الأحد 08 سبتمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

الطريق إلى مكة.. كُتاب غربيون: رحلة الحج محفوفة بالسحر والأسرار والروحانيات

الحج
الحج

- الغرض من الحج أن يكون جميع المسلمين متساوين أمام الله

- يؤديه المسلمون من جميع أنحاء العالم دون اختلاف فى المناسك

- لم تتمكن عصور الاستعمار الأوروبى من تغيير شكل وطبيعة الحج

الصفحة التاسعة من العدد الثالث والعشرين لحرف

الحج ليس مجرد فريضة، بل هو حالة إيمانية يعيشها المسلمون من جميع أنحاء العالم، حيث يأتون إلى الأراضى المقدسة ويؤدون المناسك، متجردين من أى أمور دنيوية لا يبتغون إلا وجه الله تعالى.

ولطالما كانت فريضة الحج مثار تساؤلات الشعوب الأخرى من غير المسلمين، فى ظل ما تشهده الشعيرة من أجواء إيمانية غير مسبوقة وتجمعات لملايين الحجاج الذين يطوفون حول الكعبة فى مشهد ليس له مثيل فى العالم.

وتناول عدد من الكتاب الغربيين تلك الشعيرة فى كتاباتهم، فى محاولة لاستكشاف سر هذه الحالة الإيمانية، وتفاصيل الرحلة المقدسة التى يخوضها المسلمون من كل مكان.

فى السطور التالية، تأخذ «حرف» قراءها فى جولة حول عدد من الكتب والمؤلفات الغربية التى تناولت فريضة الحج. 

الواجب المقدس

الكاتب والمخرج الأمريكى مايكل وولف الذى ولد فى أبريل ١٩٥٤ فى ولاية أوهايو لأم مسيحية وأب يهودى، أحد أهم الكتاب الغربيين الذين كتبوا عن شعيرة الحج بشكل مستفيض.

تجربة «وولف» بدأت باعتناقه الإسلام عام ١٩٩٠، وأدائه فريضة الحج، وهى تجربة دفعته لتأليف كتابين عن تلك الشعيرة، أولهما «الحج: رحلة أمريكى إلى مكة» والثانى «ألف طريق إلى مكة». 

وفى فترتى السبعينيات والثمانينيات امتلك «وولف» مكتبة ودار نشر فى كاليفورنيا، وعلى مدار ١٥ عامًا تولى تحرير ونشر أعداد كبيرة من الكتب، وهو حاليًا رئيس مؤسسة «Unity Productions Foundation»، وهى شركة إعلامية غير ربحية تنتج أفلامًا وثائقية.

وفى كتابه «الحج: رحلة أمريكى إلى مكة» المؤلف من ٣٣١ صفحة، والصادر عام ١٩٩٣ عن دار النشر «جروف أتلانتيك»، وصف «وولف» رحلة الحج التى خاضها، وروى تفاصيل استعداداته لها مستفيضًا فى الحديث عن أهمية الشعيرة.

وقال «الحج أو الرحلة المقدسة إلى مكة هى شىء مطلوب من جميع المسلمين أداؤه لمرة واحدة فى حياتهم، وتعتبر تلك الرحلة واحدة من أطول الشعائر الدينية عمرًا فى العالم، حيث تتواصل دون انقطاع منذ قرون وهى من أهم الفرائض فى الدين الإسلامى، لكنها ظلت شعيرة غامضة فى أعين أهل الغرب».

وروى تفاصيل رحلته إلى مكة فى كتابه، بهدف تقريب فكرة الحج إلى القراء الأمريكيين والأوروبيين، لافتًا إلى أنه منذ وصف السير ريتشارد بيرتون الحج إلى مكة قبل ١٥٠ عامًا، لم يتعمق كاتب غربى فى تفاصيل تلك الشعيرة.

وحاول الكشف عن طبيعة الحج باعتباره واجبًا مقدسًا ومن صميم أركان الإسلام، مقدمًا فى الوقت نفسه صورة حية عن المسلمين، وأتقن ذلك رغم أن الكتابة عن تلك الفريضة تتطلب إمكانات خاصة.

وبين أن الغرض من الحج هو أن يترك المسلمون أعمالهم ومشاغلهم ويسافروا إلى مكة لأداء الفريضة، بحيث يكونون جميعًا متساوين أمام الله.

 وتحدث عن إقامته لمدة ٣ أشهر مع عائلة مغربية فى الحى القديم فى مراكش، وهى الفترة التى بدأ فيها تأليف كتابه وعمل خلالها على استكشاف الحياة اليومية لتلك العائلة المسلمة.

وعمل فى هذا الكتاب على تعميق فهم القراء للإسلام، متحدثًا عن تفاصيل سفره إلى المغرب وزياراته لأئمة التصوف المغاربة وتفاصيل تعاملاته مع الشعب المغربى.

كما حكى عن جولاته فى الأسواق الصاخبة، وكيف كان ينام على جلود الأغنام، متحدثًا عن مناقشاته مع أصدقائه العرب حول السياسة والدين، وعن مشاهداته للحضرات الصوفية التى يتمايل فيها الناس.

كما حكى عن رحلته إلى مكة، واصفًا المدينة بأنها أكثر المدن تدينًا وغموضًا، من وجهة نظره، واصفًا تفاصيل المشهد عندما هبطت الطائرة به فى مطار جدة وخروجه وسط درجة حرارة الصيف الحارقة فى السعودية.

وتحدث عن مشاعره تجاه مكة والبيت الحرام، وكيف شعر بالقشعريرة التى لا بد أنها أصابت ملايين الحجاج الذين كانوا يتدافعون أمام الكعبة والحجر الأسود وخلال صعودهم إلى جبل عرفات. 

وحكى كيف تلاشت الهويات الشخصية بين جميع الحجاج والذين ظهروا وكأنهم شخص واحد، وهم يرتدون ملابس الإحرام المصنوعة من القماش الأبيض، وكل العيون تنظر إلى الله.

اللافت فى رحلة وولف إلى مكة وأدائه فريضة الحج فى يونيو ١٩٩٠، هو تزامن ذلك مع  الغزو العراقى للكويت الذى بدأ فى أغسطس من نفس العام.

وأدى تلك الرحلة وسط الاستعدادات الجارية لحرب الخليج التى كانت تدور قبل أسابيع من ذهابه إلى مكة، ومع ذلك، فإن مشاركة المؤلف فى نشر وتوضيح طقوس الحج التى كانت تشغل تفكيره، كانت ناتجة عن عقيدته الإسلامية القوية التى تكونت ودفعته لتأليف ذلك الكتاب.

وأشار إلى أنه لم يطمح إلى المتاجرة بتحوله إلى الإسلام، بل أراد العثور على معان جديدة للدين من خلال قراءات وترجمات فى الأدب والدين والتاريخ، ولكن الأهم من ذلك كله هو نشر تفاصيل مناقشاته مع رجال الدين وأصدقائه المسلمين قبل أدائه فريضة الحج.

وبعد نشر الكتاب، عمل مايكل وولف على تحويله إلى فيلم وثائقى تحت عنوان «أمريكى فى مكة» بثته قناة إيه بى سى «ABC» الأمريكية عام ١٩٩٧، وأثار ضجة كبرى واهتمامًا واسعًا لأنها كانت المرة الأولى التى تعرض فيها قناة أمريكية رسمية كبرى وذائعة الصيت فيلمًا وثائقيًا عن الحج وعن سيرة الرسول محمد.

وفى عام ١٩٩٨، أصدر مايكل وولف كتابه الثانى عن الحج تحت عنوان «ألف طريق إلى مكة»، عن دار النشر «جروف أتلانتيك» الأمريكية.

وشرح فى كتابه المكون من ٦٥٦ صفحة، كيف مثّل الحج جوهر أدب الرحلات الإسلامية، وكيف كانت الرحلة إلى مكة موضوعًا رئيسيًا لعدد من الكتاب فى الغرب، لدرجة أن كثيرًا منهم اعتنقوا الإسلام وسافروا إلى الأراضى المقدسة لأداء الفريضة.

ويرصد «ألف طريق إلى مكة» عددًا من الأعمال المهمة لكتاب الرحلات من الشرق والغرب على مدار القرون الماضية، وهى مؤلفات مفعمة بالحيوية ترصد شكل مكة وطبيعة الإسلام، إلى جانب تجارب عدد من المؤرخين مثل «ابن جبير، وابن بطوطة، وجى إل بوركهارت، وريتشارد بيرتون، وبيجوم بوبال، وجون كين، وينيفريد ستيجار، وهارى سانت جون فيلبى، والليدى إيفلين كوبالد، وجلال آل أحمد، ومالكولم إكس».

إريك تاجلياكوزو

الشعيرة الكبرى

أصدرت جامعة كامبريدج البريطانية فى عام ٢٠١٦، كتابًا حمل عنوان «الحج فى الإسلام» تأليف إريك تاجلياكوزو، أستاذ التاريخ فى جامعة كورنيل، وصاحب كتاب «أطول رحلة: جنوب شرق آسيا والحج إلى مكة» الذى صدر عام ٢٠١٣.

‎وفى الكتاب المؤلف من ٣٦٤ صفحة، شرح «تاجلياكوزو» قصة الحج فى الإسلام وكيف يتوافد ملايين الحجاج من جميع أنحاء العالم إلى مكة وضواحيها لأداء المناسك المرتبطة بالحج، فى كل عام.

وتضمن الكتاب روايات وتجارب عدد من العلماء فى كثير من المجالات خاصة التاريخ والدين والأنثروبولوجيا والأدب، عن الحج كأحد الأحداث والطقوس الرئيسية فى الدين الإسلامى.

وسعى المؤلف لتوضيح معالم الحج منذ بداياته وحتى يومنا هذا، وهو ما فعله الكثير من الكتاب والعلماء المسلمين من صناعة رصد للأفكار الرئيسية للحج، وهى التجربة التى يعيشها كل عام مئات الملايين من المسلمين، متطرقين إلى شعائره وطبيعته وكيفية أدائه.

ويقدم الكتاب مجموعة مهمة من التحليلات التاريخية والأنثروبولوجية والفنية والتكنولوجية والروحية حول فكرة الحج فى مكة، وتوضح هذه التحليلات المتنوعة شكل والمراد من فكرة الحج والحالة الإيمانية العميقة التى يصنعها.

ويشرح الكتاب بدقة تفاصيل شعائر الحج ويقدم مجموعة من الدراسات المتعمقة التى كتبها علماء ورواد من مختلف المجالات، فى تغطية شاملة وإلقاء للضوء على حالة الحج وشكله من الناحية النظرية، وتتناوله كظاهرة دينية وثقافية واقتصادية واجتماعية وسياسية.

كما نشرت جامعة ليدن الهولندية كتابًا عن الحج بعنوان «الحج وأوروبا فى عصر الإمبراطورية» فى عام ٢٠١٦، من تأليف عمر رياض، أستاذ الدراسات العربية والإسلامية بجامعة لوفين البلجيكية، وشغل سابقًا منصب أستاذ مساعد فى جامعة ليدن.

وتناول فى كتابه فكرة الحج من جانبها السياسى وخاصة فى عصر كانت تهيمن فيه أوروبا على العالم، لكنها فشلت فى الهيمنة والتحكم أو التأثير على رحلات الحج التى يؤديها الناس من جميع أنحاء العالم الإسلامى.

ويركز الكتاب على التصورات السياسية للحج، ومكانته الدينية لدى المسلمين حول العالم، وكيف أن الاستعمار الأوروبى لم يؤثر بشكل من الأشكال على مسار شعيرة الحج، رغم قسوة الإمبراطوريات الاستعمارية.

وأشار المؤلف إلى أنه فى أواخر القرن الخامس عشر وأوائل القرن السادس عشر، حدث تغيير محورى فى الملاحة البحرية، لعب من خلاله الأوروبيون الغربيون أدوارًا مهمة فى السياسة والتجارة والثقافة.

وأضاف أن النظر إلى تاريخ الإمبراطوريات من خلال عدسة الحج يضع الشعيرة فى منظور مختلف، من خلال التركيز على دراسة تأثير  الهيمنة الأوروبية على العالم فى عصور الاستعمار على إيمان الناس وعقائدهم.

وبين الكتاب أن دراسة علاقات أوروبا بالحج تختبر الفرضية القائلة بأن مفهوم الاستعمار لا يغير عقائد الناس، وأن الحج كنشاط عالمى سيصبح جزءًا من التاريخ العالمى العابر للثقافات.

فينيسيا بورتر 

قلب الدين

استضافت العاصمة البريطانية لندن معرض «الحج: رحلة إلى قلب الإسلام» الذى أقيم فى المتحف البريطانى فى الفترة من ٢٦ يناير إلى ١٥ أبريل ٢٠١٢.

وكان الحدث أول معرض كبير فى العالم يحكى قصة الحج بصريًا ونصيًا، وشهد عرض منسوجات ومخطوطات ووثائق تاريخية وصور فوتوغرافية، وأعمال فنية من العديد من البلدان والعصور المختلفة، لتوضيح كل ما يتعلق بالرحلة إلى مكة والطقوس الدينية المصاحبة لها.

وبعد انتهاء المعرض، أصدرت جامعة هارفارد كتاب «الحج: مقالات مجمعة»، بتحرير فينيسيا بورتر التى شغلت منصب أمينة قسم الشرق الأوسط فى المتحف البريطانى آنذاك، 

وفى الكتاب المؤلف من ٢٨٨ صفحة، قدمت فينيسيا بورتر شرحًا تفصيليًا عن الحج، كأحد أركان الإسلام الخمسة، ويعد واجبًا مقدسًا على جميع المسلمين، مشيرة إلى أنه فى كل عام يؤدى الملايين من المسلمين من جميع أنحاء العالم الفريضة ويحجون إلى مكة، مهد الإسلام حيث تلقى النبى محمد الوحى.

وتضمن الكتاب مساهمات من عدد من الخبراء فى مجالات الدراسات الإسلامية المختلفة مثل هيو كينيدى، وروبرت إيروين، وضياء الدين سردار وغيرهم، وناقشت طقوسه الحج وتاريخه ومظاهره الحديثة، وأظهر الكتاب كيف كان المسلمون يخوضون الرحلة إلى مكة وكيف وثقوا ذلك عبر المخطوطات واللوحات الجدارية والصور الفوتوغرافية المبكرة.

وتضمن الكتاب أيضًا مجموعة كبيرة من الرسوم التوضيحية، بما فى ذلك صور شخصية لعدد من الحجاج والهدايا التذكارية والخرائط التى توضح طرق الرحلة وشعائر الحج ومتطلباته.

ووصفت صحيفة «نيويورك تايمز» الكتاب بأنه يأخذ القراء خطوة خطوة فى طريق الحج ويشرح كيف كانت الرحلة على مر القرون، من خلال عرض أعمال فنية يعود تاريخها إلى القرن الثامن وحتى العام الماضى، خاصة بالحج، منها على سبيل المثال قطع من الأقمشة المزينة بعبارة «حج مبرور».