آن إم كارسون: أكتب قصائدى كمحقق شرطة يحل الجرائم بالغريزة

يمكن للكثير من الكُتّاب أن يصبحوا أدباء ناجحين، لكن لا يمكن لهم أن يصبحوا مُبتكرين مثل الشاعرة الأسترالية آن إم كارسون، التى تُبدع فى نمط أدبى جديد تُسميه «السيرة الشعرية»، الذى تمارسه على غرار السيرة الذاتية السردية لحياة الأشخاص المؤثرين والمشهورين فى التاريخ، لكن فى صورة قصائد شعرية.
نمط «السيرة الشعرية» قدمته «آن إم كارسون» ببراعة كبيرة فى كتابها Massaging Himmler: A Poetic Biography of Dr Felix Kersten، أو «تدليك هيملر: سيرة شعرية للدكتور فيليكس»، والذى ترصد فيه بشكل شعرى تاريخ العلاقة بين الطبيب السويدى، الدكتور فيليكس كيرستن، وقائد القوات الخاصة النازية خلال الحرب العالمية الثانية، هاينريش هملر.
وحظيت كتب الشاعرة الأسترالية، التى عملت مديرة للفنون فى مجلس إدارة «ONDRU»، وهى منظمة للتغيير الاجتماعى من خلال الفنون، باهتمام كبير فى داخل وخارج بلدها، خاصة ديوانها «خلع الكيمونو» عام 2013، مع وصولها إلى القائمة القصيرة لجائزة «رون بريتى» للشعر فى 2015، وتلقيها إشادة خاصة فى جائزة اتحاد شعراء ملبورن الدولية للشعر.
عن تفاصيل أعمالها، ورؤيتها للكتابة الإبداعية، ونمط «السيرة الشعرية» الذى ابتكرته وتألقت فيه، يدور حوار «حرف» التالى مع الشاعرة الأسترالية آن إم كارسون.

■ ديوانك «Removing the Kimono» أو «خلع الكيمونو».. هل هناك حدث أو فكرة معينة دفعتكِ لاختيار هذا الموضوع؟ وماذا يعنى لكِ العنوان؟
- يتناول الجزء الأوسط من الكتاب حزنى على وفاة زوجى، والقصيدة التى تحمل عنوان «خلع الكيمونو» مستوحاة من الطقوس التى تؤديها فتيات «الجيشا» اليابانية عند طى «الكيمونو» بأسلوب رسمى ومهيب، فقد تخيلت أن «خلع الكيمونو» هو طقس يمكن أن يرمز إلى نهاية مرحلة الحزن.
■ كيف يُجسِّد هذا الديوان التفاعل بين الشرق والغرب؟ وهل هناك عناصر من الثقافة اليابانية تؤثر بشكل خاص على محتواه؟
- رغم أننى لم أزر اليابان من قبل، وأتمنى لو أزورها يومًا ما، تركت ثقافتها تأثيرًا عميقًا على حياتى وشعرى، فبالإضافة إلى القصيدة السابقة، قصيدتى النثرية «شجرة الكيرى» أيضًا مستوحاة من التقاليد اليابانية، بالتحديد من فكرة زراعة شجرة لكل فتاة يوم مولدها، لتُقطع لاحقًا عند زواجها ويُصنع من خشبها صندوق لحفظ «الكيمونو» والأقمشة الخاصة، وهو تقليد مسّنى بشدة، لأنه يعبر عن حب الأب واهتمامه بابنته، ويعكس ارتباط الفتاة بالطبيعة.
■ ما الذى دفعكِ لاختيار الدكتور فيليكس كيرستن موضوعًا لكتاب «Massaging Himmler: A Poetic Biography of Dr Felix Kersten» أو «تدليك هيملر: سيرة شعرية للدكتور فيليكس»؟
- هناك فترة فى حياتى كنت أتدرب لأكون إخصائية معالجة بالتدليك، وفى تلك الفترة، وجدت بالصدفة نسخة مترجمة من قصة الطبيب فيليكس كيرستن، فى متجر لبيع الكتب المستعملة.
استحوذت القصة على اهتمامى وأثارت فضولى، خاصة فيما يتعلق بعدم شهرة قصته مثل قصة أوسكار شندلر، رغم أنه عندما أصبح معالج التدليك الخاص بقائد القوات الخاصة النازية خلال الحرب العالمية الثانية، هاينريش هملر، وكان الوحيد القادر على تخليصه من آلامه، استغل نفوذه لإطلاق سراح آلاف السجناء.

■ كيف تعاملتِ مع التحديات التى يطرحها الموضوع خاصة ما يتعلق بالكتابة عن شخصية تاريخية مرتبطة بالنظام النازى؟
- لقد اتبعت نهجًا أخلاقيًا مدروسًا بعناية، بداية من التواصل مع مجموعة من الناجين اليهود، وأخذ موافقتهم على سرد هذه القصة، مع حرصى على التقليل من شأن «هيملر» كلما أتيحت الفرصة، من خلال كتابة قصائد تُسلط الضوء على ضعفه الجسدى وجبنه، وتصوير شعوره بالخزى بسبب آلامه المتكررة. وتجنبت تمامًا الإشارة إلى رتبته. كما أننى كتبت السيرة التخيلية لـ«كيرستن» ضمن سياق أوسع لـ«الهولوكوست»، عبر تضمين هوامش على كل صفحة تلخص التطورات التاريخية فى تلك الحقبة.

■ هل كانت الفكرة الرئيسية فى الكتاب محاولة لفهم كيف يمكن لشخصيات مثل «كيرستن» أن تتعامل مع الضغوطات الأخلاقية فى فترة الحرب العالمية الثانية؟
- كان هذا أحد الموضوعات فى الكتاب. لكننى بالأساس أردت رواية قصة الطبيب «كيرستن»، والذى إن لم يكن شخصًا مثاليًا، سعى جاهدًا لاستغلال علاقته بـ«هيملر» لعمل خيّر، كما فهمت من قصته. كما أننى كنت أود اكتشاف الكيفية التى يمكن بها استخدام الشعر فى سرد قصة حياة.
■ كيف رأيت شخصية «كيرستن»؟ ضحية أم متواطئة؟ وكيف تناولتِ هذا الصراع الأخلاقى فى الكتاب؟
- الأمر ليس بسيطًا ولا يمكن تصنيفه بالأبيض والأسود. كلما مر الزمن ظهرت آراء ووجهات نظر جديدة. أعتقد أنه كان مزيجًا من الاثنين، ضحية ومتواطئ، فقد أجبره «هيملر» على مواصلة علاجه بالتزامن مع استمرار الحرب، ما يعكس وجود نوع من الإكراه. لكن فى النهاية، ما كان «هيملر» بقادر على استكمال عمله لولا معالجة «كيرستن» له.
كما أن «كيرستن» استفاد فى بعض الأمور، مثل قدرته على تناول اللحوم التى كانت تنتجها مزرعة «هيملر»، بدلًا من توزيعها على العامة. وفى المقابل، استغل «كيرستن» علاقته بـ«هيملر» لضمان إطلاق سراح الآلاف السجناء. وفى الوقت عينه، تسببت قدرة «هيملر» على العمل فى استمرار «الهولوكوست»، لذا ، الأمر ليس واضحًا من الناحية الأخلاقية.
■ هل استعنتِ بمصادر تاريخية دقيقة عن حياة فيليكس كيرستن.. أم أن الكتاب يركز بشكل أكبر على تجسيد مشاعره الداخلية؟
- استخدمت كليهما. كان هذا الكتاب مشروعًا طويل الأمد، فقد استغرق أكثر من ٢٠ عامًا. جمعت كل الكتب التاريخية باللغة الإنجليزية التى ذكرت «كيرستن»، وسير حياة الشخصيات المحورية الأخرى، وبنيت ما أسمّيه «هيكل الحقائق»، ما الذى حدث فى حياته؟ ومتى حدث؟ وما الذى كان يحدث بشكل أوسع فى ألمانيا؟ بعد ذلك استخدمت «السيرة التخيلية» لتخيل كيف كان يمكن أن يشعر ويفكر بما كان يفعله وعما كان يحدث من حوله.

■ هل هناك علاقة بين تصويركِ لـ«كيرستن» والأسئلة الوجودية التى تثيرها الحرب والسلطة؟
- لا يزال هناك الكثير من الأمور غير المعروفة عن «كيرستن»، وقد تركت بعض الأسئلة دون إجابة، مع وضع تلميحات فى النص لتحفيز تساؤلات القارئ. كان لا بد أن يكون «كيرستن» شخصًا قويًا جدًا ومتوازنًا حتى يتمكن من العمل فى أعلى مناصب الحزب النازى. ومن غير المعروف إلى أى مدى قدم تنازلات عن مبادئه الأخلاقية، أو إلى أى مدى استفاد من منصبه. ومع ذلك، من المؤكد أن الأشخاص الذين يزعم أنه أنقذهم، قد أنقذهم بالفعل.
■ كيف تعاملتِ مع المسائل الأخلاقية المعقدة فى الكتاب على ضوء عمل «كيرستن» مع شخص مثل «هيملر»؟
- تعاملت مع هذه القضايا من خلال محاولة إظهار التعقيد بين الخير والشر دون تبسيطه، من خلال تمثيل جميع جوانبه. على سبيل المثال، قدمت مجموعة من بطاقات البريد الخيالية التى تخيلت أن «كيرستن» كان يرسلها إلى عشيقاته، لتوضيح أنه ارتكب بعض الأفعال غير الأخلاقية مثل الخيانة، وأنه لم يكن شخصًا صالحًا تمامًا.
كما حاولت ألا أتخذ رأيًا قاطعًا يتعلق بمسئوليته، بل تركت الأسئلة مفتوحة للتفكير. كان هدفى الرئيسى هو كتابة «سيرة شعرية» لشخصية اقتربت كثيرًا من مصادر القوة النازية، وفى الوقت نفسه كنت حريصة على احترام المعاناة الكبيرة التى تعرض لها العديد من الناس.
■ ديوانكِ «Two Green Parrots» أو «ببغاوان أخضران» عكس الكتاب السابق تمامًا.. كيف جسدتِ موضوع الحرية والعواطف المتناقضة فى قصائده؟
- الكتاب يحمل اسم قصيدة «ببغاوان أخضران»، والتى تعكس مشهد طائرين يحلقان فى السماء، كطريقة لربط التأملات المتعلقة بالحياة والموت، والفرح والخوف. كان من المريح حقًا أن أحوّل تركيزى إلى موضوع آخر، بعد سنوات طويلة من التعامل مع المواضيع الصعبة المتعلقة بـ«الهولوكوست».
■ ما الذى ألهمك لاختيار المحققين الخياليين كموضوع رئيسى لديوانك «The Detective›s Chair: Prose Poems about Fictional Detectives، أو «كرسى المحقق: قصائد نثرية عن المحققين الخياليين»؟
- طرحتُ على نفسى سؤال: لماذا أنا مهووسة بقراءة نوع معين من روايات الجريمة؟ وعندما فكرت فى الأمر بجدية، أدركت أننى أتعاطف مع المحققين الذين يحلون ألغاز الجرائم بالحدس والشعور الغريزى، لأن هذه هى الطريقة التى أتعامل بها مع تحديات تأليف الشعر.
■ كيف استطعتِ دمج الشعر مع السيرة الذاتية فى هذا الكتاب؟
- هذا أسلوب جديد يسمى «السيرة الشعرية». لأننى أردت وضع القصة فى سياق صعود النازيين إلى السلطة، أضفت هوامش بعبارات سردية عامة. وتألفت سيرة «كيرستن» الشعرية من 200 قصيدة. بينما كانت الحقائق التاريخية موجودة على نفس الصفحة فى الهامش الخارجى، على شكل جمل وعبارات كسرد قصصى. وكانت الجوانب التخيلية والذاتية والحوارية لشخصيات مثل «كيرستن» و«هيملر»، وآخرين، مبنية على هيكل من الحقائق القوية، ثم تخيلتها. لم أرد «تخيل» ذات «هيملر»، وكنت أقاوم كتابة قصائد من وجهة نظره لفترة طويلة.