الأربعاء 23 أكتوبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

حرف تواصل كشف الملفات المسكوت عنها

القومى للترجمة يتجاهل إصدار كتاب لمؤسسه جابر عصفور منذ سنوات!

حرف

- المركز أخّر كتابين لمدير مكتبة الإسكندرية 8 سنوات ثم أصدرهما بعد توليه المنصب

- د. أحمد زايد: زوجتى الراحلة سلّمت المركز كتابًا منذ 10 سنوات ولم يصدر حتى الآن

- د. هالة فؤاد: كرمة سامى ليست مؤهلة لإدارة المركز.. ولا تمتلك رؤية أو خطة عمل

على طريقة قطع «الدومينو» المتراصة وراء بعضها البعض، ما أن تسقط إحداها حتى يتوالى سقوط القطع الأخرى، تكشفت لـ«حرف» واقعة جديدة من وقائع مسلسل «وأد» الكتب فى المركز القومى للترجمة.

ونشرت «حرف» فى حلقتين سابقتين وقائع عديدة لتأخر نشر الكتب فى «القومى للترجمة»، حتى تنتهى حقوق نشرها، ليكون المركز والقائمون عليه أمام خيارين لا ثالث لهما، إما نشر الكتب قبل فترة وجيزة من انتهاء حقوق نشرها، كما حدث فى كتاب «الأسطورة البدوية»، أو تجديد حقوق نشرها للمرة الثانية بسبب هذا التأخير، كما حدث فى كتاب «شعرية ما بعد الحداثة».

فى هذه الحلقة الجديدة تنشر «حرف» واقعة جديدة، كشف عنها مصدر مطلع فى المركز القومى للترجمة، وبطلها مدير مكتبة الإسكندرية، الدكتور أحمد زايد.

مدير مكتبة الإسكندرية

وفقًا لما كشفه مصدر المركز القومى للترجمة، فإن كتابىّ «العقل الاجتماعى- مقدمة فلسفية»، و«هل يصبح الإسلام ديمقراطيًا؟: الحركات الاجتماعية وتحول ما بعد الإسلاموية»، من تأليف الدكتور أحمد زايد، أستاذ علم الاجتماع، تأخر صدورهما لمدة ٨ سنوات، ولم يتحرك المركز وينشرهما إلا بعد تولى «زايد» منصب مدير مكتبة الإسكندرية.

من جهته، أكد الدكتور أحمد زايد حدوث الواقعة، قائلًا، فى تصريح خاص لـ«حرف»: «بالفعل تتأخر صدور ترجمات الكتب فى المركز القومى للترجمة، ولا أدرى أسباب هذا التأخير، ربما يكون لديهم ظروف ما».

وأضاف «زايد»: «شخصيًا، صدرت لى كتب بعد ٦ سنوات من تقديم ترجمتها إلى المركز، وهناك كتاب لزوجتى المرحومة الدكتورة سميحة نصر، عبارة عن قاموس فى العلوم الاجتماعية، ترجمته زوجتى مع زميلة لها فى المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، وسلمته إلى المركز منذ أكثر من ١٠ سنوات، ولم يصدر حتى الآن».

وواصل: «الغريب أن هناك كتابًا للدكتور جابر عصفور نفسه، وهو من أسس المركز القومى للترجمة، موجود فى المركز منذ فترة دون إصدار، حتى إننى ذات مرة كنت أسأل عن كتبى وسبب تأخرها، فقالوا لى: (ده حتى كتاب دكتور جابر عصفور نفسه متأخر)».

وأكمل: «ربما تكون لدى المركز ظروف أو مبررات لهذا التأخير. لكن هذا لا ينفى أن الكتب يتأخر صدورها لفترة طويلة. لدى أصدقاء وزملاء فى الكلية لهم كتب فى المركز أيضًا، تأخر صدورها منذ أكثر من ٨ و١٠ سنوات».

ونبّه إلى أن «هناك مشكلة فنية تتعلق بهذا التأخير، وهو انتهاء حقوق نشر هذه الكتب التى يتأخر إصدارها، بما يؤدى إلى إهدار الأموال التى تدفع نظير حقوق الترجمة، خاصة أنه يتم طباعة الكتاب ونشره، ثم تخبئته فى المخازن بسبب انتهاء حقوق النشر، وهكذا».

وشدد على أن «الكتاب الذى تسلم المركز القومى للترجمة ترجمته ينبغى إصداره دون تأخير، فى ظل أن المترجمين الذين ترجموا هذه الكتب التى لم تُنشر استلموا مستحقاتهم كاملة نظير الترجمة، وبالتالى ترك هذه الأعمال بلا نشر يعد خسارة فادحة».

وخلُص إلى أنه «على أى حال، لا بد أن يكون هناك حل جذرى لمشاكل تأخير نشر الكتب، حفاظًا على المال العام»، مقترحًا تشكيل لجنة، أو عقد اجتماع بين مديرة المركز ووزير الثقافة، بما ينتهى إلى وضع خطة للنشر، يمكن أن تتضمن إصدار كتاب كل أسبوع مثلًا، حتى نشر كل الكتب المتأخرة.

الدكتور جابر عصفور

حول ما أثاره الدكتور أحمد زايد من وجود كتب متأخرة للدكتور جابر عصفور، لدى المركز القومى للترجمة، الذى أسسه «عصفور»، بنفسه، تواصلت «حرف» مع الدكتورة هالة فؤاد، أستاذ الفلسفة بكلية الآداب جامعة القاهرة، أرملة الدكتور جابر عصفور.

وقالت الدكتورة هالة فؤاد: «المسألة ليست فى تأخير الكتب فقط، بل فى أن مَن يُدير المركز حاليًا ليس لديه رؤية، وهذا أخطر ما فى المسألة، فأى تفاصيل يمكن حلها عندما يكون لدى من يدير الرؤية المطلوبة».

واعتبرت أن «الدكتورة كرمة سامى ليست مؤهلة لإدارة المركز القومى للترجمة، ولا تملك الرؤية المطلوبة، لذا أرى أن المشكلة فيها نفسها، فى ظل عدم امتلاكها تصورًا لطبيعة الدور المفروض أن تلعبه، إلى جانب افتقادها لخطة عمل واضحة».

وأضافت: «الدكتور جابر عصفور- وأنا هنا لا أتحدث من منطلق أنه كان زوجى- امتلك رؤية واضحة فى إدارة المركز القومى للترجمة، فعمل على بعث مشروع طه حسين (الألف كتاب)، واستعادة دور الترجمة فى العالم العربى، وهو ما نجح فيه بالفعل، والدليل على ذلك ظهور مشروع (كلمة) للترجمة فى الإمارات، بعد أن أسس المركز المصرى، بجانب حرصه على وضع قائمة للأولويات فى الترجمة، فلم تكن المسألة عشوائية أبدًا».

ورأت أنه «بعد الدكتور جابر عصفور، وليس الدكتورة كرمة سامى فحسب، كل من تولوا إدارة المركز القومى للترجمة مجرد إداريين بالمعنى الوظيفى، فالمديرة الحالية تصلح أن تكون مديرًا تنفيذيًا للمركز، لكن لا يمكنها وضع استراتيجية، بينما المركز يحتاج إلى استراتيجية ورؤية وخطة عمل واضحة».

وواصلت: «الدكتورة كرمة سامى أغرقت نفسها فى مشاكل مع الموظفين، وفى صغائر الأمور، وهو ما لا يستقيم مع مؤسسة بقوة وأهمية المركز القومى للترجمة، الذى يجب أن يكون التركيز فيه على المبادئ الأساسية، وأن يكون مديره مستوعبًا لموظفيه، لا أن يدخل معهم فى مشاكل».

وخلصت إلى أنه «فى رأيى الشخصى، لو أعيد النظر فى إدارة المركز القومى للترجمة، ستتغير كثيرًا من السلبيات، من بينها تأخر حقوق المترجمين، وتكدس الكتب فى المخازن»، مشيرة إلى أن الدكتور جابر عصفور ترك المركز وكان قد ترجم وأصدر ٣٠٠٠ كتاب تقريبًا، ومن وقتها ما أصدره المركز لم يتعدَ الـ٢٠٠٠ كتاب، هذا إن كانت قد وصلت بالفعل إلى هذا الرقم، وهو ما أشك فيه.

وطالبت الدكتورة كرمة سامى بإعادة النظر فى طريقة إدارتها للمركز القومى للترجمة، والاستعانة بمجموعة مستشارين تكون لديهم رؤية يمكنها إعادة الحياة إلى المركز، خاصة أن المكان تتوافر فيه تقنيات مميزة يمكن استغلالها أفضل استغلال.

واختتمت الدكتورة هالة فؤاد بقولها: «هذا رأيى، وسبق أن قلته مباشرة فى وجهها، وأكدت أنها لا تُحسن إدارة المكان، ولا تحمل رؤية تستطيع أن تستوعب كل التفاصيل وتسهم فى زيادة الإنتاج بدلًا من تقليله، خاصة مع هروب المترجمين من المركز بسبب سوء المعاملة، فى ظل عدم معرفتها بمكانة البعض»، وفق تعبيرها.

رحلة إصدار الكتاب

بعد الوقائع المتعددة التى عرضناها على مدى ٣ حلقات، وما طرحه العديد من المترجمين والمهتمين بالترجمة عامة، يُثار تساؤل حول آلية عمل المركز القومى للترجمة فى طبع الكتب، من أول شراء حقوق النشر حتى ظهور الكتاب للقراء.

تبدأ هذه المراحل باختيار الكتاب، وهو ما يخضع إلى مسارين، إما أن يختار «القومى للترجمة» كتابًا ما ويقدمه إلى مترجم لترجمته، أو أن يقترح مترجم ترجمة كتاب ما، وفى الحالتين يستوجب ذلك موافقة الناشر الأصلى للكتاب، الذى يحدد مدة زمنية لهذه الحقوق، حال موافقته على النشر.

وإذ ما قدم المركز الكتاب إلى مترجم لترجمته، يجب أن يسلم المترجم هذا الكتاب فى مدة زمنية من ٦ أشهر حتى ١٢ شهرًا كحد أقصى، وبعد الانتهاء من الترجمة يُسلم الكتاب إلى المكتب الفنى فى المركز، لفحصه فنيًا من خلال متخصص فى المادة العلمية للكتاب.

بعدها، يُعرض الكتاب على مراجع للغة العربية، ثم يُقدم إلى إدارة التحرير فى المركز، المنوط بها مراجعة المادة العلمية بالكامل، ومراجعة الترجمة وتحريرها، ثم يمر الكتاب إلى التصحيح، ومنه إلى إدارة التجهيزات الفنية التى تحيله إلى الطبع، ومن ثم تستلم لجنة فحص المطبوعات نسخة للمراجعة النهائية لإجازة طبع ونشر الكتاب.

وفى حالة كتاب الدكتورة هدى زكريا «الذاكرة الاجتماعية»، الذى تناولنا واقعته فى العدد قبل الماضى من «حرف»، الكتاب لم يُراجع من قبل لجنة التجهيزات الفنية، لذا طُبع غير مكتمل، ومن ثم أُلقى فى المخازن، رغم إعلان الصفحة الرسمية للمركز القومى للترجمة على «فيسبوك» عن صدور وإتاحة الكتاب للجمهور.

وتنفيذًا لتوصيات النيابة الإدارية «نيابة الثقافة»، فى القضية رقم ٢٤٩ لسنة ٢٠٢١، بتكليف المركز القومى للترجمة باستصدار تعليمات لربط سير المرفق «المركز» بما يحقق الهدف المرجو منه، أصدرت الدكتورة كرمة سامى، مدير المركز، القرار رقم ٩٠، بتاريخ ٢٧ يوليو ٢٠٢٢.

وجاء فى القرار: «يُعمل بالقواعد المرفقة والخاصة بتسيير دورة إنتاج الكتاب بالمركز القومى للترجمة، على أن يكون القرار والقواعد المرفقة موجهة إلى التقسيمات التنظيمية الموضح اسمها قرين كل مرحلة من مراحل إنتاج الكتاب، مع التزام تلك التقسيمات.. إلى آخر نص القرار».

ويطرح هذا «التعديل» تساؤلًا حول القواعد المعمول بها فى المركز، قبل إصدار مديرته القرار رقم ٩٠ تنفيذًا لتوصيات النيابة الإدارية، على خلفية شكوى قُدمت إلى وزيرة الثقافة السابقة، الدكتورة نيفين الكيلانى.

وتؤكد توصيات النيابة الإدارية أنه كان هناك «خطأ» فى إدارة «القومى للترجمة»، يتمثل فى عدم وضع دورة مستندية يمكن الاحتكام إليها، ومحاسبة الإدارات المختلفة فى المركز عن المواعيد المحددة لكل مرحلة من مراحل العمل على الكتاب المترجم حتى توافره للقراء.

المرأة الحديدية

أصدرت الدكتورة كرمة سامى، مدير المركز القومى للترجمة، بتاريخ ١٣ أغسطس الماضى، القرار رقم ٨٢، بتكليف سهير محمد عبدالغنى القطب، بالمستوى الوظيفى الثالث «أ» بالمجموعة النوعية لوظائف الفنون، لتولى أعمال المراجعة الداخلية والحوكمة فى المركز، بجانب عملها فى الإشراف على قسم التخطيط والمتابعة، ولحين الانتهاء من استحداث الهيكل التنظيمى للمركز.

وحسب مصدر مطلع فى المركز القومى للترجمة، فإن القرار الإدارى به خلل وخطأ فادح، فى ظل إسناد مهام إدارية وظيفية إلى كادر على الدرجة الوظيفية الثالثة، بينما يوجد فى المركز كوادر أخرى، فى نفس المجموعة «مجموعة فنون»، على الدرجة الوظيفية الأولى.

وأكد المصدر أن المهام التى أسندت إلى سهير القطب توازى صلاحيات مدير المركز نفسه، وهو ما يثير الكثير من علامات الاستفهام حول القرار، خاصة أن المذكورة نُقلت من المركز القومى للترجمة، عام ٢٠١٤، على خلفية مشكلات أثيرت حولها، فى عهد مديرة المركز الأسبق، الدكتورة رشا إسماعيل، ليصدر وزير الثقافة، آنذاك، قرارًا بنقلها إلى المجلس الأعلى للثقافة، قبل أن تعود بصلاحيات أكبر، فى عهد الدكتورة كرمة سامى.

ومما يثير علامات الدهشة والاستغراب، عضوية سهير القطب فى اللجنة التى شكلتها كرمة سامى، وفقًا لقرار وزيرة الثقافة السابقة، الدكتورة نيفين الكيلانى، الذى يحمل رقم ٦٤٦ لسنة ٢٠٢٢، والتى تتولى اللجنة بموجبه حصر وفحص وجرد كل التعاقدات التى أبرمها «القومى للترجمة» مع الناشر الأجنبى، حتى صدور الكتاب، وذلك خلال الفترة من يناير ٢٠١٩ حتى يناير ٢٠٢٢، وبيان ما تم تنفيذه منها، وما لم يتم تنفيذه، مع بيان ما أدى إلى ذلك، وإذا كان قد ترتب ثمة ضرر بالمال العام من عدمه، والمسئول عن هذا الضرر، وسند المسئولية.

وضمت اللجنة فى عضويتها سهير القطب تحت مسمى أنها «مُترجِمة فى المركز القومى للترجمة»، وهى لم تترجم كلمة ولا كتابًا من قبل، بل إن لجنة الفحص والمراجعة التى ترأسها تضم زوجها، الدكتور سامى سليمان، وتلميذه فى قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة، وزملاء تلميذه بالقسم.

وسبق أن وجهت سهير القطب، عام ٢٠١٤، إلى الدكتور جابر عصفور، اتهامات بالفساد المالى، فرفع دعوى قضائية ضدها، وحكم لصالحه فى العام التالى مباشرة.

وفى قرار صادر بتاريخ ٥ سبتمبر ٢٠٢٣، يحمل توقيع سهير القطب، وتنشر «حرف» صورة منه، تخاطب فيه المذكورة إدارات: المكتب الفنى، والملكية الفكرية، والشئون المالية، والشئون القانونية، والتجهيزات الفنية، والتحرير والتصحيح، فى المركز القومى للترجمة، لاستكمال بيانات نموذج صلاحية الكتب المرفقة للنشر، بما يثبت مدى الصلاحيات اللا متناهية الممنوحة لها.