المزاجنجى.. هل سعيد صالح موهبة أتلفها الهوى؟
«مرسى بن المعلم الزناتى انهزم يا رجالة».. إفيه وُلِد على خشبة المسرح فى إحدى ليالى عرض المسرحية الشهيرة مدرسة المشاغبين عام 1973، إفيه أطلقه فنان تنبأ له القاصِى والدَّانى بأنه سيكون إحدى ركائز فن الكوميديا فى مصر خلال تلك الحقبة بل ولحقبات مقبلة، وسيشار له بالبنان، إفيه ارتجالى خرج عن موهبة فطرية تركت بصمة لم ولن ينساها أحد أو تمحوها سنوات، ألا وهى موهبة «سعيد صالح إبراهيم نجم».
الإفيه الشهير خرج عن مجرد جملة فى سيناريو أو حتى قول ارتجالى، ليتحول مع مرور الوقت إلى بوصلة يمكن بها محاكمة «سعيد صالح»، هل حقًا انهزم بن المعلم الزناتى، كما جاء على لسانه؟ هل أنصفته موهبته وجماهيريته أم افتقد فن إدارة تلك الموهبة، كما وصفه البعض؟
تاريخ كبير ومبهج سطره الفنان الراحل حتى تحول فى بعض الأحيان إلى طقس سنوى عند المصريين، فمثلما لن يستطيع أحد نسيان مرسى الزناتى، من يمكنه إذن تجاهل «سلطان السكرى» فى رائعة «العيال كبرت» ويفصل بين سماع جملة «إنت جيت يا رمضان» مع أكواب الشاى وكعك العيد فى أول أيامه المباركة.
موهبة «سعيد صالح» يمكن القول إنها ولدت على المسرح، اتخذت من الكواليس سكنًا وخلف الستار دارًا، موهبة كان لا بد من وضعها على طاولة الخبراء بين منصف ومتعاطف، تلك الموهبة المتأرجحة بين الإشادة واللوم، دفعت «حرف» وبعد 10 سنوات على رحيل «ابن المسرح» لوضع تلك الموهبة على كفتى الميزان، للإجابة عن السؤال: «هل مرسى بن المعلم الزناتى انهزم يارجالة»؟
طارق الشناوى: افتقد فن إدارة الموهبة
وصف الناقد الفنى طارق الشناوى، الفنان الراحل سعيد صالح بأنه الأكثر موهبة بين أبناء جيله دون تصنع، مشيرًا، فى حواره مع «حرف»، إلى أن سوء إدارة سعيد صالح موهبته وعدم دقته فى اختيار أعماله وراء عدم حصوله على المساحة التى يستحقها من النجومية.
■ بنظرة نقدية بحتة.. كيف تقيّم موهبة الفنان الراحل سعيد صالح؟
- لا شك أنه فنان فطرى متعدد المواهب، ومن أكثر الفنانين الموهوبين فى تاريخ الفن المصرى، حيث كانت الكوميديا تنبع من داخله ولم يتصنعها أو يتعلمها، كما أنه نجح فى صُنع حالة مبهجة فى الفن العربى ككل وليس المصرى فحسب.
■ هل كان الأكثر موهبة بين أبناء جيله؟
- كان الأكثر موهبة لكنه ليس الأكثر ذكاء، وهذا هو الفارق بينه وبين عادل إمام، رغم تشابه بل وتطابق ظروفهما، بل كان الرهان على سعيد صالح فى وقت من الأوقات أعلى بكثير من الزعيم، بدليل أن أجره فى مسرحية «مدرسة المشاغبين» كان أكثر من الأجر الذى حصل عليه عادل إمام، ولكن سوء إدارة الموهبة وعدم التفكير فى غدٍ والمستقبل سبب تلك المساحة الكبيرة فى مستوى الشهرة والنجومية بينهما.
■ هل سوء إدارة الموهبة السبب الوحيد فى تفوق الزعيم على سعيد صالح؟
- أحد الأسباب، ولكن من وجهة نظرى أيضًا أن مشاركة سعيد صالح فى العديد من أفلام المقاولات كانت سببًا فى التأثير على موهبته، بعكس عادل إمام الذى لم يشارك إطلاقًا فى تلك النوعية من الأعمال.
■ إذن سوء الاختيار فى العديد من الأوقات أثر على نجوميته؟
- بالفعل، حيث كان يفتقد أيضًا لبوصلة الاختيار، بدليل رفضه المشاركة فى مسلسل «ليالى الحلمية» ليحل مكانه الفنان الكبير الراحل صلاح السعدنى، والعديد من الفرص والأعمال التى أضاعها بنفسه وبإرادته.
■ معنى ذلك أن الموهبة تحتاج بعض الوقت لفكر اقتصادى لإدارتها؟
- بالتأكيد، وخير مثال على ذلك مسيرة عادل إمام، حيث كان يشترط على المخرج الكبير سمير خفاجى الحصول على ٣٠٪ من إيرادات مسرحياته معه، بينما اتجه سعيد صالح للمغامرة الفنية والمالية وتكوين فرقة مسرحية خاصة تسببت له فى خسائر مالية كبيرة للغاية.
صبرى عبدالمنعم: عاش كما أراد وموهبته لا تقل عن الريحانى ويوسف وهبى
لا يخلو مشوار عُمر الإنسان من شهود على مسيرته ورفقاء لرحلته، وكما كان الفنان عادل إمام رفيق مشوار الراحل سعيد صالح لم ينجح فى التفريق بينهما إلا الموت، كان كل من الفنان الراحل عهدى صادق والفنان صبرى عبدالمنعم باقى أضلاع مربع تلك الصداقة.
صداقة عُمر- كما قال عنها الفنان صبرى عبدالمنعم فى حديثه مع «حرف»- حيث وصف موهبة سعيد صالح بأنها لا تقل براعة عن نجيب الريحانى ويوسف وهبى، مشيرًا إلى أنه عاش حياته كما أراد دون إملاء من أحد وحفر تاريخه على جدران الفن المصرى.
■ بحكم الصداقة الوثيقة التى جمعتكما.. كيف تقيّم موهبة سعيد صالح؟
- بالتأكيد سعيد صالح فنان لن يتكرر أو يأتى الفن المصرى بمثله، حيث نجح فى حفر طريقه وحفر اسمه فى تاريخ الفن المصرى بحروف من ذهب يصعب على غيره أن يفعل ما فعله أو حتى يقترب من تلك المساحة الفنية الرائعة.
■ البعض يقول إن سعيد صالح كان يستحق أكثر مما وصل إليه؟
- بالفعل، موهبة سعيد صالح فذة لا تقل عن موهبة الفنان الكبير الراحل نجيب الريحانى أو الفنان المسرحى الكبير يوسف وهبى، حيث نجح فى تأسيس فرقة مسرحية فى بداية حياته، لو كانت وجدت من يمد لها يد العون ويحتويها فى أن تنجح وتسير على خطى فرق الريحانى ويوسف وهبى، لكنه للأسف الشديد خسر فيها كل أمواله ومدخراته، وعلى الرغم من ذلك لم يسقط أو تهتز ثقته فى نفسه واستكمل مسيرته الإبداعية الرائعة.
■ لماذا لم ينجح فى تلك المساحة التى اختارها لنفسه؟
- غير صحيح، سعيد صالح عاش كما أراد، وصنع لنفسه الحالة التى يرغب فيها وارتضاها لنفسه ولمسيرته الفنية ولموهبته العظيمة، وأعماله ومسرحياته الجريئة فى ذلك الوقت الذى قدمها فيه خير دليل على ذلك، كما أنه كان فنانًا متعدد المواهب وله بصمات واضحة على الفن المصرى، وخلال صداقتنا عاصرت تأليفه العديد من الألحان العبقرية التى لم يكتب لها الخروج إلى النور.
■ لماذا لم تأخذ هذه الألحان نصيبها من الشهرة؟
- أعتقد أنه لم يرد ذلك فى وقتها، وأطالب ابنته «هند» بالبحث عنها والكشف عن تلك الألحان العبقرية، التى لو ظهرت للنور ستمنح سعيد صالح مكانة فنية أكبر بكثير مما حصل عليها.
محمد أبوداود: عبقرى.. يكره البروفات ودائم الخروج عن النص
شبه المخرج المسرحى الكبير محمد أبوداود موهبة الفنان الراحل سعيد صالح بالعبقرية والفذة، مؤكدًا، خلال حديثه مع «حرف»، أن شعور سعيد صالح بالملل من البروفات وطول مدة التصوير سبب رئيسى فى عدم بزوغ نجمه مقارنة بصديق عُمره الفنان «عادل إمام».
■ بخبرتك الكبيرة كيف تصنف موهبة سعيد صالح من خلال متابعتك القريبة له على خشبة المسرح؟
- موهبة فذة لم يأتِ مثلها إلا قليل وأعتقد من الصعب أيضًا أن يأتى مثلها، فنان موهوب ورائع، وصفه المخرج المسرحى الكبير سمير خفاجى بـ«العبقرى»، أستطيع أن أقول إن سعيد صالح كان معجون موهبة ونجح فى تقديم كل الأدوار، حيث كان يمتلك حضورًا طاغيًا على خشبة المسرح، وقبولًا لدى المشاهدين لا مثيل له.
■ أخرجت مسرحيتين للفنان الراحل.. كيف كان التعامل بينكما فى البروفات وخلف الكواليس؟
- «سعيد صالح» فنان مُتعب فى البروفات بل أكاد أجزم أنه لا يحب البروفات، لذلك طيلة الوقت كان بحاجة إلى وجود مخرج يعرف كيف يديره وينظم سير العمل معه وإلا ستنفلت الأمور، كما كان دائم الخروج عن النص سواء أثناء البروفات أو حتى أثناء العرض.
■ وكيف كان يمكن التحكم فى موهبة كبيرة بحجم سعيد صالح على خشبة المسرح؟
- بالتأكيد الأمر لم يكُن بالسهل أو اليسير على أى مخرج مسرحى، خاصة أن المسرح له ضوابط وأسس معينة صعب الخروج عنها، وأذكر أنه، خلال بروفات إحدى المسرحيات التى كان يشارك فيه مع عدد آخر من الفنانين مثل محمد هنيدى وعلاء ولى الدين، وجدت سعيد صالح سريعًا فى أدائه للغاية سواء أثناء البروفات أو التحضير للعرض، ويريد الذهاب سريعًا والخروج من المسرح، وحينها هددته بشكل مباشر إما حفظ المشاهد بالكامل وإتقانها وإلا سيستمر التحضير للمسرحية شهورًا حتى تخرج للنور بالشكل اللائق.
■ من وجهة نظرك.. هل نال سعيد صالح المكانة التى يستحقها؟
- للأسف الشديد كان يستحق مكانة وشهرة أكثر بكثير مما حصل عليه وناله سواء فى المسرح أو على شاشة السينما، ولكنه أهمل فى حق نفسه كثيرًا ولم يستطيع إدارة موهبته بالشكل المناسب لها، حيث كان حبه للمسرح سببًا فى التأثير بشكل سلبى على مساحة ظهوره فى السينما والتليفزيون.
■ معنى ذلك أن المسرح كان سببًا فى اجتزاء موهبته؟
- بالتأكيد، حيث كان يميل أكثر للتفاعل اليومى مع الجمهور عن قُرب وهو ما يفتقد وجودًا فى السينما والدراما، لذلك تجد أعماله المتميزة فى السينما أقل بكثير جدًا من أعماله فى المسرح.
■ ولكنه نجح فى مساحة البطولة المطلقة فى المسرح؟
- بالفعل، ولكن فنانًا شاملًا بموهبة سعيد صالح كان يمكنه النجاح فى مساحات أكثر بكثير، ولكن أكثر ما كان يعيبه فى السينما هو قبوله بأى شىء بغض النظر عن القيمة الفنية التى قد لا تتناسب مع موهبته فى الكثير من الأحيان.
■ رغم تشابه الظروف بينهما إلا أن عادل أمام حقق جماهيرية ونجومية تفوق سعيد صالح.. ما السبب من وجهة نظرك؟
- فن إدارة الموهبة هو ما نجح فيه عادل إمام بينما لم ينجح فيه سعيد صالح رغم موهبته العبقرية على الرغم من أن سعيد صالح بدأ المشوار فى المسرح قبل عادل إمام فى مسرحية «هالو شلبى»، إلا أن عادل إمام استطاع إدارة موهبته بذكاء، وكان للقائه فى بداية مشواره بالمخرج الكبير سمير خفاجى دور كبير فى إصقال تلك الموهبة وحسن توظيفها.