المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

نجلة المؤرخ أحمد عبدالرحيم مصطفى: عشق التاريخ من حواديت جدته

المؤرخ أحمد عبدالرحيم
المؤرخ أحمد عبدالرحيم مصطفى

- رفض كتابة سيرة رئيس جمهورية.. وكان يقول «السلطان هو البعيد عن السلطان»

- الأسرة تعاقدت مع هيئة الكتاب لنشر مجموعة من كتبه

كشفت الدكتورة داليا أحمد عبدالرحيم مصطفى، نجلة المؤرخ الراحل أحمد عبدالرحيم مصطفى، أستاذ التاريخ الحديث، الذى تم الاحتفال بمئويته فى الدورة 56 من معرض القاهرة الدولى للكتاب، عن الاتفاق مع الهيئة العامة للكتاب على إعادة نشر مجموعة من كتب والدها. 

وعبَّرت د. «داليا»، فى حوار مع «حرف»، عن فرحة الأسرة برعاية الدولة مشروع والدها، بإتاحة هذه المؤلفات وإيصالها إلى الطلبة والطالبات والباحثين بمختلف مستوياتهم، داعية الله أن يقبل ذلك بمثابة صدقة جارية وعلم ينتفع به، وكاستمرار للتعريف بسيرة والدها الطيبة.

وأضافت: «رغم أنه لم يكن أديبًا بالمعنى السائد، كان والدى قارئًا نهمًا للأعمال الأدبية ومتذوقًا للفنون، ومتابعًا جيدًا للمشهد الثقافى شرقًا وغربًا، وانعكس ذلك فى أسلوبه الكتابى المتميز. كما أن قراءته الواعية فى الأدب بألوانه المختلفة زوّدته بحصيلة لغوية هائلة، كان لها كبير الأثر فى أسلوبه المتميز فى الترجمة، وطريقة عرضه الوقائع التاريخية المعقدة».

وواصلت: «كان مولعًا بالتاريخ منذ الصغر، ويقول دائمًا إن الفضل فى ذلك يعود إلى حواديت جدته المدهشة، فضلًا عن إيمانه بتحرى المنهج العلمى والموضوعية فى كتابة التاريخ، وهو ما يتسق مع قناعته الراسخة بضرورة النأى عن الخرافات والأهواء والانحيازات الشخصية، وكذلك عن التمجيد والمغالاة».

وأكدت احترام والدها الشديد لعلمه وقناعاته، لذا كان أبعد ما يكون عن الممالأة، ولم يكتب سوى ما يتناسب مع قناعاته الفكرية، ودائمًا ما كان يردد: «السلطان هو البعيد عن السلطان».

وأضافت: «ليس أدل على ذلك من موقف قد لا يعرفه الكثيرون، حين طلبت صحيفة حكومية منه كتابة سيرة حياتية لرئيس دولة معاصر، فترفع عن ذلك معتذرًا بأنه مؤرخ، ولا يعقل أن يكتب سيرة لأى شخصية معاصرة لم تصبح تاريخًا بعد».

وواصلت: «كان حريصًا على ألا ينزلق إلى الكتابة فى شأن معاصر، لأنه مجرد وقائع غير منتهية، مكتفيًا بالتعليق على ما يدور فى جلسات خاصة أو حلقات سمنار التاريخ الحديث، كما أنه لم يضع وقته فى تأليف كتاب جامعى، لأنه كان يرى أن مهمة أستاذ الجامعة تقتصر على أن يحاضر فى المسائل الكلية، ويترك التفاصيل للبحث المكتبى».

وبينت أن والدها كان صديقًا للعديد من المفكرين والأدباء والشعراء بمختلف اتجاهاتهم، وجمعته ببعضهم صداقة وثيقة وحلقات نقاشية وصالونات أدبية، وله محاضرات لم تنشر، وعدة مقالات قديمة قيمة جدًا نشرت فى عدد من الدوريات العلمية والمجلات الأدبية، والتى تحرص فى الوقت الحالى على جمعها ونشرها فى كتاب.

وتذكرت أن أباها كان مربّيًا ديمقراطيًا وتربويًا استثنائيًا، وحرص بشكل كبير على الاستثمار فى تعليم بناته الثلاث وتثقيفهن منذ الصغر، مضيفة: «كان لذلك أولوية تفوق أى اهتمامات أخرى، وحرص جدًا على اصطحابنا إلى معارض الكتب، ودائمًا ما كان يهدينى كُتبًا».

وواصلت: «أثر والدى بشكل كبير فى تكويننا الفكرى والثقافى، وحرص على اصطحابنا إلى الحلقات النقاشية والصالونات الأدبية منذ الصغر، والأهم من ذلك كله هو أننا بفضله تعلمنا الاستقلال الفكرى وحرية التفكير، فلم يجبرنا أبدًا على اختيار أو قرار مصيرى».

وأكملت: «كان غير تقليدى، يمنحنا دائمًا حرية الاختيار من حيث الدراسة أو القناعات الشخصية والفكرية، وتعلمنا منه أيضًا عدم المقارنة مع أحد، وكان من أشد المؤمنين بالمساواة بين الجنسين، فلم نشعر يومًا بانتقاص الحقوق أو أننا من الدرجة الثانية لأننا بنات».

وتابعت: «كان صادقًا ومتواضعًا ومحترَمًا، يحترم مساحتنا الشخصية ويناقشنا فى كل الموضوعات دون توجيه نصائح مباشرة، وأعتقد أن اهتمامه بالعلوم والكتابات التربوية ساعد فى ذلك، ومن ذلك أفكار جان جاك روسو وغيره».

وكشفت عن حرص والدها على خلق توازن بين التربية الشرقية من جانبه، والتنشئة بطابع أوروبى من جانب أمها الإسبانية، مضيفة: «كان بينهما اتفاق على ألا يكون هناك أى تصادم فى المبادئ والثوابت، من خلال الحفاظ على قيمنا الشرقية وثوابتنا العقائدية، لكن دون انغلاق أو تعصب. لم يجبرنا على قناعات بعينها، وعزز فينا الشعور بالمسئولية والثقة والاعتزاز بجذورنا وهويتنا الخاصة».

ورأت أن اتجاهه التربوى تجلى فى علاقته بتلاميذه ومريديه، فقد كان يعتبرهم أبناءه، بل وأصدقاء مقربين، ومن أوفاهم المؤرخون القامات من أمثال عاصم الدسوقى ومحمد عبدالوهاب ونبيل الطوخى والصحفى أحمد الجمال.

وأضافت: «لم يكن أستاذًا ومربيا تقليديًا، يُلقى المحاضرات ثم ينصرف ويتعالى عليهم؛ لذلك تعلق به تلاميذه، لأنه كان يشركهم ويستمع لهم ولا يقلل من آرائهم وشأنهم، ورغم الفروق العمرية والفكرية، ومكانته العلمية الرفيعة، كان حريصًا على إلغاء الفوارق، ويتقبل الاختلاف».

وواصلت: «والدى كان قادرًا على تحويل المحاضرة أو النقاش من مجرد تلقين رتيب إلى حلقة نقاش فكرى ثرى وجذاب، وكان لا يحرج أى طالب أو يبرز أخطاءه أمام الآخرين، وإنما يفعل ذلك على انفراد».

وكشفت عن أنه بعد وفاته بقليل، أهدت الأسرة أكثر من نصف مكتبته إلى كلية الآداب بجامعة عين شمس، التى درّس فيها وكان وكيلًا لها، وقبل حوالى عامين، حرصت الأسرة على التبرع بمجموعة أخرى من مكتبته إلى جامعة المنيا، لرغبتها فى إتاحة هذه المؤلفات لطلبة الصعيد تحديدًا، بهدف إتاحة فرص متساوية مع نصيب الدارسين فى القاهرة.