شعب الله الكذاب.. 10 خرافات إسرائيلية على دماء أصحاب الأرض

«صدّق كذبتك لتستطيع إقناع الآخرين بها».. مبدأ واضح بنى عليه الاحتلال الإسرائيلى وما زال أيديولوجيته الخبيثة، واستطاع من خلاله خداع العالم وتمكين نفسه فى الأراضى المحتلة، عن طريق ترويج العديد من الأكاذيب والخرافات، سواءً على الفلسطينيين أو الكيان نفسه. وكتاب «عشر خرافات عن إسرائيل» واحد من الكتب التى اهتمت بتوثيق هذه الأكاذيب، وفيه يتحدى المؤرخ الإسرائيلى إيان بابيه، ليس فقط السردية السائدة حول الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، بل يكشف أكاذيب غرست تل أبيب عمدًا فى الوعى الجمعى للعالم.
يناقش الكتاب 10 خرافات أساسية عن القضية الفلسطينية، بواقع خرافة فى كل فصل، مع تفنيدها بالأدلة العلمية، وتقسيمها إلى خرافات من الماضى وأخرى من الحاضر، وصولًا إلى الحلول المُثلى لإحلال السلام فى المستقبل.
فما هذه الخرافات العشر التى تضمنها الكتاب؟

فلسطين أرضٌ بلا شعب
يثبت الكاتب أن فلسطين كانت مجتمعًا زراعيًا فى أغلبه، بجانب العديد من المراكز الحضرية الحيوية، فى نهايات القرن ١٩، ثم بدأت تنتعش بالوعى الوطنى الفلسطينى، فى بدايات القرن ٢٠، عبر تنظيم حركات وطنية تستهدف تعزيز الاستقلال داخل الإمبراطورية العثمانية.
تطور الوضع بعد اتفاقية «سايكس-بيكو»، وبرزت أشكال وطنية فلسطينية جديدة، مثل الحركات المُطالِبة بفلسطين كدولة مستقلة. لكن ظهور الحركة الصهيونية، والتعهد البريطانى بمنح اليهود وطنًا قوميًّا فى فلسطين، عام ١٩١٧، غيّر المشهد تمامًا.
أدى هذا التطور إلى تزايد تدفق المستوطنين اليهود، وتحويل فلسطين إلى ساحة نزاع بين الفلسطينيين والمستوطنين. وبدلًا من دخول فلسطين القرن ٢٠ كدولة حديثة ومتطورة، كما كان متوقعًا، صارت ضحية لتحولات سياسية واستعمارية خبيثة غيرت مجرى تاريخها.

اليهود شعب بلا أرض
الجزء الثانى للخرافة الأولى، والتى صنعتها ودعمتها الإمبريالية البريطانية، بهدف «تجذير» نفوذها فى المنطقة بالتحالف مع الحركة الصهيونية، وهو التحالف الذى تعمق أكثر بعد وعد بلفور ١٩١٧، بجانب تأثير المفاهيم المسيحية البروتستانتية والتطلعات المِلّية على هذا المشروع الاستيطانى.
تطورت الصهيونية بذلك من فكرة ثقافية إلى مشروع سياسى، خاصة مع تأثير شخصيات مثل تيودور هرتزل. ورغم أن الفلسطينيين كانوا بالمرصاد لحركة هجرة اليهود واستيطانهم، وعلى رأسهم مفتى القدس، هاجر الصهاينة فى جماعات كبرى كونت المستعمرات اليهودية فى فلسطين. وهنا يؤكد المؤرخ، مدعومًا بالأدلة العلمية والتاريخية، نفى الصلة بين اليهود الحاليين، واليهود الذين طردهم الرومان قبل أكثر من ٢٠٠٠ سنة.

الصهيونية هى اليهودية
اعتمدت الحركة الصهيونية ودولة إسرائيل على التوراة كأساس دينى وأيديولوجى لتبرير المطالبة بفلسطين، وسخرت النصوص التوراتية كدليل تاريخى لدعم حقوق اليهود فى الأرض، مُتخذة من الكتاب المقدس المرجعية الأساسية لتفسير الاستيطان. ومنذ سنوات طويلة، تُدرس التوراة فى المدارس، وتُعتبر «البنية الثقافية لدولة إسرائيل»، من خلال استخدام الكتاب وتفسيراته فى ربط النصوص الدينية بالتاريخ الحديث، مثل «الهولوكوست» و«قيام الدولة» فى عام ١٩٤٨. ولا يخفى على أحد أن بن جوريون اعتبر أن التوراة «وثيقة ملكية لليهود فى فلسطين».

الصهيونية ليست استعمارًا
يستعرض هذا الفصل من الكتاب الصراع الفلسطينى الصهيونى فى سياق الاستعمار الاستيطانى، مؤكدًا أن الصهيونية مشروع استعمارى استيطانى، والقيادة الفلسطينية حركة مناهضة لهذا الاستعمار. يتناول الفصل تأثير الحاج أمين الحسينى، مفتى القدس، الذى قاد الحركة الفلسطينية قبل وبعد نفيه ١٩٣٨، مع تأكيد تماهيه مع القوى المناهضة للاستعمار فى بقية البلاد العربية مثل الجزائر وغيرها. ويشير الفصل إلى فشل الصهيونية فى بناء دولة يهودية تضم أكثر من نصف مليون مستوطن حتى عام ١٩٤٥، بسبب تحديات ديموجرافية وقلة الأراضى المملوكة لهم. لذا لم يكن من حل لهذه التحديات إلا بالاستعمار الاستيطانى، وتدمير الوجود الفلسطينى، وجعل الصهاينة أغلبية ديموجرافية بعد تهجير الفلسطينيين. فعلى الرغم من سيطرتها السياسية على فلسطين، لم تكمل الصهيونية مشروعها الاستعمارى إلا بهذه الإجراءات القمعية.

الفلسطينيون تركوا وطنهم طوعًا
يدحض الكاتب هذه الأكذوبة بالأدلة التاريخية، ومن خلال إثبات جرائم التطهير العرقى التى ارتكبها الكيان الإسرائيلى ضد الفلسطينيين، وأسفرت عن تهجير مئات الآلاف منهم من قراهم ومدنهم.
ويؤكد الكاتب أن ما حدث كان مخططًا محكمًا، عبر تنفيذ عمليات الطرد والتدمير على نطاق واسع، قبل وصول الجيوش العربية إلى فلسطين، بما يشير إلى نية مسبقة لاستئصال الشعب الفلسطينى من أرضه.
ويُبرز أيضًا أن الصراع الفلسطينى الإسرائيلى لا يمكن حله دون معالجة قضية اللاجئين الفلسطينيين، واعتراف إسرائيل بمسئوليتها عن جريمة التطهير العرقى، مشددًا على أهمية الاعتراف بهذه الجريمة كأساس لأى تسوية مستقبلية، مع إعادة وتعويض هؤلاء اللاجئين بشكل عادل.

إسرائيل اضطرت لحرب 67
يهدم المؤلف سردية أن «إسرائيل خاضت حرب يونيو ١٩٦٧ مُرغمة أو مُضطرة»، مؤكدًا بالأدلة أنها كانت تخطط لهذه الحرب منذ سنوات طويلة، تحديدًا بعد هزيمة ١٩٤٨، والتى بدأت إسرائيل بعدها مشروعًا طويل الأمد يهدف إلى السيطرة على أكبر قدر ممكن من الأراضى الفلسطينية.
وفى ١٩٦٧، اتخذت إسرائيل قرارات استراتيجية هامة، مثل السيطرة على الضفة الغربية وقطاع غزة بشكل دائم، وهو ما يجسد استمرار المشروع الصهيونى منذ ١٩٤٨، خاصة بعد التوسع فى سياسة الاستيطان، التى بدأت ببناء مستوطنات فى الأراضى المحتلة، خاصة الضفة والقطاع. ويشدد الكاتب على كذب تصريحات القادة الإسرائيليين فى حديثهم العلنى عن السلام، بينما على الأرض يخلقون «وقائع احتلالية» يستحيل تغييرها. كما أن السياسة الإسرائيلية القائمة على وجود الفلسطينيين فى هذه الأراضى باعتبارهم «غير مواطنين» كانت تعزز من مصالح إسرائيل، وتعفيها من التحديات الديموجرافية المتعلقة بتكاثر الفلسطينيين فى المناطق المحتلة.

الديمقراطية الوحيدة
هنا ينتقل الكاتب إلى أكاذيب الحاضر، وأولها أن «إسرائيل هى الديمقراطية الوحيدة فى الشرق الأوسط. ودون أن يحاول المؤرخ دحض هذا الزيف، يكفى فقط مشاهدة صور المجازر والإبادة الجماعية التى يرتكبها جيش الاحتلال فى قطاع غزة منذ ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، وراح ضحيتها أكثر من ٤٥ ألف إنسان خلال عام واحد. كما يذكر المؤلف بعضًا من أدلة زيف هذا الادعاء، من بينها الاعتقالات دون محاكمة للكبار والأطفال، وسياسة الفصل العنصرى، والتعذيب والمجازر طوال ٧٠ عامًا، والاستيطان والتهجير.

الفلسطينيون يرفضون السلام
فى هذا الفصل، يناقش الكاتب الأساطير المرتبطة بفشل عملية «أوسلو»، ومحادثات «كامب ديفيد» عام ٢٠٠٠، والانتفاضة الفلسطينية الثانية، ومن أبرزها «مسئولية ياسر عرفات عن فشل عملية السلام»، وأنه هو الذى «خطط لـلانتفاضة الثانية».
ويدحض الكاتب كذلك الأسطورة التى تدعى أن «الفلسطينيين هم مَن يضيعون كل فرصة للسلام»، بعدما رفضوا نسخة «أوسلو الإسرائيلية»، لأنها فرضت نظامًا من القمع المنهجى والتمييز المكانى، مثل تقسيم الضفة الغربية إلى مناطق «أ، ب، ج»، الذى جعل الحياة اليومية للفلسطينيين أكثر صعوبة.
كما يرد على أسطورة «الجيش الإسرائيلى يدافع عن نفسه فقط»، وهو الذى لم يعرف سوى القوة المفرطة ضد المدنيين الفلسطينيين، خاصة خلال عملية «السور الواقى» وبناء «الجدار العازل»، لتكون «أوسلو» و«كامب ديفيد» وسيلتين لتعزيز الاحتلال وليس إنهاءه.

حرب ضد الإرهاب
يفند هذا الفصل ٣ أساطير مهمة تتعلق بغزة، أولها أن «حركة حماس مجموعة من المتطرفين لا يعبرون عن الواقع السياسى والاجتماعى فى غزة»، والثانى أن «الانسحاب الإسرائيلى من غزة ٢٠٠٥ كان خطوة نحو السلام»، رغم كون هذا الانسحاب كان جزءًا من استراتيجية إسرائيلية لتعزيز سيطرتها على الضفة الغربية، وتحويل غزة إلى سجن كبير.
أما الأسطورة الثالثة فتتضمن وصف المجازر والإبادة التى ترتكبها إسرائيل فى غزة على أنها «حرب دفاعية ضد الإرهاب»، وهو التوصيف الذى رفضه المؤلف بشدة، مؤكدًا أن ما يحدث يمثل عملية إبادة تدريجية للشعب الفلسطينى فى غزة.

حل الدولتين
ينتقد الكاتب «حل الدولتين»، معتبرًا إياه «حل ميت لا يمكن تحقيقه»، ويعكس تجسيدًا للوهم والخداع، وتطرحه إسرائيل كوسيلة لاستمرار سيطرتها على الضفة الغربية، مع منح الفلسطينيين حكمًا ذاتيًا جزئيًا، من دون سيادة حقيقية.
ويؤكد الكاتب أن «حل الدولتين» يُستخدم كغطاء لتبرير الاستعمار والفصل العنصرى، عبر ترويج إسرائيل لوجود حل عن طريق معاهدات سلمية، بينما الحقيقة على الأرض مختلفة كليًا، ما يؤدى إلى استمرار النهب والاستبعاد.
ويشير إلى أن حركة الاحتجاج الإسرائيلية ٢٠١٢ كانت انتقادًا للسياسات الاقتصادية للحكومة، ولا تتعلق بالاحتلال أو التمييز العنصرى، ما يبين عدم إمكانية تحقيق السلام إلا بتغيير جذرى فى الأيديولوجيات العنصرية والعدالة الشاملة.
ويشدد فى الختام على أن «الأكاذيب التى رُوجت لعقود أسهمت فى تضليل العالم وإخفاء الحقيقة»، لذا «يتحتم علينا الآن إعادة صياغة التاريخ بعين تنظر إلى العدالة والمساواة»، معتبرًا أن «الحل الوحيد للسلام يكمن فى الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطينى وإنهاء الاحتلال، وليس من خلال مزيد من التشويه أو استمرار الصراع».