جريمة «فوربس».. قائمة كتبها الجهل وأتلفها الهوى
- ثلاثة نيجيريين فى قائمة أعظم 101 كاتب على مر التاريخ من بينهم هواة.. ولا أثر لجوركى أو كونديرا أو محفوظ
- كاتبة التصنيف لا تعرف شيئًا عن أدب الصين واليابان وتحتفل بكل من سخروا من الأديان
قبل أيام نشرت مجلة «فوربس» الأمريكية، قائمة مطولة لـ«أشهر وأعظم 101 كاتب على مر العصور»، هى فى تصورى بمثابة الجريمة الكاملة فى حق الأدب والإبداع العالمى وكتابة التاريخ، فالقائمة بعبارة واحدة مختصرة «كتبها الجهل الكامل وأتلفها الهوى والعنصرية والغرض»، وربما لعبت فيها السياسة أدوارًا مشبوهة كعادة المطبوعات الأمريكية عمومًا، والمجلات التى تتمتع بسمعة وصفة عالمية بحكم التوزيع والتمويل على وجه الخصوص.. ويبدو أن المجلة «المتخصصة فى الأعمال والاستثمار والتكنولوجيا وريادة الأعمال والقيادة وأسلوب الحياة»، حسبما تقول فى التعريف بمحتواها على موقعها بشبكة الإنترنت، قررت فى غفلة من الزمن أن تجرب حظها فى العبث بالعقول حول العالم، أو القيام بالدور الذى كانت تقوم به منظمة «الحرية الثقافية»، ذراع المخابرات الأمريكية فى الحرب الباردة الثقافية فى نهايات القرن الماضى، بتسييد نوعية خاصة من الأدب، وتصديرها باعتبارها «الأهم» و«الأعظم» وغيرها من صيغ المبالغة والتفخيم الفارغة، بينما يكشف نص ما كتبته الصحفية والمؤلفة النيويوركية ذات الأصول النيجيرية سوجنين يونجو عن جهل كامل بما هو الأدب، ومن هم الأدباء والمبدعون على مدار التاريخ الحديث والمعاصر، وليس على مر العصور كما صورت لها نوبة «البجاحة» والفُجر المفرطين فيما ذهبت إليه، فكتبت ما كتبته من هُراء، وأرسلته إلى المجلة التى تتعامل معها كـ«متعاون»، وكما صورت «الغفلة» لإدارة تحرير المجلة التى تصدر نفسها للعالم باعتبارها المرجع الرئيسى والأصدق والأكثر تدقيقًا فى قوائم المال والأعمال، فاستقبلت الموضوع الذى تتجاوز كلماته العشرين ألف كلمة، وفردته على صفحاتها وموقعها، وزينته بالصور والعبارات المقتبسة.
كاتبة نيجيرية تضع تصنيفًا مشوهًا لأعظم الكُتّاب فى التاريخ
القائمة التى نشرتها المجلة التى تقول إنها عالمية على موقعها بشبكة الإنترنت صباح التاسع والعشرين من يونيو الماضى، تضم ١٠١ كاتب تقول إنهم أشهر وأهم الكُتاب منذ ما قبل الميلاد وحتى يومنا هذا، فيما تكشف عملية قراءة سريعة وعابرة عن جهل كاتبته ومُراجعه بمنجز الكثير من الكُتاب المؤثرين عالميًا، والأكثر شهرة وحضورًا فى الضمير العالمى ممن وردت أسماؤهم بالقائمة الفضيحة، ولك أن تتخيل معى قائمة بأشهر وأعظم مائة كاتب على مر التاريخ تخلو من الروسى الأكبر مكسيم جوركى، أو المصرى الأهم نجيب محفوظ، كما تخلو من التشيكى الأكثر إثارة للجدل ميلان كونديرا، والبرتغالى خوسيه ساراماجو، من الفرنسيين ستاندال أو أونوريه دو بلزاك أو فيكتور هوجو، من الإيطالى ألبرتو مورافيا، أو إيتالو كالفينو، من اليونانى نيكوس كازنتزاكيس، بينما يحتل ثلاثة كُتاب نيجيريين أماكن متقدمة فى تلك القائمة العجيبة، من بينهم هواة لا يعرف بهم أحد حول العالم، بل إن أقلهم موهبة تسبق من هم أهم وأكبر تأثيرًا منها، ففى المركز الثامن والعشرين من ذلك الهراء وضعت محررة «فوربس» المتعاونة ناشطة نسوية نيجيرية «تمارس» الكتابة اسمها شيماماندا نجوزى أديتشى!!
هل يعرف بها أحد؟!.
هل قرأ لها أحد؟!.
على أى حال.. هى من مواليد عام ١٩٧٧، وتقول محررة «فوربس» المتعاونة من الخارج إنها ولدت فى إينوجو، نيجيريا، وأنها نالت استحسان النقاد، ومعروفة برواياتها وقصائدها وقصصها القصيرة ومقالاتها التى تستكشف موضوعات الهوية والعرق والهجرة والجنس وتجربة ما بعد الاستعمار النيجيرية.. وتضيف: «فى عام ١٩٩٧، بعد دراسة الطب فى البداية فى نسوكا، قررت أديتشى الهجرة إلى الولايات المتحدة لمواصلة تعليمها، ما أدى إلى تغيير فى مسار حياتها المهنية. أكملت دراستها الجامعية فى مجال الاتصالات والعلوم السياسية فى جامعة ولاية كونيتيكت الشرقية، وتخرجت بدرجة البكالوريوس. فى عام ٢٠٠١ قبل أن تحصل لاحقًا على درجة الماجستير فى الكتابة الإبداعية من جامعة جونز هوبكنز. وقامت فى وقت لاحق بدراسة التاريخ الإفريقى فى جامعة ييل، وهذا من شأنه أن يفيد الكثير من أعمالها المكتوبة». وتوضح إن رواية أديتشى القوية، وسرد القصص الذكى، جعلا منها صوتًا عالميًا فى الأدب، وتتضمن بعض أفضل أعمال أديتشى روايتها الأولى «الكركديه الأرجوانى»، بالإضافة إلى «نصف شمس صفراء» و«أمريكانا»، وحصلت على العديد من الأوسمة، بما فيها «جائزة دائرة نقاد الكتاب الوطنية للخيال» فى عام ٢٠١٤، ومن أقوالها: «يجب أن نكون جميعًا نسويات» وأصدرت كتابًا يحمل نفس العنوان و«ألهم المناقشات حول الحركة النسوية فى جميع أنحاء العالم».
وهل تتخيل أن هذه النسوية «أهم وأعظم» تأثيرًا من مواطنها وول سوينكا الحائز على «نوبل للآداب ١٩٨٦»، والذى «وضعته» فى المركز الثالث والسبعين، بفارق خمس أربعين درجة، ويسبقه مباشرة نيجيرى آخر تشينوا أتشيبى الذى تقول عنه إنه بمثابة «أيقونة إفريقية، وسفير لقبيلة الإيجبو»، وحتى يومنا هذا، تعتبر روايته «الأشياء تتداعى» حجر الزاوية فى الدراسات الإفريقية الحديثة، إذ تم الاحتفاء بها عالميًا فى الأوساط العلمية لتصويرها الحيوى للصراع بين الثقافة الإفريقية التقليدية والتأثيرات الاستعمارية، فيما تقول عن سوينكا إنه «كاتب مسرحى وناشط سياسى وشاعر وكاتب مقالات نيجيرى، فاز بجائزة نوبل فى الأدب عام ١٩٨٦، ليصبح أول إفريقى يفوز بالجائزة العالمية.. ودرس فى نيجيريا والمملكة المتحدة، حيث التحق بجامعة ليدز، وطوال حياته المهنية، كان سوينكا منتقدًا صريحًا للديكتاتوريات النيجيرية، ما أدى إلى سجنه خلال الحرب الأهلية ونفيه لاحقًا. ويتميز أسلوب كتابته بجودته الغنائية، التى غالبًا ما تنسج المسرح الإفريقى التقليدى مع الأشكال الأدبية الغربية».
كاتبة القائمة المشوهة والتى يبدو أنها لا تعرف شيئًا عن أدب أمريكا اللاتينية أو الصين أو اليابان، وتحتفل بكل من سخروا من الأديان والأفكار الكبرى، اسمها حسبما ورد بموقع «فوربس» سوجنين يونجو، وتكتب عن نفسها فى صفحة التعريف بنفسها أنها «أحد المساهمين فى مجلة فوربس، وراوية قصص متعطشة، أكرس جهودى لتضخيم الأصوات والتجارب والقصص غير المسموعة للنساء السود من خلال مصادر تم التحقق منها.. حصلت على درجة الماجستير فى الصحافة من جامعة نيويورك، وكتبت سابقًا عن انتصارات النساء السود وقابليتهن للتكيف فى أوقات الشدائد والتحولات الثقافية.. وسلط عملى الضوء على جوانب مميزة للأنوثة السوداء، بما فى ذلك الرعاية الصحية وإنجاب الأطفال، والعدالة الاجتماعية، والقضايا المتعلقة بالعرق».
وهى بحسب موقع «ستيتمنت أفريكا»: «راوية قصص من خلفية مهاجرة، وفرت خلفيتها ووجهات نظرها الفريدة ذوقًا مثيرًا فى رواياتها، وتستمد الإلهام من الأفلام والسفر وأحلام اليقظة والقراءة، كما أنها مغرمة بشكل خاص بأفلام «نوليوود» النيجيرية القديمة»، وتقول فى مقدمة القائمة الجريمة التى وضعتها ما نصه: «لقد كان لدى الكتاب دائمًا القدرة على تغيير المثل العليا أو النماذج، وتقديم تعريفات بالعصور وتحديدها، والتأثير على المجتمع الأوسع من خلال مواهبهم المتجاوزة، فمن تأملات أفلاطون الفلسفية، خصوصًا تلك التى تتضمن حوارات سقراط، إلى الحكمة الكلاسيكية لإيسوب الذى يمتد أثره فى كتابة الأساطير، وسرد القصص لأجيال وأجيال، يتمتع فن الكتابة بقدرة فريدة على البقاء أطول من الزمان والمكان، ما يؤثر على القراء عبر الأجيال والمناطق الجغرافية.. وبفضل نخبة من العقول العظيمة التى وضعت الحبر على الورق لسرد بعض أقوى القصص فى عمر البشرية، أصبحنا قادرين على رؤية العالم بعيون جديدة، وإيجاد المنظور والعزاء فى تجاربنا الإنسانية المشتركة».. وتضيف سوجنين يونجو: «فى هذه القائمة، قمت بتجميع أعمال ١٠١ من أعظم المؤلفين والكتاب فى كل العصور، احتفالًا بمساهماتهم الفريدة فى الأدب وإتقانهم للكلمة المكتوبة. وتم تجميع هذه القائمة بمساعدة العديد من أمناء المكتبات فى مكتبة «هيريك» بمدينة هولند، ميتشيجان، المدينة التى ألهمت جزئيًا رواية «ساحر أوز» للكاتب ليمان فرانك بوم».. أما الطريف الطريف فى هذه المقدمة مثلًا أن اسم ليمان فرانك بوم الذى تستشهد بروايته لا يرد فى هذه القائمة التى يتصدرها شكسبير، وتتوسط نصفها الأعلى تلك النسوية النيجيرية التى تتفوق على جابرييل جارثيا ماركيز «فى المركز ٤٢» ونيتشه «٤٤»، وهاروكى موراكامى «٥٦»، وتى إس إليوت «٦٥» والتى نسيت اسمها، ويمكن الرجوع إليه فى بداية المقال.
وتوضح الكاتبة المغرمة بأفلام «نوليوود» أن «المؤلفين فى هذه القائمة يمثلون فترات زمنية متنوعة، ويصورون تطور رواية القصص وشكلها، من العصور القديمة إلى العصور الحديثة.. كما أن هذه القائمة لا تغطى فقط كتاب التجارب أو الروايات الخيالية؛ بل كل من امتلكوا البصيرة من أصحاب الكلمات الذين سافرت أفكارهم عبر الزمن، وما زالت صالحة، وقادرة على التحدى، والبقاء، وعلى الرغم من أن هذه القائمة تمتد لآلاف السنين من التاريخ المكتوب، بما فى ذلك الشخصيات القديمة مثل هوميروس، والمؤلفين الكلاسيكيين مثل فيرجيل ونجوم عصر النهضة مثل ويليام شكسبير، والمفضلين المعاصرين مثل ج.ك. رولينج وستيفن كينج أيضًا. وسواء كنت من محبى الشعر، أو الغموض، أو الرعب، أو الخيال الرومانسى، أو المذكرات، أو السير الذاتية، فهناك كاتب لكل نوع من القراء فى هذه القائمة التى تضم أعظم ١٠١ مؤلف فى كل العصور».
وعلى الرغم من تلك المقدمة التى توحى بالشمولية، أو التدقيق والتنوع، فلا معايير هناك، ولا شىء مطلقًا سوى ذائقة خاصة، مشوشة، مرتبكة ومغرضة.
على أى حال.. فإنه لقراءة «الجريمة الكاملة»، لن تحتاج إلى أكثر من ضغطة زر على مواقع البحث بشبكة الإنترنت، لكننى أحذرك من أنها سوف تصيبك بشىء من الامتعاض وسدة النفس إن استمررت فى قراءتها، ولكى تكون لديك صورة عما سوف تجده، فيكفى أن أقول لك مثلًا إن القائمة التى يتصدرها العشرة الكبار، وفق ترتيب لا منطقى، تبدأ من شكسبير، يليه هومر وفيرجيل، ثم تولستوى، وهيمنجواى، وجان أوستن، فديكنز، ودوستويفسكى، وصولًا إلى فيرجينيا وولف، وتشوسر.. تضع ليوناردو دافنشى مثلًا فى المركز الثالث والعشرين.. لماذا؟! لا إجابة عندى.. بعده بقليل يأتى الهندى سلمان رشدى فى المركز الـ٢٦، وإذا كنت تبحث عن أجاثا كريستى، فلن تجدها قبل المركز ٧١، يسبقها مؤلف أفلام «سيد الخواتم» جون رونالد تولكين فى المركز الـ٦٠، ومؤلفة سلسلة «هارى بوتر» فى التاسع والستين.
أيهم أنجح؟!.. أيهم أكثر تحقيقًا للأرباح؟!
حتى هذا المعيار الذى قد تظن أنه هو الأصل فى قوائم المجلة المتخصصة فى التجارة والأعمال، لن تجده فى هذه القائمة التى لا تليق إلا بأقرب سلة قمامة.