الأربعاء 22 يناير 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

كرنفالات ثقافيــة.. معارض الكُتب من «أسواق الملابس» إلى «الأونلاين»

حرف

- اقتصرت فى البداية على بيع الكُتب للحجاج زوار الأماكن المقدسة

- بيع الكتب كان يتم فى المناطق التجارية كأى سلعة أخرى

معارض الكتب موجودة منذ قرون فى معظم دول العالم، ولعبت دورًا مهمًا فى الحفاظ على الأدب والثقافة والاحتفال بهما، وبمرور الوقت تطورت لتلبية الاحتياجات المتغيرة لصناعة النشر والمؤلفين والناشرين والقُراء على حد سواء.

ومنذ اختراع مطبعة «جوتنبرج» إلى ظهور «العصر الرقمى» الحالى، وتصاعد منصات عرض الكتب عبر «الإنترنت» مثل «جود ريدز»، لعبت معارض الكتب دورًا مهمًا فى نشر المعرفة وتبادل الأفكار فى جميع المجالات.

حول ذلك التاريخ الغنى لمعارض الكتب، سلطت منصة «Events WOW» الهندية، فى تقرير على موقعها الإلكترونى، الضوء على المعالم الرئيسية التى ساعدت فى تشكيل المشهد الحالى لمعارض الكتب فى العصر الحديث.

يوهان جوتنبرج

كانت البداية مع يوهان جوتنبرج، المخترع الألمانى الذى أحدث اختراعه للطباعة الحديثة، فى منتصف القرن الخامس عشر، وتحديدًا فى عام ١٤٤٧، ثورة فى الطريقة التى يتم بها إنتاج الكتب وتوزيعها.

يوهان جوتنبرج

قبل ذلك التاريخ، كانت عملية نسخ الكتب تتم بشق الأنفس يدويًا، ما جعلها نادرة ومكلفة وباهظة الثمن. وقتها كان الرهبان والكتبة يجتمعون فى الأديرة لنسخ المخطوطات يدويًا، وكانت هذه الكتب تُحفظ غالبًا فى مكتبات لا يمكن الوصول إليها إلا من قبل رجال الدين والأثرياء.

لكن بسبب «جوتنبرج» استطاع العالم نسخ الكتب عن طريق الآلات، وإنتاجها بسرعة أكبر وبتكلفة أقل، من خلال اختراع المطبعة، التى ساهمت فى أن تكون الكتب متوافرة بشكل كبير وبأسعار معقولة فى متناول عامة الناس.

ومع زيادة إنتاج الكتب، بدأت معارض الكتب فى الظهور كوسيلة للناشرين وبائعى الكتب لعرض بضاعتهم لعدد أكبر من القراء والمهتمين بتلك الصناعة. ولذلك لا يمكن التقليل أبدًا من تأثير «جوتنبرج»، بعد أن مهد اختراعه الطريق للإنتاج الضخم للكتب وصعود صناعة النشر.

معرض فرانكفورت

بعد عدة سنوات من اختراع يوهان جوتنبرج الطباعة الحديثة، وهو المولود فى مدينة «ماينز» بالقرب من فرانكفورت، أُقيم أول معرض للكتب فى مدينة فرانكفورت الألمانية عام ١٤٥٤.

كان المعرض فى سنواته الأولى تجاريًا، حيث يأتى باعة الكتب من جميع أنحاء أوروبا إليه لبيع كتبهم، وكذلك الطابعات، إلى جانب بائعى المنسوجات والسلع الأخرى، وحقق وقتها نجاحًا كبيرًا، وأصبح حدثًا سنويًا يجذب الناشرين وبائعى الكتب والقراء من جميع أنحاء العالم.

واستمر المعرض على هذا الحال لفترة، قبل أن ينمو بشكل سريع. وبحلول القرن السابع عشر، أصبح أهم معرض للكتاب فى أوروبا. وفى الوقت الحاضر، لا يزال معرض «فرانكفورت» للكتاب واحدًا من أكبر وأهم معارض الكتب فى العالم.

رسم توضيحى يصور جوتنبرج وهو
يستخرج النسخة الأولى من مطبعته

معرض فينيسيا

فى القرن السادس عشر، أصبح معرض «فينيسيا» للكتاب حدثًا شائعًا للناشرين وبائعى الكتب، لعرض أحدث أعمالهم. أقيم المعرض فى ساحة «سان ماركو»، وجذب الزوار من جميع أنحاء أوروبا، وكان مكانًا يمكن للناس من خلاله شراء وبيع الكتب، فضلًا عن تبادل الأفكار والمعرفة.

معرض لابيزيج

فى القرن الثامن عشر، أصبح معرض «لايبزيج» للكتب أحد أهم معارض الكتب فى أوروبا، وكان مكانًا يمكّن الناشرين من عرض أحدث أعمالهم، وإبرام الصفقات مع بائعى الكتب. كما اجتذب المؤلفين والمثقفين الذين جاءوا لتبادل الأفكار، ومناقشة أحدث الاتجاهات فى الأدب.

معرض لندن

فى القرن العشرين، أصبحت معارض الكتب أكثر شعبية فى جميع أنحاء العالم، مع زيادة معدلات معرفة القراءة والكتابة، وبدء المزيد من الناس فى القراءة. من بين هذه المعارض معرض «لندن» للكتاب، الذى تأسس عام ١٩٧١، وسرعان ما أصبح واحدًا من أهم معارض الكتب فى العالم.

وبمرور الوقت، بدأت معارض الكتب الأخرى فى الانتشار بجميع أنحاء أوروبا، وأصبحت هناك معارض كتب فى كل مدينة وبلد رئيسى تقريبًا، ولكل منها تركيزها واهتماماتها الخاصة، ومن بينها معارض: «إكسبو أمريكا»، و«ميامى»، و«إدنبرة».

لماذا معارض الكتاب؟

منذ أقدم معارض الكتب فى أوروبا خلال العصور الوسطى، وصولًا إلى معارض الكتب الدولية الحديثة، لعبت هذه المعارض دورًا حاسمًا فى نشر المعرفة والترويج للأدب، وتطورت أهدافها بمرور الوقت.

فى البداية، كانت معارض الكتاب بمثابة أحداث دينية فى المقام الأول، وكان هدفها الرئيسى هو بيع الكتب للحجاج الذين يزورون الأماكن المقدسة، وهو الاتجاه الذى مثّله معرض «فرانكفورت» عند تأسيسه.

وخلال عصر النهضة أصبحت معارض الكتب أكثر علمانية، وبدأت أهدافها تركز على الترويج للأدب والفنون، وكان معرض «فينيسيا» للكتاب، الذى بدأ فى القرن السادس عشر، أحد أهم المعارض التى جسدت ذلك. أما فى القرنين ١٨ و١٩ أصبحت أهداف معارض الكتب أكثر تجارية، وبدأت تركز على بيع الكتب، وهو الاتجاه الذى جسده معرض «لايبزيج» للكتاب.

وفى القرن العشرين، أصبحت معارض الكتب أكثر دولية، وبدأت أهدافها تركز على الترويج للأدب والثقافة، وجذبت الناشرين وبائعى الكتب والكُتّاب من جميع أنحاء العالم، ولعبت دورًا حاسمًا فى تطوير صناعة النشر العالمية.

ولا تقتصر أهداف معارض الكتب الآن على شراء وبيع الكتب فحسب، بل تحتفل بالأدب والثقافة، مع تضمنها قراءات وتوقيعات الكتب ومناقشات مع المؤلفين، بما يمنح القراء فرصة لمقابلة مؤلفيهم المفضلين وطرح الأسئلة عليهم ومعرفة المزيد عن أعمالهم.

ولا يزال من أبرز أهداف معارض الكتب الآن تعزيز محو الأمية، إذ تحتوى العديد من هذه المعارض على برامج تشجع الأطفال على القراءة والتعلم، وعلى رأسها ورش الحكى والقراءة.

وفى السنوات الأخيرة أصبحت معارض الكتب أكثر تنوعًا وشمولًا، بداية من عرض كتب لمؤلفين من خلفيات وثقافات متنوعة، بما يساعد فى كسر الحواجز، وتعزيز التفاهم بين الثقافات المختلفة.

وتبنت العديد من معارض الكتب التكنولوجيا، وبدأت فى دمج الكتب الرقمية وأجهزة القراءة الإلكترونية فى فعالياتها، وسمح هذا للناشرين بعرض أحدث أعمالهم الرقمية، وأتاح للقراء فرصة لاكتشاف كتب جديدة.

وزاد التأثير الثقافى والاقتصادى الكبير لمعارض الكتاب فى الفترة الأخيرة، بداية من توفير منصة للناشرين لعرض أحدث أعمالهم، وللمؤلفين للتواصل مع قرائهم، وللقراء للتجمع للاحتفال بالكلمة المكتوبة.

العوائد للجميع

يتساءل الجميع عن التأثير الاقتصادى لمعارض الكتب، وكيف تفيد الناشرين والمؤلفين والقراء؟ للإجابة عن ذلك التساؤل يجب أولًا معرفة تكاليف معارض الكتب، فتنظيم معرض للكتب ليس بالأمر الهين، ويتطلب استثمارًا كبيرًا للوقت والمال، إذ يجب على الناشرين دفع ثمن المساحة المخصصة لهم، والتى يمكن أن تكون باهظة الثمن، خاصة فى المعارض الكبيرة. يجب عليهم أيضًا تغطية تكلفة نقل كتبهم وإعداد عروضهم، فضلًا عن حاجتهم إلى دفع ثمن المواد الترويجية، مثل المنشورات والملصقات، لجذب الزوار إلى الركن الخاص بهم.

رغم هذه التكاليف، يمكن أن تكون معارض الكتب مربحة للغاية للناشرين، فمن خلال عرض كتبهم فيها، تُتاح لهم فرصة للوصول إلى جمهور كبير من القراء المحتملين، وبيع كتبهم مباشرة للمستهلكين، والتخلص من الوسيط، وبالتالى زيادة أرباحهم. يمكن أيضًا أن تكون معارض الكتب وسيلة رائعة للناشرين للتواصل مع محترفى الصناعة الآخرين، ما قد يؤدى إلى فرص عمل جديدة.

أما المؤلفون فيمكنهم الاستفادة من معارض الكتب من خلال توفير فرصة أمامهم للترويج لأعمالهم، والتواصل مع القراء، كما يمكنهم المشاركة فى توقيع الكتب والقراءات، وبناء قاعدة معجبين بهم وزيادة انتشارهم، فضلًا عن التواصل مع محترفين آخرين فى الصناعة، ما قد يتيح لهم فرص نشر جديدة.

أما فوائد معارض الكتب للقراء، فتتمثل فى إتاحة فرصة فريدة لاكتشاف كُتب ومؤلفين جدد، وإمكانية تصفح مجموعة واسعة من هذه الكتب، غالبًا بأسعار مخفضة، إلى جانب التحدث مباشرة مع الناشرين والمؤلفين، فضلًا عن الاستمتاع بمجموعة متنوعة من الأحداث، مثل قراءات المؤلفين والمناقشات الجماعية، ما يوفر للقارئ فرصة للتواصل مع المجتمع الأدبى.

بالإضافة إلى هذه الفوائد الاقتصادية، لمعارض الكتب تأثير ثقافى، فهى تحتفل بالكلمة المكتوبة، وتروج لمحو الأمية، وتشجع الناس على القراءة والتفاعل مع الأدب، ويمكن أن تكون وسيلة رائعة لترويج الأدب متنوع الثقافات ووجهات النظر.

«معارض الناشرين»

معارض الكتب التى يقودها الناشر هى التطور الأحدث فى تاريخ معارض الكُتب، فمع ظهور الناشرين المستقلين والنشر الذاتى أصبحت معارض الكتب التقليدية غير ملائمة للمؤلف العادى أو الناشر الصغير، وهو ما أدى إلى لجوئهما إلى معارض الكتب التى يقودها الناشرون، فى ظل تكلفتها الأقل.

وغالبًا ما تُنظم هذه المعارض من خلال دور النشر، أو من قِبل مجموعة من الناشرين ذوى الاهتمامات أو الأنواع المماثلة، وقد تقام فى مجموعة متنوعة من الأماكن، مثل المكتبات أو المراكز المجتمعية، ويتراوح حجمها من الأحداث المحلية الصغيرة إلى المعارض الإقليمية أو الوطنية الأكبر.

وتعد واحدة من مزايا هذه النوعية من معارض الكتب سماحها للناشرين بمزيد من السيطرة على جهودهم التسويقية وعرض كتبهم، والتركيز على عناوين أو أنواع محددة.

ومن المزايا الأخرى لهذه المعارض إتاحة فرصة لمزيد من التفاعل المباشر بين الناشرين والقراء، إذ إن غالبًا ما يكون الحاضرون أكثر انخراطًا، ويهتمون بالأنواع أو الموضوعات المحددة التى يقدمها المعرض.

وجلب العصر الرقمى تغييرات كبيرة فى عالم معارض الكتب، فبرزت مثلًا «معارض الكتب عبر الإنترنت» كبديل شعبى عن معارض الكتب التقليدية، ما يتيح لعشاق الكتاب من جميع أنحاء العالم الحضور من منازلهم، ويتيح للناشرين عرض كتبهم على جمهور أوسع، دون قيود المساحة.

وأصبحت «معارض الكتب الافتراضية» تلك أكثر شعبية، وهذا مهم بشكل خاص فى عصرنا الحالى، إذ يمكن الوصول إلى هذه «المعارض الافتراضية» من أى مكان فى العالم، دون الحاجة إلى السفر، فى خيار أكثر استدامة وفاعلية من حيث التكلفة.

وتسمح هذه المعارض أيضًا بحضور مجموعة واسعة من فئات القراء، بمن فى ذلك ذوو الإعاقة، أو الذين يعيشون فى المناطق النائية، كما أنها تمنح الناشرين والمؤلفين الفرصة للوصول إلى جمهور عالمى دون الحاجة إلى السفر الدولى.

بالتزامن مع هذه «المعارض الافتراضية»، لعبت وسائل التواصل الاجتماعى دورًا مهمًا فى تعزيز الأحداث الأدبية والمؤلفين وأعمالهم، إذ يمكن للمؤلفين الآن التواصل مع قرائهم فى الوقت الفعلى، من خلال المواد الصوتية والندوات والتدفقات المباشرة على منصات مثل «فيسبوك» و«إكس» و«إنستجرام» وغيرها، ما فتح فرصًا جديدة للمؤلفين للتفاعل مع قرائهم وتنمية قاعدة المعجبين بهم.

وفى المستقبل، يتوقع رؤية توازن بين «معارض الكتب الورقية» و«معارض الكتب الرقمية»، من خلال نموذج يدمج بين النوعين، مثلما يحدث فى معرض «لندن» للكتاب، الذى دمج النشر الرقمى والكتب الإلكترونية فى برنامجه، إلى جانب تنظيمه فعاليات حول التسويق الرقمى، ووسائل التواصل الاجتماعى. وكذلك فعلت معارض أخرى، مثل معرض «بولونيا» لكتب الأطفال، ومعرض بكين الدولى للكتاب.