أهدانى محاولات كتابته الأولى لها بخط يده ثم رحل.. المذكرات الأخيرة لرفعت السعيد
- مبارك كان يعرف رجاله جيدًا واحدًا واحدًا ويعامل كلًا منهم بما يرى أنه يستحقه
- أشيع أن الفنان فاروق حسنى كان يرسم خطوط وألوان الموضة لفساتين سوزان مبارك
- نجح زكريا عزمى فى أن ينسج شبكة غير مرئية تحكم حصارها على مبارك
- موضوع الأقباط كان يشغل بال مبارك وإن كان يتعامل معه بحرص شديد يوحى بتردد
- البابا شنودة لرفعت السعيد: «بلغ الرئيس إن دم الأقباط مش ماء»
التقيت الدكتور رفعت السعيد آلاف المرات على الورق.. والتقيت به مرتين وجهًا لوجه.
آلاف المرات طُفت بين صفحات كتاباته الكثيرة التى كان فيها محاربًا صلبًا وشرسًا لأفكار وتنظيم جماعة الإخوان الإرهابية، وهى الكتب التى لا بد أن تكون فى كل بيت مصرى ومدرسة وكلية ومسجد وكنيسة ومركز شباب، فقد كان الأكثر معرفة وقدرة على فضح خطط وأهداف هذه الجماعة.
والتقيت به مرتين.. الأولى فى مكتبه بحزب التجمع فى العام ١٩٨٨، وكان يتعرض وقتها لحملة شرسة من جماعة الإخوان، ويومها لمست قدرته على السخرية، التى كان يحارب بها الجماعة، وربما كان هذا هو سلاحه الأكثر شراسة فى مواجهتها.
والثانية فى مكتبى بجريدة البوابة، خلال بدايات العام 2016 قبل شهور من وفاته، وكان يحمل معه مخطوطة كتابه الأخير «بقايا ذكريات» الذى صدر بعد ذلك، ويومها أهدانى فصلًا من مذكراته الأخيرة، ما زلت محتفظًا به حتى الآن، ففيه عطره ورائحته وقوة مقاومته، فقد ظل رفعت السعيد حتى اللحظة الأخيرة محاربًا... ولا يزال كذلك رغم وفاته، فهو يحارب الجماعة الإرهابية من قبره من خلال كتاباته ودراساته وأبحاثه.
فى سنوات رفعت السعيد الأخيرة وبفعل ما مر به الوطن كان يشعر كما قال لى: أشعر بحالة من الارتباك المليئة بالالتباس والادعاءات والمزاعم.
سألته: فى مثل هذه الحالة كيف تتصرف؟
فأجابنى بابتسامته الرائعة: أحاول أن أنجو؟
عدت لأسأله: وكيف تنجو؟
قال: أكتب.. الكتابة لأمثالنا هى الكتابة.
أخبرنى رفعت السعيد أنه بدأ فى كتابة ما تبقى لديه من ذكريات، وسيصدرها فى كتاب بعد أن ينتهى منها مباشرة بنفسه.
لم تكن الكتابة فيما يبدو سهلة، كان الزحام الذى يحيط برفعت السعيد يشغله، فتحت الصفحات التى وضعها بين يدى، فقرأت: العاشرة والنصف صباحًا «13 أبريل 2016» أخيرًا أتغلب على كل شىء لأبدأ.
كان قد كتب هذه الصفحات قبل أيام من لقائنا، قال لى: أنا أجاهد لما أكتب ما لدىّ، وشعرت بمساحة العبث التى يتحرك عليها من تقديمه لمحاولة الكتابة.
يتحدث رفعت عن النخبة التى لا تستحق هذا الوصف، فهى تشعل حريقًا فيما بينها وفى ذات أصحابها، وتعلو صيحاتها المتسمة بالجنون حول الجزيرتين «تيران وصنافير».
يقول: هذا «فلان الفلانى» يكاد أن يطيح بنفسه بعيدًا عن الموقع العتيد «رئيس مجلس إدارة مؤسسة صحفية كبرى» غضبًا لأن الجزيرتين لنا، ويتحول الأمر إلى هزل على يد الإعلامى «فلانى الفلانى»، إذ أحضر كومتى رمل واحدة من تيران والأخرى من صنافير، وغرس فى كل منهما علمين «مصر والسعودية»، والأرض تحاول أن توحى بموج أزرق، ثم يقول أى كلام، ليس بقادر على إقناع أحد بأى شىء، وإنما يستطيع استهلاك الوقت فى لغو يربك المشاهدين، وإعلامى آخر يوجه سهامًا قاسية للشعب كله يتهم المصريين بأنهم أذناب تهتز طربًا بالتصفيق للسيسى مهما فعل، ربما مهدت استثاراتهم لفعل العكس حتى يبدوا رجالًا أمام أنفسهم، وعلى الضفة الأخرى وثائق تتراكم تحاول أن تؤكد سعودية الجزيرتين.
هامش: ذكر رفعت السعيد أسماء من تحدث عنهم، لكننى رفعتها مكتفيًا أنها وردت فى كتابه، وكل صاحب فعل يعرف نفسه ويعرفه الآخرون.
رصد رفعت السعيد الحالة على نحو دقيق، فمصر من وجهة نظره فى هذه اللحظة كانت تستنفد كل جهدها فى تبديد طاقتها، واستنزاف ما تبقى لدى نخبتها من فعل.
فى هذا المناخ استخلص رفعت السعيد نفسه لينجو بذاته وقرر أن يكتب، لأن الكتابة - كما يقول - دواؤه.
لم تكن هذه هى المرة الأولى التى يفعل فيها رفعت السعيد ذلك، فخلال عاصفة سبتمبر 1981 التى اقتلع فيها السادات المئات من النخبة المفترضة - هذا تعبيره هو - كتابًا وشعراء وحزبيين ورجال دين ليودعهم السجن، وكان نصيب حزب التجمع هو الأكبر، فلم يتبق خارج السجن سوى خالد محيى الدين وسيف يوسف ورمزى فهيم ورفعت نفسه، وكان العشرات من أسر المقبوض عليهم يتجمعون فى غرفة الأمانة العامة للحزب، ويتكلمون فى وقت واحد، والتحليلات والتوقعات تتراكم فوق بعضها، ترك رفعت كل ذلك ودخل إلى غرفته ليكتب.
لم يكن رفعت يكتب بيانًا أو مذكرة أو مقالًا صحفيًا عما يجرى، ولكنه كان يكتب مقدمة حول «البرجوازى الصغير وأسلوبه ودوره فى المجتمع».
دخل عليه خالد محيى الدين رئيس الحزب، ولما وجده يكتب، قال له: «مفيش بيانات تتكتب، استنى لما نشوف الوضع ده هيوصل لحد فين».
رد رفعت: أنا لا أكتب بيانات.. أنا أكتب مقدمة كتاب.
صرخ فيه محيى الدين قائلًا: يا أخى أنت بتجيب برود الأعصاب ده منين.
ببرود رد رفعت: إنها مجرد نصف ساعة أستعيد فيها نفسى وأنفاسى وأخرج من حالة التشويش وأعود.
استدعى رفعت السعيد برودة أعصابه وجلس ليكتب ما يعتقد أنه يستحق الكتابة من ذكرياته، فقد كان يشعر أن حياته تقترب من نهايتها، وإذا كان له أن يفعل شيئًا له قيمة، فلا بد أن يكون هذا الشىء هو الكتابة.
فى شهر مولده، أعيد عليكم بعض ما كتبه رفعت السعيد وتركه فى حوزتى، ثم إن كتابه الذى لم يحظ باهتمام كبير ربما لوفاة صاحبه موجود لمن يريد أن يستزيد منه.
أسرار وكواليس ومطبات سنوات مبارك الأخيرة
كان مبارك يعرف رجاله جيدًا، واحدًا واحدًا، ويعامل كلًا منهم بما يرى أنه يستحقه، وأعرف حكاية عن كمال الشاذلى، إذ دعاه لحضور كتب كتاب ابنته، دخل الرئيس والمأذون هو الشيخ حسن، وكان مأذونًا مرموقًا، فهو أيضًا عضو مجلس الشعب، وفى زحمة الاهتمام بكتابة الكتاب صاح مبارك ضاحكًا: شيخ حسن بذمتك كمال خد منك كام علشان تكتب كتاب بنته، ولم يملك أساطين النظام جميعًا بمن فيهم كمال الشاذلى إلا الضحك على نكتة الرئيس.
وفى واقعة أخرى عندما زار مبارك مجلس الشورى احتفالًا بالتجديد المهيب الذى أعقب الحريق، وكان الاجتماع فى قاعة غاية فى الفخامة والسقف يموج برسوم مذهبة غاية فى الجمال، حيث يقف حارس وأمامه زجاجة ماء وكوب يكون مقعد الرئيس، وتدافع الحضور وهم أعضاء الأمانة العامة للمجلس للجلوس بالقرب من مقعد الرئيس فى الصف الأول على يمين مقعده، فالصف الأول على اليسار به أوراق مكتوب عليها الأسماء لترتيب الجالسين وأولهم المشير طنطاوى ثم صفوت الشريف وهكذا، وفى مقاعد خلفهم جلس جمال مبارك وزكريا عزمى وشخص أعتقد أنه الطبيب الخاص.
ودخل مبارك وبإشارة خافتة منه اقترب رئيس الديوان، انحنى ليستمع من مبارك وعاد، وبعدها بدقيقة خرج هو وجمال وانتظرا بالخارج، وتابعت هذه اللقطة فى دهشة.
كانت الأمانة العامة تحتل المقاعد بقدر ما استطاع المتزاحمون أن يتدافعوا ولم أكن أنوى الكلام ولا التدافع، وبعد أن جلس الجميع تركت مقعدين خاليين وجلست فى إشارة إلى أننى لم أتدافع ولا أريد الكلام.
بدأت الكلمات الاحتفالية المعتادة ثم الكلمات الممتلئة بنفاق معتاد ومفترض وربما مفروض، وفجأة نظر مبارك ربما تعبيرًا عن ملل أو تنفيذًا لفكرة خطرت فى باله، نظر نحوى قائلًا: أنت قاعد بعيد ليه؟ ونظر إلى صفوت: أنتم عاملين Seeting يا صفوت؟
فرد: لأ يا أفندم.
فعاد ليسألنى: قاعد بعيد ليه؟
فقلت: كل واحد على قد مقاسه.
فضحك وقال: «قرب شويه»، وانتقلت إلى كرسى وتركت الآخر فارغًا، موحيًا أننى متعمد عدم التزاحم، وقال: اتفضل أنا عايز أسمعك.
نظرت إلى سقف الغرفة المتألق، وقلت: السقف جميل جدًا، والجمال إرادة ولكن الإرادة تحتاج إلى مال، ونحن نحتاج تعليم جميل وصحة جميلة ومستوى معيشة أجمل، ولا يمكن تحقيق ذلك والحل هو الضرائب التصاعدية.
ولمحت ابتسامة عميقة على وجه المشير فتشجعت ومضيت، لكن مبارك قاطعنى: يقولون إنها ستمنع تدفق المستثمرين.
وأجبت: وهل يوجد بلد رأسمالى بلا ضرائب تصاعدية؟ حيروح فين؟
وضحك مبارك ونهض منهيًا الاجتماع، وهنا نفذ مبارك الفكرة التى ربما خطرت فى باله والتى استدعانى للكلام من أجلها، وفيما يحيط به الجميع كالمعتاد نفاقًا، أشار إلىّ ولدهشتى وضع ذراعه على كتفى، فتباعد الجميع عنا، وهمس مبارك فى أذنى: كده كلهم هيضربوا أخماس فى أسداس وحيسألوك فلا تجاوب.
وبالفعل ارتبك الجميع وبدأت نظرات متسائلة من صفوت الشريف، لكن أحدًا لم يتجاسر أن يسألنى، المهم اقتربنا من الباب ووقف الجميع ليسلم عليهم الرئيس فمضى سريعًا وأنا كالعادة الأخير فى الصف، فقال وهو مبتسم ابتسامة مختلفة: حاسب على نفسك لأن اللى ضد الضرائب التصاعدية حيقطعوك.
ووجدت نفسى أقول: أنا ما بخفش يا سيادة الرئيس.
ومضى ومعه جمال.. وبمناسبة جمال أذكر عدة وقائع.
الأولى عندما كان الرئيس فى زيارة سابقة، وكان جمال معه فصافحنى قائلًا: عايز أشوفك، ومضى، والسبب كان حوارًا فى المجلس حول «المفاعل النووى»، وقلت فى كلمتى: المصريون لهم شفرتهم الخاصة، وعندما يتحدثون عن المفاعل يقولون الضبعة، لأنهم استقر فى مشاعرهم أن هذا مكان المفاعل ولا مكان غيره.
والتفت لى وزير الكهرباء د. حسن يونس مبتسمًا فى ارتياح لم أدرك أنه كان مكبوتًا، وفيما نغادر الجلسة همس: براڤو.. ولم أفهم.
واقترحت على فريد خميس فكرة أن تبنى الحكومة مفاعلًا وأن يبنى الشعب من تبرعاته مفاعلًا آخر، وأعلن فريد فى جلسة لجنة الشئون الاقتصادية عن فتح باب التبرع بعشرة ملايين وانهالت عدة ملايين أخرى، وتحمست فكتبت فى الأهرام: فلنبنِ لمصر مفاعلًا آخر، وبعدها همس محمد كمال وكان عضوًا معنا أيضًا، وأيضًا كان سكرتيرًا لجمال، وقد سبق أن طلبت منه أن يبلغ جمال أنه لا يجوز أن يخاطب اجتماع اللجنة السياسية المذاع على الهواء وهو يضع يده فى جيب البنطلون، ونقل الرسالة وبالفعل لم يفعلها جمال مرة أخرى، المهم همس محمد كمال: الأستاذ جمال - وهذه كانت التسمية السائدة فى أوساط المحيطين به - عايز يشوفك.
توقعت أن يكون الأمر متعلقًا بمشروع الضبعة، ومع مسار الجلسة انتقلت إلى حيث يجلس واحد من كبار الذين أعلنوا عن تبرعهم وسألته: أخبار الضبعة إيه؟ وقال هامسًا: شخطوا وقالوا ابعد عن الموضوع ده، وعدت إلى مكانى وقلت لمحمد كمال: ممكن تحدد الموعد بعد يومين ثلاثة.
وأستكمل قصة الضبعة، فأحد كبار المستثمرين فى هذا المكان قابلنى ساعة جنازة المرحوم إبراهيم شكرى، وكعادته فى مناداة أصدقائه قال: يا سيد الناس عايز أحذرك من المطالبة بمفاعل الضبعة، لأن اتجاه الريح سينقل الإشعاعات فى حالة وقوع كارثة مثل تشيرنوبل إلى الدلتا ليقتل ويصيب عشرات الملايين، ولم يكن مناخ الجنازة والزحام فى مسجد عمرو بن العاص ملائمًا لأى نقاش ولا حتى لما قاله المستثمر الكبير ولم أرد، ويبدو أنه كرر هذه العبارة مع كثيرين حتى استدعاه مبارك ساعة الخروج من أحد الاحتفالات وقال له بصوت عالٍ: ابعد عن موضوع الضبعة.
وتناثرت معلومات عن خلاف حتى فى نطاق الأسرة حول الضبعة، وتأجل الأمر رغم إلحاح وزير الكهرباء حسن يونس، فالقوى الرافضة كانت الأقوى، فهناك جمال وصهره وشركاء صهره.
ونبقى مع رسائل مبارك العلنية التى اعتاد أن يطلقها وكأنها هزار غير متعمد، لكنها كانت مقصودة، وأذكر يوم عقد قرانه، وقد وجهت الدعوة لعدد كبير فى نادى القوات الجوية، ووقف الرئيس وحرمه وجمال وحرمه يتلقون التهانى، وكالعادة تزاحم المتزاحمون المعتادون، وكنت بعيدًا بعض الشىء حتى يخف الزحام أتحدث مع محمود محيى الدين عن أحوال الأستاذ خالد، وأوشك الزحام أن يتلاشى فتقدمت للتهنئة، لكن الرئيس باغتنى قائلًا بصوت مرتفع: عايزينك تكتب لنا كتابًا ضد فاروق حسنى واللخبطة اللى عاملها.
وأجبت بسرعة: يا سيادة الرئيس بعد ٢٠٠ سنة أو ٣٠٠ سنة سيردد المؤرخون القادمون أنه فى زمن حسنى مبارك تم إنقاذ وترميم الآثار الإسلامية والقبطية، وهذا يكفى فاروق حسنى ويزيد.
وفوجئت بمبارك يخاطب شخصًا يقف خلفى قائلًا: ابسط يا عم، والتفت لأجد خلفى فاروق حسنى الذى ظل ممتنًا لهذا الرد.
لكن المثير للدهشة أن مبارك كرر طلبه هذا أكثر من مرة وكنت أكتفى بالابتسام، وحاول بعض الذين يزعمون أنهم عالمون ببواطن الأمور أنها مناكفة عائلية بين الرئيس وحرمه، فقد أشيع أن الفنان فاروق حسنى كان يرسم خطوط وألوان الموضة لفساتينها.
وبما أن الرئيس كررها فقد حاولت أنا أيضًا، ففيما كان الرئيس مرشحًا وحيدًا فى الاستفتاء الذى أجرى لآخر مرة، قرر حزب التجمع الامتناع عن التصويت مطالبًا بانتخابات تعددية، وليس مجرد استفتاء على مرشح واحد.
وأذكر أننى تعرضت لإلحاح مرير من جانب عديد من المسئولين وخاصة د. مصطفى كمال، حلمى رئيس مجلس الشورى وكمال الشاذلى وغيرهما، وكانت الجملة الأثيرة لدى الجميع ضرورة إبراز وحدة الصف فى ظل الظروف الصحية للرئيس، وفى كل مرة كنت أسأل محدثى: هل طلب الرئيس منك ذلك؟ وكانت الإجابة بالنفى.
وكان الأستاذ خالد قد تعرض لذات الضغوط فى مجلس الشعب وأجاب بذات السؤال، وعندما أعلن عن فوز الرئيس فى الاستفتاء ذلك الفوز المعتاد وبالنسبة المعتادة كانت وفود التهنئة تتدفق على قصر القبة، وسبقنا وفد أمانة مجلس الشعب ثم الشورى، وعندما اقتربت عبر الطابور من مصافحة الرئيس خطر فى بالى أن أوجه رسالة للسامعين وفيما الرئيس يصافحنى، سألته بصوت عال: حضرتك زعلان من موقفنا؟ فضحك وقال: أبدًا.. وأتممت: لازم الجميع يعرف أن الصور متعددة الألوان أجمل من الصورة أبيض وأسود.
فالتفت إليهم وقال كلمة لا أعرف إن كانت استحسانًا أم لا: سامعين.
وهز الجميع رءوسهم.. طاعة من غير رضاء.
وتكرر الأمر عندما كانت الانتخابات التعددية الأولى، وقد بدأت ملامح القرار عندما همس الصديق شوقى يونس، وكان دائم الجلوس خلفى، وفيما الجلسة تناقش مسائل لا أهمية لها، قال هامسًا: ستسمع أخبارًا مهمة جدًا بعد يوم أو يومين.
وجاء الخبر المهم بتعديل الدستور بحيث تجرى انتخابات الرئيس بين أكثر من مرشح، وجرت محاولات للضغط علينا للترشح، وفى بادئ الأمر قرر الحزب أن يترشح الأستاذ خالد، وأعلن بالفعل ترشحه خلال ندوة صحفية أجريت معه فى مجلة المصور وتتالت عدة وقائع.
كنت أتحدث فى برنامج فى ماسبيرو على الهواء، ثم فاجأتنى مقدمة البرنامج فقالت سنخرج إلى فاصل وبعدها أسألك: هل من الملائم أن يترشح الأستاذ خالد وهو فى هذه السن؟
وأثناء الفاصل قلت بصوت غاضب حذار أن تسألى هذا السؤال، فإجابتى ستكون أن خالد محيى الدين أكبر كثيرًا من مرشحكم.
فقالت: يا نهار أسود.
ولم تسأل السؤال، لكن الحاضرين جميعًا سمعوا، وطبعًا نقل البعض ما سمع.
والذى حدث أننا استشعرنا حقيقة التمثيلية التى تجرى فتقرر انسحاب الأستاذ خالد بحجة حالته الصحية.
وفى ذلك الحين كانت هناك ضغوط أخرى كى أترشح أنا، وكان صاحب هذه الضغوط د. نعمان جمعة الذى كان الوفد قد رشحه للرئاسة، وكان يستشعر بأنها محاولة من خصومه فى الحزب لإحراجه.
وفى جلسة رباعية ضمت «صفوت الشريف- كمال الشاذلى- نعمان جمعة- وأنا»، طالب نعمان بأن أترشح أنا وهو حتى لا يتحمل الإحراج وحده، ورفضت بحسم، وكان أن دعا د. نعمان إلى برنامج البيت بيتك لعرض برنامجه الانتخابى استكمالًا لديكور مسرحية الانتخابات.
سأله مقدم البرنامج: هل ترشح خصمًا يساندك أمام جمهور المشاهدين.
فاختارنى، واستكمالًا للإخراج المسرحى استدعونى على التليفون، وحاول مقدم البرنامج أن يضع بعض الحصى فى فمى قبل أن أؤيد انتخاب نعمان، فسألنى: ما رأيك فى البرنامج الذى أعلنه السيد الرئيس مبارك فى مدرسة المساعى المشكورة؟.. وفهمت الملعوب.
فأجبت إجابة لم تكن تخطر على بالى ولا بال نعمان، وطبعًا لم تخطر على بال مقدم البرنامج، قلت فى هدوء: أعتقد أن الرئيس مبارك خالف القانون بأن عقد مؤتمرًا انتخابيًا فى أحد دور العلم، وهذا ممنوع قانونًا، ولو كنت مرشحًا لسافرت فورًا إلى المنصورة وعقدت مؤتمرًا انتخابيًا فى مدرسة الملك الكامل الثانوية.
وأحسست أن مقدم البرنامج وزميلته أوشكا أن يغمى عليهما من الخوف وخرجا إلى فاصل، بعدها قالت لى الشريكة فى تقديم البرنامج أنها وزميلها كانا فى حالة رعب حقيقى، وبعدها أيضًا جرت محاولة إصلاح الديكور الانتخابى فاتجه الرئيس لعقد مؤتمراته فى حديقة الأزهر.
وعندما سافر إلى المنيا وتمت استضافته فى عشة على شاطئ النيل، حيث تناول الشاى من يد زوجة صاحب العشة الذى بدا مرحبًا بصورة مبالغ فيها، أرسل زميلنا المرحوم د. وجيه شكرى أمين الحزب فى المنيا أن صاحب العشة المزعوم مخبر فى مباحث المنيا ونشرنا الخبر فى الأهالى ما أغضب الكثيرين، وهو ما تكرر نقلًا عن جريدة الأهالى فى فيلم طباخ الرئيس.
واستمرت التداعيات فقد تحولت اجتماعات رؤساء الأحزاب التى سبقت الانتخابات إلى كوميديا سوداء، الجلسات تعقد لكى يرتل رؤساء الأحزاب الولاء والمديح للرئيس المرشح والتهكم على منافسيه، وكان من بين منافسيه أحمد الصباحى رئيس حزب الأمة الذى أعلن عن أنه يترشح استكمالًا لولائه للرئيس، وأنه سوف يعطى صوته للرئيس، وبالمناسبة هو كمرشح حصل على نصف مليون جنيه دعمًا من الدولة خصص مثله لكل المرشحين، ولما طلب منه تقديم حساب عن نفقاته رفض مؤكدًا أنه مش فاكر.
المهم اتفقنا نعمان جمعة وضياء داود وأنا على الانسحاب من هذه الاجتماعات التى توقفت بعدها، ومنح كل رئيس حزب من غير المنسحبين خمسون ألف جنيه كسلفة تستقطع من الدعم الذى يقدم للحزب على أقساط، ولم تستقطع، وقد نبه عليهم عدم إعلان ذلك، لكن المستشار فرج الدرى أبلغنى بذلك سرًا، وشجعنى على أن أطلب مثلما كان للآخرين، ورفض صفوت الشريف معربًا عن غضبه، وربما متصورًا أنه يلقننى درسًا فى ضرورة الطاعة.
وقد نجح زكريا عزمى فى أن ينسج شبكة غير مرئية تحكم حصارها على مبارك، بحيث يمتنع على أحد الاتصال بالرئيس إلا عن طريقه وحده، كان يسميها متباهيًا حلقة النار.
وأذكر أن صديقًا هو د. طه عبدالعليم تم اختياره رئيسًا للهيئة العامة للاستعلامات وهو منصب مهم، وفى إحدى سفريات الرئيس اصطحبوه على الطائرة الرئاسية، واستدعاه الرئيس خلال الرحلة ليتعرف عليه، وبعد حديث قصير كان على د. طه أن يترك المقصورة الرئاسية فتجاسر وقال للرئيس: أنا من موقعى يا سيادة الرئيس أحتاج إلى الاتصال بسيادتكم لا تلقى توجيهاتكم، ورد مبارك: إن شاء الله.
لكن زكريا عزمى انتحى به وزجره بشدة: أنت تخترق حلقة النار.
ولم يدرك د. طه عمق الكارثة، وعندما تحدث إلى عقب عودته تليفونيًا وروى ما حدث قلت له احذر فقد يطاح بك، وبالفعل ربما بسبب ما طلبه من الرئيس أو بسبب أنه حكى لى ما لا يجب أن يحكى.. أطيح به.
محنة الأقباط فى عصر مبارك لم تكن صدفة.. والبابا شنودة كان يعرف
ذات يوم استدعانى قداسة البابا شنودة غاضبًا وساخطًا بعد حكم محكمة الجنايات ببراءة المتهمين فى قضية الكشح، وقال بلغ الرئيس بأن دم الأقباط مش ماء.
وكان الأمن قد رتب المحاضر لتقود لهذا الحكم، خاصة أن المعتدى عليهم كانوا يوجهون اتهامهم لشخص واحد، وكان من الصعب تصور تواجده فى أكثر من مكان فى وقت واحد، والقاضى يحكم بما أمامه من أوراق.
اتصلت بجمال عبدالعزيز السكرتير الخاص للرئيس بعد اتصال بتليفون د. زكريا عزمى ولم يرد، وأجاب جمال عبدالعزيز: الرئيس عنده ضيف، وسأتصل بك فور انتهاء المقابلة.
ولم يتصل، ولم أكرر المحاولة، وأعتقد- مجرد اعتقاد- أن سكرتير الرئيس كان متممًا لحلقة النار، وأبلغ د. زكريا الذى طلب منه ألا يبلغ الرئيس منتظرًا أن أتعلم ألا أخترق حلقة النار وعاند وعاندت فلم أكرر المحاولة لا من جمال ولا من زكريا رغم أننى كنت أبلغت السكرتير أن الأمر مهم جدًا وعاجل جدًا.
وبعد يومين اتصل د. زكريا: أنت زعلان مننا.
وقلت: لأ مش زعلان.
فقال إن جمال نسى يبلغ الرئيس وسألنى: ماذا كنت تريد؟.. أنا تحت أمرك.
فقلت له ما قاله البابا وقلت اقترح أن يكلمه الرئيس، وبعدها بدقائق كان الرئيس على التليفون، وقال إن القاضى أمامه أوراق متوضبة لصالح المتهمين، وبلغ البابا أن النيابة ستطعن فى الحكم أمام محكمة النقض، وصمت البابا عن غيظ شديد.
والحقيقة أن العلاقة بين مبارك والبابا كانت معقدة جدًا، لأن موضوع الكنائس كان معقدًا، وأذكر أن د. زكريا طلب أن أزوره فى قصر عابدين، وهناك أطلعنى على رسالة من وزير الأوقاف آنذاك د. حمدى زقزوق يشير فيها إلى زيارة له للنمسا، حيث وجد حالة من الاحتقان عند الأقباط المصريين بسبب موضوع نشر فى نشرة الكرازة المرقسية ويشار فيها إلى غضب قبطى بسبب العديد من الأوضاع.
وقال: الرئيس يطلب منك أن تزور البابا ويستحسن أن تقابله منفردًا لتسأله عن طلباته، والرئيس مستعد لتلبية ما هو معقول.
واتصلت ورتبت موعدًا بالدير، حيث يكون البابا منفردًا، وكان د. زكريا قد لحقنى وأنا على السلم ليقول متقولوش إنك تحمل رسالة من الرئيس، وهاتها من عندك أنت.
فما إن انفردنا قلت لقداسة البابا: أشعر أنك لست على ما يرام مع الرئيس، فابتسم ثم صاح بعد فترة تأمل لعله تأمل الدافع وراء زيارتى وخلف سؤالى وبدأت الشكوى بالحديث عن سابق طلبه لكنيستين فى الوادى الجديد، أذكر أن إحداهما فى بلده موط.
وقال: الناس كلها تعرف إن القبطى لازم يخطب خطيبته فى الكنيسة، ويتجوزها فى الكنيسة، ولما يموت لازم يتصلى عليه فى الكنيسة، وموط فيها أقباط كثيرون، واللى يموت يحطوه فى الصندوق على حمار ويسافروا بيه مشوار طويل جدًا، لأن مفيش طرق ولا عربيات تقدر تمشى فى الصحراء، وقالوا الرئيس وافق من سنتين ولسه.
ثم سألته: هل مثلًا تجدون أن من الملائم أن يكون هناك محافظ قبطى؟
فسأل: إيه المانع يعنى؟
وتضاحكنا وودعته وفيما أغادر نادانى قائلًا: زى ما قالوا لك ما تقلش إن احنا اللى باعتينك، أنا بقولك متقلهمش إن أنا اللى طلبت.
وضحكنا معًا.
وبعدها اتصلت بزكريا عزمى فرفض الحديث فى التليفون وقال: تعالى فورًا.
وفى مكتبه قلب أوراقًا ثم استخرج المذكرة المعروضة على الرئيس بشأن كنيستى الواحات وعليها توقيع مبارك تحت عبارة «لا مانع»، والتاريخ قبل سنتين، وقال: توجه فورًا لحبيب العادلى وشوف معاه الموضوع لماذا تأخر.
وكان العادلى منتظرًا وقرأ التأشيرة وطلب مدير أمن الوادى الجديد وكان الرد البارد: مقدموش عقد يفيد تملكهم للأرض.
وفيما يرد عليه العادلى صرخت أنا: الكنيسة تمتلك الأرض من خمسمائة سنة، ولم يكن هناك عقود تمليك، وحتى الآن لا يوجد فى هذه المناطق شهر عقارى ولا عقود تمليك، وشخط العادلى: الموضوع يخلص فورًا، وخلص الموضوع فورًا.
أما عن موضوع المحافظ فقد سألنى د. زكريا: هل هو عنده مرشح؟
وسألت، والإجابة كانت: اسأل د. ثروت باسيلى وكيل المجلس الملى.
وفى اليوم التالى جاءتنى سيرة ذاتية للمرشح، أذكر أنه طبيب فى مستشفى منشية البكرى، لكننى متأكد أن اسمه «اكلمنديس»، وطبعًا كان رد زكريا متعلقًا بالاسم، لكننى كنت واثقًا أن اختيار المحافظ- أى محافظ- لا يمكن أن يكون لأحد غير الرئيس، وعيّن الرئيس محافظًا مسيحيًا.
والحقيقة أن موضوع الأقباط كان يشغل بال مبارك، وإن كان يتعامل معه بحرص شديد، يوحى بتردد، يخاف من تداعيات لا يجوز الخوف منها، وكنا فى اللجنة المصرية للوحدة الوطنية، خاصة منير عبدالنور وأنا نبذل جهدًا فى الإلحاح على حل مشكلات تتناثر هنا وهناك، وخاصة فى مجال التعليم.
وذات يوم كنت عند قداسة البابا وكعادته فى كثير من الأحيان كان يتهكم ضاحكًا وشاكيًا فى نفس الوقت، وحكى قصة طالب طب كان يخشى من امتحان الشفوى؛ لأن الأستاذ متعصب ضد الأقباط، فاحتاط وسأله الأستاذ اسمك؟ مجدى.. مجدى إيه؟ إبراهيم.. إبراهيم إيه؟ كمال.. كمال إيه؟ وما من مفر فقال «بطاريس»، فشخط الأستاذ: قوم.. بطرس واحد بيسقط.. وعاد إلىّ باكيًا.
وذات يوم اتصل الرئيس مبارك، وسأل كالمعتاد: «البابا صاحبك زعلان والتقارير بتقول إنه يشكو بمرارة»، فحكيت له حكاية «بطاريس»، وزدت عليها أن هذا الأستاذ يتعمد أن يمتحن الطلاب يوم ٧ يناير؛ ليغيظ الأقباط، فضحك أولًا على اسم «بطاريس»، ثم قال: كلم الدكتور حسين «وزير التعليم والتعليم العالى حسين كامل بهاء الدين» يشوف حل، وبلاش امتحانات يوم ٧ يناير، فرد الدكتور حسين «الأستاذ الممتحن كان أستاذى، ومن الصعب على مجادلته فى هذا الأمر، والحل أن يصدر الرئيس قرارًا بذلك، وأردف على أى حال عندما كنا طلبة كانوا يمتحنوننا فى عيد الفطر أو عيد الأضحى كنوع من التأكيد على أهمية دراسة الطب.
ونقلت الإجابة إلى د. زكريا، وجاء الرد بعد أقل من ساعة: خلاص يا سيدى الريس قرر اعتبار ٧ يناير إجازة رسمية، ويمكن كمان عيد القيامة، وأسرعت ونقلت الخبر إلى البابا شنودة، الذى أبدى ابتهاجًا غير معتاد، لكنه لدهشتى رفض إجازة عيد القيامة؛ لأن ذلك سيثير قطاعات كبيرة من المسلمين، الذين سيتذكرون الآن «وما قتلوه وما صلبوه ولكنه شُبه لهم»، ودهشت ليس فقط لأن البابا يتذكر نصًا قرآنيًا وإنما لحرصه البالغ والسريع جدًا بالنسبة لإجازة عيد القيامة.
وأبلغت د. زكريا، الذى قال: كده يلقن البابا الجميع درسًا فى الوطنية، وبعدها عندما زرت قداسة البابا همس فى أذنى وأنا أغادر ستذكر الكنيسة فى تاريخها أنك صاحب ٧ يناير إجازة رسمية.
ولم أزل فى غمار ذكريات لا تنتهى حول العلاقة الشائكة والغامضة بين مبارك والبابا.
ذات يوم وأنا فى مجلس الشورى اتصل بى شخص من طرف الأنبا مرقص «أسقف شبرا الخيمة»؛ ليبلغنى أن رئيس الحى اصطحب الأمن وعشرات العمال يهدمون مبنى خدمات كنيسة شبرا الخيمة.
اتصلت بمحافظ القليوبية عدلى حسين، وهو صديق عزيز، فقال: «بيقولوا مش كنيسة.. ومبنى بدون ترخيص»، وسريعًا حضر د. ثروت باسيلى، فقد أخرجه تليفون من الجلسة؛ ليقدم ذات البلاغ، وكنا نحن الاثنين فى زيارة البابا فى الدير، وعندما قلت له أرجوك يا قداسة البابا لا تشغل بالك بالتفاصيل الصغيرة وفوض شخصًا نثق به فى أن يتولاها، فأشار إلينا: انتوا الاثنين مع بعض.
اتصلت بالدكتور زكريا، فإذا به يقول: كنيسة شبرا الخيمة عندى خبر بس دى مش كنيسة، وده بيت خدمة بنى دون إذن ودون ترخيص، فدخلت فى حوار حول حساسية الموضوع، خاصة أن الأنبا مرقص صعّد الموضوع، وهو مصمم أن الهدم طال جزءًا من الكنيسة.
وبعدها بساعة تلقيت مكالمة منه: الرئيس أمر بإعادة المبنى كما كان، وتتحمل المحافظة التكلفة، وطلب أن أذهب غدًا لمقابلة المحافظ وحل الموضوع، وكان الأنبا مرقص قد تلقى ذات الإجابة عبر طريق آخر، وذهبنا إليه د. ثروت وأنا فى طريقنا إلى بنها، فوجدنا أمامه رسمًا معماريًا أعد على عجل يعيد بناء مدخل الكنيسة وبرخام يغطى السلالم ويتصاعد ليغلف كل الواجهة، ثم يصعد ببرج الكنيسة إلى أعلى، وأما مبنى الخدمة فهو مفتوح على قاعة الكنيسة الرئيسية، فنظرت إلى د. ثروت وتفاهمنا، وقال ثروت إن هذا ليس إعادة الشىء إلى أصله وإنما إعادة بنائه بفخامة مبالغ فيها.
وفى بنها قال المستشار المحافظ نفس الشىء، وبينما نشرب القهوة اتصلت همسًا بقداسة البابا، الذى ثار ثورة عنيفة، وقال ولا طوبة واحدة زيادة، كفاية أن الرئيس أنصفنا، ومش عايزين رخام ولا فخامة، وذهبنا مع المحافظ إلى موقع الكنيسة ومعنا الأنبا مرقص وهالنى منظر الشارع الضيق جدًا، والذى تصاعدت كل مبانيه كأبراج يصل بعدها إلى ١٢ دورًا، بحيث يخيل إليك أن الأبراج المتقابلة توشك أن تتلامس فى أدوارها العليا لتغلق بوابات الضوء والشمس وحتى الهواء.
وسألت المحافظ: اشمعنى رئيس الحى اختار مبنى الخدمات فقط؟
فقال: سأنقله فورًا.
وصمم الأنبا مرقص على موقفه، ورفضنا جميعًا، وأخيرًا استخدم المحافظ سلاحًا ظل سريًا، فقال: الكنيسة ومبنى الخدمات بُنيا على أرض زراعية ولا أستطيع فعل شىء إلا بموافقة وزير الزراعة، وبعد اتصال بالدكتور زكريا تم اتصال من الكنيسة بالأنبا مرقص، فهدأت المناقشات وأعيد الشىء إلى أصله.
لكننى لا أستطيع أن أتباعد عن عطر الكتابة المصطحبة لاسم قداسة البابا شنودة دون أن استمتع بذكر رسالتين خطيتين تلقيتهما من قداسته.
ذات يوم فى جلسة مسترخية فى الدير قال لى: لا أذكر أننى كتبت رسائل شخصية إلا لك أنت، وشعرت باعتزاز.. ولم أزل.
الأولى كانت بمناسبة انتخابى رئيسًا لحزب التجمع.
والثانية أرسلت من أمريكا بالفاكس بمناسبة العيد الثلاثين لصدور جريدة الأهالى، وتوقفت طويلًا أمام مديح لا نستحقه من شخص مثل قداسته، ولا أخفى أننى كلما أمسكت بالرسالتين فى إطارهما الفضى، لم أزل حتى الآن أشعر بعطر أنفاس قداسته واستأذن فى أن أمنح ما كتبت وما سأكتب بركة قداسته بعضهما. وربما لو أطلت التأمل لكتبت مئات الصفحات، لكننى سأكتفى بعبارة واحدة لم تزل محفورة فى أعماقى.
كنت فى زيارته فى الكاتدرائية، وكالعادة التف حولنا عدد من الآباء أتى أحدهم غاضبًا من أبراشيته فى الصعيد، وظل يشكو من تصرفات غاية فى الرداءة ضد شعبه وكنائسه هناك، والبابا صامت، لكن المطران الغاضب قال: أنت يا سيدنا تأمرنا بالهدوء، كلما سكتنا زادوا من تطاولهم، فأنصفنا، نحن أبناؤك وامنحنا الإذن بالاحتجاج، وظل البابا صامتًا وصمت الجميع.
وبعد فترة قال البابا: «ليس فقط لأن الرب يأمرنا «أحبوا مبغضيكم وباركوا لاعنيكم، وإنما لأن سلامتكم وحقوقكم فى عنقى ومعها وفوقها سلامة وأمن مصر كلها، وأنا أخشى وأحاذر على مصر من أن تغرقها دماء طائفية حتى لو احتملنا نحن».
وفى المراحل الأخيرة من مرضه الأخير همس أحدهم فى أذنى: البابا مريض جدًا، ويتألم جدًا آلامًا فوق أى قدرة على الاحتمال، لكنه يخفى آلامه.
اتصلت به فى كليفلاند، حيث يعالج، ورد على أحد مرافقيه: قداسة البابا بخير، ولكن يستريح بعض الوقت، وأنا سأبلغه باتصالك، وسمعت صوت قداسته يسأل بحدة: مين بيتكلم؟ ولما عرف صاح: هات التليفون، وكلمنى ضاحكًا أو متظاهرًا بالضحك: أنا كويس وأول ما أرجع سأتصل بك.
وبالفعل عاد البابا ليتصل بى، وقال بهدوء: عاوز أشوفك.
ولست أدرى لماذا خيم علىَّ إحساس حزين يوحى بأنه اللقاء الأخير، وانتظرت دقائق تبدت طويلة جدًا وأنا جالس فى مكتبه، وتذكرت أن منير عبدالنور، عضو المجلس الملى وصديقى العزيز، قال لى إنه فى أحد اجتماعات المجلس، كان قداسته متجهمًا، فهمس أحدهم فى أذن جاره: حد يجيب سيرة رفعت السعيد وقداسته سيضحك، وسأل قداسته: بتقولوا إيه؟ أجاب أحدهما بما سمع فضحك البابا قائلًا: هو صديق عزيز فعلًا.
وفيما أتمنى أن أراه ضاحكًا أتى قداسته متماسكًا ومبتسمًا موحيًا للجميع بأنه فى أتم صحة كما اعتدت دائمًا، احتضنت قداسته ويبدو أننى أطلت، فتخلص برفق وبدأ حديثًا ضاحكًا، وخيّم على إحساس بأنه عندما وقف ليودعنى أنه الوداع الأخير، وسكب فى أذنى أنفاسه العطرة، وهو يقول: خللى بالك من نفسك ومن صحتك وربنا هيحميك، وصحبنى إلى الخارج حتى جاءت السيارة، فى كل مرة يفعلها، وفى كل مرة كنت ألمسه برفق، قائلًا: اتفضل ادخل يا سيدنا، لكنه يصمم أن يبقى حتى تأتى السيارة.
هذه المرة لم أفعل وتمنيت ألا تأتى السيارة؛ لأبقى معه لحظات أخرى، وأحسست أنه أيضًا لا يلتفت إلى السيارة، إذ وصلت وظل واقفًا معى، وأحسست أنها نهاية اللقاء الأخير معه، وبالفعل كان رحيله بعد يومين.
وتبقى ملاحظة أخيرة فى مسألة علاقة مبارك بالمسألة القبطية، كانت دماء الكشح لم تجف بعد، وكان ثمة تجديد نصفى فى مجلس الشعب وثمة تعيينات لأعضاء جدد، اتصلت بالدكتور زكريا، وقلت له: ما رأيك فى أن يجرى تعيين مسيحى من الكشح فى الشورى.
بعدها بساعات اتصل وسألنى: صاحبك عنده اقتراح باسم معين؟
وسألته: صاحبى مين؟
وأجاب: البابا.
قلت له: البابا لم يفاتحنى فى الأمر ولا أنا فاتحته.
وبعدها صدرت قرارات التعيين وبها اسم رجل أعمال مسيحى من قرية الكشح، لكن المثير للدهشة أن القرار وضع فى النص الرسمى إلى جوار الاسم وبين قوسين عبارة من قرية الكشح، وتصورت أن خطأ إداريًا ترك هذه الإشارة مكانها، لكنه فيما أتندر بذلك فى حوار مع البابا أسند قداسته يديه على العصا، وقال فى هدوء، وكأنه يوجه الحديث لشخص غير موجود: ربما أراد أن يسجل فى وثيقة رسمية ما قد يقرأه البعض بعد سنوات عديدة؛ ليسجل أنه كان متعاطفًا مع ضحايا الكشح، وبالفعل راجعت مرسوم التعيينات فى الجريدة الرسمية فوجدت ذات العبارة.. وربما كان البابا على صواب.
حكاية الرجل الغامض الذى أخبرنى بفشل سيناريو التوريث
هذه الحكاية احتفظت بها ولم أشر إليها من قبل، لأنها واقعة ليست فقط مثيرة للدهشة، وإنما هى شديدة الغرابة فى ترتيباتها.. فتناسيتها حتى نسيتها.
البداية فى نادى الجزيرة، وأنا رغم عضويتى القديمة جدًا فى النادى، إلا أننى لا أستمتع به إلا نادرًا، وبعد أن هبط فوق صدرى كابوس الحراسة الأمنية، وإذ أصبح الذهاب للحلاق مثلًا مشكلة، فكيف اصطحب معى حارسًا مسلحًا إلى صالون الحلاق دون أن أستثير فضول الناس، وأنا الذى تعود بحكم الاعتياد القديم أيام العمل السرى على الانفلات دون أن يلتفت إلى أحد وكان الحل أن أحلق عند «صبحى» حلاق النادى.
وذات يوم خرجت من الصالون ووضعت حقيبة أوراق بها بعض تقارير مجلس الشورى على إحدى الترابيزات ومشيت عدة دورات حول الملعب وعدت لأجد شخصًا أنيقًا أربعينى العمر جالسًا بالقرب من أشيائى، ابتسم وابتسمت، وبسبب ظهورى لعدة مرات فى التليفزيون اعتدت أن يتعرف علىَّ البعض ويقتحموننى بأسئلة عن أخبار الدنيا، ورأيى فى الموضوع الفلانى واعتدت الإجابة باقتضاب شديد.
لكن هذا المبتسم سأل بعد التحية سؤالًا غريبًا جدًا: حضرتك مش شايف أنها مسألة غريبة أن مذكراتك توزع أكثر من توزيع مذكرات د. بطرس غالى؟
سألت نفسى: هل هذا استفسار أم جر شكل، وأجبت ببرود ولم يدهش المبتسم: والله أنا معرفش مذكراتى وزعت كام ولا أعرف مذكرات د. بطرس غالى وزعت كام، لكن أنا متأكد أن د. بطرس أهم منى ألف مرة.
فأجاب إجابة أثارت دهشتى، وقال على أى حال انتوا أصحاب من أيام مجلة الطليعة، فمجلة السياسة الدولية، كانت معاكم فى الدور الساس فى الأهرام أيام ما كان د. بطرس رئيسًا للتحرير، وتحولت الدهشة إلى فضول، لكننى آثرت الانسحاب حتى لا تفتح أبواب حديث أضيع معها وقتًا بلا فائدة مع شخص لا أعرفه.
وتمضى أسابيع حلقت فى النادى، وفيما أفلت من بين يدى «صبحى الحلاق» وجدته واقفًا والابتسامة الودودة تفتح أبواب حديث لم أكن أريد أن يفتح، لكنه كان يمتلك من القدرة على التودد بشياكة، وتبادلنا التحية وسار إلى جوارى، وبلباقة دعانى إلى كابتشينو فى الصالون، فالجو حار والصالون مكيف.
وفيما ارتشف الكابتشينو قذف برفق معلومة غريبة: تصور يا دكتور أن أحمد نظيف مرشحينه رئيس وزراء، وأدهشتنى هذه القذيفة، ووجدتنى أجيب: مش معقول.
فقال: أنا كمان رأيى كده، لكن هو فعلًا مرشح رئيس وزراء.
وكررت مؤكدًا: مش معقول.
استأذنت منصرفًا عن هذا الذى اعتقدت أنه «لاسع».
حلقت عدة مرات ولم يظهرالمتبسم ونسيته تمامًا، حتى فوجئت بعدها بحوالى ثلاثة أشهر بأحمد نظيف رئيسًا للوزراء، تذكرت الرجل، تحسست شعرى كان قصيرًا ولست بحاجة للحلاقة، ومع ذلك ذهبت فى ذات اليوم إلى النادى ولم أدهش إذ وجدته، لكن الابتسامة تغيرت، ونبرة صوته أيضًا.
قال باعتداد: علشان تبقى تصدقنى.
ابتلعت تعاليه صامتًا، وجلسنا فى الصالون، شربنا كابتشينو، تحدثنا فى أمور سياسية شتى، واسع الاطلاع، دقيق العبارات، يعرف كثيرًا من تفاصيل تصعب ملاحظتها، التقينا عدة مرات، كيف يعرف مواعيد حلاقتى؟ لم أعرف، هل هو صبحى الذى تتصل به سكرتيرتى لتسأله هل عنده زحمة أم لا؟.. أم كان الأمر مرتبًا بطريقة أخرى؟
ثم أكاد أكتشف أن كل ما فات كان إعدادًا لحوار آخر فى إحدى الجلسات.
سألنى بشكل مباشر: كيف ترى مستقبل موقع الرئاسة؟
قلت إما أن يجدد مبارك لنفسه أو أن يأتى بجمال.
فسأل بجفاف: ألا ترى سيناريو آخر؟
وانتظر إجابتى التى جاءت: ربما.. وفقط.
فأكد هو جازمًا: هناك سيناريو ثالث، وسيأتى بشكل أو بآخر.. فماذا سيكون رأيكم؟
لاحظت أن «رأيك» تحولت إلى «رأيكم»، وقلت: يتوقف الأمر على كيف؟ ومن؟ ولماذا؟
فسأل: أفهم كيف ومن ولكن لم أفهم.. لماذا؟
فقلت: لأن التوريث قد يرفض لسبب أو لآخر.
فقال: أنا متفق معك.. فكروا فى الأمر فهو آت لسبب أو لآخر.
وبعدها اختفى الرجل ذو الابتسامة الودودة، ثم مرت أشهر وكان ٢٥ يناير، وعندما دعيت إلى مقابلة مع بعض أعضاء المجلس العسكرى فى أعقاب تنحى مبارك وسفره إلى شرم الشيخ تخيلت ابتسامة هذا الرجل الغامض وسألت نفسى هل سأجده هناك؟ ولم أجده. ولم أره حتى الآن.
جلسة الشورى الأخيرة.. تكلمتم وحدكم ثلاثين عامًا.. والآن أتكلم أنا ثلاث دقائق!
لم يعلن أحد عن أنها الأخيرة، لكن أى قارئ جاد للأحداث كان يتوقع ذلك بنسبة كبيرة. فقد كان الطريق إلى المجلس مشحونًا بسيارات محترقة وعربات أمن مركزى مدمرة تسد الطريق، إنها رائحة لا تخطئها الأنف التى تمتلك بعضًا من الحساسية. القاعة تخيّم عليها الكآبة رغم تظاهر البعض بالحيوية، وقيادات الوطنى تراكمت فى غرفة زعيم الأغلبية؛ لتدخل القاعة معًا وهى تتضاحك، وكأن الجلسة واحدة من الجلسات العادية.
السيد صفوت الشريف أكثر تجهمًا عن ذى قبل؛ ربما لأنه يعرف أكثر من غيره. اللواء رفعت مطاوع نائب الأمين العام والصديق الحميم للكثيرين يغمرهم دومًا بابتسامة مشرقة، ثلاجة مليئة دومًا بالزبادى والرز بلبن يتناولها كل من يشاء كما يشاء، كان هذا اليوم بلا ابتسامة، فهو ليس ساذجًا كالكثيرين، حتى الساعى نسى أو تناسى تعبئة الثلاجة.. والغرفة باختصار صامتة وكأنها فى حالة وداع. المتجهم صفوت الشريف افتتح الجلسة لمناقشة «الوضع السياسى الراهن»، أنا كنت مستعدًا، كتبت كلمتى على غير المعتاد، وطبعت منها عشرين نسخة وزعتها على الصحفيين المتراكمين فى شرف الصحافة، وكأننى كنت أدرك أن مناخ الجلسة لن يسمح لى بإكمال ما أعددت. تحدث زعيم الأغلبية.. ولا جديد، الولاء للرئيس، الحزم مطلوب وبحث المشكلات سريعًا.. وبعد أن ساد الملل من كلمات متشابهة حتى فى طريقة الأداء، ومن تكرار ذات الجمل التى ورثها الناصريون من قيادات منظمة الشباب، ثم ظلوا يرددونها حتى أيام مبارك الأخيرة، مثل «إرادة الجماهير الشعبية تفرض علينا حماية مكتسباتها»، ومثل «أقول بكل الصدق إن هؤلاء ليسوا معبرين عن إرادة الجماهير»... إلخ، وإذ تعلو سحابات الملل المصحوبة بخوف الكثيرين من مجرد أن يفتحوا فمهم فقد يكون، أو قد لا يكون الصمت من ذهب. ولم يعد أمام رئيس الجلسة المتجهم إلا أن يلجأ إلى ممثلى الأحزاب الأخرى من أمثال الجيل والتكافل والأمة والأحرار... إلخ، وكانت كلماتهم ذات الصوت العالى تقول مثلما سبق وإن كانت بعبارات مختلفة وأحيانًا فيها هجوم على «شباب الميدان» واتهامات لهم.. وكان لا بد للدور أن يأتى نحوى رغم أننى طلبت الكلمة قبل الجميع. ولعل الأستاذ صفوت أراد بخبرته أن يربكنى بعد أن نقل إليه الناقلون عبر ورقة تسللت إليه خلال الجلسة بأننى وزعت على الصحفيين نص كلمة من عشرين صفحة من القطع الصغير.. فقال دون أن ينظر إلى القاعة مناديًا اسمى مشفوعًا بوعيد «الكلمة من الآن ثلاث دقائق فقط». ووجدت نفسى أقول بصوت مرتفع ولكن هادئ «تكلمتم وحدكم ثلاثين عامًا.. الآن أتكلم أنا ثلاث دقائق». ثم قلت جملتين حملتا كل ما أردت: «من الضرورى أن يقدم الأمين العام للحزب الوطنى نيابة عن الحزب اعتذارًا لجماهير الشعب على ما كان فى الماضى، وأن يتقدم ببرنامج جديد يحقق العدل الاجتماعى، ويقضى على الفساد، ويستجيب لمطالب الميدان». ثم جملة أخرى أن نص الدستور يقول «يتولى رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية ويمارسها»، وبهذا يكون الرئيس مسئولًا عما تولاه وعما مارسه عبر السلطة التنفيذية التى... وعددت عشرات من الخطايا، وعليه أن يتقدم للشعب باعتذار واضح محدد، وهنا أعلن الرئيس عن أن الثلاث دقائق انتهت ونادى على متحدث آخر. وحملت أوراقى صامتًا وأنا أعتقد تقريبًا أننى لن أعود إلى هذه القاعة.
المثير للدهشة أن عشرات الأعضاء والصحفيين والعاملين والسعاة قد هنأونى، ومن بينهم أعضاء تكلموا فى ذات الجلسة نفاقًا، أما اللواء رفعت فلم يقل، وإن وقف وقبلنى.
على هامش المذكرات.. كتاب مهم لم ينشر بعد للسعيد
قبل وفاته كان رفعت السعيد قد انتهى من كتابه «صفعات من صفحات كتاب مرسى»، مكون من ٣٨٥ صفحة من القطع المتوسط، وكان يعتبره وثيقة بالغة الأهمية تقوم بتشريح وشرح ما ارتكبته الجماعة الإرهابية خلال حكمها.
فى البداية اعترضت زوجته السيدة «ليلى» على كلمة صفعات فى العنوان، قالت لرفعت: الناس فى السجن ولا يستطيعون الرد عليك، فيكفى أن تورد لهم ما قلته فى وجودهم وهم حاكمون، ففكر فى تغيير عنوان الكتاب.
وأيًا كان العنوان الذى استقر عليه رفعت السعيد، فإن الكتاب لم يصدر حتى الآن، ولا بد أنه لدى ورثته، وأعتقد أنه من المهم أن تكون هذه الوثيقة بين أيدينا، ليس لأهمية ما فيها، ولكن لأهمية من كتبها، ففى مذكراته يقول: وقد يأتى زمان يهتم فيه ناشر بنشر هذه الوثيقة، فهل يفعلها أحد.. أم أهمس فى أذنىّ الدكتور أحمد بهى الدين، رئيس الهيئة العامة للكتاب، أن يكون صاحب هذه المبادرة؟