الأربعاء 01 يناير 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

السمكة الفيلسوفة.. مغامرة برية فى أسرار صناعة الكافيار

حرف

- الحفش المنتجة للكافيار.. سمكة تمتلك ماضيًا رائعًا ومستقبلًا غامضًا جدًا

- الجهود البيئية لحماية الحفش تتقدم ببطء بسبب الروتين والمصالح المتنافسة

- الحفش سمكة عمرها 250 مليون عام تكتب قصة ملحمية تكافح فيها من أجل البقاء

-  %70 انخفاضًا فى أعداد الحفش ببحر قزوين خلال العشرين عامًا الماضية

منذ أيام الإمبراطورية الفارسية، كان الكافيار يروج للمكانة والثروة والهيبة والجاذبية الجنسية، هذا البيض الذهبى تضعه سمكة تمضى نحو نهايتها سريعًا، هى سمكة الحفش التى تمتلك ماضيًا رائعًا ومستقبلًا غامضًا جدًا.

حيث انخفضت أعداد سمك الحفش فى جميع أنحاء العالم بنسبة 07% فى العشرين عامًا الماضية، وكان أكبر قدر من الانخفاض فى بحر قزوين، وفى الوقت نفسه، صعد سمك الحفش الأبيض، وهو منتج الكافيار الأكثر طلبًا، إلى المرتبة الرابعة فى قائمة الأنواع الأكثر عرضة للانقراض، الصادرة عن الصندوق العالمى للطبيعة.

يصحبنا الكاتب والصحفى الأمريكى «ريتشارد آدامز كارى» فى رحلته للمغامرة البرية التى قام بها لجميع أنحاء الولايات المتحدة وآسيا الوسطى، لتعقب سمك الحفش، فى الطبعة الثانية من كتابه «السمكة الفيلسوفة: سمك الحفش، والكافيار، وجغرافية الرغبة».

الطبعة الجديدة للكتاب أصدرتها مطبعة جامعة «برانديز» الأمريكية، فى سبتمبر الماضى، فى 378 صفحة، وتسلط الضوء على التحولات التى تمر بها صناعة الكافيار فى العالم، والتى كانت موجودة منذ عدة قرون، وذلك مع قرب انقراض الأسماك المنتجة لهذا البيض الفريد.

وسمكة الحفش هى سمكة عمرها 250 مليون عام، لكنها الآن تكتب قصة ملحمية تكافح فيها من أجل البقاء، وفى الكتاب ينسج كارى القصص المتقاطعة للمهربين الدوليين، ونشطاء البيئة المدافعين عن هذه السمكة، وغيرهم ممن يعتمد مصدر رزقه عليها، فى رواية واحدة مثيرة للاهتمام. 

وتدور الفكرة الأساسية للكتاب حول الرغبة، أو كيفية موازنة الأمريكيين بين العرض والطلب لهذه السمكة، وكيف نضبط أنفسنا بقياس رغباتنا مقابل الموارد المحدودة، فبحسب الكاتب فالحفش هو الأكثر تعرضًا للخطر فى لعبة شد الحبل بين الرأسمالية والاستدامة.

فرغم انخفاض أعداد سمك الحفش، فإن الذين يحبون الكافيار سيظلون على استعداد لاصطياد السمكة، حتى لو كان ذلك يعنى خرق القانون للقيام بذلك، وهنا يفحص الكاتب هذه الرغبة وما فعلته بالمخزون السمكى، وبالتالى ينقل فهمًا أعمق للجنس البشرى، والذى يجعل الجهود البيئية تتقدم ببطء بسبب الروتين والمصالح المتنافسة.

سوق متعددة 

يبدأ المؤلف فى مقدمة الكتاب ليروى بداية معرفته بالكافيار، بتذكر زميلة فى الدراسة بجامعة «هارفارد» يسميها «هيذر»، ويقول عنها: «كانت من الصعب فهمها، ومن المستحيل عدم الرغبة فيها. كان الرجال يتوقفون ويحدقون فيها فى الشارع. لم أتوقف أبدًا عن التحديق بنفسى».

وفى أحد أيام ما بعد الظهر من ذلك العام، صادفت أن التقيت بها على الرصيف خارج محل لبيع الأطعمة الشهية بالقرب من ميدان هارفارد. كانت قد اشترت علبة صغيرة من الكافيار، وكانت تتناولها هناك على الرصيف مع البسكويت. كان الكافيار ناعمًا وداكن اللون فى علبته مثل «مربى التوت الأسود». 

أخبرتنى أنها تأتى إلى هنا من حين لآخر عندما تكون فى مزاج لتناول الكافيار. وسألتنى إذا كنت أريد بعضًا منه. ويضيف: حسنًا، لم أكن متأكدًا. لم يسبق لى أن رأيت الكافيار من قبل، رغم أن لدى أحكامًا مسبقة وأفكارًا تلقيتها.. على أية حال، رفضت.

ويقول كارى: إن الكافيار الذى عرضته على «هيذر» قبل نحو ثلاثين عامًا، كان يأتى من بحر قزوين، أو مياه الاتحاد السوفييتى أو إيران. واليوم تحيط بهذا البحر خمس دول متخاصمة «روسيا وإيران وأذربيجان وتركمانستان وكازاخستان»، ويتولى قطاع صيد سمك الحفش إلى حد كبير مهمة جمعه. 

وتسعى المبادرات الدولية فى مجال الحفاظ على البيئة وإنفاذ القانون إلى وقف عمليات الذبح، فى حين يسارع العلماء إلى فهم بيولوجيا وسلوك الأسماك القديمة قبل فوات الأوان. 

ومع تضاؤل أعداد أسماك الحفش فى بحر قزوين، يتزايد الاهتمام ببقاء أسماك الحفش على قيد الحياة فى أماكن أخرى من العالم، وخاصة فى المياه الأمريكية. وقد وجدت السوق السوداء هذه الأسماك أيضًا، واليوم أصبحت سوق الكافيار فى الولايات المتحدة سوقًا متعددة الألوان من المال والسياسة والمكائد. 

وفى هذه الحالة، لن يؤدى انخفاض العرض إلى رحيل الصيادين، بل إن بيضة سمك الحفش الأسطورية سوف تصبح مجرد هدف أكثر إقناعًا.

طعام الأغنياء

وفقًا للكاتب، قد يكون سمك الحفش، «أهم مورد للحياة البرية فى العالم»، وعشاق الكافيار يفهمون ذلك، فالبيض الذى ينتجه يتم تقديره أكثر من بيض جميع الأسماك الأخرى، لأنه لذيذ جدًا ومربح، ما عرضه للصيد الجائر.

ومع بيع سمك «البيلوجا» الفاخر من بحر «قزوين» بسعر تجزئة يبلغ نحو ٦٥٠ دولارًا للأونصة «تتراوح الواحدة بين ٨ و١٠ نصف ملعقة صغيرة من الكافيار»، فإن تكلفة وجبة خفيفة لذيذة فى أيامنا هذه، تتجاوز ميزانية الجميع، باستثناء الأغنياء.

ولم يكن الأمر هكذا فى الماضى، فالكافيار لم يصبح طعامًا للاستهلاك حتى سنوات الازدهار فى عشرينيات القرن الماضى، لكن قبل القرن العشرين، كانت الأنواع المختلفة من سمك الحفش وفيرة جدًا فى كل مكان، وكان السمك الكبير موجودًا فى معظم أنظمة الأنهار فى نصف الكرة الشمالى.

هذا السمك العملاق الذى يعيش فى الأعماق، كان موضع تقدير كبير من قبل الإغريق والرومان الأوائل. 

ويعود تاريخ الكافيار إلى القرن الثالث عشر على الأقل، عندما كان أحد ملوك المغول بعد الغزو، يتناول العشاء من هذا البيض فى أحد الأديرة، على الرغم من أن الكافيار فى روسيا فى العصور الوسطى لم يكن ترفًا- حتى أن الفلاحين كانوا يأكلون «مربى التوت الأسود من الكرات الصغيرة».

وفى القرن الرابع عشر، عندما أصدر الملك إدوارد الثانى مرسومًا ملكيًا يطالب فيه بحقوق جميع أسماك الحفش التى يتم اصطيادها فى المياه الإنجليزية، ظل لحم سمك الحفش الصلب الحلو سواء كان مدخنًا أو طازجًا، من الأطعمة الشهية التى كانت تحظى بتقدير كبير، حتى أن استهلاكه كان محصورا بشكل عام على الطبقة العليا.

ولكن بيض هذا الوحش الضخم كان يستهدف باعتباره علفًا للفقراء والخنازير والقطط أو يلقى به فى القمامة. وفى القرن السابع عشر، بدأ بيض سمك الحفش فى بحر قزوين يتطور باعتبارها «بندًا تجاريًا ثانويًا» مع المغول فى منطقتى بحر قزوين والبلطيق. 

وسرعان ما طورت الطبقة الأرستقراطية الروسية ذوقًا حادًا للكافيار الطازج المملح قليلًا. ولكن لم يتحول الجميع على الفور: فبعد أن قبل الشاب لويس الخامس عشر هدية من الكافيار من القيصر بطرس الأكبر، «بصقها على سجادة فرساى، ما أثار استياء السفير الروسى». 

ولم يبدأ سحر الكافيار فى الانتشار إلا بعد فترة طويلة من الحروب النابليونية، عندما انتشر الروس الأثرياء فى عواصم أوروبا الغربية، حاملين معهم وجبتهم الخفيفة المحبوبة، التى كانت تحفظ طازجة، بفضل سرعة السكك الحديدية والثلج المصنع.

تفاصيل المغامرة

تبدأ المغامرة التى خاضها الكاتب فى ١٤ فصلًا، فى عالم سمك الحفش وصناعة الكافيار، بزيارة إلى نهر «سووانى» فى ولاية «فلوريدا» الأمريكية تحت عنوان «البطل المنحدر»، حيث يتم اصطياد سمك الحفش الموجود بهذا الخليج ووضع علامات عليه.

وفى الفصل الثانى تحت عنوان «العالم ليس كافيًا»، يأخذنا المؤلف فى زيارة إلى مكاتب هيئة الأسماك والحياة البرية الأمريكية فى مدينة نيويورك، بعد إلقاء القبض على أكثر مهربى الكافيار نشاطًا فى تاريخ الولايات المتحدة.

ثم يزور كارى مطعم «بيتروسيان» فى وسط مدينة «مانهاتن» الأمريكية فى الفصل الثالث بعنوان «نكهات الأفق الإلهى»، حيث تصف «إيف فيجا»، المديرة التنفيذية للمطعم، تاريخ الكافيار وعملية تصنيعه فى غرفة مليئة بالرواد.

وينتقل بنا الكاتب فى منتصف الصيف إلى ولاية «ويسكونسن» الأمريكية فى الفصل الرابع بعنوان «شعب سمك الحفش»، حيث تعقد الندوة الدولية الرابعة حول سمك الحفش. ويحضر الندوة ممثلون عن جميع مجموعات المصالح ويتجادلون، بما فى ذلك «إيف فيجا» و«فرانك تشابمان».

ثم يروى المؤلف فى الفصل الخامس «موقف غير سار» ما حدث للعالم الروسى المهاجر «فاديم بيرستين» خلال زيارة إلى نيويورك، بعد أن ابتكر اختبارًا جزيئيًا بسيطًا يمكنه الكشف عن الكافيار الذى يحمل علامة تجارية مزورة، ثم تورط «بيرستين» فى دعاوى قضائية بشأن حقوق هذا الاختبار، وهو منفى عن المجتمع العلمى.

وفى نفس الزيارة، لكن فى الفصل السادس «مدينة المياه»، يلتقى كارى العالم المحافظ على البيئة «جون والدمان»، ليستمع إلى تاريخ الجهود المبذولة لتنظيف نهر «هدسون» واستعادة أعداد سمك الحفش الأطلسى، وكذلك تاريخ صناعة الكافيار الأمريكية التى ازدهرت على الساحل الشرقى لأمريكا والبحيرات العظمى فى مطلع القرن العشرين.

ثم يعود الكاتب مرة أخرى إلى «ويسكونسن» فى منتصف الشتاء فى الفصل السابع «جراد البحر الفقير»، حيث نجحت مجموعة الحفاظ على البيئة، «الحفش للغد»، فى استعادة أعداد سمك الحفش المحلى. 

ويزور المؤلف جامعة كاليفورنيا فى الفصل الثامن «كاليفورنيا الروسية»، حيث نجح العالم المهاجر الروسى «سيرج دوروشوف» فى تكاثر سمك الحفش الأبيض بشكل صناعى، ليوضح لنا كيف تم ذلك، وكيف سيعمل هذا الاكتشاف على تغذية النمو الهائل لصناعة تربية سمك الحفش فى جميع أنحاء العالم.

ثم يجرى كارى زيارة إلى «سان فرانسيسكو» فى الفصل التاسع «شعر المكان»، حيث نجح «ماتس إنجستروم» فى تحويل شركة «تسار نيكولاى كافيار» إلى واحدة من أوائل الشركات التى نجحت فى تسويق كافيار سمك الحفش الأبيض المستزرع. 

ويزور الكاتب موسكو فى الفصل العاشر «الحديد فى الحديقة»، ثم يتجه إلى بحر قزوين، حيث يرافق شرطة مصايد الأسماك الروسية فى ملاحقتها للصيادين والمهربين.

وفى الفصل الحادى عشر «عالم اللصوص» يأخذنا المؤلف إلى معهد «كاسبنيركه»، وهو معهد روسى لعلوم مصايد الأسماك، فى مدينة «أستراخان». 

ويزور كارى فى الفصل الثانى عشر «دماء الأرض» العلماء فى «باكو»، «أذربيجان»، ثم إلى يذهب إلى نهر «كورا»، حيث تحاول «مفرخة» مهجورة بشكل يائس الاستمرار فى العمل، وسط تناقص التمويل والدعم الحكومى.

ثم يعود الكاتب مرة أخرى فى الفصل الثالث عشر «القدرة على التعجب» إلى الولايات المتحدة، إلى ولاية «مونتانا» والحدود الكندية، حيث تحاول «مفرخة» تمولها قبيلة «كوتيناى» الأمريكية الأصلية، استعادة أعداد سمك الحفش كوتيناى المهدد بالانقراض، دون هدم السد الذى تسبب فى انحداره.

وفى الفصل الأخير «القطعة المذهبة»، يأخذنا المؤلف إلى تجربة عملية تفريخ اصطناعى على أنثى حامل من سمك الحفش، يقوم بها العلماء والفنيون فى المفرخة.

اقرأ أيضًا: 
ريتشارد آدامز كارى: الكافيار رمز للرغبة البشرية فى التميز