سرقة الـواقع.. كيف تتحكم الألعاب فى حياتنا؟
- دراسة لتاريخ الألعاب تأخذنا من المقامرين فى عصر النهضة إلى الصقور العسكريين المعاصرين
- من تطبيقات المواعدة إلى إعلانات الوظائف.. كيف تدير ألعاب المصممين حياتك سرًا؟
- اللعب غريزة بشرية وليس اختراعًا.. والدماغ يبتكر ألعابًا لاختراق نفسه
- «الشطرنج» مرآة الشخصية فى العصور الوسطى.. و«جو» تعزز بصيرة لاعبيها
- قادة الأعمال يلعبون «البوكر» لتعلم كيفية قراءة الأشخاص
- من خلال اللعب نتعلم كيفية التعامل مع المجهول والانسجام مع الآخرين واكتشاف الحدود
أكثر الأشخاص نجاحًا هم الذين يعيدون تشكيل أنفسهم باستمرار ويلعبون بما ينجح وما لا ينجح
فى ترنيمة هندوسية قديمة، شبهت لعبة النرد (الطاولة) بالمخدرات المسببة للإدمان، وبعد ثلاثة آلاف عام، عندما ظهر أول كازينو فى العالم فى عصر النهضة فى البندقية، أدى ذلك إلى انهيار وشيك للطبقة الحاكمة، لأنهم أفلسوا أنفسهم بالمقامرة.
يمكننا أن نتعلم الكثير عن أنفسنا كجنس بشرى من خلال دراسة ما يذهلنا، ومنه الألعاب التى استحوذت على الناس منذ آلاف السنين، واليوم أصبحت سوقها كبيرة مثل جميع أشكال الترفيه الأخرى مجتمعة، وتتحكم بواقعنا.. لكن كيف يتم ذلك، هذا ما أجابت عنه وأوضحته بالتفصيل الباحثة فى علم الأعصاب كيلى كلانسى، فى كتابها الأول: «اللعب بالواقع: كيف شكلت الألعاب عالمنا».
وكلانسى هى عالمة فيزياء حيوية حاصلة على درجة الدكتوراه من جامعة كاليفورنيا فى بيركلى، وبكالوريوس العلوم من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وعملت باحثة فى شركة «ديب مايند» البريطانية للذكاء الاصطناعى، وتركز أبحاثها على الكشف عن مبادئ الذكاء.
والكتاب صدر فى منتصف يونيو الماضى، فى 368 صفحة، عن دار نشر «ريفيرهيد بوكس» الأمريكية، وهو عبارة عن تاريخ فكرى للألعاب، وكيف أسهمت فى الفكر الحديث، بدءًا من التاريخ التطورى العميق وحتى أبحاث الذكاء الاصطناعى المتطورة.
مرايا العقل
وتقول كلانسى عن الألعاب فى تقديمها للكتاب: تعتبر الألعاب من التحف الثقافية الخالدة، فهى أقدم من اللغة المكتوبة، كما أنها أشعلت شرارة الثورة العلمية المستمرة، ونظرية الاحتمالات الملهمة، ونظرية الألعاب، ونظرية التطور، والتعلم الآلى، وغير ذلك الكثير.
وتضيف: ساعدت إحدى المناورات الحربية فى ترسيخ الإمبراطورية الألمانية فى القرن التاسع عشر وأسهمت فى تفككها فى القرن العشرين، لقد أسهمت الألعاب فى الفلسفة الأخلاقية، وتشكل الأساس للعديد من أدوات الإنترنت لدينا، وأسهمت فى تصميم أنظمة تصويت أفضل.
وتؤكد المؤلفة أهمية موضوع الكتاب فتشير إلى أن الألعاب قوية جدًا، لأنها تعلمنا دروسًا مهمة حول كيفية تفكير الناس، فالألعاب هى مرايا العقل، واليوم، أصبحت الألعاب استعارة ثقافية مهيمنة وأكثر شعبية من أسواق الترفيه الأخرى مجتمعة.
هذه الهيمنة جعلت الألعاب تتحكم بالواقع الذى نعيشه، وهى الفكرة الرئيسية التى يناقشها الكتاب، حيث ربطت تطبيقات المواعدة، وخوارزميات الإعلان، وخلاصات وسائل التواصل الاجتماعى بصانعى الألعاب فى العصر الحديث، حيث إنها، فى جوهرها، تستخدم مجموعة من القواعد ونظام التسجيل، وتستخدم لتحقيق الأهداف.
سلوك متأصل
وتلفت الكاتبة إلى أنه غالبًا ما يتم رفض اللعب باعتباره تافهًا، لكنه قديم من الناحية التطورية: فمعظم الثدييات وبعض الطيور والزواحف والأسماك وحتى الحشرات تلعب.
وتوضح كلانسى أن اللعب كان أحد السلوكيات الأكثر صعوبة بالنسبة لعلماء الأعصاب، لأنه من الصعب جدًا قمعه، فإذا قمت جراحيًا بإزالة القشرة من فأر بأكملها- وهى البنية التى يعتقد أنها مسئولة عن الذكاء العالى- فسيظل هذا الحيوان يلعب.
ولأن المؤلفة عالمة أعصاب، فإنها تركز على كيفية تفاعل الألعاب وغيرها مع أدمغتنا لإنتاج ضربات الدوبامين التى تجعلنا جميعًا نلعب، فاللعب غريزة بشرية وليس اختراعًا، وأى لعبة هى ترتيب للأفكار التى ابتكرها الدماغ، ليمنح نفسه متعة مجانية من لا شىء، بمعنى آخر، ابتكر الدماغ ألعابًا لاختراق نفسه.
وتشرح الكاتبة لماذا يعتبر سلوك اللعب متأصلًا بعمق، فتقول إن الدماغ يبنى نماذج من العالم لتوقع الأحداث، لكن الألعاب تدور حول عدم اليقين، لذا فإن الأحداث غير المتوقعة رائعة بشكل خاص، لأن عدم القدرة على التنبؤ بها، يعنى أن هناك شيئًا مفقودًا فى نموذج الدماغ.
وتصف كلانسى عدم اليقين بالإشارة التى تلفت إلى أن هناك المزيد لنتعلمه أو لنمارس المهارات العقلية، ولذلك يتوقف الأطفال عن لعب لعبة «تيك تاك تو» (إكس أوه) بمجرد أن يدركوا أنه إذا تم لعبها بشكل صحيح، فإنها تنتهى دائمًا بالتعادل، فنحن من خلال اللعب نتعلم كيفية التعامل مع المجهول.
وتضيف المؤلفة، تلعب العديد من الحيوانات لاستكشاف فيزياء بيئتها، كما تلعب الحيوانات الاجتماعية أيضًا لفهم بعضها البعض، مشيرة إلى أنه من خلال عزل الفئران الصغيرة عن أقرانها، توصل الباحثون إلى فكرة عن كيفية مساهمة اللعب فى نمو الدماغ.
عند البلوغ، تميل الفئران المحرومة من اللعب إلى أن تكون أكثر عدوانية وأقل انسجامًا مع الإشارات الاجتماعية لأقرانها، وتعلق كلانسى: اللعب هو الطريقة التى نتعلم بها كيفية الانسجام مع الآخرين واكتشاف حدود بعضنا البعض.
على سبيل المثال، أثناء اللعب، تتعلم القطط سحب مخالبها والعض بضبط النفس، وفكرة كيف أجذب انتباه أصدقائى دون أن أؤذيهم؟ ما مقدار القوة التى يجب أن أستخدمها عندما أحمل ذريتى المستقبلية من مؤخرتهم؟
وتقول الكاتبة: الألعاب التى لعبناها كأطفال أثرت بشكل عميق على تفضيلاتنا واختياراتنا، والطريقة التى نحل بها المشاكل، والتى نفكر بها، وأيضًا تملى الكثير على الطريقة التى نرى بها العالم، والطريقة التى نتفاعل بها مع الناس.
وتشير المؤلفة إلى أن جزءًا من جمال الألعاب هو أنه يمكنك التظاهر بأنك الشخصية التى تلعبها، يمكنك أن تكون خارج نفسك تمامًا، وتستكشف جوانب جديدة من شخصيتك أو تتصرف بطرق لا تتصرف بها عادة، وتختبر ما سيكون عليه الأمر عندما تكون شخصًا آخر.
وتضيف: أعتقد أن أكثر الأشخاص نجاحًا هم الأشخاص الذين يعيدون تشكيل أنفسهم باستمرار، ويلعبون بما ينجح وما لا ينجح، ويستكشفون هذه الأفكار المختلفة بطرق مرحة.
قواعد وقوانين
وترى كلانسى أن الألعاب نوع من التدجين (التمدن)، فهى حتى لو كانت تنافسية، تدور فى النهاية حول التعاون، فهى تدربنا على الانصياع للقواعد وتحقيق أهداف تعسفية بطريقة عادلة ومقبولة اجتماعيًا.
وتقول الكاتبة إنه قبل وقت طويل من دراسة علماء الأعصاب لدور اللعب فى التعلم الاجتماعى، قال أفلاطون إن الألعاب ضرورية، لأنها تعلم الأطفال اتباع القواعد، حتى يكونوا فى المستقبل مواطنين، يحترمون القوانين.
وفى العصور الوسطى، كان مطلوبًا من الأرستقراطيين أن يتعلموا لعبة الشطرنج، لأنه كان يعتقد أنها تعمل كمرآة لشخصية الفرد: فهم سيتعلمون عن أنفسهم، وبالمثل، احتفل الفلاسفة بلعبة «جو» القديمة، لأنها عززت بصيرة لاعبيها، واليوم، يلعب العديد من قادة الأعمال ألعابًا مثل لعبة البوكر، لتعلم كيفية قراءة الأشخاص.
وتشير المؤلفة إلى أن اللعب أيضًا له دور كأداة تنشئة اجتماعية قوية، ولذلك ليس من المستغرب أن تكون الألعاب بمثابة وسيلة لتلقى الدروس الأخلاقية، حيث يقال إن قديسًا هنديًا اخترع «السلم والثعبان» لتوضيح كيفية عمل «الكارما»، وهى مفهوم أخلاقى يشير إلى المصير فى المستقبل كنتيجة للنوايا والأفعال الفردية.
أما لعبة «سينيت» اللوحية القديمة (تعنى المرور)، فلقد علمت اللاعبين المصريين كيفية العبور فى الحياة الآخرة، وتعلم أطفال العصر الفيكتورى (عصر الثورة الصناعية الأولى فى العالم وذروة الإمبراطورية البريطانية) كيف يمكن للفضائل والرذائل أن تعصف بمسار حياتهم من خلال لعبة «قصر السعادة».
حيث تجبرنا الألعاب على التفكير فى الآخرين، والتفكير فيما يريدون وكيف سيحاولون الحصول عليه، وهو أمر ليس مثل التعاطف، لكنه الأساس له.
وببساطة تقدم كلانسى تعريفًا لفكرة اللعبة، حيث تعتقد أنها نظام مؤسس ومرتبط بهدف، حيث يتعين عليك اتباع قواعد معينة لتحقيق هذا الهدف.
لذا، على سبيل المثال، فى لعبة الجولف، سيكون الهدف هو وضع الكرة فى الحفرة، لكن لا يمكنك أن تلتقط الكرة وتمشى بها وتضعها فى الحفرة، وعليك أن تضربه بهذه العصا المعدنية حتى تدخله فى الحفرة، وهو ما ينطبق على جميع أنواع الألعاب أيضًا.
نظرية الاحتمالات
وترى الكاتبة أن سحر الألعاب يكمن فى كونها كشفت عن حقائق عميقة حول الواقع، عندما أصبحت الكازينوهات شائعة فى عصر النهضة فى أوروبا، قام المقامرون الذين يبحثون عن ميزة بدراسة كيفية عمل النرد، وأدت جهودهم فى حساب المقامرة إلى ولادة نظرية الاحتمالات، وهى واحدة من أكثر النجاحات المبكرة المذهلة للتجريبية.
والتجريبية توجه فلسفى يؤمن بأن كامل المعرفة الإنسانية يأتى بشكل رئيسى عن طريق الحواس والخبرة، فالصدفة يمكن فى الواقع دراستها وتنظيمها، وتعمل وفقًا للقوانين.
ولأول مرة، أصبحت لدينا لغة رياضية للتعبير بدقة عما لا نعرفه بدلًا من التعبير عما نعرفه بالفعل، وتشير المؤلفة إلى أن نظرية الاحتمالات غذت الثورة العلمية، لأنها ساعدت العلماء على تحليل البيانات الفعلية والتعبير عن الشكوك فى قياساتهم.
وذلك فى حين كان الناس ينسبون كل حدث إلى أهواء الآلهة، ونجحت نظرية الاحتمالات فى تقديم تنبؤات كمية حول المستقبل، واليوم، يبدو من المعتاد أن نقول شيئًا مثل: «هناك احتمال بنسبة ٤٠٪ لسقوط أمطار غدًا»، وهذه قدرة ثورية حيث يمكننا اتخاذ قرارات مستنيرة بالبيانات بفضل الألعاب.
وتاريخيًا، يمكن أن تساعدنا الألعاب فى اتخاذ خيارات أفضل، ومنذ آلاف السنين، استخدم الناس البطاقات والنرد والكثير لاتخاذ قرارات غير متحيزة، وفى زمن الكتاب المقدس، استخدم الإسرائيليون القرعة لتقسيم الميراث وتجنيد المجندين العسكريين بشكل عادل.
وكان الزعماء الدينيون هم الأشخاص الوحيدون المسموح لهم بتفسير رمى النرد لاتخاذ القرارات وتسوية النزاعات، ولكن الأهم من ذلك هو أن ممارسة الألعاب يمكن أن تعلمنا كيفية التخطيط ووضع الاستراتيجيات بشكل أفضل.
وتوضح كلانسى أن تقليد لعبة «كريجسبيل» (تعنى لعبة الحرب بالألمانية)، وهى نوع من ألعاب الحرب طوره الجيش الروسى فى القرن التاسع عشر لتعليم تكتيكات واستراتيجيات ساحة المعركة للضباط، لم تؤثر فقط على ممارسة الحرب الفعلية، ولكن أيضًا على التاريخ اللاحق للألعاب.
وذلك بدءًا من لعبة «دانجنز آند دراجنز» (سجون وتنانين) وحتى كل الألعاب الرقمية الحالية، وكان أيضًا فيلم «مناورات» للخيال العالمى الأمريكى الذى أنتج عام ١٩٨٣، ويقتحم فيه صبى صغير البنتاجون ليلعب ما يعتقد أنها لعبة بعنوان «الحرب النووية الحرارية العالمية»، سببًا فى إثارة انزعاج رونالد ريجان، رئيس الولايات المتحدة آنذاك.
وكذلك فعلت لعبة محاكاة «النبى الفخور»، والتى صممها الخبير الاقتصادى «توماس شيلينج» حول ما يمكن أن يحدث فى الحرب النووية، حيث دعا ٢٠٠ من كبار السياسيين والضباط العسكريين الأمريكيين، وبالفعل نفذوا الأمر، لتخيل ماذا سيحدث إذا ضربتهم روسيا؟ وهل لديهم القدرات اللازمة؟
وكانت هذه المحاكاة لمدة ثلاثة أسابيع لجميع أنواع الحالات الطارئة المختلفة، وانتهى الأمر بإخافة الجميع، وكانت النتائج مرعبة بمثابة محو الحياة من على وجه الأرض، فى حين كان السيناريو الأفضل هو أن الحرب النووية ستقتل ٥٠٠ ألف شخص، إذا كانت محدودة للغاية.
وبعد ذلك سيموت ٥٠٠ مليون شخص آخرين بسبب التسمم الإشعاعى، لذا فإن هذه المحاكاة للعبة انتهت إلى تخويف عدد كافٍ من الساسة الأمريكيين، الأمر الذى دفع إدارة «رونالد ريجان» إلى مفاوضات شاملة للحد من الأسلحة مع السوفيت.
وتشير الكاتبة إلى أن هذه الثورة الناتجة من نظرية الاحتمالات لمست كل التخصصات الأكاديمية تقريبًا، وأدت إلى ظهور العديد من المجالات الجديدة، كما أن العديد من المفاهيم الأساسية للاقتصاد الحديث والعلوم والطب، مثل الاحتمالات والحوافز والقيمة المتوقعة، تأتى من الألعاب.
عالم الأعمال
وحسب المؤلفة فإن عالم الأعمال اليوم يستخدم نظرية الاحتمالات باعتبارها لغة مشتركة، ويتم إعادة صياغة المشاريع الاقتصادية باعتبارها رهانات، وتتنوع الآثار المترتبة على ذلك من خلال أسواق الأوراق المالية ومشتقاتها المالية التى لا تعد ولا تحصى.
ويقبل المودعون الأبرياء فى البنوك على الرهانات المحفوفة بالمخاطر للمصرفيين، ويقع المستثمرون الأفراد تحت رحمة ممولى «وول ستريت» المفترسين الذين يعتقدون أن السوق محصلتها صفر، ويتصرفون بطرق تجعل ذلك صحيحًا.
وتوضح كلانسى أن نظرية الألعاب نوع من وسائل التحليل الرياضى، الذى وضع أسسه العالم المجرى الأمريكى «جون فون نيومان» و«أوسكار مورجن سترن»، اللذان أرادا وضع نوع من البديهية للسلوك الاقتصادى البشرى.
ونظرية الألعاب تسمى أيضًا نظرية المباراة، وتعرف بأنها وسيلة للتحليل الرياضى لحالات تضارب المصالح للوصول إلى أفضل الخيارات الممكنة لاتخاذ القرار، فى ظل الظروف المعطاة بهدف الحصول على النتائج المرغوبة.
لقد أرادوا أن يفهموا لماذا يتخذ البشر الخيارات التى يقومون بها، ولذلك قاموا بتأليف كتاب يحددون فيه كل هذه الخصائص للألعاب، واليوم نسمع عن لعبة محصلتها صفر، حيث تشبه لعبة الشطرنج، حيث يمكن لشخص واحد فقط الفوز.
ثم هناك ألعاب ذات مجموع إيجابى، حيث يمكن لعدة أشخاص الفوز، ومن المنطقى التعاون مع بعضهم البعض، ثم هناك ألعاب ذات مجموع سلبى، حيث يخسر الجميع بطريقة ما، لذا فإن نظرية اللعبة تركز كثيرًا على الألعاب ذات المحصلة الصفرية.
وتلفت الكاتبة إلى أن هناك فرعًا جديدًا من نظرية الألعاب التى تشكل أساس الاقتصاد الحديث، يسمى نظرية «اللعبة العكسية» أو «تصميم الآلية»، حيث ينظر الناس إلى كيفية تصميم لعبة للحصول على السلوك الذى نريد من اللاعبين أن يظهروه.
لذا، إذا أردنا أن يكون اللاعبون صادقين، بدلًا من إخفاء معلوماتهم أو الكذب على بعضهم البعض، فما آليات اللعبة التى يمكننا اختراعها للقيام بذلك؟، لقد كانت هذه طريقة قوية لتصميم أسواق جديدة وتصميم أنظمة تصويت جديدة، حيث يمكنك الحصول على سلوكيات أفضل من اللاعبين.
على سبيل المثال، يمكنك التفكير فى كيفية إدارة مشروعك التجارى من خلال تصميم الألعاب، حيث بدأ عدد مذهل من أكبر الأسماء فى مجال التكنولوجيا من صنع الألعاب مثل بيل جيتس، وساندر بيتشاى، ومارك بينيوف، ولذا يمكنك أن تصبح جيدًا فى التفكير على مستوى الأنظمة، من خلال دراسة كيفية عمل الألعاب، وكيفية تصميم ديناميكيات معينة.
وفى تصميم الآلية، يتخذ الاقتصاديون السلوك المرغوب فيه ويصوغون القواعد التى من شأنها إثارة هذا السلوك كما هو الحال مع نظرية اللعبة، يعمل تصميم الآلية على افتراض أن اللاعبين مهتمون بمصلحتهم الذاتية.
وهذه الأنانية نفسها هى التى تجعل سلوكياتهم متوقعة، والأمل هو تصميم ألعاب أو مؤسسات بحيث تحدث النتيجة المرغوبة على المستوى العالمى، حتى عندما يتصرف اللاعبون بأنانية، مثل تأمين الكلى للمرضى المحتاجين دون استغلال الفقراء.
وتعتقد المؤلفة أن نظرية الألعاب استخدمت أيضًا فى الكثير من أنواع استراتيجيات الدبلوماسية النووية حتى يومنا هذا، ومنحتنا سياسات مثل التدمير المؤكد المتبادل، والفكرة الأساسية هى أنه إذا كان لدى دولتين ترسانات نووية ضخمة، فإنهما بحاجة إلى تطوير القدرات.
بحيث إذا شنت إحدى الدولتين ضربة نووية على الدولة الأخرى، الدولة التى تمت مهاجمتها سترد وتدمر، بحيث يتم تدمير كلا البلدين بشكل أساسى.
سلوكيات وأنظمة
وتشير كلانسى، إلى أن الأمر يذهب إلى أعمق من ذلك، لأن الألعاب جيدة جدًا فى تشكيل سلوكياتنا، فقد تم اعتمادها فى تصميم العديد من أنظمتنا الاجتماعية والاقتصادية الحديثة، والآن، يملى تصميم اللعبة ما الإعلانات التى نعرضها أثناء تصفحنا للخلاصات، وكيف نقترن بتطبيقات المواعدة، وكيف نتوافق مع الوظائف.
وتنقل الكاتبة عن «راينر كنيزيا» مصمم الألعاب اللوحية الألمانى، أن نظام التسجيل هو جانب أساسى فى إنشاء اللعبة، إنه يقود كيفية لعب اللعبة، ومن خلال الاستفادة من المكافآت، يمكن للمصممين التحكم فى سلوكيات اللاعبين لجعل الألعاب تعمل على النحو المنشود.
وعلى سبيل المثال، فى لعبة مونوبولى (بنك الحظ)، يجب على اللاعب أن يتصرف كرأسمالى شرس للفوز، بغض النظر عن قناعاته الشخصية، حتى لو كان اشتراكيًا فى الحياة الواقعية، ولذا تقول المؤلفة إن الألعاب التى صممتها الشركات تتغلغل فى حياتنا، حتى مع إن قواعد تلك الألعاب تظل مخفية عنا فى الغالب.
وترى كلانسى أن الخطر الحقيقى من ألعاب الفيديو وعنفها، هو أنها تؤدى إلى الإدمان بشكل متزايد، فالشركات قامت بلصق أسطح إدمانية على منتجاتها، فجميع منصات التواصل الاجتماعى مفعمة بالألعاب، ويمكنك أن تشعر وكأن لديك نتيجة بناء على عدد المتابعين لديك.
وتوضح المؤلفة أن الألعاب تشبه قوالب العقل، كل لعبة تتناسب مع الوظائف العقلية المختلفة، وهذا يجعلها خطيرة بعض الشىء، فقد عرف الناس عبر التاريخ أن الألعاب يمكن أن تسبب الإدمان.
ولذا تبنت الشركات ذلك، وهو ما يضر بنا من نواحٍ عديدة، ونحن نتحرك فى ألعاب خفية، ونحصل على مكافأة على سلوكيات قد لا نفخر بها، ولهذا من المهم أن نفهم كيف تؤثر هذه الألعاب علينا، حتى نتمكن من غربلة قيمنا الفعلية عن قيم المصممين، وإلا فإن الألعاب ستلعب بنا.