إهدار مال عام.. مهمة إنقاذ مليون نسخة فى مخازن القومى للترجمة
- المركز طبع 1000 نسخة من كتاب ثم ألقاه بالمخازن بعد أسبوع من عرضه
قبل أيام، تحديدًا يوم الأربعاء الماضى 4 سبتمبر الجارى، وخلال لقائه مع محررى الثقافة فى الصحف والمواقع المصرية، قال الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، إن مخزن المركز القومى للترجمة يضم قرابة مليون كتاب مُلقى ومهمل، مؤكدًا أن الوزارة تبحث عن حلول لهذه الأزمة.
وتعقيبًا على هذا التصريح، أرجع وزير الثقافة تكدس هذا العدد الضخم من الكتب فى مخازن المركز القومى للترجمة للحاجة إلى منافذ لتسويق وبيع هذه الكتب، مشددًا على أن «هذا الوضع قائم وموجود من قبل أن أتولى حقيبة وزارة الثقافة».
وأضاف وزير الثقافة، فى تصريح خاص لـ«حرف»: «نحاول إيجاد حلول لكل المشكلات التى وجدناها فى الوزارة»، معتبرًا أن «الحديث عن المشاكل بطريقة معينة قد يأتى بنتيجة عكسية، ويؤدى إلى إحباط القائمين على حلها».
لكن «هنو» أغفل أن تراكم الكتب فى مخازن «القومى للترجمة» لا يتعلق بمنافذ التوزيع، التى تقتصر على منفذ وحيد فى ساحة دار الأوبرا، وإنما يتعلق أيضًا بانتهاء حقوق النشر للعشرات من عناوين المركز، بسبب تأخر إخراج هذه الكتب، سواء فى المراحل التى تعقب تسليم المترجمين لترجماتهم، أو تأخر أوامر الطبع والنشر، وهو ما حدث فى واقعة قريبة.
الأسطورة البدوية
فى ٢٩ مايو الماضى، أعلن المركز القومى للترجمة عن صدور كتاب جديد من إصداراته المترجمة إلى العربية، لكن الكتاب لم يستمر عرضه فى منفذ البيع أكثر من أسبوع، ليُرفع من المنفذ ويُلقى به فى المخازن.
الكتاب يحمل عنوان «الأسطورة البدوية.. فى كتابات رحالة القرنين الثامن عشر والتاسع عشر»، وهو من تأليف سارجا موسى، وترجمته إلى اللغة العربية منى زهير الشايب.
وبعد ٩ أيام فقط من طرح الكتاب فى منفذ البيع الخاص بالمركز القومى للترجمة، رُفع من على أرفف المنفذ، بسبب انتهاء حقوق نشره، فى يونيو ٢٠٢٤، وفقًا لما كشفه المحضر الخاص بتسعير الكتاب، المؤرخ بتاريخ ٢١ مايو ٢٠٢٤، بما يمثل إهدارًا للمال العام.
وحاولت «حرف» الحصول على نسخة من الكتاب، من منفذ البيع الملحق بمقر المركز القومى للترجمة فى ساحة الأوبرا، لكننا لم نجد أى نسخة منه، لأنه غير معروض أو موجود فى المنفذ، بسبب ما سبق ذكره.
ويطرح هذا تساؤلًا عن المُتسبب فى إهدار المال العام بهذه الصورة فى المركز القومى للترجمة، نوجهه إلى وزير الثقافة، ونطالبه بالتحقيق فى هذه الواقعة وغيرها من الوقائع المشابهة، التى أضاعت على المركز وبالتبعية الدولة مئات الآلاف من الجنيهات، خاصة أنه من المعلوم أن حقوق نشر الكتب المُترجمة تدفع بالدولار.
فلماذا إذن لم يُصدر قرار بوقف طباعة ونشر الكتاب، مع قرب انتهاء حقوق نشره؟ ولماذا لم تراع مديرة المركز القومى للترجمة، الدكتورة كرمة سامى، وهى تصدر قرارها بطبع ١٠٠٠ نسخة من الكتاب، قرب انتهاء حقوق نشره؟
وبحسب مصادر، فإن هذه الواقعة تجسد شكوى مزمنة من تأخر صدور الترجمات حتى قرب انتهاء حقوق نشرها، ما يترتب عليه إهدار المال العام، وهو ما تكرر عشرات المرات مع العديد من المترجمين.
أقنعة جنسية
المترجم ربيع وهبة، الذى ترجم أكثر من ٤٠ كتابًا لدور نشر مختلفة فى المنطقة العربية، كان شاهد عيان على واقعة مشابهة، مع المركز القومى للترجمة.
وقال «وهبة» لـ«حرف» إنه فى عام ٢٠١٦، طرح له المركز القومى للترجمة، بالاشتراك مع دار «التنوير»، ترجمته لكتاب «أقنعة جنسية.. الفن والانحطاط من نفرتيتى إلى إميلى ديكنسون».
وأضاف: «كان القومى للترجمة يبيع الكتاب بسعر أقل من دار التنوير، ما أدى لإقبال القراء على شراء نسخة الكتاب من المركز القومى للترجمة. وعندما نفدت الطبعة الأولى، قرر المركز إصدار طبعة ثانية».
وواصل: «خاطب المركز ناشر الكتاب الأصلى فى جامعة ييل، وحصل على مد حقوق نشر الكتاب، بعد دفع حقوق الناشر، إلا أن الكتاب لم يُطبع ولم تُنشر منه الطبعة الثانية. وعندما راجعت الدكتورة كرمة سامى، مدير المركز، رفضت أن تبدى أى أسباب على الإطلاق».
وأكمل: «يبدو أن مديرة المركز القومى للترجمة، ورغم أنها أستاذة جامعية، فإنها تعاملت مع الكتاب من عنوانه فقط، دون أن تقرأ محتواه أو تطلع على مضمونه، وهو ما يتنافى مع أبسط قواعد البحث العلمى، إذ كان عليها أن تطلع على الكتاب، وترى منهج تناوله، قبل اتخاذ أى قرار بشأنه».
وأوضح أن كتاب «أقنعة جنسية» من أهم مراجع النقد الأدبى فى العالم، ولا علاقة له من قريب أو بعيد بالجنس، أو أى من الأمور التى تثير حفيظة أى «مُحافظ»، فهو كتاب أكاديمى يشرح تحليل روايات وقصص وأشعار عالمية، وفيه فصل مهم جدًا عن مصر وجمالها، وكيف علمت البشرية الجمال وتقييمه وتقديره.
وعن احتمالية أن يكون الكتاب قد رُفض من قبل لجان الفحص بالمركز القومى للترجمة، قال «ربيع»: «الإجابة ببساطة هى أن الكتاب نُشر فى طبعته الأولى، وهذا لن يحدث بدون إجازته من كل اللجان المختصة».
واعتقد أن «مديرة المركز رفضت نشر الطبعة الثانية لأسباب شخصية»، مضيفًا: «من جانبى فضلت عدم نشر الكتاب مع المركز، بسبب مواقف مسئوليه وتعاملهم مع المترجمين، فرغم أنهم أساتذة جامعة، فإنهم يتعاملون كموظفى الأرشيف»، حسب تعبيره.
موضوع الإيديولوجيا السامى
روى المترجم ربيع وهبة واقعة أخرى مشابهة وصفها بالأسوأ، وتتعلق بكتاب «موضوع الإيديولوجيا السامى» لمؤلفه سلافوى جيجك، مشيرًا إلى أن هذا الكتاب عن التحليل النفسى، وفلسفة هيجل.
وأضاف: «شخص عزيز على، هو الدكتور شاكر عبدالحميد، كان يعمل على ترجمة هذا الكتاب، وبسبب انشغالاته العديدة أوصى المركز القومى للترجمة بأن يرسلوا إلى الكتاب لترجمته».
وواصل: «بدأت العمل على الكتاب بالفعل حتى انتهيت من ترجمته فى ٢٠١٩، بعد عام كامل من الدراسة والبحث، وسلمته إلى المركز، وبدأت أتابع مع مسئوليه، لكن دون أى رد، سوى ردود من نوعية (الكتاب على جدول النشر)، و(هناك كتب أخرى متأخرة)».
وأكمل: «دُعيت إلى إحدى الندوات التى أقامها المركز، وقابلت الدكتورة كرمة سامى، التى أثنت على كتاب لى، فأخبرتها بما حدث مع كتاب سلافوى جيجك، الذى يعد من أهم كتبه، وقلت لها أننى لا أعرف سبب تأخر صدوره، فقالت إن هناك مشكلة فى حقوق النشر».
وتابع: «أخبرتها بأن المركز حصل على هذه الحقوق بالفعل، فقالت إنها قاربت على الانتهاء، فطلبت منها إيميل الناشر لأتواصل معه وأعفى المركز من دفع أى رسوم جديدة فى حقوق نشر الكتاب، خاصة أن لى علاقاتى مع الناشرين، ومسئولى دار Verso المالكة لحقوق الكتاب».
وأشار إلى أنه «بعد هذه المحادثة والمقابلة، تابعت مع أحد الموظفين فى المركز، إلى أن فاجأنى بأن حقوق نشر الكتاب قد انتهت، ليس هذا فقط، بل إن الناشر الأصلى أعطى حقوق نشر ترجمة الكتاب إلى ناشر سورى». ونبه إلى أن «هناك دور نشر كثيرة يمكن أن تتغاضى عن مقابل حقوق النشر التى ندفعها بالدولار، بالنسبة لبعض الدول، نظرًا لظروفها الاقتصادية، ومن بينها مصر»، مضيفًا: «لو تقدمنا إلى هذه الدور بشكل معين، وعلى أساس أن المركز جهة حكومية رسمية تدعم المترجمين، يمكن أن يجعل ذلك الناشرين يتغاضون عن حقوق النشر والترجمة».
كما أشار إلى أن اتفاقية «جنيف» لتنظيم الملكية الفكرية تحتوى على مادة تستثنى مصر من دفع رسوم حقوق النشر، لكن أحدًا لم يحاول استغلال هذه المادة.