الأحد 08 سبتمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

محمد عبدالمطلب يكتب: افتتاح

افتتاح
افتتاح

آخر ما فعلته أمى أن نزعت صورة أخى من الجدار القديم يوم العزال وحدقت فى وجوهنا وقالت بصوت مكلوم: لا تنسوا أن دم أخيكم هو ثمن العز الذى طرأ علينا.

علقت صورة ابنها ببذلته العسكرية فى شقتنا الجديدة التى تنعم بالشمس والهواء والجيرة الطيبة.. وترك أبى دكان البقالة الصغير وفتح بقالة أكبر وأطلق عليها «بقالة الشهيد». 

بعد سنوات قليلة انكمشت الشقة أمام أعيننا، ولم يعد محل البقالة يرضى أبى، وقال وقد استقر على رأى: سننتقل إلى حى جديد وجيرة جديدة.. ونبنى بيتًا ما كنا نحلم بمثله.

أمى التى هدها الحزن لم تفرح كثيرًا بالبيت الجديد، لكنها حرصت على صورة أخى ببذلته العسكرية ذات اللون الأبيض والأسود، وقالت لى فى سخط وهى تشير إلى المحل: يعنى إيه سوبر ماركت السلام؟!

ولما صار الأمر لى رأيت أن السوبر ماركت أقل من أن أقف فيه مع إخوتى وأبنائى، فقلت لها: سنحول الدور الأول والثانى إلى مول كبير.. 

أشاحت عنى بوجهها لكنها عادت تقول: ضع فيه صورة أخيك.. أشم فيها رائحة الجنة. 

ضج أبنائى بالضحك.. ويوم الافتتاح وقف مهندسو الديكور فى حيرة عندما طلبت منهم وضع صورة أخى فى أفضل موضع فى مدخل المول. 

وفى اللحظة الأخيرة- قبل مجىء المدعوين- أشاروا إلى أن الصورة تبدو شيئًا شاذًا أو قبيحًا بجانب الألوان البديعة والبضائع المجلوبة من كل أركان المعمورة.. فسارع أصغر أبنائى ونزعها ببساطة- دون أن يلتفت إلىّ- ورماها فى برميل الزبالة.