الجمعة 18 أكتوبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

بهجورى والأربعين حرامى.. قصة العصابة التى تسرق وتزوّر رسومات جورج

بهجورى
بهجورى

- «أبوسمرة السكرة» يأخذ «رسومًا» من بهجورى مقابل ٢ كيلو عنب و٢ كيلو مانجو!

- «قهوجى» جورج يأخذ منه لوكات بدعوى تزيين منزله ثم يبيعها بـ٤٠ و٥٠ ألف جنيه!

- العصابة استغلت حب زوجة بهجورى المفرط للمال وتحكمها الشديد فى مجريات حياته

- «أبو سمرة» قام بتسويق وبيع 40 «اسكتش» لبهجورى بمساعدة السيدة: «م»

أعلم أن هذا المقال سيكون صادمًا جدًا لكل محبى وعشاق فن جورج بهجورى، فى كل مكان، وسوف يجر علىّ الكثير من المشاكل، فمافيا تزوير اللوحات فى مصر، لا تقل فى نفوذها وخطورتها عن مافيا تجارة السلاح والمخدرات، ولكنها الحقيقة عزيزى القارى دون رتوش أو مجاملة؛ الحقيقة التى يعلمها عدد كبير- للأسف الشديد- من النقاد الفنيين والفنانين التشكيليين ورسامى الكاريكاتير والصحفيين والإعلاميين وأصحاب الجاليرهات، وكل المقربين من دائرة جورج بهجورى، ولم يجرؤ أحد طيلة تلك السنوات من الاقتراب منها خوفًا على السبوبة. ما ستقرأه فى السطور التالية عزيزى القارئ، ليس من وحى خيال الكاتب، بل حدث بالفعل؛ ودون مبالغة هو جزء بسيط مما تمكن الكاتب من رصده، خلال علاقته بجورج بهجورى التى تعود بدايتها لعام2011.

أنا وبهجورى

فى بدايات عملى كمحرر ثقافى بعدد من الصحف والمواقع الإلكترونية، أجريت أكثر من حوار مع بهجورى، أولها فى عام ٢٠١١، وتوالت اللقاءات بعد ذلك على فترات متباعدة بسبب ظروف العمل، مع بهجورى بمرسمه بحارة معروف بوسط البلد، حيث سجلت معه أكثر من حوار لم ينشر عن بداياته، وذكرياته مع رواد فن الكاريكاتير المصرى الكبار: صاروخان ورخا وزهدى وطوغان وصلاح جاهين واللباد، وغيرهم.

وفى عام ٢٠١٧ وأثناء عملى فى مشروعى ذاكرة الكاريكاتير، عثرت على ثلاثة كتب نادرة لبهجورى، قصتان كتبهما ورسمهما بهجورى للأطفال وصدرا عن دار المعارف، وكانت المفاجأة الكبرى والسعيدة هو عثورى على نسخة نادرة من الطبعة الأولى من كتاب: بورسعيد، الصادر باللغتين العربية والفرنسية عام ١٩٥٦، وهو باكورة كتب جورج بهجورى.

تذكرت الكتاب مجددًا عام ٢٠٢١، عندما التقيت صديقى الباحث الدءوب: وليد حسن، الذى ذهب لجورج بهجورى كى يجرى معه حوارًا، ويستوثق منه من بعض المعلومات، حيث يحلم وليد من سنوات عدة، بأن يصدر كتابًا موسوعيًا يجمع فى جزئه الأول البدايات الأولى لبهجورى فى عالم الصحافة.

وتحدث معى وليد عن كتب بهجورى التى أصدرها بين القاهرة وباريس والأردن، واتفقت أنا ووليد على ضرورة إعادة طباعة هذا الكتاب النادر؛ خلال عام ٢٠٢٢؛ احتفالًا بمرور ٩٠ عامًا على ميلاد جورج بهجورى، وعلى الفور بدأت فى مخاطبة أكثر من جهة لتحمل تكلفة طباعة الكتاب، منها محافظة بورسعيد، ولكن للأسف الشديد بأت كل المحاولات بالفشل، ولم يقدر أحد أهمية الكتاب، الذى يعتبر هو الكتاب الوحيد من نوعه فى مصر الذى وثق وأدان من خلال الكاريكاتير العدوان الثلاثى الغاشم على مصر عام ١٩٥٦.

وأخيرًا لم أجد مفرًا من الذهاب لبهجورى، الذى لم أره منذ عام ٢٠١٧، بمرسمه بحارة معروف لعرض الأمر عليه، وكانت المفاجأة أن بهجورى لم يتمالك نفسه من الفرح، وجلس معى أكثر من ساعتين يحكى لى عن ذكرياته مع بورسعيد، وقال لى شوفت الكتاب فين، فقلت له إننى صورت نسخة ضوئية من الكتاب من دار الكتب، ولكننى للأسف الشديد لا توجد لى نسخة ورقية، فرد علىّ قائلًا: أنا عندى نسختان من الكتاب، وطلب من مدير أعماله مازن عبدالوهاب، أن يحضر لى نسخة من الكتاب، بعد رحلة بحث طويلة قال له مازن إن الكتاب غير موجود بالمرسم، وقد يكون بمكتبة المنزل أو بالمتحف، فطلب منه بهجورى ضرورة البحث عنه مجددًا، وهذا كان أول لقاء يجمعنى بمازن عبدالوهاب، مدير أعمال جورج والشاهد الأول على كل ما سيرد ذكره فى هذا المقال.

مغارة جورج بهجورى

وافق جورج على أن يتكفل بطباعة الكتاب، على أن تتولى مؤسستى الوليدة، مؤسسة عبدالله الصاوى للحفاظ على تراث الكاريكاتير المصرى، مهمة مراجعة الكتاب وإعداد مقدمة له وكذلك الإخراج الفنى.

كانت زوجة بهجورى معارضة لنشر الكتاب، بزعم أنه لا عائد ماديًا سيعود على جورج من وراء هذا الكتاب، سوى الخسارة، وبعد أن فشلت فى إقناعها، قررت أن يكون التواصل مع بهجورى بشكل شخصى، وكنت أتجنب الحديث معها، ورفضت أن أبدأ فى أى شىء خاص بالكتاب، إلا بعد توقيع عقد مع بهجورى، وبالفعل تم توقيع عقد رسمى به كل التفاصيل مع جورج، وزيادة فى الاطمئنان صورت جورج فيديو وفوتوغرافيا وهو يقوم بتوقيع العقد، فقد أدركت هذه المرة، أن جورج بدأت تظهر عليه بوادر ألزهايمر، وخشيت من الحاشية التى كانت تتردد عليه، ومن العصابة المحتكرة للكاريكاتير، التى كانت بينى وبينهم فى هذا التوقيت حرب شرسة، بعد أن ألغوا لى احتفالية يوم الكاريكاتير المصرى، وحاولوا فصلى من عضوية الجمعية المصرية للكاريكاتير.

مازن وزير مالية بهجورى 

بعد أن أنهيت كل ما يخص الكتاب، طلبت من مازن المبلغ الخاص بالطباعة، فقال لى سيبنى بس أسبوعين تلاتة علشان أنا بطبع كتاب تانى لبهجورى دلوقتى، وعرفت منه أنه هو من يقوم بدفع تكلفة الكتب التى يطبعها بهجورى، وكذلك فهو من يدفع كل مصاريف بهجورى وزوجته من أكل وشرب وخلافه، وكذلك إيجار مرسم جورج ومرتب الموظف الموجود بالمرسم، وعندما سألته عن المقابل قال لى إنه يأخذ فى مقابل ذلك لوحات من بهجورى؟!

ومن أغرب ما رصدت وشاهدت أثناء ترددى على بهجورى، هو تجنيد العصابة المحيطة ببهجورى للقهوجى الذى يقدم لبهجورى الشاى والشيشة، حيث استغلوا حب بهجورى له، وطلبوا منه أن يطلب من بهجورى كل فترة لوحة ليزين بها منزله ثم يأخذونها منه بثمنٍ بخس، مستغلين جهله وعدم معرفته بالسعر الحقيقى للوحة، وواحدة واحدة اتودك القهوجى الساذج فى الشغلانة كما يقولون وبدأ يناطح الكبار ويعطى بهجورى أموالًا فى مقابل بعض اللوحات المستنسخة، وبدل ما كان بيبيع ليهم اللوحة بـ ٥ و١٠ آلاف بدأ يبيعها بـ٤٠ و٥٠ ألفًا؟!

أبو سمرة يعود من جديد 

ذات يوم أثناء وجودى مع بهجورى بمرسمه فى شهر أغسطس ٢٠٢٢، وجدت أبوسمرة السكرة، أمامى أنا وبهجورى ومعه مجموعة من الأوراق والألوان، وعرفت بعد ذلك أن أبوسمرة، أقنع بهجورى بالعودة للرسم مرة أخرى فى مجلة صباح الخير، وهذا عمل جليل يُحسب له بالطبع، لو أنه فعله لوجه الله ومحبة لبهجورى، ولكن أبوسمرة لا يفعل شيئًا لله، فالهدف الخفى وراء ذلك هو حصوله على الاسكتشات التى سيرسمها بهجورى بغرض النشر بالمجلة، لتنضم لمئات الرسوم الأخرى التى اقتنصها أبوسمرة بسيف الحياء تارة وبالفهلوة وخفة الدم مع ٢ كيلو عنب و٢ كيلو مانجة لبهجورى على مدار سنوات تارة أخرى. هذا بالإضافة إلى أن أبوسمرة كان يهدف من وراء ذلك أيضًا إلى رفع أسعار اسكتشات بهجورى التى يمتلكها كونها تنشر فى مجلة قومية، وكذلك مجاملة صديقه رئيس تحرير صباح الخير، الذى كان قد تولى رئاسة تحرير صباح الخير وقتئذٍ، ويريد أن يُحدث تغييرًا فى المجلة بعودة كبار الكتاب والرسامين مرة أخرى ولكن على أن يكون ذلك مجانيًا؟!

كان أبوسمرة فى البداية يجمع مجموعة من اسكتشات بهجورى القديمة ثم يذهب لبهجورى مرة كل أسبوع ليقوم بهجورى بإعادة رسمها، وهنا كان تدخل سمير محدودًا، ومع الوقت وبعد وفاة زوجة بهجورى، وحالة الحزن الشديد التى انتابت بهجورى، خاصة بعد أن اضطر لأن يترك مرسمه بحارة معروف وينتقل للعيش مع أخته بمصر الجديدة تارة، وأخته الثانية بمدينة نصر تارة أخرى، ثم ما تعرض له من وعكة صحية شديدة مع بدايات عام ٢٠٢٤، اضطر معها للعيش بإحدى دور المسنين بمدينة نصر، بدأ أبوسمرة فى ممارسة هوايته القذرة التى فعلها عندما زور لوحات طوغان من قبل، ولكنه هذه المرة لم يلجأ لرسام محترف يستطيع أن يقلد خطوط بهجورى، وقرر أن يوفر ما سيدفعه للرسام، خاصة أن الاسكتشات ثمنها زهيد مقارنة باللوحات الزيتية، وقرر أن يقوم هو بتلك المهمة التى أقنعه خياله المريض بأنها سهلة، وكان ذلك من حسن حظنا حتى نكتشف الجريمة التى يقوم بها بسهولة.

وبالفعل نشر عبر مجلة صباح الخير على مدار شهور عشرات الاسكتشات المزيفة لبهجورى، وخلال تلك الفترة زار بهجورى مرتين بحجة الاطمئنان على صحته، فهو دائمًا ما يظهر بوجه أنه يرعى كبار السن من الرسامين والفنانين، ولكن الحقيقة أنه يسرقهم.

كشف المستور

استيقظت الأسبوع الماضى على تليفون من مازن مدير أعمال جورج، يخبرنى فيه بأن أبوسمرة، قد تجاوز كل الحدود، وقام فى الفترة الأخيرة بتسويق وبيع ٤٠ «اسكتش» لبهجورى بمساعدة السيدة: «م» صاحبة جاليرى توت الشهير بحى الزمالك، وتراوح سعر هذه الاسكتشات المزيفة بين ١٨ و٢٠ ألف جنيه للاسكتش الواحد، وتقاضت تلك السيدة ٣٠٠ جنيه عمولة عن كل اسكتش.

كما قام ببيع ١٠ اسكتشات لمقتنٍ إيطالى يدعى ماركو أرسله له مازن، ولكن ماركو اكتشف التزوير بعد أن استلم اللوحات ودفع لأبوسمرة ٥٠ ألف جنيه، وهنا قام ماركو بالاتصال بمازن طالبًا أمواله، ما وضع مازن فى موقف محرج، فاتصل بأبوسمرة، الذى حاول أن يثنى ماركو فى البداية عن الرجوع فى البيعة، بحجج واهية، منها أنه معه تفويض من جورج بإعادة رسم بعض اسكتشاته، ومع إصرار ماركو أعاد أبوسمرة له أمواله، لتضاف فضيحة جديدة إلى فضائح أبوسمرة، الذى للأسف الشديد لم يتعظ من كل ما سبق ذكره، وما أن تم نشر تقرير الدستور، حتى جرى مهرولًا ومعه ٢ كيلو بسبوبة ومبلغ ٢٠ ألف جنيه لبهجورى فى دار المسنين التى ينزل بها منذ فترة، ليلتقط لبهجورى صورة مع عدد مجلة صباح الخير المنشور به الرسومات المزورة التى أثارت الأزمة، بهدف التغطية على فضيحته التى تجاوزت هذه المرة حدود مصر إلى إيطاليا.

من يحمى اسم وتراث بهجورى؟

وهنا أختتم كلامى بشهادة لله أولًا وللتاريخ ثانيًا، مفادها أن أبوسمرة أطماعه بسيطة كإمكاناته الفنية، فهو جامع اسكتشات ومزور غير محترف، ولكن المافيا الكبرى التى شاهدت مجموعة منها فى عام ٢٠٢٢ أثناء إعدادى كتاب: بورسعيد السابق الإشارة إليه، كانت تقوم بتزييف لوحات تشكيلية لبهجورى سعر بعضها الآن يتعدى المليون جنيه، وعندما سألت مازن عن كيفية استنساخ تلك اللوحات قال لى: «يقومون بتصوير العمل ووضعه على الكمبيوتر ومن خلال الفوتوشوب يقومون بتقسيم العمل وتحريك الأشخاص وتغير أماكنها حتى تبدو مغايرة للعمل الأصلى، يعنى على سبيل المثال بدل ما عازف العود فى فرقة أم كلثوم قاعد يمين يتم نقله ناحية الشمال وهكذا، ثم تتم طباعتها بجودة عالية جدًا بالمقاس المطلوب على توال من نفس خامة التوال الذى يرسم عليه بهجورى، ثم يتم عمل برواز خشبى لها، ويقوم بهجورى بالرسم على هذا العمل والتوقيع الحى على اللوحة، وبذلك تصبح كأنها عمل أصلى، ويكمل مازن المأساة بقوله: يا راجل ده فى مرة فى صاحب جاليرى مشهور بالزمالك جاب لوحة من دول لبهجورى ٢ فى ٣ متر وطلع له المرسم الساعة ١١ الصبح نزل بيها خالصة الساعة ١١ ونص يعنى بعد نص ساعة!، ومحامٍ متسلق آخر كان قريبًا من جورج وزوجته فى آخر ٥ سنوات كان يفعل نفس الأمر، ولكنه كان يأخذ جورج إلى مكتبه بوسط البلد ويمنع أى شخص من الاقتراب منه حتى ينتهى من مهمته.

وهذه اللوحات كانوا يدفعون فيها لبهجورى ثمنًا قليلًا، على عكس اللوحات الأخرى التى كان بهجورى يقوم برسمها من الألف للياء وكان يأخذ فيها وقتًا طويلًا، لذا كان الكثيرون يلجأون إلى تلك اللوحات التى يستنسخونها أو بالأدق يزورونها، ويبيعونها على أنها أصلية، وإمعانًا فى التزوير كان يصورون بهجورى فيديو وفوتوغرافيا وهو يضع اللمسات الأخيرة على اللوحة ويوقع عليها، وهذه اللوحات فى حاجة إلى أشخاص على دراية كبيرة بأعمال جورج لكشف هذا التزوير. وعندما تحدثت فى هذا الأمر مع أكثر من صاحب جاليرى وجدتهم جميعًا، يعرفون ذلك، وقال لى أحدهم إنه لم يشتر أى لوحة لبهجورى فى آخر ٢٠ سنة، بسبب هذا الأمر. وأكد مازن أن جورج نفسه كان راضيًا بذلك ومبسوطًا، وساعات كان بيعمل ده مقابل غدوة أو عشوة حلوة ويقول وأنا مالى مش هما عايزين كده.

وقد استغلت تلك العصابة حب زوجة بهجورى المفرط للمال، وتحكمها الشديد فى كل مجريات حياته فى السنوات العشر الأخيرة، للوصول إلى غرضهم الدنىء؟! وكانت المفاجأة التى وقعت على رأسى كالصاعقة، عندما قال لى مازن أن زوجة جورج، كانت شريكة للأسف الشديد فى كل ما حدث، حيث أعدت مؤامرة خبيثة ظاهرها الخير وباطنها المكر والخبث، وتواطأ معها عدد من المنتفعين والقريبين من جورج، فقررت فى عام ٢٠١٥ تقريبًا، أن تمنع جورج من السفر مرة أخرى لباريس، حيث كانت ترى أنه يصرف هناك أمواله على الفاتنات فى باريس، فاستغلت مرضه وأحضرت له كونسلتو طبيًا أعد تقريرًا طبيًا مزيفًا، جاء فيه أنه يعانى من أمراض عدة وأن السفر وركوب الطائرات خطر على حياته، وبناءً على هذا التقرير المزيف، قامت إحدى صديقاتها بتصفية كل أعمال جورج فى باريس، ولم يسافر من وقتها بهجورى إلى باريس مرة أخرى.

وعندما جاء لجورج فى عام ٢٠٢٣، عرض من إحدى قاعات العرض الشهيرة بالمملكة العربية السعودية، لإقامة معرض كبير له، شريطة أن يحضر المعرض، تناست التقرير الطبى المزيف الذى يمنع على جورج ركوب الطائرات، وضحت بصحة الرجل أمام إغراء الفلوس؟!

أتمنى أن يكون هذا المقال جرس إنذار لوزارة الثقافة، ونقابة التشكيليين، ونقابة الصحفيين، للتدخل بشكل فورى وعاجل من أجل الحفاظ على اسم وتراث واحد من أهم وأشهر رسامى الكاريكاتير والفن التشكيلى المصرى والعربى فى القرنين العشرين والواحد وعشرين.