الأحد 08 سبتمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

أشرف العشماوى: طرحت «طبعة شعبية» بـ10 جنيهات لمواجهة قرصنة كتبى فزوروها وباعوها بنصف الثمن

أشرف العشماوى
أشرف العشماوى

- استشرت 4 أدباء لتقديم 3 روايات قصيرة فى «مواليد حديقة الحيوان»

الروائى أشرف العشماوى له تجربة إبداعية خاصة، فليس من السهل أن تكون قاضيًا تعيش يوميًا مع نصوص القانون وأحكامه، وفى نفس الوقت تبدع شخوصًا وأحداثًا وخيالات، حتى تصبح واحدًا من أهم الروائيين المصريين فى وقتنا الحالى.

ومؤخرًا أصدر أشرف العشماوى «مواليد حديقة الحيوان»، عن «الدار المصرية اللبنانية»، وهى عبارة عن 3 روايات قصيرة فى عمل واحد، تحمل عناوين: «كابينة لا ترى البحر» و«ومزرعة الخنازير» و«مواليد حديقة الحيوان».

ونشرت «حرف» فى عددها السابق موضوعًا عن تعرض هذا العمل الإبداعى للقرصنة فور طرحه، من خلال نسخ مزورة تنقص 70 صفحة كاملة عن العمل الأصلى، وهو ما دفعنا لإجراء الحوار التالى مع «العشماوى»، للتعرف على مزيد من تفاصيل هذه الواقعة، ورؤيته لمواجهة ظاهرة قرصنة وتزوير الكتب بصفة عامة، فضلًا عن طبيعة عمله الثلاثى سالف الذكر، وغيرها من التفاصيل الأخرى. 

الصفحة السادسة من العدد الرابع والعشرين لحرف

■ تطرح ٣ روايات قصيرة فى كتابك الأخير «مواليد حديقة الحيوان» لأول مرة فى مشوارك الإبداعى.. لماذا هذه الخطوة غير المعتادة؟ 

- تجربة الروايات القصيرة أخوضها لأول مرة بدافع التجريب وحتمية قماشة الرواية ذاتها. عادة وقبل الشروع فى كتابة رواية جديدة أتخيل غالبية أحداثها، خاصة البدايات والنهايات، لأننى أعرف مسبقًا ما الذى أريد قوله من وراء هذه الرواية التى أتتنى فكرتها فصادفت قبولًا لدىّ.

أنا اخترت، وبالتالى أعرف معايير اختيارى وهدفى منه، وبحكم الخبرة المتراكمة عبر سنوات طويلة من الكتابة ونحو ١٥ عامًا من النشر، أستطيع تحديد حجم ما أكتب مسبقًا، أى أننى أعرف أن الرواية ستكون طويلة أو قصيرة. وفى هذه الروايات الثلاث، عندما استقررت على كتابتها، كنت أعرف أنها لن تزيد -فى كل الأحوال- عن ١٠٠ صفحة، بحكم الأحداث الدرامية ومشاهد الرواية التى لا تحتمل أكثر من ذلك.

■ متى أتتك هذه الفكرة؟

- البداية كانت وقت كتابة رواية «الجمعية السرية للمواطنين» منذ ٤ أعوام، وكانت لدىّ ضمن الشخصيات شخصية «فايز حنا» مربى الخنازير، لكنها لم تكن متطورة على النحو الذى صدرت به الآن.

فى لحظة ما وقبل الشروع فى كتابة رواية «الجمعية السرية للمواطنين»، قررت استبعاد بعض الشخصيات منها، من بينها «فايز حنا»، الذى رأيت أنه يمكن أن يكون نواة لرواية مستقلة، حتى لو كانت «نوفيلا».

والحقيقة أن شخصية أخرى وضعتها فى رواية «الجمعية السرية للمواطنين»، وندمت وكنت أفضل أن تستقل بدورها، وهى شخصية «سيد العربى» جوكى الخيل ولص المساكن فى الوقت ذاته.

عندما بدأت فى كتابة «مزرعة الخنازير» وجدت أن خيطًا شفافًا يربطها مع قصتين كنت كتبتهما قبلها، وهما «مواليد حديقة الحيوان» و«كابينة لا ترى البحر»، خيط يتعلق بتيمة مشتركة وهى أن كل الصور خادعة، وأن الإنسان فى أحيان كثيرة حبيس طموح عادى وتطلعات طبيعية بل عادية.

تركيزى فى القصص الثلاث كان منصبًا على الجانب الإنسانى دون غيره، فلم نر تفاصيل المصايف فى الرواية الأولى، ولا تفاصيل مزارع الخنازير فى الثانية، ولا حيوانات حديقة الجيزة فى الثالثة، ربما لأنها روايات قصيرة، وربما لأن الفكرة طاغية أكثر من الوصف، وربما لأن الوصف هنا سيكون -من وجهة نظرى- حملًا ثقيلًا على حساب الجانب الأدبى، أى وصف مجانى بلا هدف درامى يدفع الحدث إلى الأمام.

لهذه الأسباب كانت الروايات قصيرة فى المتوسط، ٨٠ صفحة تقريبًا لكل منها، تركز على حدث إنسانى ولا شىء آخر، وتحاول الاجابة عن سؤال الخداع البصرى، الذى أزعم أنه سيظل سؤالًا مراوغًا حتى سنوات طويلة مقبلة.

أشرف العشماوى

■ كل رواية كانت تستحق أن تكون رواية قائمة بذاتها لما تثيره من أسئلة.. فلمَ جمعتها فى عمل واحد؟

- ربما كل رواية كان يمكن نشرها مستقلة، وأنا فى الحقيقة استشرت بعض الأصدقاء من الأدباء قبل النشر، وكانوا ٤، واحد منهم فقط اقترح نشر «مزرعة الخنازير» بمفردها، كان يراها متفردة ومختلفة عن الأخريات، لكنى انحزت فى النهاية لرأى الاغلبية بالجمع فى كتاب واحد.

والحقيقة أن هذا الرأى أيضًا صادف هوى فى نفسى، فقد كنت ميالًا للنشر المجمع، بسبب تيمة خداع الصورة، وحتى أقنع نفسى بفكرتى أضفت عناوين لفصول الروايات الثلاث مستوحاة من الكلمات المتقاطعة، بحيث يجد القارئ مرادف العنوان فى كل فصل. 

أظن أن مغامرة الجمع فى عمل واحد كانت أكثر إثارة بالنسبة لى، ومن خلال ردود الأفعال، رغم قصر الوقت ما بين النشر والقراءة، أستطيع القول إن التجربة لاقت قبولًا بين القراء إلى الآن، وغالبيتهم لمسوا التيمة المشتركة بل وبحثوا عنها، وهو أمر أرضانى.

■ مثل كل كتب أشرف العشماوى تعرضت الروايات الثلاث إلى القرصنة والتزوير.. كيف فى رأيك نحد من هذه الظاهرة؟

- قرصنة الكتب، سواء ورقيًا أو إلكترونيًا، أصبحت بالنسبة لى حالة ميئوسًا منها، داء مزمنًا لا شفاء منه ولا دواء له إلى الآن. أنا جربت كل الوسائل القانونية والودية، وحتى طباعة طبعات شعبية أو اقتصادية، بالاتفاق مع ناشرى وبائعى الكتب فى الشوارع «أصحاب الفُرشات»، ومع ذلك، بعد شهر واحد فقط، جرى تزوير الطبعة الشعبية التى كان سعرها ١٠ جنيهات، وبِيعت نسختها المزورة بنصف الثمن.

الأمر كارثى. نحتاج إلى إرادة دولة، من خلال وزارات الداخلية والثقافة والعدل، ومن خلال منظمات مجتمع مدنى تعمل على التوعية وتشارك فى حماية صناعة النشر التى تكاد تندثر. لا بد من منظومة قوية تواجه خطر التزوير، لا حملات مكثفة لمدة أسبوع أو شهر، ثم لا شىء بعدها.

أرى أن تجارة الكتب المزورة أشبه بجرائم تجارة المخدرات. هناك رءوس كبيرة تزور وتطبع فى مطابع سرية ملايين النسخ الإلكترونية، على ورق ردىء وطباعة أسوأ، وأحيانًا كثيرة ناقصة صفحات ومكررة فى ملازم كاملة، ما يفقدنا متعة القراءة بالكامل.

هؤلاء يصدرون كتبنا المزورة إلى الخليج وأوروبا، وأيضًا يوزعون على «فُرشات» الكتب فى القاهرة والمحافظات من خلال عملاء، ثم يبيع بائع «الفرشة»، وهو أضعف ما فى منظومة القرصنة، الكتاب بهامش ربح بضعة جنيهات. هذا الطرف الضعيف فى المنظومة هو الذى يُضبَط فى كل مرة، لأنه الأسهل والظاهر أمام الشرطة، وبالتالى يُفرج عنه غالبًا من النيابة، وحتى لو قُدم للمحاكمة، العقوبة تكون غرامة يدفعها له المزور الكبير، ويخرج لتعود الحلقة إلى الدوران مرة ثانية، وفى كل مرة تطحن معها العاملين فى دور النشر والمؤلفين والناشرين، حتى باتت الصناعة مهددة بالتوقف.

الأمر لا يتعلق بى وحدى. صحيح تُزور كتبى منذ ١٠ سنوات، وعقب نشر روايتى بأيام وأحيانًا فى اليوم التالى مباشرة، لكن هناك مئات غيرى. أتوقع من رئيس اتحاد الناشرين المصريين، الأستاذ فريد زهران، أن يتحرك بخطوات واسعة إلى الأمام، من أجل إصدار تشريع جديد يصادر ماكينات الطباعة، ويجرم الفاعل الحقيقى بعقوبات مالية رادعة، من خلال إدارة المصنفات الفنية فى وزارة الداخلية، وإلا بعد سنوات قليلة ستندثر دور النشر وتتوقف عن أى إصدارات ورقية.

الروائى أشرف العشماوى

■ فى «كابينة لا ترى البحر» ناقشت أزمات مواقع الفيديوهات، من خلال «حياة» التى قُتلت بيد طبقة أخرى.. هل تدق ناقوس الخطر للصغار الذين ينجرفون خلف هذه المنصات دون وعى؟

- الحقيقة أريد دق ناقوس خطر للمجتمع كله لا الصغار فقط. وسائل التواصل الاجتماعى أفسدت الجهلة والمغيبين والكسالى والطامحين لتحقيق ثروة بمحتوى تافه وبغير جهد. نرى على الوسائط المصورة عائلة ضرب بعضها البعض بصورة مؤسفة لجلب الإعجاب وحصد الاهتمام، بمشاركة المقطع ومن ثمّ المال.

نرى فتيات يتعرين وشبابًا يستخفون بعقول المشاهدين، والبعض يقدم محتوى غرائبيًا، والبعض يتهور وهكذا، والهدف واحد هو المال. المجتمع بهذه الصورة يسير كقطيع نحو هاوية، لا يهم من فى المقدمة ولا من فى المؤخرة، الكل سيقع تباعًا، طالما لا ننتبه إلى خطورة الأمر.

■ فى «مزرعة الخنازير» ناقشت أزمة كبيرة هى التطرف، من خلال إجبار «فايز» على تقبل موته وأن يصبح «الشيخ فايز».. ما الذى قصدته بالتحديد؟

- روايتى «مزرعة الخنازير» ربما أردت من خلالها لفت الانتباه إلى فكرة التطرف والتدين الشكلى، وأن الأمر قائم على ثقافة العين والأذن بعيدًا عن العقل، بغض النظر عن الديانة، إسلام أو مسيحية أو يهودية، فنحن أسرى خرافات كثيرة للأسف، ولم نتحرر منها بعد، بسبب ضعف التعليم وتردى الثقافة العامة. 

■ فى «مواليد حديقة الحيوان» هناك مأساة حقيقية يعيشها «إسماعيل» الذى ولد فى الحديقة وحاول أن يكون حيوانًا، لكنه فشل حتى فى ذلك.. ما الذى دفعك لكتابة هذه الحالة؟

- الذى دفعنى لكتابتها هى الأحلام العادية والطموحات الطبيعية للمواطنين التى فى حقيقتها تعتبر حقوقهم المشروعة، وكيف أنها لا تتحقق إلا فى تصريحات المسئولين وتظل مجرد وعود رسمية فى عناوين الجرائد، وعندما يصر المواطن عليها تكبر فى عيون المسئول وتتعاظم ويصورها على أنها معجزات سيحققها له، ثم يلقى بعد ذلك للمواطن الفُتات فيفرح الأخير ويظن أنه انتزع بعض أحلامه، بينما هو حصل بالكاد على جزء ضئيل من حقوقه.

فى هذه الرواية البطل صار حيوانًا وقبع فى القفص مع خطيبته بسبب عجزه عن الزواج بسبب أزمة السكن وضعف الرواتب، ومع ذلك لم تتقبل الحكومة كونه حيوانًا وعاقبته بالحبس فى قفص آخر للآدميين.

أشرف العشماوى

■ فى رواياتك الثلاث هناك رؤية مشتركة مفادها أن الكمال أمر مستحيل، وأن هناك دائمًا شيئًا ناقصًا.. لماذا لجأت إلى هذه الفكرة؟

- تيمة الروايات الثلاث تقول إن هناك شيئًا ناقصًا فى كل صورة أنظر إليها، وهو ما حفزنى على الكتابة، أو يعتبر الدافع الوحيد لهذه التجربة. لكن هذه الرؤية المشتركة أسهمت فى دمج الروايات القصيرة فى كتاب واحد.

وكنت خائفًا من التجربة بعد النشر لكن فى وقت الكتابة استمتعت بها للغاية، والخوف مبعثه احترام القارئ، وأشعر أننى لا بد أن أقدم له جديدًا، وأن أدهشه فى كل مرة وأتمنى أن أكون قد أفلحت هذه المرة.

■ ما دلالة الكلمات المتقاطعة التى تعتبر أداة للتسلية لأبطال رواياتك؟

- هناك شىء يربط بين الكلمات المتقاطعة المستخدمة كعناوين لفصول الروايات، وهو أن الأبطال يمارسون اللعبة ويحاولون البحث عن مرادف لما يواجهونه من مشكلات ومعانٍ للحياة التى يعيشونها بالكاد. أنا لعبت اللعبة مع القارئ ووضعت فى كل فصل مرادفًا أو معنى لما يراه من أحداث ومشاهد ولا شىء آخر.