعداد لدخول الكعبة. ثم وصلنا إلى مشارف مكة، وكان لا بد من وضع السيارة فى «الجراج»، ودخول مكة سيرًا على الأقدام.

سرنا فى شارع طويل مرتفع، وبعد فترة قال لى «الشيخ محمد»: «انظر هناك. إنها مآذن الكعبة تظهر من بعيد. نظرت إليها ولم أحرك ساكنًا. أكملنا السير حتى وصلنا إلى حوائط الكعبة الخارجية، فنظرت إليها واجمًا ولم أحرك ساكنًا.

الصفحة السابعة من العدد الثالث والعشرين لحرف

أمسك بيدى «الشيخ محمد» وقال «هيا ندخل من باب السلام». بالفعل وصلنا إلى «باب السلام» ونظرت إليه ولم أحرك ساكنًا.. لاحظ «الشيخ محمد» صمتى فقال: «ماذا بك؟ أنت الآن فى الحرم المكى.. أنت الآن فى الكعبة.. أنت أمام باب السلام. أين لهفتك إلى مكة طوال الطريق؟!»، فقلت له وأنا فى خوف شديد: «شيخ محمد أنا مش حاسس بأى خشوع ولا لهفة!! حاسس بأننى أمام مسجد عادى وليس الحرم المكى!!».

نظر إلىّ «الشيخ محمد» واحتضننى وقال: «كن بجانبى وقل مثلما أقول». بالفعل اتبعته ودخلنا صحن الكعبة، وبدأنا طواف القدوم، وبدأ يقول أدعية وأنا أرددها من بعده، ومن حين لآخر أنظر إلى الكعبة التى أطوف حولها، ولا أشعر بأى خشوع!

انتهى الشوط الأول من الطواف، ونظر إلىّ «الشيخ محمد» قائلًا: «صف لى شعورك الآن» فقلت له: «لا جديد .. لا أشعر بأى خشوع أو أننى فى الكعبة»، فقال لى: «نكمل الشوط الثانى وردد ما أقول».

بالفعل بدأنا الشوط الثانى، وكنت أردد أدعية «الشيخ محمد»، وقد لاحظت أنها أدعية مختلفة عن المنشورة فى الكُتيب الذى معى. لم أنتبه لذلك فى بادئ الأمر، وأكملت الشوط الثانى، وكان مثل الأول، لا جديد ولا إحساس بأى خشوع. لم يسألنى «الشيخ محمد» عن شعورى

بدأنا الشوط الثالث، وبدأ «الشيخ محمد» يسرع فى السير مع رفع صوته بالدعاء، ففعلت مثلما فعل، وفجأة توقفت برهة وانفجرت فى البكاء، وكانت الدموع تنهمر وصوتى يعلو بالدعاء، وتركت يد «الشيخ محمد» التى كنت ممسكًا بها من قبل، وانطلقت فى الشوط وأنا فى جو آخر من إيمان لم أشعر به، وفى نشوة وخشوع لم أشعر بهما من قبل، وأكملت بقية الأشواط وكأننى فى الجنة وليس فى مكة فقط. 

وبعد الطواف وجدت «الشيخ محمد» ينتظرنى عند بئر زمزم مبتسمًا قائلًا: «حمدًا لله على السلامة»، فسألته: «ماذا حدث؟ ولماذا غيّرت فى الأدعية المكتوبة؟» فقال لى: «كنت أخشى عليك من إبليس! إن لهفتك طوال الطريق لرؤية الكعبة، وعدم إحساسك بالخشوع أمامها عندما وصلت إليها، جعلنى أعلم أن إبليس تلبسك ويريد بك الشر ويفسد عليك الزيارة»، فقلت له: «إبليس.. وهل يستطيع إبليس دخول المساجد؟ ولو دخلها هل يجرؤ على دخول الكعبة؟».

قال لى: «إن إبليس ملتصق بجدار الكعبة، ومقر إقامته صحن الكعبة، لأن مكة طريق الإنسان إلى الجنة، لذا يتربص إبليس بزوار الكعبة حتى يحرمهم من ثوابها، وعندما شعر بلهفتك أراد أن يفسد عليك الزيارة، لذا غيّرت فى الأدعية بأدعية أخرى لإبعاد إبليس عنك، وقد نجحت فى الاختبار، فأنت فى الأشواط الأولى كنت تصارع إبليس حتى انتصرت عليه، وعندما تركك انفجرت فى البكاء وعاد إليك إيمانك وشعرت بالخشوع الواجب فى صحن الكعبة فالحمد لله رب العالمين».