كنز عاطف بشاى المخفى.. أسرار أعمال كتبها ملك السيناريو ولم ترَ النور
- الجزء الثالث من «يا رجال العالم اتحدوا» و«النساء قادمون»
- مسلسل عن «مى زيادة» والظلم الذى تعرضت له فى «العصفورية»
- فيلم «الضربة الجوية» عن استعدادات حرب أكتوبر
- مسرحية بعنوان «الجائزة» عن «سيطرة الماديات»
- معالجات لـ3 روايات من تأليف أشرف العشماوى وريم بسيونى
- معالجة درامية لروايتى «عيون البنفسج» و«سوناتا لتشرين»
قبل أن يرحل السيناريست السينمائى عاطف بشاى، فى 30 أغسطس الماضى، بأشهر قليلة، كثف كل جهوده للانتهاء من كتابة سيناريوهات عدد من الأعمال الدرامية والنصوص المسرحية، وكأنه شعر داخل نفسه بأنه على لقاء مع أبناء جيله من السينمائيين والكُتاب الذين جمعتهم أعمال فنية ومواقف إنسانية عديدة ورحلوا قبله، مثل أسامة أنور عكاشة وموسى صبرى ونجيب محفوظ ومصطفى أمين وإحسان عبدالقدوس ويوسف إدريس وممدوح الليثى.
واستطاع «بشاى»، صاحب المسيرة الدرامية والسينمائية الكبيرة، منذ تخرجه فى معهد السينما، عام 1967، أن يقدم عشرات الأعمال للسينما، من أبرزها: «إلى أين تأخذنى هذه الطفلة؟» و«الملائكة لا تسكن الأرض» و«اللص» و«نسيت إنى ست»، وللدراما ومن أبرزها «اللقاء الثانى» و«حضرة المحترم و«السندريلا».
وقبل رحيله بفترة وجيزة، وخلال شهور قليلة فقط، استطاع السيناريست الكبير الانتهاء من كتابة سيناريو مسلسل «رجال عائدات»، الذى يعد الجزء الثالث من مسلسليه الشهيرين «يارجال العالم اتحدوا» والنساء قادمون»، ليستكمل به ثلاثيته الدرامية.
كما انتهى من سيناريو مسلسل «مى زيادة»، وسيناريو مسلسل «المُطلقَات جروب»، فضلًا عن النص المسرحى «الجائزة»، وهى الأعمال التى تكشف تفاصيلها لـ«حرف» أرملته ورفيقة دربه مارى عزيز، فى السطور التالية.
رجال عائدات
«رجال عائدات» هو الجزء الثالث من الثلاثية الدرامية للسيناريست الكبير عاطف بشاى، بعد مسلسليه «يا رجال العالم اتحدوا» و«النساء قادمون»، اللذين قدمهما فى عامى ٢٠٠٠ و٢٠٠١.
وحسب رفيقة دربه مارى عزيز، انتهى عاطف بشاى من كتابة السيناريو الخاص بمسلسل «رجال عائدات» بالفعل، لكن القدر لم يمهله فرصة ليرى ثلاثيته الدرامية تكتمل.
وأوضحت أرملة السيناريست الكبير أن الجزء الثالث «رجال عائدات» يستعرض العديد من المشكلات المجتمعية فى العصر الحديث، منها قانون الأحوال الشخصية للأقباط، وقضايا أخرى لم يتطرق إليها أحد من قبل فى الدراما المصرية، فى إطار كوميدى خفيف.
مى زيادة
انتهى عاطف بشاى كذلك من كتابة مسلسل درامى عن الأديبة مى زيادة، كان يحمل اسمها، و«لا يمثل فقط سيرة ذاتية لحياة الأديبة مى زيادة فقط، بل سيرة لعصر بأكمله عاشت وكانت حاضرة بقوة فيه»، وفق مارى عزيز.
وأضافت أرملة السيناريست الراحل أن المسلسل يتعرض لأبرز الشخصيات التى كانت قريبة من مى زيادة، وتحضر صالونها الثقافى الشهير، ويتطرق إلى ما تعرضت له من ظلم، خاصة حبسها فى مستشفى «العصفورية» بلبنان.
وواصلت: «المسلسل يبرز كيف استطاعت مى زيادة لعب دور تقدمى مبكر، فى عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضى، وكيف ناقشت العديد من الموضوعات وقتها، التى قد لا نستطيع مناقشتها بحرية الآن»، مؤكدة أن ذلك هو ما دفع زوجها الراحل للكتابة عنها.
الضربة الجوية
لم يقتصر «إبداع النهايات» لدى عاطف بشاى على الدراما التليفزيونية فقط، بل امتد ليشمل الأعمال السينمائية أيضًا، من خلال فيلم حمل اسم «الضربة الجوية»، انتهى من كتابة السيناريو الخاص به قبل اندلاع أحداث يناير ٢٠١١.
وقالت مارى عزيز إن زوجها الراحل رصد فى فيلم «الضربة الجوية» كل الاستعدادات والتجهيزات لحرب أكتوبر المجيدة، ورغم حصوله على موافقة بعرضه، من قبل المجلس العسكرى آنذاك، لم يُقدم الفيلم، وهو ما أرجعته إلى «الظروف التى عاشتها مصر منذ يناير ٢٠١١، وحالت دون ذلك».
الجائزة
ومن الدراما والسينما إلى المسرح، إذ كتب عاطف بشاى قبل رحيله نصًا مسرحيًا باسم «الجائزة»، تدور فكرته الأساسية حول سيطرة الماديات على كل شىء تقريبًا فى عصرنا الحديث.
وأوضحت مارى عزيز أن مسرحية «الجائزة» تدور حول أب حصل على جائزة عالمية قيمتها مليون جنيه، فيبدأ أولاده السير فى اتجاه مغاير لما أراده لهم، وهو ما يدفعه فى النهاية للتنازل عن الجائزة منعًا لتفكك الأسرة.
ميكى وسمير
بعد عرض الأعمال التى كتبها قبل وفاته ولم ترَ النور، تحدثت أرملة السيناريست الكبير عاطف بشاى عن العديد من الملامح فى حياة زوجها ورفيق دربها الراحل، كاشفة فى الوقت ذاته عن تفاصيل مهمة حول بداياته.
وقالت مارى عزيز، عن بدايات زوجها الراحل: «منذ صغره وهو يهوى قراءة مجلتى (ميكى) و(سمير)، وكان والده ينزل خصيصًا من كفرالشيخ إلى طنطا لشرائها له».
وأضافت: «بسبب قراءة المجلتين، خاصة مع طريقتهما فى استعراض الصور والتعليقات، أتقن عاطف بشاى كتابة السيناريو. ورغم دراسته الإخراج وليس السيناريو، بعد دخوله المعهد العالى للسينما، تنبأ له أستاذه فى المعهد وقتها، الفنان الكبير محمود مرسى، بكتابة السيناريو، وشجعه على ذلك، لذا سرعان ما تحول إلى هذا المجال بالفعل».
وكشفت عن أن أول الأعمال التى كتب لها عاطف بشاى السيناريو كانت قصة «تحقيق»، من تأليف أديب نوبل نجيب محفوظ، إلى جانب كتابته سيناريو رواية «حضرة المحترم» للأديب الكبير أيضًا.
وأضافت أن أحد النقاد كتب: «عاطف بشاى شوه رواية (حضرة المحترم)، عندما كتب سيناريو تقديمها كعمل درامى»، فما كان من أديب نوبل إلا أن رد عليه قائلًا: «بالعكس عاطف أحيا الرواية دراميًا، لأنه حولها من عمل فلسفى روائى إلى عمل درامى اجتماعى، ما جعل الجمهور يستقبلها بشكل جيد، على عكس رواية (شهرزاد) مثلًا».
وواصلت: «كان عاشقًا لأعمال يوسف إدريس وإحسان عبدالقدوس ومصطفى أمين، والأخير كتب له سيناريو مسلسل (لا)، عن قصة له، وكانت تمثل تحديًا كبيرًا، لكنه نجح فى تحويلها إلى عمل درامى، وكُرم عنها من وزير الإعلام آئنذاك».
وأكملت: «كما كتب سيناريو المسلسل السينمائى (الوليمة) للمؤلف عبدالفتاح رزق، ومن إخراج شفيق شامية، ثم توالت الأعمال مع الكاتب الساخر أحمد رجب، الذى وجد فى عاطف بشاى ضالته، والعكس، فضلًا عن انجذابه أيضًا لأعمال موسى صبرى الأدبية».
ورأت أن ما يميز عاطف بشاى ككاتب سيناريو هو دراسته للإخراج، التى جعلته يكتب الأعمال بعين مخرج قادر على فهم زوايا تصوير المشاهد، بل والإضاءة الأنسب لكل مشهد، إلى جانب توظيف حركة أبطال العمل، فضلًا عن دراسته الموسيقى والفن التشكيلى، وإلمامه بكل فنون صناعة السينما والدراما تقريبًا.
سوناتا لتشرين
امتد إبداع السيناريست الكبير عاطف بشاى ليشمل عددًا من كُتاب اليوم، بداية من أشرف العشماوى، الذى أجرى معالجة درامية لعدد من رواياته، مثل «المرشد» و«تذكرة وحيدة للقاهرة»، إلى جانب رواية «الدكتورة هناء» للروائية ريم بسيونى.
وقالت مارى عزيز: «عاطف كان على تواصل دائم مع هذه الأسماء لتحويل أعمالها الأدبية إلى أعمال درامية، ووافقوا على ذلك. كما أنه كتب المعالجة الدرامية لروايتى (عيون البنفسج) للروائى الراحل علاء الديب، و(سوناتا لتشرين) لأسامة أنور عكاشة التى كان يتمنى تحويلها إلى عمل درامى».
وأضافت أنه عندما ذهب إليه هشام أسامة أنور عكاشة لتحويل رواية والده «وهج الصيف» إلى عمل درامى، وطلب منه كتابة السيناريو الخاص به، رجع إلى أسامة أنور عكاشة لإخباره بذلك، فما كان من الكاتب الكبير إلا أن رحب بشدة.
وأكدت أن أسامة أنور عكاشة قال لعاطف بشاى وقتها: «أنا مآمن أنك أنت تحديدًا تحولها لعمل درامى، لأنى لا أحب تحويل أعمالى الأدبية إلى أعمال درامية»، لتتحول بالفعل إلى عمل درامى بعدها باسم «فجر ليلة صيف»، عُرض فى عام ٢٠٠٤، من بطولة أستاذه محمود مرسى، إلى جانب جميل راتب وكمال أبورية ووفاء صادق.
كان عاطف بشاى فى أيامه الأخيرة يرى أن الموجة الدرامية السائدة لا تتناسب مع رؤيته وجيله ككل، لذا كان ينأى بنفسه عن تقديم أعمال له. ومع ذلك لم يكن بعيدًا لدرجة العزوف أو المقاطعة، بل كان يتابع الأعمال الدرامية الجيدة، وفق أرملته.
وقالت مارى عزيز إنه كان يتابع على سبيل المثال مسلسل «تحت الوصاية» و«جودر» فى رمضان الماضى، ولاقى استحسانه بشكل كبير، حتى إنه حاول التواصل مع مؤلفى ومخرجى العملين لتهنئتهم، رغم عدم معرفته بهم، فى ظل ما تناوله العملان من قضايا واقعية تمس الناس.
الأمنية الأخيرة
كشفت مارى عزيز عن ملمح غير معروف فى حياة السيناريست عاطف بشاى، مؤكدة أنه كان فنانًا تشكيليًا، وتخرج فى كلية الفنون التطبيقية بتقدير «جيد»، وفى سنة التخرج حرص على دراسة السينما، وتقدم بأوراقه إلى المعهد العالى للسينما.
وأضافت أن الأسرة تحتفظ بعدد كبير من لوحاته، التى رسمها فى منزله بمدينة فايد فى الإسماعيلية، ومن بينها لوحات معرضه الذى كرمه عليه محمد عبدالقادر حاتم، نائب رئيس الوزراء للثقافة والإرشاد القومى المشرف على وزارة الإعلام ووزارة السياحة والآثار آنذاك، فضلًا عن مشاركته فى العديد من المعارض الفنية بأعماله.
وواصلت: «كان يأمل فى إقامة معرض فنى له، خلال سنواته الأخيرة، لكن الكتابة كانت تستحوذ على كل وقته»، مشيرة إلى أن «نعى وزير الثقافة، الدكتور أحمد هنو، عّبر عن وزير يقدر ويثمن قيمة عاطف بشاى وفنه، لذا آمل فى أن تعرض وزارة الثقافة لوحاته فى معرض فنى لجمهوره».
ووجهت مارى عزيز عددًا من الرسائل، بداية من رسالة إلى رفيق الدرب عاطف بشاى، قائلة «هتوحشنا». ورحبت بإنتاج أعماله الدرامية والمسرحية والسينمائية التى لم تر النور بعد، من قبل الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، مضيفة: «أعماله على الشاشة هتعزينا، وإن كانت ستؤلمنا».
واختتمت بالإشارة إلى مكتبته التى تضم آلافًا من الكتب، فى الأدب العالمى والسينما والتاريخ، مؤكدة أنها ستهدى جزءًا منها إلى المعهد العالى للسينما قريبًا.