السبت 04 يناير 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

بالوثائق والأدلة.. الشاعر سيد مرسى لم يكن مكوجيًا

حرف

-  قصة مفبركة وأكذوبة كبرى جعلت من الرجل حديث الناس

لا أعتقد أن هناك أحدًا من شعراء الأغنية فى حقبة الزمن الجميل ينال الآن ما ناله الشاعر سيد مرسى من شهرة وتداول لسيرته ومسيرته الغنائية.. نعم هناك عباقرة للشعر الغنائى وقد أثروا الساحة الغنائية بروائع أعمالهم، منهم عبدالمنعم السباعى الذى نظم «أروح لمين» لأم كلثوم و«أنا والعذاب وهواك» للموسيقار محمد عبدالوهاب، وهناك الشاعر عبدالفتاح مصطفى وأيضًا عبدالوهاب محمد وعزيز أباظة وصالح جودت وفتحى قورة وحسين السيد ومرسى جميل عزيز وغيرهم من نجوم الشعر.

لكن لم تعد سيرتهم الآن عابرة للأجيال، وربما لا يعرف الكثير من الناس شيئًا عن حياتهم الخاصة، أما الشاعر سيد مرسى فقد أصبح الأكثر شهرة فى عصرنا الحالى، ورغم أنه بدأ مسيرته الشعرية عام 1953، إلا أنه أصبح أعجوبة تقفز حاليًا سيرته من موقع صحفى إلى برنامج تليفزيونى إلى لقاء إذاعى، وكل ذلك بسبب قصة مفبركة وأكذوبة كبرى جعلت من الرجل حديث الناس.. فهو فى القصة الشائعة المزيفة «الواد سيد المكوجى الذى أصبح من كبار الشعراء»!!

وقد اخترع تلك القصة ويتشدق بها فى معظم مقالاته ولقاءاته التليفزيونية ناقد معروف، وظهر حاليًا أحد الصحفيين يردد نفس الأكذوبة ويرويها بدقة، وكأنه عاش أحداثها.. إذن ما هى القصة المفبركة؟.. ولماذا أصر على أنها أكذوبة؟.. فى السطور التالية نطرح القصة، وننشر الوثائق والأدلة التى تثبت أن كل ما يتم تداوله عن الشاعر سيد مرسى ما هو إلا أكذوبة منسوجة بإتقان.

تقول القصة التى ابتدعها الناقد المعروف إنه كان هناك «مكوجى» يهوى كتابة الشعر، ويعمل فى محل بالقرب من سكن الشاعر مأمون الشناوى فى جاردن سيتى، وكان هذا المكوجى يحب الشغالة التى تعمل عند الشناوى، وذات يوم كتب لها شعرًا يعبر عن عتابه لها، ووضع الورقة داخل ملابس مأمون الشناوى بعد أن كواها.. وفى أحد الأيام ذهب مأمون الشناوى إلى عمله ووضع يده فى جيبه ليجد الورقة، وبدأ على الفور قراءتها، فوجدها أبياتًا شعرية منظومة ببراعة.. وتقول كلماتها: ع الحلوة والمرة مش كنا متعاهدين.. ليه تنسى بالمرة عشرة بقى لها سنين؟

سيد مرسى

ولما عاد مأمون الشناوى إلى بيته سأل الشغالة عن مصدر الورقة، فاعترفت بأنها تعيش قصة حب مع المكوجى الذى يرسل لها رسائل غرامية، وكانت بينهما بعض المشكلات وترفض رسائله، فوضع المكوجى رسالته فى ملابس الشناوى.. وأكد الناقد أن الشاعر مأمون الشناوى استدعى المكوجى وسأله عن صاحب تلك الكلمات، فأجاب بأنه هو كاتبها، فهو يهوى كتابة الأغانى، وقد كتب أغنيات أخرى.. واتصل الشناوى بصديقه الملحن محمود الشريف وعرض عليه كلمات الأغنية وطلب منه الحضور، وأخبره بأن تلك الأغنية من نظم شاب يعمل مكوجيًا بالقرب منه، وهو سيد مرسى.. ويستطرد الناقد أن محمود الشريف لحّن الأغنية واتصل بالمطرب عبدالغنى السيد، الذى حضر وأعجب بالكلمات واللحن، وقام بعدها بتسجيل الأغنية فى الإذاعة لتحقق نجاحًا كبيرًا، وتعتبر من أشهر ما غنى عبدالغنى السيد.. واختتم الناقد بأن سيد مرسى بعد هذا الموقف كتب الكثير من الأغانى وتعرف على الملحن بليغ حمدى ليبدأ مرحلة جديدة فى حياته، وقدما معًا أشهر الأغنيات لنجوم الطرب.. أما نهاية قصة الحب بين المكوجى والشغالة فقد أكد الناقد أنه سأل الشاعر مأمون الشناوى عنها، فقال له إنهما لم يتزوجا، وإن سيد مرسى لم يروِ تلك القصة لأنه فضّل ألا يخبر بها الجمهور، خاصة أنه أصبح بعد ذلك من الشعراء المشهورين.. إلى هنا انتهت أحداث القصة الشائعة التى ما زالت تندلع كالنار فى الهشيم.

الدليل الأول

الحقيقة أبدًا لا تموت مهما مرت السنون، ويشاء القدر أن تظهر وثيقة صوتية، وهى عبارة عن فقرة إذاعية يروى فيها الشاعر سيد مرسى بنفسه وبصوته كيف ولدت أغنية «ع الحلوة والمرة».. وتلك الوثيقة بثها فى إذاعة الأغانى المذيع القدير إبراهيم حفنى.. والمعروف عنه أنه باحث فى كنوز الإذاعة المصرية، ويسعى جاهدًا لاستخراج الدرر الإذاعية ليسعد بها الناس، وأيضًا يضع التواريخ الصحيحة لكل الأغانى والحفلات الغنائية لتصبح مرجعًا لكل الباحثين والنقاد.

محمود الشريف وعبدالغنى السيد

وعندما عثرت على هذه الوثيقة الصوتية التى تنسف القصة الكاذبة تواصلت على الفور مع الإذاعى إبراهيم حفنى، الذى أكد لى أنه فى برنامجه «حكاية غنوة» كان يسعى دائمًا أن يذيع حكاية كل غنوة بصوت شاعرها أو مطربها أو ملحنها، لتصبح وثيقة إذاعية لا تقبل الشك أو الجدال، وأكد لى أنه فى رحلة البحث وجد حوارًا كاملًا مطولًا أجرته الإذاعية القديرة زينب بديع مع الشاعر سيد مرسى، ونسب إبراهيم حفنى الفضل فى ظهور الوثيقة التى يروى فيها سيد مرسى حكاية غنوة «ع الحلوة والمرة» إلى السيدة زينب بديع، فهى الوحيدة التى أجرت حوارًا إذاعيًا كاملًا مع سيد مرسى.. وكان ذلك فى شهر أبريل ١٩٨٧.

إذن ماذا تقول الوثيقة الصوتية التى تنسف الأكاذيب؟ فى بداية الحلقة يبدأ إبراهيم حفنى بمقدمة صغيرة قال فيها: ع الحلوة والمرة مش كنا متعاهدين؟ أغنية كتبها سيد مرسى ومن ألحان محمود الشريف.. غناها عبدالغنى السيد سنة ١٩٥٤، ثم غنتها نجاة الصغيرة فى فيلم «بنت البلد» فى نفس العام.. ويستكمل حفنى مقدمته قائلًا: انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعى قصة خاطئة عن حكاية هذه الأغنية.. الشاعر سيد مرسى وحكاية «ع الحلوة والمرة».. إلى هنا تنتهى المقدمة لنستمع بعدها إلى صوت الشاعر سيد مرسى قائلًا: حوالى سنة ١٩٥١ أو ١٩٥٢ كان عندى ٢١ سنة، أنا أولًا نسيت أقول لكم إنى من مواليد ١٣ يناير ١٩٣٠، ومن حى بولاق، وهو حى شعبى.. فسمعت عن الموسيقار محمود الشريف وكنت سهران فى مكان وفوجئت بمحمود الشريف موجود.. أنا كل أملى إنى أكتب شعر.. أبويا كان شيخ طريقة ويرفض هذا تمامًا.. وقعدت أحوم حوالين محمود الشريف وكان معاه قانونجى اسمه سيد محمد.. وبعدين بص لى كده وقال: تعال أقعد.. وقعدت معاه.. القصد مشى محمود الشريف، وبعدين فوجئت بوجود محفظة واقعة على الأرض، وبمسكها لقيت فيها فلوس كتير جدًا.. أنا كنت فى الأيام دى لسه بعمل أغانى بسيطة فى الأركان الشعبية فى الإذاعة، منها ركن كامل أحمد على وركن الأغانى الشعبية والريفية.. حاجات كده مش معروفة، كنت باكتب باسم سيد محمود مرسى.. ومرة المذيعة تغلط وتقول سيد محمد مرسى، ومرة تقول سيد محمود موسى.. إلى أن فوجئت بالمحفظة ولقيت فيها كارت باسم محمود السيد الشريف.. أعمل إيه.. أسوى إيه؟ خبيت المحفظة وطرت تانى يوم على النقابة.. فقابلنى الفراش وقال لى عايز إيه؟ قلت له عايز أقابل الأستاذ محمود الشريف.. قال عايزه فى إيه يا أخى؟.. قلت له خش بس قول له.. فدخل وبلغه.. فقال له الشريف هاته.. ودخلت، قال لى عايز إيه.. قلت له المحفظة دى بتاعة حضرتك؟.. بص لى كده وفتحها.. وفجأة لقيته بيطلع خمسة جنيه ويعطيها لى.. رحت باصص له كده ورحت سايبه وماشى.. قال لى تعال خد.. قلت له خمسة جنيه إيه.. أنا جايب لك المحفظة.. أنا لقيت فيها اسمك.. أنا راجل بشتغل.. قال لى تعال.. بتعمل إيه؟ قلت له أنا شاعر وبكتب أغانى.. قال: إنت؟ طيب كتبت إيه سمعنى.. قلت له: ع الحلوة والمرة مش كنا متعاهدين.. ليه تنسى بالمرة عشرة بقى لها سنين؟

إلى هنا ينتهى كلام الشاعر سيد مرسى الذى ذكر فى روايته تاريخ ميلاده ومكان نشأته، وأكد أن له أغانى فى الإذاعة قبل أن تولد أغنية «ع الحلوة والمرة».. وبعد روايته تُختتم الحلقة بصوت المطرب عبدالغنى السيد وهو يغنى الأغنية.

تعتبر تلك الحلقة وثيقة صوتية وأكبر دليل يثبت ميلاد الأغنية، لأن راوى الحكاية هو الشاعر سيد مرسى.. فهل سيد مرسى صادق؟ ولكى أتأكد من صدق كلامه كان لا بد من الاتصال بالإذاعى إبراهيم حفنى مرة أخرى، وطلبت منه أن يتكرم بالبحث فى التراث الإذاعى عن أى عمل للشاعر سيد مرسى قبل عام ١٩٥٤، وهو عام ميلاد «ع الحلوة والمرة»، وبعد يومين وافانا الإذاعى القدير بما يثبت صدق كلام سيد مرسى، فقد أعطانى قائمة أعمال سابقة له وهى:

- عهد الهوى- ركن كامل أحمد على- سبتمبر ١٩٥٣

- باعونى بأرخص تمن- للمطرب فايد محمد فايد- نوفمبر ١٩٥٣

- رمضان شهر الخيرات- للمطربة عصمت عبدالعليم- مايو ١٩٥٤

- الدنيا دى فيها- المنولوجست سعاد أحمد- يوليو ١٩٥٤

- الدنيا كده- للمطرب عادل مأمون- أغسطس ١٩٥٤

- خليك طويل البال- للمطربة سعاد مكاوى- أغسطس ١٩٥٤

- الدنيا إن ضحكت اضحك- سعاد أحمد- أكتوبر ١٩٥٤

من المعروف أن «ع الحلوة والمرة» غناها عبدالغنى السيد فى منتصف عام ١٩٥٤، فهناك حفل شارك فيه بالغناء فى الباخرة سودان فى ١٥ يوليو ١٩٥٤ يقدمه جلال معوض قائلًا: أما الأغنية الثانية للمطرب عبدالغنى السيد فهى أغنيته الشعبية المعروفة «ع الحلوة والمرة» من تأليف سيد مرسى وتلحين محمود الشريف.

وبعد تقديم الشكر للإذاعى إبراهيم حفنى على الوثيقة، وما قدمه من دعم، سألته عن رأيه فى القصة الشائعة.. فقال حوار سيد مرسى الكامل مع زينب بديع أذيع قبل رحيل الشاعر مأمون الشناوى ورحيل الملحن محمود الشريف.. أى أنهما كانا على قيد الحياة، ولم يخرج أحد منهما ليطعن فى حوار سيد مرسى أو يكذبه.. وهذا دليل على أن الشاعر صادق فى روايته، وأن كل ما يثار حوله غير صحيح.

صورة نادرة تجمع سيد مرسي مع عمالقة الطرب والتلحين

الدليل الثانى 

يعتبر المطرب عبدالغنى السيد هو أول من غنى هذه الأغنية وبعده غنتها نجاة الصغيرة فى نوفمبر ١٩٥٤.. وللوصول إلى دليل آخر كان لا بد من التواصل مع الابن الأكبر للمطرب عبدالغنى السيد، وهو المهندس محمد.. الذى أكد لى أنه مستاء كثيرًا من القصة الزائفة المنتشرة، فالقصة لا تمس والده فى شىء، لكنها حسب قوله تمس رجلًا يعرفه جيدًا.. وقال إن سيد مرسى لم يكن مكوجيًا، فقد كنا نسكن فى منطقة واحدة، وهى بولاق أبوالعلا، وكان بيتنا ناحية الكورنيش يبتعد عن بيته بعدة شوارع قليلة، وكانت تربطه بوالدى صداقة كبيرة.. وكان سيد مرسى موظفًا وأيضًا يجيد اللغة العربية.. وعندما كنا أنا وأختى «إيمان» فى المرحلة الابتدائية كان الرجل يأتى إلى منزلنا ليدرس لنا أصول اللغة من نحو وصرف وغيره من فروع اللغة العربية.. وكان الرجل أنيقًا.. يضع وردة حمراء صغيرة فى عروة جاكيت بدلته.. وكثيرًا ما دخل عليا حاملًا الورود.. وأثناء شرحه لنا كان يصيغ بعض الجمل بطريقة شعرية حتى يسهل علينا حفظها، وفى الأيام العادية كنت أراه أنا وأختى يسير فى الشارع وأحيانًا وهو يوقف تاكسى ليستقله.. ويستطرد محمد عبدالغنى السيد قائلًا: أقسم بالله العظيم أن المهندس ناجى ابن الشاعر الكبير مأمون الشناوى اتصل بى ليتأكد من صدق الرواية المتداولة عن أبيه مع الشاعر سيد مرسى.. وسألنى هل هذه الرواية صحيحة يا محمد؟ فقلت له أبدًا.. فأبى الذى غنى تلك الأغنية لم يذكر أبدًا شيئًا كهذا.. وعاد المهندس محمد يؤكد: لو كان المهندس ناجى الشناوى سمع من والده تلك الرواية ما كان اتصل بى ليتأكد من صحتها.. واختتم محمد عبدالغنى حديثه قائلًا: هل يعقل أن يكون فى تلك الحقبة، وهى منتصف الخمسينيات، شغالة متعلمة تجيد القراءة والكتابة؟ ولو كان سيد مرسى مكوجيًا يجيد كتابة الشعر ويعمل بالقرب من سكن الشاعر مأمون الشناوى فلماذا لم يذهب إلى بيته ويعرض عليه أشعاره.؟. أو على الأقل لماذا لم يستوقف مأمون الشناوى فى الشارع ويطلعه على الأشعار؟.. كل المتداول عن سيد مرسى أكاذيب.. أنا عشت مع الرجل وأعرف أنه كان موظفًا وشاعرًا ولم يكن أبدًا مكوجيًا، مع احترامى للمهنة وأصحابها.

عبدالغنى السيد

الدليل الثالث 

ننشر اليوم فى «حرف»، ولأول مرة فى الصحافة المصرية، صورة أصلية نادرة من مقتنيات جمعية المؤلفين والملحنين.. والصورة كما نعرف بألف كلمة.. وقد التقطت بعد انتهاء اجتماع لمجلس إدارة الجمعية، وكان يرأسها فى ذلك الوقت الموسيقار محمد عبدالوهاب، وكانت الجمعية تحمل فى ذلك العام، وهو ١٩٥٤، اسم «اتحاد المؤلفين والملحنين».. وفى الصورة يقف الشاعر سيد مرسى بجانب العمالقة محمد عبدالوهاب والموسيقى الملحن عبدالحليم نويرة والملحن الممثل عبدالعظيم عبدالحق.. وننشر أيضًا ما تم تدوينه خلف الصورة التى تعتبر وثيقة ترفق مع محاضر جلسات الجمعية، فعلى ظهر الصورة كُتب: صورت فى دار اتحاد المؤلفين والملحنين بعد انفضاض جلسة ٢٧ ديسمبر ١٩٥٤ أثناء التحدث مع الأستاذ عبدالوهاب.. وكان وصف الحضور فى الصورة كالتالى: من اليسار عبدالعظيم عبدالحق- سيد مرسى- محمد عبدالوهاب- عبدالحليم نويرة.. ولنا هنا تساؤل: هل من المعقول أن مكوجيًا صاحب أغنية واحدة ناجحة عام ١٩٥٤ يمكنه بسرعة اعتلاء تلك المكانة ويقف كتفًا إلى كتف مع الموسيقار عبدالوهاب وكبار الملحنين فى نفس العام فى جمعية المؤلفين والملحنين؟.. أبدًا.. فالصورة التى ترونها اليوم لهى دليل آخر يثبت أن سيد مرسى فى الأساس كان شاعرًا وعضوًا فى جمعية المؤلفين والملحنين، أو مجلس إدارتها، ويتمتع بمكانة عالية وسط عمالقة التلحين والتأليف.. ولا أقصد أبدًا فى تحقيقنا هذا التقليل من شأن أى «مكوجى»، فهى مهنة شريفة، وكل إصرارى هو إثبات زيف القصة الشائعة ليكف مرددوها عن التشدق بها، فهناك أجيال تنخدع بتلك القصص الكاذبة، وقد سألت الصديق أشرف غريب، الكاتب الصحفى والناقد السينمائى، عن رأيه فى تلك القصة المتداولة، فقال إنه بالطبع لا يصدقها ويدعمنا فى نشر الحقيقة، لأن القصة أصبحت مصدقة جماهيريًا ويتناقلها الصحفيون، وأوضح أن الأسوأ من ذلك هو أن بعض الكتاب صدقوها وبدأوا بالفعل فى تدوينها فى كتبهم، وذلك يعد تزويرًا فى سِير الشعراء.

ما كتب على ظهر الصورة فى دار الملحنين

الدليل الرابع والأخير

من خلال رحلة البحث فى حياة الشاعر سيد مرسى وجدت حلقة تليفزيونية أذيعت منذ أيام قليلة، ليغنينى بها القدر عن التواصل مع أحد أفراد عائلة سيد مرسى، وكنت أنوى التواصل مع أى من أقاربه لنختتم برأيه تحقيقنا هذا.. فكان نجم تلك الحلقة من برنامج «غواص فى بحر الكلام»، الذى يقدمه الشاعر جمال بخيت، هو الشاعر سيد مرسى، ودارت الحلقة حول سيرته وأشعاره الغنائية البديعة، وكان جمال بخيت قد سمع بقصة «المكوجى والشغالة» فاستضاف أحد أفراد عائلة سيد مرسى، وهو المحامى محمد حسين محمود مرسى، وهو ابن شقيق الشاعر سيد مرسى.. وأشار جمال بخيت إلى أن الضيف قد أمضى قرابة ٢٨ عامًا مع عمه قبل وفاته عام ١٩٩٥، أى أن ابن الأخ عاش مع عمه فترة الصبا والشباب.. وعندما سأله عن ميلاد ونشأة عمه سيد مرسى أجاب بنفس المعلومات التى قالها الشاعر عن نفسه فى وثيقتنا الصوتية.. وتعجب جمال بخيت من صحفى ظهر فى برنامجين تليفزيونيين ليتحدث عن سيد مرسى وهو لا يعرف تاريخ ميلاده، فمرة يقول إن سيد مرسى رحل عن عمر يناهز ٩٧ عامًا، ومرة يقول إنه توفى وعمره ١٠٧ أعوام.. وأمام الضيف أكد جمال بخيت أن سيد مرسى تعرض لظلم كبير، وأن ما يشاع عنه لا يمت لحياته بصلة.. وسأل ضيفه عن حقيقة ما يشاع عن عمه فقال: هناك قاعدة فقهية تقول إن كنت تعرف فتحدث، وإن لم تكن تعرف فاصمت.. وأكد محمد حسين مرسى أن ما يثار حول عمه أكذوبة كبرى يتشدق بها مزورو التاريخ.. فعمه كان موظفًا فى شركة «مصر فون» مع الموسيقار محمد فوزى.. ولم يكن له عمل آخر غير وظيفته مع امتهانه الشعر الغنائى، وبعد عشر سنوات قضاها موظفًا فى شركة «مصر فون» تفرغ لكتابة الأغانى حتى رحيله فى ٢٢ يوليو ١٩٩٥.. عن عمر يناهز ٦٥ عامًا.

مأمون الشناوى

بتلك الأدلة الدامغة نصل إلى نهاية رحلتنا، التى طرحنا فيها الحقائق لنؤكد أن كل ما يشاع عن الشاعر سيد مرسى أكاذيب.. وبقى أن نتساءل: لماذا يكتب بعض الصحفيين دون البحث والتدقيق؟.. ولماذا يظهر بعض النقاد والكتاب فى الفضائيات مرددين معلومات مغلوطة لتصبح أكاذيب يعاد بها كتابة تاريخ زائف عن نجوم الشعر والغناء فى مصر؟ وماذا سيكون موقف من يزيف التاريخ عندما تظهر الحقيقة التى لا تموت أبدًا؟ أفيقوا يرحمكم الله.. وانتبهوا لسهام الكلمة التى قد تصيب مبدعًا وتصبح تضليلًا للأجيال.