رجاء لا يغيـب.. احتفاء بـ90 عامًا على ميلاد رجاء النقاش (ملف)
- مشروعه النقدى أكبر من التقييم وبيت النقاشين رسم شخصيته الأدبية
- أنقذ نزار قبانى من غضب عبدالناصر.. وهيكل صنفه ضمن عظماء المهنة
يمكنك بسهولة أن تصفه بــ«الموسوعى» و«متعدد المواهب»، فهو الرجل الذى أبحر من ضفة الأدب ونقده حتى صار اسمه مقرونًا بهذا المجال، إلى ضفة الصحافة التى تميز بها وأصبح من أشهر «أسطواتها» وصناع التجارب فيها، وبينهما أخذته أمواج الفن وكانت لها من مسيرته نصيب كبير، ليرسو فى النهاية على البر، هو علم لو ذكرته مجردًا لكفى.. اسمه رجاء النقاش.
بين جدران «روزاليوسف» العريقة صاغ هذا الاسم وشكل كقطعة ألماس نادرة، فى نهاية خمسينيات القرن الماضى، ومنها انطلق إلى جريدتى «أخبار اليوم» والأخبار، فى بداية الستينيات، قبل أن يتولى دفة القيادة كرئيس تحرير وإدارة للعديد من الصحف والمجلات، بداية من رئاسة تحرير مجلتى «الهلال» والكواكب، مرورًا برئاسة مجلسى إدارة وتحرير مجلة «الإذاعة والتليفزيون»، ثم رئاسة تحرير مجلة «الشباب» الصادرة عن مؤسسة «الأهرام».
لم يكتفِ بنثر إبداعه فى مصر، وحلق مع الطيور المهاجرة إلى العديد من الدول العربية، لصناعة تجارب ثقافية وصحفية مثلت بدايات لهذه المجالات فى تلك الدول، وهو ما تجسد فى إصداره لمجلة «الدوحة» فى قطر، قبل أن يعود لاستكمال مسيرة الإبداع بين بنى وطنه، ليواصل كاتب التاريخ إسالة المزيد من الحبر فى تسجيل رحلة ناقد وصحفى وكاتب متفرد، يستحق من دون أى مبالغة لقب «الأستاذ».
وتحمل مسيرة ابن محافظة الدقهلية، الذى ولد فى الثالث من سبتمبر عام 1934، الكثير من المشروعات الأدبية المهمة، من بينها إعداده كتاب «صفحات من مذكرات نجيب محفوظ»، الذى حكى فيه «أديب نوبل» أبرز محطاته ومعاركه، إنجازاته وكبواته، لتعيش مذكرات الأديب الكبير سنوات طويلة، بقلم ورؤية «الأستاذ رجاء».
وصفه بـ«الأستاذ» مُستحق من دون أى شك، فـ«النقاش» لم يقتصر على منح وطنه كتاباته ومشاريعه الصحفية والأدبية فحسب، بل اختار نفض الغبار من على قطع ألماس، صارت فيما بعد علامات حُفرت أسماؤها فى كتب التاريخ ممهورة بإنتاجهم المتفرد، وعلى رأسهم يأتى الروائى السودانى الطيب صالح، الذى أعاد اكتشافه، ونشر رائعته «موسم الهجرة إلى الشمال» للمرة الأولى، فى سلسلة روايات «الهلال» الشهيرة، إلى جانب كتابة مقدمة نقدية رائعة لها.
كما كان له دور وطنى قومى عروبى، أضاف به إلى سجله المهنى شرفًا لن يزول، حينما أعد كتابًا عن أيقونة شعر المقاومة الفلسطينية محمود درويش، ليكون صك مرور للشاعر الكبير إلى قلوب العرب فى كل ربوع الأرض.
وينتمى «الأستاذ رجاء» إلى «بيت النقاشين»، والذى يمكن وصفه بالأرض الخصبة التى أنبتت ورودًا فى تاريخ الصحافة والفن المصرى، فشقيقه الراحل وحيد النقاش كان مُترجِمًا وناقدًا، وشقيقه الآخر فكرى النقاش مؤلف مسرحى. بينما تقلدت شقيقته الناقدة فريدة النقاش رئاسة تحرير مجلة «أدب ونقد» لنحو عشرين عامًا، قبل أن تصبح رئيسة تحرير صحيفة «الأهالى»، لسان حال حزب التجمع اليسارى، منذ نهاية 2006. كما امتد سلسال هذا البيت الثقافى العريق ليشمل الشقيقة الأخرى أمينة النقاش، الكاتبة الصحفية الكبيرة.
وكما عاش من أجل الإبداع فى كل موضع خطته قدماه، نال رجاء النقاش تكريمًا وتقديرًا يليق بتلك المسيرة المشرفة، سواء ممن أسعده حظه بقراءة أعماله، أو من خلال العديد من الجوائز التى حصل عليها، وعلى رأسها جائزة الدولة التقديرية، فى عام 2000، ودرع المجلس الأعلى للثقافة.
واختار مجلس إدارة «جائزة الصحافة العربية» التابعة لـ«نادى دبى للصحافة» رجاء النقاش كشخصية العام العالمية، فى 2004، قبل أن ينال تكريمًا جديدًا، فى يناير 2007، خلال حفل كبير بنقابة الصحفيين المصريين، حصل فيه على درع النقابة ودرع مؤسسة «دار الهلال» ودرع حزب «التجمع»، ليرحل بعدها بعام واحد، تحديدًا فى شهر فبراير 2008، تاركًا تاريخًا مُشرفًا ومسيرة تستحق الاحتفاء.
74 عامًا من الإبداع عاشها الكاتب الموسوعى على أرض المحروسة، وبالأمس الموافق الثالث من سبتمبر حلت ذكراه العطرة، فماذا يقول محبوه وتلاميذه وكل من أصابهم إبداعه فى هذه المناسبة؟
اقرأ في الملف:
-«حرف» تنفرد بنشر برقية تهنئة نجيب محفوظ لـ«النقاش»: مقالاتك أغانٍ
-محمد عفيفى: ناقد نزيه.. وكوكتيل من زمن الصحافة الجميل
-الشقيقتان أمينة وفريدة النقاش تتحدثان عن «السند»
-إبراهيم داود: صاحب أيادٍ بيضاء على القضية الفلسطينية ورفع العزلة عن شعرائها
-أيمن الحكيم: «صاحب السر».. وخلطته السحرية لم يصل لها أحد
-سعيد الشحات: حَوّل مجلة الدوحة إلى جسر للتواصل بين المشرق والمغرب