الأحد 08 سبتمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

مُبدعة بـ 4 وجـوه.. سمية عبدالمنعم: شبهات حول مصادر تمويل أغلب الجوائز الدولية

سمية عبدالمنعم
سمية عبدالمنعم

- ممولو الجوائز الكبرى لا يستهدفون دعم النشاط الثقافى بل فرض السطوة على الساحة

- النقد واقع بين براثن المجاملة والشللية وكتّابه نفّروا القراء بمصطلحاتهم الأكاديمية

دخلتْ عالم الإبداع صغيرة، ربما لم تكن تدرك حينها وهى تسرد أولى حكاياتها أن ما تكتبه لا يختلف من ناحية الجودة والإتقان عن روايات الكتاب المشاهير، وربما لم تكن تدرك حينها أيضًا أنها موهوبة بالفطرة.

هى الروائية والشاعرة والقاصة والصحفية سمية عبدالمنعم، التى تجمع بين بلاطىْ الكتابة الإبداعية وصاحبة الجلالة الصحافة، وهذا ما منح إبداعها مسحة أدبية ممزوجة بالواقعية، فظلت كفراشة تتنقل بخفة ومهارة بين جميع أنواع الكتابة. وبعد مشوار طويل فى عالم الشعر والقصة، تُوج بثلاث مجموعات قصصية «جنون الحب، ورغبة، وسرير فارغ»، وديوانين فى شعر العامية «شبابيك، وحنين»، وكتاب نقدى، طرقت «سمية» باب الرواية بمشروع يحمل عنوان «جمهورية إمبابة»، ثم تستعد حاليًا لمشروع روائى جديد.

فى حوارها مع «حرف» تتحدث «سمية» عن مسارها الإبداعى بشكل عام، ورؤيتها للواقع النقدى وقضية الجوائز، وغير ذلك من القضايا الشائكة.

■ بعد روايتك الأولى «جمهورية إمبابة».. ألا تفكرين فى كتابة عمل جديد خارج السياقات النفسية والاجتماعية والعاطفية؟

- بين يدىّ مشروع إبداعى جديد ربما ليس جديدًا على قلمى، فلطالما كتبت فى ذلك المجال قديمًا، لكننى لم أصدر كتابًا فى مجال الفن من قبل، وأنا بصدد الانتهاء من كتاب عن العظيم عبدالحليم حافظ، أظنه يتناول زوايا مختلفة من حياته، لم تُطرق من قبل. 

■ تكتبين القصة والمقال والشعر.. هل كتبت الرواية استثمارًا لمقولة «زمن الرواية»؟

- ربما لا يعرف الكثيرون أننى حين بدأت أطرق عالم الإبداع وأنا صغيرة كنت أكتب الرواية، بل كتبت منها سلاسل كاملة، البوليسى والاجتماعى والرومانسى، ثم هجرتها دون قصد حيث عالم القصة القصيرة الذى أغوانى، فسرت إليه كالهائمة، وما زلت، وارتضيت تجاربى به وكللتها بالنشر.

إلا أن ما دفعنى للعودة إلى عالم الرواية ليس إغراء متطلبات سوق النشر مثلما يزعم الناشرون وغيرهم، حين يحاول بعضهم فرض ذائقة ما ولون ما على القراء، مستندين إلى مصطلحات نقدية راجت مؤخرًا- إنما زخم الأحداث التى صنعت «جمهورية إمبابة»، والتى ظلت تلح على مخيلتى لأكثر من عشرين عامًا متصلة، وكنت أرجئ إخراجها للورق حتى استحال الإلحاح تأريقًا، وما عدت أجد سوى كتابتها سبيلًا للخلاص، خاصة أنها تتناول فترة حرجة من تاريخ مصر وتاريخ تلك البقعة منها «إمبابة» حيث أحداث سياسية واجتماعية متداخلة، صنعت مزيجًا عجيبًا، شكّل فيما بعد شخصية المصريين وأثر على التحولات الديموجرافية والسيكولوجية للشخصية المصرية، وأزعم أن إجابات كثير من تساؤلاتنا حول تلك الهوة بين الأجيال تكمن فى أحداث فترة التسعينيات، متمثلة فى منطقة إمبابة.

■ ألا تتفقين مع مقولة جابر عصفور «نعيش زمن الرواية»؟

- دعنى أعبّر أولًا عن اختلافى كلية مع أستاذى الدكتور جابر عصفور، الذى أطلق بيننا مصطلح «زمن الرواية»، هو استند إلى كون الرواية تعد تأريخًا لحقب وأحداث وشخوص ومشاعر، لأن الأمر ذاته يحدث مع كل صنوف الإبداع، فما من جنس أدبى إلا ويؤصل لشعور ما أو حدث أو حتى فكرة ما، وهو سبب للإبداع عامة، ولا تستأثر به الرواية وحدها، ولا القصة فحسب ولا الشعر بمفرده، فتلك المصطلحات هى التى تثير فصلًا ونزاعًا مفتعلًا بين المبدعين على اختلاف ما يكتبون، فيرى الروائى أنه وحده المبدع الحق، والقاص يرى قصر يد الروائى عن التعبير عن لقطة مكثفة، فيما يرى الشاعر أنه وحده مالك الحرف وملك المجاز، وكل ذلك لا يصب إلا فى تشرذم الإبداع وضياع أثره الحق واختفاء رسالته وعدم جدواها.

وعليه فإنه لا يتبقى من تلك المصطلحات سوى غثاء، ولا يبقى من الإبداع إلا ما وقر فى نفس القارئ وأشبع روحه وانتزع منه آهاته.

■ تكتبين المقال الصحفى فى أكثر من جريدة وموقع إلكترونى.. ألم تؤثر تلك الكتابة على مسار إبداعاتك الثقافية؟ 

- أكتب لكونى فى الأساس صحفية أهتم بالشأن والملف الثقافى، ثم أعود لطبيعتى كقاصة أنتمى لعالم الإبداع، وهذا أثر بشكل واضح على طبيعة مقالاتى، فصارت تتماس مع القضايا الثقافية، وحتى ما يعد منها سياسيًا، فإن قلمى يخطه فى قالب إبداعى، يقترب فى مجمله من القصة الصحفية أو المقال القصصى، لذا فإننى أرى تأثرًا وتأثيرًا جليين بين مقالاتى وكتاباتى الأخرى، ما جعل للأمر تميزًا ألمسه فى آراء القراء ويسعدنى صداه كثيرًا. 

■ بعد أكثر من سبعة أعمال ما بين القصة والرواية والشعر والنقد.. كيف ترين مستقبل الفن والثقافة فى ظل عصر الحروب التى تستخدم الهويات والديانات والأعراق؟

- لا شك أنه على مدار التاريخ الإنسانى عامة سيظل المنتج العقلى والفكرى، أيًا كان جنسه، يشهد تجاذبًا وتعاطيًا مع مؤثرات الصراع البشرى، وهو ما تبدت ظلاله على الإبداع بأشكاله، فما من حرب إلا ووضعت أوزارها بين صفحات كتاب، وما من ثورة أو انقلاب أو حركة إلا وكان لها أثر فى كتابات وإبداع المبدعين، بل وعلى استحداث أنواع أخرى من التعبير، وظهور مدارس واختفاء أخرى.

مثلًا كانت للثورة الفرنسية أثرها المباشر على الفن والثقافة فى تاريخ الفن الأوروبى، وكانت سببًا من أسباب ظهور المدرسة الرومانسية والسينما الفرنسية بفرنسا وأحد أهم أسباب اكتشافها وتطورها.

وعطفًا على ما سبق، فقد كان لتحولات ما بعد ٢٠١١، وثورات الربيع العربى، أثر فى انتزاع بعض الفنون والإبداعات من عرش مكانتها وإحلال أخرى محلها، وهو ما حدث مع الرواية حيث لمع نجمها، وصارت مبتغى المبدعين والقراء، ربما لما شاب العقل المصرى والعربى من شعور بالرغبة فى الحكى، والبحث عن الذات المفقودة عنوة بين سطور كتاب تتضخم صفحاته، والبحث عن فجوة تبتلع ذلك الخواء والشعور بالفراغ واللا شىء الذى انتاب النفوس بعد إخفاقات تلك الثورات واحدة تلو الأخرى فى كل بلد زارته، فكانت الرواية هى السلوى والملجأ والمبتغى.

وربما ظلت الرواية كذلك لسنوات أخرى مقبلة، إلا أنها لن تستطيع الحفاظ على ذات المكانة، خاصة بعدما بدأت فنون مثل القصة القصيرة تزاحمها وتتخذ لها مكانًا أثيرًا بجانبها. 

■ هل يشعر الكاتب بالخلاص والحرية مع انتهائه من كتابه؟

- حلم النشوة والخلاص حلم أبدى لا ينتهى أبدًا، فكلما ظن الكاتب أنه وصل مبتغاه وحقق سلواه بنص ما، بزغت لديه أحلام أخرى تستولد نصوصًا أكثر فأكثر، فالمبدع يكتب ليحيا، هكذا الكتابة، كجرعة هواء تنعش رئتينا عند الاختناق بأفعال الزمن، فلا تخمد حاجتنا إليها ما دمنا نحيا.

■ حدثينا عن خارطة النقد بمصر والعالم العربى من خلال اشتباكه مع نصوصك.

- سأتحدث أولًا عن النقد بمصر بشكل عام، والحقيقة التى لا يمكن إغفالها هنا أن النقد الأدبى بمصر والوطن العربى يعانى أزمة كبيرة، قد سقط فريسة لها منذ سنوات بعيدة، ربما استطعت إيجازها فى ثلاثة أسباب؛ أولها تلك الفجوة الواسعة بين الناقد والقارئ، خاصة ذلك الناقد الذى يصر على أن يقدم نقده مغلفًا بمصطلحات أكاديمية وغربية يصعب فهمها إلا على المتخصصين، وهو ما يجعل النقد يحلّق بعيدًا فى سماوات خاصة به، الأمر ذاته قد حدث بين الناقد والمبدع، فلم تعد هناك قنوات اتصال بينهما، فبدلًا من أن يؤدى النقد رسالته الحقة ويصبح رقيبًا ومقومًا ومشيدًًا يتفاعل مع النص وكاتبه، أصبح منفصلًا عنهما ويغرد فى سماء المصطلحات فحسب، بل وقع بين براثن المجاملة والشللية، وذلك هو السبب الثانى الذى يشكل أزمته، فقد قالها يومًا يوسف إدريس «النقد فى السر مساومة»، وقد ساعدت وسائل التواصل كثيرًا فى شيوع تلك المجاملات، بظهور ما يسمى «الرفيو»، وهى قراءة انطباعية يفعلها غير الناقد وقد يكتبها كاتب لصديق مجاملة له، وكثيرًا ما تكون تلك الريفيوهات غير صادقة، فيطفو على السطح ما لا يستحق وتبخس حقوق الإبداع الحق.

ويتمثل السبب الثالث فى عدم وجود دعم مؤسسى دولى لحركة النقد بمصر، فالأمر يحتاج لتضافر المؤسسات الثقافية لدعم المشروعات النقدية التى تستحق، والتى قد تنتج عنها مناهج نقدية جديدة خاصة بنا، تكفينا حد التأثر بالمناهج الغربية.

ورغم ذلك فما زال الأمل معقودًا بوجود العديد من النقاد الموضوعيين الذين لا يحلّقون بعيدًا، ولا يتخذون من المجاملات عنوانًا لنقدهم، بل يتسمون بالموضوعية والحيادية، ويقدمون قراءات تفيد كلًا من الكاتب والقارئ على حد سواء، ولا أبالغ إن قلت إن الله قد حبانى بهذا النوع الفريد من النقاد، خاصة فيما يتعلق بمجموعتى الأخيرة «سرير فارغ»، التى حظيت بدراسات نقدية محترمة، وأفردت لها ملفات كاملة فى بعض المجلات الثقافية، وهو ما يفتح أمام عينى باب الأمل على اتساعه فى إمكانية عبور النقد الأدبى لأزمته.

■ ماذا عن ملف الجوائز؟

- لا يمكننا أن ننكر دور الجوائز الأدبية فى إقبال القراء على الأعمال المتسابقة أو الفائزة، فيكفى أن يصل العمل للقائمة الطويلة أو القصيرة حتى تنهال الحوارات الصحفية ويقدم القراء على شراء تلك الأعمال، وتقدم الدراسات النقدية والريفيوهات، خاصة إذا كان العمل يثير بعض اللغط والجدل.  

لكن، للأسف، فإن بعض تلك الجوائز، ومنها ما هو شهير حقًا، تدور حوله وحول مشروعية نتائجه الكثير من الشبهات، بل إن بعضها تثار علامات استفهام حول حقيقة تمويله ومصدره، وهو ما يجعل الحديث عن تلك الإشكالية يسبب لى الكثير جدًا من الألم والحزن، يكفى أننى قد هجرت الاشتراك فى أى من المسابقات الأدبية لسنين طويلة، ربما لم يقطعها سوى رغبتى فى الخروج من حالة حزن تملكتنى، إلا أن واقع الأمر مزرٍ، فقد تصنع الجائزة نجمًا ممن لا يستحق، وتظلم من يستحق.

والهدف الأكبر من الجوائز الأدبية هو تقديم الأعمال المميزة للقارئ وتعريفه بها، إلى جانب تشجيع المبدعين، لكن ما يحدث فى بعضها على العكس تمامًا.

فهل تتخيل أن ما يخصص للجوائز على مستوى الوطن العربى ثلاثة ملايين دولار، أغلبها- خاصة تلك الجوائز الدولية الشهيرة- يطلق فى الأساس ليس بهدف دعم النشاط الثقافى، بل هو محاولة من السلطات المختلفة لإبراز سطوتها، واستقبال فروض الولاء والطاعة، والتغنى بأسمائهم مسبوقة بألقاب داعم الثقافة فى الوطن العربى، ولك بعد ذلك أن تتخيل على أى شىء تبنى نتائجها، وهو ما دفع- على غرار ذلك- الفيلسوف جان بول ساتر لرفض جائزة نوبل فى الستينيات، واصفًا إياها بأنها تمنحهم صكوك غفران جديدة.

كل هذا يفرغ ذلك النوع من الجوائز من مضمونه وهدفه، فلا يتبقى لنا سوى بعض الجوائز المحلية التى ندعو أن تظل بعيدًا عن أيدى المتلاعبين. 

■ دعينا نعود إلى البدايات.. من الذى ألهمك أو دفعكِ للكتابة؟

- دائمًا ما يكون للقراءات الأولى الأثر الطويل والمحرك الباعث لجنىّ الكتابة داخلنا، ورغم تنوع قراءاتى فى فترة التكوين ما بين الأدب الروسى والإنجليزى والعربى، وما بين علم النفس وشغفى به وبالتاريخ، إلا أننى لا أنكر تأثرى الواضح بالعظيم يوسف إدريس، الذى دفعتنى عبقرية قلمه لطرق مجال الكتابة، خاصة القصة القصيرة التى كان هو رائدها، وللحقيقة ما زال يوسف إدريس ملهمى وأستاذى الذى لا أمل النهل من عبق إبداعه. 

■ ماذا تمثل لك الكتابة؟ وما طقوسك معها؟ وذكرياتك عن عيد الأضحى؟

- الكتابة ظل الحياة الجميل، وراحة النفس المتعبة، ومستقر الروح القلقة، فلا إبداع دون حياة، وكلما زاد صخب وزخم تلك الحياة صارت الكتابة أكثر ثقلًا ومتعة وقربًا، ودائمًا ما أقول إن الكتابة التى لا تحمل جزءًا من روح كاتبها هى كتابة زائفة مصطنعة، فظلال الذكريات تلوح بين ما نكتب، هذا أكيد ولا ريب فيه.

وعليه فإن الكتابة فى أيام الأعياد ربما ليست واردة، لكن الكتابة عنها واردة وموجودة، تطفو بعد انتهاء أجواء العيد التى تلتهم جل الوقت وجل التركيز الذى يحتاجه الإبداع، وقد تستدعى شعورنا بها فى لحظات صفاء تختارنا لنكتب.