الخميس 21 نوفمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

الشعر للجميع.. مؤتمر قصيدة النثر المصرية فى «الدستور»

مؤتمر قصيدة النثر
مؤتمر قصيدة النثر

- الفعاليات تنعقد على مدار 3 أيام من 17 إلى 19 سبتمبر الجارى

فى زحام الحياة وصخبها دائمًا ما يحضر الشعر، ليكون المتنفس الأكبر الذى يزيح عن النفس البشرية همومها وأحزانها التى تراكمت عليها، كما يحضر ليكون المساحة التى تعوض الإنسان عن الجمال المفقود تحت وطأة المادية والقسوة والصراعات التى تغلف العالم الحديث.

وإيمانًا من مؤسسة «الدستور» للصحافة والنشر بأهمية الشعر كقيمة جمالية وكاحتياج فنى وإنسانى، قررت احتضان واستضافة الدورة الجديدة لمؤتمر قصيدة النثر المصرية، التى تنعقد على مدار 3 أيام، هى الثلاثاء والأربعاء والخميس 17 و18 و19 سبتمبر الجارى بمقرها فى 16 شارع مصدق بالدقى. واستقبلت الأوساط الثقافية، بما فيها من شعراء وأدباء ونقاد ومترجمين، نبأ انعقاد المؤتمر، الذى يقام تحت شعار «الجليل والجميل والقبيح فى قصيدة النثر المصرية»، بحالة احتفاء غير مسبوقة، خاصة بعد امتناع مؤسسات ثقافية كبرى عن رعاية واحتضان مثل هذا الحدث الكبير، قبل أن تتصدى «الدستور» لاستضافته، تكريسًا للقيم الجمالية والفنية التى تعطى الإنسان الأمل وتمنحه رؤية وفهمًا أعمق للحياة وللواقع.

فى السطور التالية، يتحدث شعراء وأدباء مشاركون فى المؤتمر لـ«حرف» عن رؤيتهم لهذا الحدث، وأفكارهم حول ما يمثله من قيمة، وكيف يمكن أن يعزز من قوة وفاعلية قصيدة النثر المصرية.

المنسق العام عادل جلال: رفضت تحويله لجمعية لأننى لا أبحث عن الاستثمار

كانت قصيدة النثر المصرية ولا تزال تتمتع بقوة وتميز، وكانت بالفعل تحتاج لإلقاء الضوء عليها على مستوى العالم العربى، وفى حدود هذه الرؤية، بدأت الدعوة إلى عقد المؤتمر بعد ما رأيته من أصوات مختلفة، سواء من جيل الثمانينيات أو من جيل التسعينيات الذى اتجه لكتابة قصيدة النثر وترك التفعيلة.

فى ٢٠١٠، بدأت القصيدة النثرية تتمتع بالقوة، من خلال مجموعة من الشعراء والشاعرات فى مصر، وبناء عليه قررنا فعل شىء لقصيدة النثر؛ كى نحاول إظهار هذا الوجود المصرى. وكان الزملاء إلى حد ما محبطين، لكنى أصررت على المتابعة، وبالفعل عقدت مجموعة من الملتقيات لقصيدة النثر العربية فى مصر عام ٢٠١٠. وكان يحضر الضيوف العرب بالفعل، لكن بالتجربة والمعايشة فى هذه الملتقيات بينت أن قصيدة النثر المصرية هى الأقوى.

إن رؤيتى وولائى أولًا وأخيرًا لمصر، لذا قررت أن أقيم مؤتمر قصيدة النثر المصرية. وكانت الدورة الأولى للمؤتمر فى العام ٢٠١٤. واستمرت حتى دورة هذا العام، تخللتها فترة انقطاع خلال انتشار وباء كورونا.

أما فيما يخص عدم تكوين جمعية أهلية للمؤتمر، فلهذا قصة، كنت فى مجلس إدارة أتيليه القاهرة من ٢٠١٤ حتى ٢٠٢٢، والأتيليه يعتبر مكانًا عامًا يخص كل الأدباء ولم أفكر فى عمل جمعية لسبب بسيط، الجمعية تكلفتها فى المتوسط ٥ آلاف جنيه فى الشهر وفى السنة ٦٠ ألفًا، وعليه فإن هذا المشروع لا بد أن يدر عائدًا، وهكذا ندخل تحت طائلة التربح هذا أولًا، وهى جزئية أرفض الدخول فيها. 

ثانيًا: الجزء الخاص بالتعقيدات الروتينية للأوراق الحكومية، وهو السبب الذى أثنانى عن هذا العمل لعدم قدرتى على الركض وراء هذه الأوراق. وحتى لو كلفت غيرى بهذا العمل سيحتاج الأمر إلى مصروفات مالية أيضًا؛ ما سيزيد المصروفات الشهرية للجمعية، لكن فى المؤتمر تسير أيامه الثلاثة كيفما اتفق، لكن الجمعية ستدخلنى فى باب الاستثمار، وهذا هو السؤال الذى طالما وجه إلى طوال الـ٦ دورات الماضية للمؤتمر، والإجابة هى أننى ابن العمل العام والتطوعى، رغم أنها إجابة لم ولن تقنع الكثيرين. 

أسامة جاد: من أهم الأحداث الثقافية فى مصر

شخصيا، أعد مؤتمر قصيدة النثر واحدًا من أهم الأحداث التى تشهدها الساحة الثقافية فى مصر عمومًا. فهذا المؤتمر الهام الذى بدأ بفكرة فردية للشاعر الصديق عادل جلال، وبدا مجرد حلم طموح فى ظل عدم وجود أى دعم مؤسساتى فى دورته الأولى، بل وراهن كثيرون على توقفه من بعد الدورة الأولى أو الثانية، كما حدث مع برامج أخرى مشابهة، استطاع فى غضون بضع سنوات أن يشكل واحدًا من أهم الأحداث الثقافية التى تخص الشعر عمومًا وقصيدة النثر على وجه الخصوص.

يكفى هنا أن نحصر عدد الشعراء الذين ضمتهم أنطولوجيا المؤتمر فى دوراته جميعها، أو الالتفات إلى البرامج الموازية التى ينظمها المؤتمر، والتى كانت من ضمنها عدة مؤتمرات مصغرة فى دمنهور والسويس وبنى سويف، أو هذا لتمثيل العربى الهام لشعراء من المغرب والجزائر وليبيا على سبيل التمثيل لا الحصر.

والحقيقة أننى شرفت بالمشاركة فى أعمال المؤتمر فى دوراته المختلفة، كشاعر مشارك فى الدورة الأولى، وكمحاور ومناقش ومقدم لعدد من أمسيات المؤتمر فى الدورات التالية، وكان ذلك فرصة حقيقية للتعرف عن قرب على الجهود الكبيرة التى يبذلها القائمون على المؤتمر، والذين استطاعوا على قلة عددهم أن يصلوا بالمؤتمر إلى هذه الدورة على الرغم من الصعوبات والمعوقات الكثيرة التى ظهرت أمامهم فى كل دورة من الدورات، والتى ليس أقلها مقر فعاليات المؤتمر، ولا تكاليف مطبوعاته أو إعداد الدراسات المتنوعة التى يحرص القائمون على المؤتمر على جديتها وحداثة طرحها لتكون تمثيلًا حقيقيًا لواقع قصيدة النثر المصرية المعاصرة، لا مجرد تنظير عام واستعادة لمقولات تكررت منذ ظهر ذلك النوع الشعرى الملتبس والعصى على التحديد فى المشهد الشعرى المصرى والعربى بالضرورة.

جمال القصاص: ظاهرة ثقافية استثنائية تستحق الدراسة والاحتفاء

أن يستمر مؤتمر قصيدة النثر المصرية على مدار ثمانى دورات، متجاوزًا كل ما يواجهه من عقبات، وفى واقع مضطرب على شتى الأصعدة، يعنى ذلك أننا أمام ظاهرة استثنائية فى العمل الثقافى، يجب الاحتفاء بها ووضعها على طاولة الدرس الأدبى، كمثال يمكن الاحتذاء به والإفادة من خبرته وحصاده المتنوع شعريًا وفكريًا ونقديًا، والذى ينمو ويصعد بجدارة من دورة إلى أخرى.

تابعت هذا المؤتمر وتفاعلت معه وشاركت فى فعالياته، ولم أتخلف سوى عن دورة واحدة كنت حينها أقضى فترة النقاهة من عملية جراحية، ومن خلال هذه المتابعة التى تحولت إلى ضرورة وجود، وعرس أنتظره بشغف شاعر خبر العمل الثقافى الجماعى فى واحدة من أهم التجارب الشعرية «جماعة إضاءة ٧٧»، التى ساهمت بقوة فى إرساء دعائم جيل السبعينيات الشعرى فى مصر.

واستوقفنى فى هذا المؤتمر أنه لا يفرض وصاية على أحد، وأن القائمين عليه، ومعظمهم شعراء مبدعون فى قصيدة النثر لا يتجاوزون عدد أصابع اليد الواحدة، يتفانون فى أن يظل فضاء حرًا لشعرائه، الذين يتناسلون ويتجددون على منصته فى كل دوره، حتى أصبحوا هم الأوصياء الأوُّل على هذا المؤتمر. وترك لهم مسئولوه هذه المساحة الرحبة بمحبة خالصة، ومن ثم فالمؤتمر أصبح هو الوصى على نفسه، بما صنعه من منجز شعرى وتراكم معرفى ونقدى يشكل مؤشرًا حقيقًا على أن سهم قصيدة النثر المصرية ومغامرتها فى التجديد والتجريب فى تصاعد مستمر، وهو تصاعد ابن خصوصية لافتة فى التراث الحضارى والثقافى المصرى بكل طبقاته ومشاربه على مر العصور.

رضا أحمد: فرصة لالتقاء الأجيال الشعرية وتبادل التجارب والخبرات

يعتبر المؤتمر فرصة مميزة لالتقاء الأجيال الشعرية، وتبادل التجارب والخبرات والاسهامات المعرفية حول قصيدة النثر، والاستماع إلى قصائدهم وقراءاتهم للمشهد الشعرى، وطرح الأسئلة حول الشعر وإشكالية القصيدة وأطروحاتها النقدية، ومكانها فى الوعى المعرفى والجمالى من المشهد الثقافى المصرية والعربى والعالمى، هذا اللقاء يعزز الاستمرارية فى النقد الذاتى والجماعى للكتابات ويمكن المواهب الجديدة من المثابرة تجاه تجاربهم وصقلها بالخبرات اللازمة. كما أن المؤتمر فرصة ذهبية للاحتفاء بأسماء شعراء قدموا إسهامات مهمة فى القصيدة مثل فريد أبوسعدة وجمال القصاص، هذا العام، وشعراء رحلوا عنا، ساهموا فى إثراء المشهد الشعرى، بمشروعاتهم الرائدة والبارزة والهامة، مثلما حدث فى دورته السابقة، التى خصصت قراءات للشعراء محمد عيد إبراهيم وعبدالحفيظ طايل، وفاطمة منصور، وماهر نصر وهدان الغرباوى وغيرهم، كم أسعدنى أن تظل قصائدهم حاضرة، رغم غيابهم المؤلم فى حين تجاهلتهم المنصات والمؤسسات الرسمية، التى تخلت عن دورها الثقافى والفنى فى تمكين الفعاليات الشعبية من منصاتها ومنابرها وبيوتها الثقافية، مثلما رفضت مكتبة الإسكندرية استضافة المؤتمر هذا العام فى ببت السنارى، وحزنت لأنه لم يقترح صندوق التنمية الثقافية استضافة المؤتمر فى بيت الشعر، على سبيل تجربة مشروع جديد، يزيل الجفاء المتمكن من القائمين على لجان الشعر تجاه قصيدة النثر وشعرائها، لتشعر معه أن هذا النبذ أبدى ومهيمن.

والمؤتمر أيضًا فرصة لمعرفة ما وصلت إليه قصيدة النثر من تجارب وإصدارات فى قراءات أجيال شابة وأسماء تحققت، ولا ننسى الأنطولوجيا التى يعدها المؤتمر للمشاركين فى أمسياته كل دورة، هذا الكتاب الدورى هو التأريخ الجمالى والمعرفى للخطوات الأولى لمبدعى قصيدة النثر المصرية.

مروة نبيل:تجمع للشعراء والنقاد والمترجمين من سياقات ومجالات متعددة

منذ عدة سنوات، ينتظر الشعراء والنقاد والمهتمون بقصيدة النثر، النصف الثانى من سبتمبر لتبدأ هذه التظاهرة الشعرية، ومنذ بدايته، وكما يبدو من اسمه، أعرب «مؤتمر قصيدة النثر» عن انحيازه لقصيدة النثر تاركًا الجدل الدائر حولها، الذى يصل إلى حد التشكيك فى أهميتها وقيمتها وأصالتها، ومصدقًا بأنها تُمثل لغة اليوم الذكية، متعددة الأبعاد، التى تُهندِس صخب العالم وتراعى تشوشه واضطرابه، ما سمح بإصدار نسخ متصاعدة الجودة من المؤتمر، ونجح المؤتمر-ولم يزل- فى تحقيق أهدافه المفترضة.

ويهدف المؤتمر إلى جمع الشعراء والنقاد الأدبيين والمترجمين من سياقات متنوعة ومجالات متعددة لمشاركة أعمالهم، وهو عمل تقدمى بطبيعته، يختلف كثيرًا عن التجمعات الأدبية الروتينية التى قد تنطوى على الاختلاف والاستغراب والصراع أحيانًا؛ أكثر ما تنطوى على التوافق والانسجام الفكرى. ويُكرس المؤتمر قصيدة النثر كطريقة فريدة لفهم الواقع، تشير إلى المعرفة الداخلية حين ترتبط بظروف الواقع، وهى طريقة من شأنها توسعة تجربة الحياة، وتنشيط طبقات مختلفة من الإدراك، وتغذية المشاعر وتخفيف المعاناة.

ولأن أغلب القائمين على هذا المؤتمر المُهم من أصحاب التجارب الشعرية المتميزة، فإنهم يُدركون تمامًا أن قصيدة النثر تُلهم وتعلِّم، وتخاطب الطبيعة البشرية بتحرر تام، وتعطى معنى عميقًا للذات، فتُتيح الفرصة للتواصل الحقيقى، الذى يُولد شعورًا بالتوافق الروحى بين الهويات المختلفة للمجتمع.

أسامة بدر: استمراره ضرورة لتشجيع الأصوات الشابة

أحدث مؤتمر قصيدة النثر منذ انطلاقه فى دورته الأولى حراكًا لافتًا فى الحياة الثقافية المصرية، وكان المؤتمر واضح الرؤية منذ تأسيسه، حيث انحاز إلى مشروع قصيدة النثر ودعم شباب المبدعين ذوى الحساسية الجديدة ومحاولتهم للإضافة إلى المشهد الشعرى بعد جيل الرواد.

ولم يتجاهل المؤتمر رواد هذا النوع الشعرى من جيل السبعينيات وما بعدهم، ما يعتبر تأريخًا مهمًا لحركة قصيدة النثر المصرية، بالإضافة إلى استضافة أصوات مؤثرة فى الوطن العربى من تونس والجزائر وليبيا وغيرهم من المبدعين العرب؛ ما أثرى المشهد وأحدث تواصلًا مميزًا بين القصيدة النثرية المصرية والعربية مما يعتبر  إنجازًا يحتسب للمؤتمر. لذا فالحفاظ على هذا المؤتمر ضرورة ثقافية لاستمرار هذا الحراك المؤثر، تشجيعًا للأصوات الشابة، وتأصيلًا لهذا النوع الأدبى وإنتاج نقاده وإلقاء الضوء على شعراء ينحتون فى الصخر للمساهمة فى تطوير الكتابة المصرية فى قصيدة النثر.