الخميس 21 نوفمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

تزوير فى لوحات رسمية.. «حرف» تحاور كل أطراف أزمة تزوير رسومات بهجورى

جورج البهجورى
جورج البهجورى

- رسامو كاريكاتير: «اللصوص» لم يكتفوا بالسطو على الراحلين وبدأوا فى سرقة الأحياء

- نقيب التشكيليين: اجتماع مع المتهم لمعرفة التفاصيل.. ولن أعتمد على «بوست فيسبوك»

فجر الناقد والفنان التشكيلى، عبدالرازق عكاشة، مفاجأة من العيار الثقيل عندما اتهم أحد رسامى الكاريكاتير بـتزوير رسومات الفنان الكبير جورج البهجورى، تلك التى تُنشر فى مجلة «صباح الخير».

وكشف «عكاشة» عن أن هذا الرسام هو سمير عبدالغنى، متهمًا إياه برسم لوحات بنفسه، ثم تزوير توقيع «البهجورى» عليها ونسبها إليه، على خلاف الحقيقة، بغرض بيعها والارتزاق منها، وفق تعبيره، وهو ما رد عليه «عبدالغنى» . «حرف» تكشف جميع تفاصيل الواقعة، عبر تصريحات من جميع أطراف الأزمة، إلى جانب استعراض رأى عدد من رسامى الكاريكاتير المحايدين، فضلًا عن سؤال نقيب الفنانين التشكيليين عما ستتخذه النقابة من إجراءات لشأن الواقعة.

بدأت الواقعة بكتابة الناقد والفنان التشكيلى، عبدالرازق عكاشة، عبر حسابه الرسمى فى موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك»: «صباح الخير.. سمير بيضرب جورج فى خلاط صباح الخير. أخطر قضية يجب أن تناقشها نقابة التشكيليين الآن فى أول انعقاد لها»، مطالبًا بـ«تحويل الملف كاملًا إلى خبراء ثم النيابة».

وأضاف «عكاشة»: «من فترة حذرت حضرتكم من سمسار لوحات، الآن يرسم لوحات بنفسه، ويوقع عليها باسم بهجورى المريض، ثم ينشرها فى (صباح الخير)، لتوثيق هذه اللوحات من أجل بيعها والارتزاق بها، خاصة أن الرجل (جورج البهجورى) فى حالة ألزهايمر»، وفق قوله.

وواصل: «هذا الشخص حذرنا منه كثيرًا، لكن مع الأسف نشر مجموعة رسومات على أنها لبهجورى، وهى لا علاقة لها بخطوط بهجورى، الذى أعرفه جيدًا كصديق، وابنى جمال تربى فى أحضانه»، متابعًا: «أؤكد لكم أن هذه رسومات ليست لبهجورى، إنها للنصاب الذى اشتغل على الترويج لرحمة (أحمد رحمة) وسمير فؤاد وآخرين».

بدورها، تواصلت «حرف» مع «عكاشة»، للوقوف على القصة بمزيد من التفصيل، فاستهل تصريحاته بالحديث عن علاقة الصداقة التى جمعته بالفنان الكبير جورج البهجورى، منذ عام ١٩٩٣، فى باريس.

وقال «عكاشة»: «من واقع هذه العلاقة الطويلة، أنا لا أعرف رسومات بهجورى فحسب، بل أحفظه هو شخصيًا، وعندما رأيت الاسكتشات المنشورة فى (صباح الخير)، قلت إنه لا يمكن بأى حال أن تكون له»، مؤكدة أنه «خبير» فى أعمال وخطوط جورج البهجورى وسمير رافع وعمر النجدى بالتحديد.

وأضاف كاشفًا عن هوية الفنان الذى يوجه له الاتهام أن «جورج البهجورى عمره ما رسم الخط الرقيق ده، ولا عمره رسم الخط بهذا الشكل الحاد الذى يرسم به سمير عبدالغنى، وأنا هنا أذكره بالاسم، وأؤكد أنه لا يمكنه اتهامى بالسب والقذف أمام أى جهة قضائية، لأن فعلًا الرسومات مزورة»، مشددًا على أنه «من المستحيل أن تكون الأعمال التى تنُشر فى (صباح الخير) هى اسكتشات جورج البهجورى» .

وساق «عكاشة» دليلًا آخر على كلامه وهو أن «بهجورى لا يلون بمثل هذه السذاجة. كما أن رسوماته خالية من الكلام، أى لا يوجد فيها جمل أو تعليقات كما فى الاسكتشات المنشورة»، واصفًا ما نُشر فى «صباح الخير» بأنه «نكتة»، أو أشبه بـ«مزيج من مصطفى حسين على جورج البهجورى».

زيارة إلى الأستاذ

إذن «المتهم بالتزوير»، وفقًا لـ«منشور» الناقد والفنان التشكيلى عبدالرازق عكاشة على «فيسبوك»، ثم تصريحاته الخاصة لـ«حرف»، هو الفنان سمير عبدالغنى، الذى تواصلنا معه هو الآخر لمعرفة رده على هذا الاتهام.

ونفى «عبدالغنى» هذه التهمة جملة وتفصيلًا، معتبرًا أن كل هذه الاتهامات عارية تمامًا من الصحة، متسائلًا: «كيف أزور أعمال أستاذى، وأنا تلميذه الذى شارك فى العديد من الملفات فى الصحف والمجلات احتفاءً بعيد ميلاده التسعين؟».

وأضاف «عبدالغنى»: «منذ أن مرض الأستاذ البهجورى وهو يعتمد علىّ، يطلب منى أن أنقل له اسكتشات أو لوحات فألبى طلبه»، معتبرًا أن ما يُنشر فى «صباح الخير» أعمال قديمة لـ«البهجورى» ، ويُعاد نشرها من جديد، خاصة أنه لا يرسم منذ ٥ أعوام كاملة. 

وبعد تصريحاته لـ«حرف» بساعات، نشر «عبدالغنى» صورًا لزيارة أجراها إلى الفنان جورج البهجورى، مشيرًا إلى أن الفنان الكبير أعرب له عن سعادته بـ«استمرار نشر رسوماته فى مجلة (صباح الخير)»، بعدما عرض عليه عددًا للمجلة تضمن بعضًا من هذه الرسومات.

وقال «عبدالغنى»، معلقًا على صور الزيارة: «قدمت له عدد مجلة (صباح الخير)، نظر إلى الغلاف وقال رسمة جميلة للفنان طراوى (محمد الطراوى)، وقبل أن يكمل النظر داخل المجلة، سألنى مَن مِن الرسامين الكبار ينشر فى (صباح الخير)؟».

وأضاف: «قلت له إن المجلة تعيد نشر رسوم العظماء: دياب وحجازى ومحيى الدين اللباد وصلاح جاهين وصلاح الليثى وتاج ومحمد حاكم. كان يفر صفحات المجلة، ووقف عند الصفحتين لينظر إلى رسومه، وقال ضاحكًا: وأنا».

وواصل: «قلت له ماذا تتمنى يا عم جورج؟ قال أتمنى عددًا خاصًا من (صباح الخير).. أكتب مذكراتى.. سألته وهل الذاكرة حاضرة؟.. ضحك وقال: تِحضر. وقبل أن أمشى طلب أن يتحدث إلى الفنان الكبير وجيه يسى، وطلب منه الحضور ليرسما معًا». وأكمل «عبدالغنى»: «قبل أن أرحل سألته هل نتوقف عن نشر الرسوم فى (صباح الخير)، قال أنا أسعد برؤية اسمى فى المجلة».

وكشف عن الاتفاق مع «البهجورى» على لقائه كل أسبوعين مرة، وذلك «كى نفتش فى الرسوم القديمة الساخرة عما يمكنه نشره مرة أخرى، أو يختار شخصية مهمة ويرسمها ويكتب لها رسالة محبة».

ورد الناقد والفنان عبدالرازق عكاشة على ما كتبه سمير عبدالغنى، قائلًا: «لست مندهشًا من أفعاله، لكنى مندهش من كم المنافقين، كيف يواجهون الرب وهم على معرفه كاملة أنها ليست رسومات بهجورى، وأنه مزور التوقيع».

وتساءل «عكاشة»: «ما علاقة القصة التى كتبها سمير عبدالغنى بحقيقة أن هذه ليست رسومات بهجورى»، مضيفًا: «أيها المزور وأيها السادة، فيه ربنا هتقفوا قدامه، فأيها الطبالون، هل بضمائركم المعطوبة هذه رسومات جورج وهذا توقيعه؟».

المفتى الإيطالى

تواصلنا مع طرف ثالث، للفصل بين ما قاله عبدالرازق عكاشة ورد سمير عبدالغنى عليه، وهو مازن عبدالوهاب، مدير أعمال الفنان جورج البهجورى، الذى استهل حديثه مؤكدًا أن كبر سن «البهجورى» جعل الكثيرين يستغلونه.

وأضاف «عبدالوهاب»: «هناك وقائع حدثت أمامى وكنت شاهد عيان عليها، مثلًا كأن يأتيه البعض ويقولون سنحول أعمالك إلى أفلام، كان هذا بعد وفاة زوجته، وحينها كان مريضًا وشبه فاقد للوعى، وكنت آنذاك مدير أعماله، لكنه الآن يرقد فى بيته لا حول له ولا قوة، ويتابعه أخوته».

وواصل: «البعض استغل هذه النقطة، وبدأوا فى رسم بعض الرسومات وتوقيعها بإمضائه، والمجموعة التى رأيتها مؤخرًا تحمل هذا الإمضاء، وهو (بهجورى)، علمًا بأنه لا يوقع بإمضاء واحد، بل يوقع كل رسمة من ٥ أو ٦ رسومات مثلًا بتوقيع مختلف».

وأكد أن هذا لم يقتصر على الـ٧ «اسكتشات» الأخيرة، فقد تكرر الأمر مع أعمال أخرى قبلها، مضيفًا: «لم نرد إثارة المشكلات وقتها، لعل الشخص الذى يفعل ذلك يتراجع، لكن حدث العكس وتمادى فى فعله، مشيرًا إلى أن هذا الشخص هو نفس «المتهم فى واقعة (صباح الخير)».

وواصل: «ذات مرة حدث واشترى مقتنٍ إيطالى بعض أعمال البهجورى من نفس هذا الشخص، وسألنى إذا ما كانت أصلية أم لا، فقلت له إن التوقيع من اليمين إلى الشمال، وبدأنا من هنا تتبع الموضوع والشخص الذى باع له اللوحات، وكان قد توسع جدًا فيما يفعله دون أن يدرى بمعرفتنا به، وعندما كشفنا زيف اللوحة أعاد المال إلى الإيطالى».

وأكمل: «سمعت من صاحبة جاليرى أنه باع لها ٤٠ (اسكتش) باسم البهجورى، لكنها ليست من أعماله كما العادة، وأبلغتها بالفعل بأن هذه الاسكتشات مزيفة ولا تمت إلى جورج البهجورى بأى صلة».

وشدد على ضرورة التعامل مع الأمر بجدية كبيرة، حتى لا يحدث مثلما حدث مع صلاح طاهر، الذى ظلت أعماله تُزور فترة طويلة، مع شرائها بملايين الجنيهات، مطالبًا بـ«إيقاف الشخص المتهم عند حده»، مضيفًا: «أقصد هنا سمير عبدالغنى، الذى يزور اللوحة أو الاسكتش، ويعيدها ١٠ أو ١٢ مرة، ثم يبيعها على أساس أنها أصلية»، وفق قوله.

وحول نفى «عبدالغنى» لهذا الاتهام، قال مدير أعمال «البهجورى»: «من اكتشف هذا التزوير مقتنٍ لوحات إيطالى، عندما وجد التوقيع مكانه مختلف عن توقيع نفس اللوحة المنشورة صورتها فى إحدى الصحف المصرية، ما دفعه لإعادتها إلى البائع، وهو سمير عبدالغنى،  الذى رد له نقوده بالفعل».

وأضاف: «ربما سمير عبدالغنى يرسم نموذجًا أو اثنين أو ثلاثة. كما أننى سمعت بأن هناك ماكينات فلومستر تطبع اللوحة بنفس درجات الألوان وضربات الفرشة، وهذا سهل اليوم فى ظل تكنولوجيا التلاعب بالصور».

وأكد أنه «بسبب حالته الصحية السيئة، جورج البهجورى لا يرسم أبدًا، وآخر مرة رسمنى أنا، عندما كنت فى زيارته منذ أسبوعين»، مضيفًا: «رسم البهجورى سهل التنفيذ، وبالتالى هو سهل التقليد بالنسبة لأى فنان، مهما كانت قدراته محدودة».

وأضاف: «وبالنسبة للتوقيع، كان يوقع توقيعًا مركبًا عبارة عن ٣ أهرامات، ولم يوقع توقيعًا واحدًا أبدًا، لذا فإن الشكل أو الفورمة الواحدة التى استخدمها سمير عبدالغنى هو ما كشف التزوير».

ونبه إلى عدم وجود قانون لحماية حقوق الملكية لهذه الرسومات، على عكس الأغانى مثلًا، لأن استنساخ الأعمال أمر فى منتهى السهولة ودون أدنى مجهود، وسبق أن تعرض له محمود سعيد وعمر النجدى وغيرهما.

سرقوه بالحيا

طالب عبدالله الصاوى، فنان الكاريكاتير، وزارة الثقافة ونقابتى الفنانين التشكيليين والصحفيين بالتدخل لوقف هذه المهزلة فورًا، ومحاسبة اللصوص المزورين، فى إطار الحفاظ على تراثنا الكاريكاتيرى وتاريخ رواده.

وتساءل «الصاوى»: «هل يعقل تزوير أعمال وتاريخ فنان بقيمة بهجورى، وهو ما زال على قيد الحياة؟»، مضيفًا: «لم يكتفوا بتزوير أعمال الرواد بعد وفاتهم، بل وصلت بهم البجاحة إلى قمتها، من خلال تزوير أعمال الرواد وهم على قيد الحياة».

وواصل: «وشهادة لله وللتاريخ، هناك العديد من الأشخاص زوروا أعمال بهجورى فى السنوات العشر الأخيرة، وأنا هنا أتكلم عن لوحات وليس اسكتشات صغيرة أو رسوم كاريكاتيرية، وكل أصحاب الجاليرهات يعلمون هذا جيدًا، بل أن منهم مَن شارك فى هذه الجريمة، وهو ما علمته من خلال أكثر من مقابلة جمعتنى ببهجورى قبل عامين، فى إطار التجهيز لطباعة كتابه النادر (بورسعيد عام ٢٠٠٠)».

وقال عمر صديق، فنان الكاريكاتير: «بالتأكيد هذه ليست رسومات بهجورى إطلاقًا، ومن بينهم اللوحة التى يمسك فيها بالقلم ويكتب (صباح الخير)، فهى لوحة فى غاية السذاجة لا يرسمها سوى ضعيف فى الرسم»، مشيرًا إلى أنه من المستحيل أن يخطئ فنان بحجم بهجورى فى تكوين الدماغ والشعر بهذا الشكل الغريب.

وأضاف «صديق»: «عندما رأيت هذه الرسومات تصورت أنها لمتدرب يقلد لوحات بهجورى، ولو كان الأمر كذلك، لا بد أن يوقع هذا الشخص باسمه، لكنه للأسف قلد حتى توقيع الفنان الكبير».

وواصل: «لوحات بهجورى سهلة التقليد، ويمكن إعادة رسمها من باب التدريب أو الفكاهة، لكن من دون أن نوقع باسمه، فحينها سيكون هذا تزويرًا»، لافتًا إلى أن «بهجورى» نفسه نظم معرضًا بعنوان «رسم على رسم»، كان يعيد فيه رسم اللوحات العالمية، لكن رسمها بأسلوبه الشهير المعتمد على الخط المتصل.

نقيب التشكيليين يعلق

الأمر نفسه أكده طارق الكومى، نقيب الفنانين التشكيليين، بعد عرض الاسكتشات المنسوبة إلى الفنان جورج البهجورى عليه، بقوله: «بالتأكيد هذه ليست أعمال البهجورى، وأنا أرسلت فى طلب مقابلة الأستاذ سمير عبدالغنى، لمعرفة حقيقة الأمر والاطلاع على حيثياته، لتحديد ما إذا سيكون هناك تحقيق رسمى أم لا».

وأضاف «الكومى»: «فى البداية لا بد من معرفة ملابسات الموضوع، وبعدها سيجتمع مجلس إدارة النقابة، وفى حضور سمير عبدالغنى، علمًا بأنه ليس عضوًا فى النقابة، لكن لقاءنا معه يأتى فى إطار الدفاع عن حقوق الملكية الفكرية والمهنة»، مختتمًا بقوله: «لا أستطيع اتخاذ قرار بناءً على منشور فى فيسبوك، ولا بد من دراسة المسألة من الجوانب جميع، بحضور الشخص المتهم، إلى جانب مدير أعمال بهجورى».