الأربعاء 23 أبريل 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

رؤساء فى أزمة.. كواليس غرفة عمليات البيت الأبيض

حرف

- من كينيدى إلى بايدن كتاب يكشف ماذا حدث فى غرفة عمليات البيت الأبيض

- غرفة عمليات البيت الأبيض.. هنا تُرسم الاستراتيجيات وتختبر التحالفات ويقرر مصير الدول

- فكرة الغرفة طُرحت لأول مرة على أيزنهاور والمصطلح ظهر فى دراسة عسكرية 1961

- كينيدى أمر بإنشاء الغرفة.. والبحرية الأمريكية قامت ببنائها فى أسبوع بتكلفة 35 ألف دولار

أماكن وجدران وغرف تحمل بين جنباتها كثيرًا من الأسرار واللحظات، لكن لا توجد غرفة تعرف القوة الأمريكية ودورها فى العالم، أفضل من غرفة العمليات فى البيت الأبيض. 

ومع ذلك، لا يوجد مكان أكثر غموضًا وتكتمًا وسرية أكثر منها، فهى مركز إدارة الأزمات والاتصالات لرؤساء الولايات المتحدة الأمريكية لأكثر من ستة عقود، والقرارات التى تتخذ داخلها تؤثر على حياة كل إنسان على هذا الكوكب.

وهو ما يرويه مقدم الأخبار السياسية الأسطورى والمستشار السابق للرئيس الأمريكى كلينتون، جورج ستيفانوبولوس، فى كتابه «غرفة العمليات: القصة الداخلية للرؤساء فى الأزمات».

الكتاب الذى يقع فى 368 صفحة، صدر عن دار نشر «جراند سينترال» الأمريكية، فى منتصف مايو 2024، بمشاركة المؤلفة والكاتبة الشبح الأمريكية ليزا ديكى، يسرد تفاصيل الأزمات التاريخية من المكان الذى اتخذ فيه اثنا عشر رئيسًا أمريكيًا قراراتهم الأكثر حرجًا.

جورج ستيفانوبولوس هو مقدم برنامج «هذا الأسبوع» على قناة ABC، والمقدم المشارك لبرنامج «صباح الخير يا أمريكا». انضم إلى ABC News عام 1997 كمحلل لبرنامج «هذا الأسبوع». وقبل انضمامه إلى ABC، شغل منصب كبير مستشارى الرئيس لشئون السياسة والاستراتيجية فى إدارة كلينتون.

وتأتى أهمية هذا الكتاب فى أنه يعد تأريخًا للرئاسة الأمريكية من منظور المكلفين بالتخطيط للأزمات وإدارتها، خاصة مع كون واشنطن مركزًا للسياسة العالمية، ومن غرفة عمليات البيت الأبيض يحدد مصير الرؤساء ويتم رسم مسار التاريخ.

لكن فى الوقت ذاته، لم يكتب عن الغرفة والعاملين بها إلا القليل نسبيًا، ومع أزمة التعريفات الجمركية التى أقرها الرئيس ترامب على دول العالم مؤخرًا، تؤكد غرفة العمليات أن التاريخ يعيد نفسه مرة أخرى فى ولايته الرئاسية الجديدة.

منظور جديد

تتبع الكاتب على طول صفحات كتابه من خلال مزيج من التحليل السياسى والقصص الشخصية، جوهر إدارة الأزمات فى الولايات المتحدة الأمريكية، من خلال أكثر من ١٢٠ موظفًا سابقًا فى غرفة العمليات.

ويبدأ الكتاب بمنظور جديد لأحداث ٦ يناير ٢٠٢١، عندما حاول أنصار الرئيس ترامب اقتحام مبنى الكونجرس الأمريكى، لمنع التصديق على فوز منافسه الانتخابى بايدن: وهو منظور مايك ستيجلر، ضابط غرفة العمليات فى البيت الأبيض، الذى خرج من سيارته فى الساعة ٤:٢٠ صباحًا من ذلك اليوم.

ويقول المؤلف إن ستيجلر شعر بشىء غريب. وقال له: «كل هؤلاء الناس فى الشارع الذين لا تراهم عادة، ومجموعة من السيارات متوقفة. الأمر بدا مختلفًا تمامًا» وفكر، «هذا لا يبدو صحيحًا». 

ويستكمل: فى عصر ذلك اليوم، كان من المقرر أن يصادق الكونجرس على انتخاب جو بايدن رئيسًا سادسًا وأربعين للولايات المتحدة. لكن الرئيس الذى هزمه كان يبذل قصارى جهده لعرقلة انتقال السلطة. 

وقد توافد آلاف من أتباعه إلى واشنطن بناء على طلبه لوقف عملية التصديق، ولم يكن أحد يعلم على وجه اليقين كيف ستسير الأمور فى ذلك اليوم.

كان موظفو غرفة العمليات فى حالة تأهب، يراقبون الأحداث، ويجمعون المعلومات العامة والخاصة، ويستعدون لتقديم تقرير إلى الرئيس - كما يفعلون مع جميع الأزمات، سواء كانت محلية أو خارجية، التى قد تتطلب اهتمامه. 

لكن فى ذلك اليوم، لم يتصلوا به قط. لم يتصل بهم هو. كان الرئيس نفسه سبب الأزمة.

وهنا يعود الكاتب مرة أخرى لرواية ستيجلر الذى فكر وهو يبدأ مناوبته. محلل استخبارات فى الثلاثينيات من عمره، كان سعيدًا للغاية فى صيف عام ٢٠١٩ بتلقيه دعوة للعمل فى غرفة العمليات - وهى مهمة موفقة لأى متخصص فى الاستخبارات. 

لكن خلال الثمانية عشرة شهرًا التى تلت ذلك، «شهدت محاكمتى عزل. مررت بكوفيد. شهدت احتجاجات حركة (حياة السود مهمة) وأعمال الشغب»، كما قال للمؤلف. «كان الأمر مجرد حدث تلو الآخر». الآن، ومع بزوغ الفجر، جهز نفسه لما قد يأتى.

طوال النهار، توافد المتظاهرون إلى «الإليبس»، وهى الساحة البيضاوية العشبية جنوب البيت الأبيض مباشرة. وعند الظهر، وقف الرئيس دونالد ترامب أمام أنصاره المتحمسين، ودعا نائبه «مايك بنس» إلى إعادة الأصوات إلى الولايات. 

حيث زعم أن «الديمقراطيين اليساريين المتطرفين» سرقوا الانتخابات. وحث الحشد على «القتال بشراسة. وإن لم تقاتلوا بشراسة، فلن يكون لكم وطن بعد الآن». ثم دعاهم إلى السير فى شارع بنسلفانيا إلى مبنى الكابيتول.

أراد ترامب الانضمام إليهم، لكن جهاز الخدمة السرية التابع له رفض اصطحابه، بسبب حالة من الفوضى العارمة التى عمت ساحات مبنى الكابيتول. اقتحم المتظاهرون حواجز الشرطة، وهاجموا عددًا من الضباط. 

صرخ قائد شرطة واشنطن العاصمة، روبرت جلوفر، بينما اندفعت الحشود إلى الأمام، محطمة النوافذ ومقتحمة المبنى. دفع عناصر الخدمة السرية نائب الرئيس بنس إلى مكان آمن، واحتشد المشرعون فى رعب بينما اقتحمت الحشود الممرات، واخترقت قاعة مجلس الشيوخ الأمريكى. 

أفرغ مثيرو الشغب الخزائن وقلبوا الأثاث. دوت أصداء طلقات نارية فى ممرات مقر الهيئة التشريعية لأمريكا، التى يعود تاريخها إلى ٢٢٨ عامًا.

فى المكتب البيضاوى، ارتشف الرئيس ترامب مشروب دايت كوك وهو يشاهد المشهد على التليفزيون. ناشده مساعدوه وحلفاؤه إدانة أعمال الشغب ووقف الحشد. لكن بدلًا من ذلك، وفى الساعة ٢:٢٤، ومع احتدام العنف، نشر تغريدة ينتقد فيها مايك بنس لافتقاره إلى «الشجاعة لفعل ما كان ينبغى فعله».

ومع ورود تقارير من جهاز الخدمة السرية ومسئولين آخرين فى الكونجرس، سارعت غرفة العمليات إلى العمل. قال ستيجلر للكاتب: «أصبحت الأمور فوضوية للغاية. دخلنا فى حالة استمرارية حكومية».

وهنا يطلب المؤلف من القارئ التوقف عند هذا الحد، لافتًا إلى أنه يجب أن تأخذ هذه العبارة بعين الاعتبار: «وضع استمرارية الحكومة». ويقول: هذا المصطلح البيروقراطى البسيط، يخفى وراءه مجموعة من السياسات والإجراءات الخطيرة التى أمر بها الرئيس أيزنهاور فى ذروة الحرب الباردة. 

حيث صممت «وضعية استمرارية الحكومة» لضمان استمرار عمل الحكومة الأمريكية بعد كارثة كالحرب النووية. تتضمن هذه الوضعية مراكز قيادة سرية - غرفة العمليات هى الأهم - وتسلسلات قيادة محكمة، ونقل الكونجرس، واستبدال مسئولى السلطة التنفيذية الذين قتلوا فى الهجمات. 

ويشير الكاتب إلى أن هذه الوضعية لم تُفعّل إلا مرة واحدة من قبل، فى أعقاب هجمات ١١ سبتمبر ٢٠٠١ الإرهابية مباشرة.

أصول الفكرة

وهنا يرجع المؤلف أصول غرفة عمليات البيت الأبيض إلى ربيع عام ١٩٦١، عندما أوصى جودفرى ماكهيو، مساعد الرئيس جون كينيدى فى القوات الجوية، بإنشاء «غرفة عمليات يومية وطنية» تعد «أداة إدارية من خلال توفير المعلومات الاستخباراتية والاتصالات والإحاطات والعرض والمراقبة». 

وطرحت فكرة إنشاء غرفة العمليات لأول مرة على الرئيس أيزنهاور فى خمسينيات القرن الماضى، بينما ظهر مصطلح «غرفة العمليات» لأول مرة فى دراسة عسكرية عام ١٩٦١، بعنوان «مفهوم العمليات الوطنية للحرب الباردة». 

حيث اقترحت هذه الوثيقة، التى أحالها ماكهيو إلى كينيدى، إنشاء غرفة مخصصة داخل الجهاز التنفيذى، للتعامل مع التعقيدات المتزايدة للاستخبارات والعمليات فى الحرب الباردة.

وبالفعل نفذت توصيته بعد كارثة خليج الخنازير فى أبريل ١٩٦١، التى كشفت عن محدودية وصول الرئيس إلى المعلومات الآنية؛ ففى غضون أسابيع من الكارثة، أمر الرئيس كينيدى بإنشاء مساحة على غرار اقتراح ماكهيو، وتم بناؤها فى غضون أسبوع واحد، بتكلفة ٣٥ ألف دولار.

حيث أشرفت كتيبة البناء التابعة للبحرية على بناء الغرفة، ما حول صالة بولينج فى الطابق السفلى للبيت الأبيض إلى مجمع من أربع غرف.

ففى أبريل عام ١٩٦١ وبعد تنصيبه مباشرة رئيسًا للولايات المتحدة، وافق كينيدى على خطة لغزو كوبا والإطاحة بالحكم. وأنزلت المخابرات المركزية الأمريكية ١٤٠٠ من المنفيين الكوبيين فى خليج الخنازير على الساحل الجنوبى لكوبا، بهدف إثارة انتفاضة مناهضة للشيوعية.

وفى اللحظة الأخيرة تقريبًا، ألغى كينيدى قرارًا قد وعد به المتمردين، وهو دعم القوات الجوية الأمريكية لهجومهم، وهو ما أسفر عن هزيمتهم بسهولة أمام ٢٠ ألف جندى كوبى، إذ واجه المتمردون الاعتقال، ليمثل انتصار كاسترو «صفعة للأمريكيين».

إعادة التصميم

الغرفة التى تجسد تعبير «لو كانت هذه الجدران تتحدث»، هى حسب الكاتب، مركز عمليات بمساحة ٥٠٠٠ قدم مربع فى الطابق الأرضى من الجناح الغربى للبيت الأبيض، كانت فكرتها تقوم أساسًا على مركزية جمع المعلومات ومنح الرئيس مساحة مخصصة لاتخاذ القرارات، مع طاقم دائم من الخبراء الجيوسياسيين. 

ويوضح المؤلف أن غرفة العمليات، فى البداية، كانت تتألف بشكل أساسى من موظفى وكالة المخابرات المركزية، وتعمل على مدار الساعة، حيث يعمل الضباط المناوبون فى نوبات عمل على مدار الساعة. ومع مرور الوقت، توسعت عملياتها لتشمل أيضًا موظفين من مختلف وكالات الأمن القومى الأخرى.

ورغم أهمية الغرفة إلا أنها ظلت مكانًا باهتًا لفترة طويلة، أشبه بقاعة اجتماعات شركة مملة. أضيفت إليه تدريجيًا معدات وتقنيات اتصال جديدة، وبحلول وقت عملية القضاء على أسامة بن لادن، أصبح الرئيس قادرًا على متابعة تطور الأحداث لحظة بلحظة. 

ويشير الكاتب إلى أنه فى أوائل عام ٢٠٢٣، أُعيد تصميم الغرفة لتصبح «مجمعًا متطورًا رقميًا، مصممًا هندسيًا، وذكى التكوين»، وهو يعرف الآن باسم WHSR وتلفظ «ويززر»، مؤكدًا أن هذا التحول كان حتميًا وضروريًا.

وكان وراء هذا التطور جارى بريسناهان، المبتكر التقنى الذى ارتقى من الخدمة العسكرية فى القوات الجوية إلى منصب نائب مدير غرفة العمليات للأنظمة، وقدم إمكانيات متطورة مثل مؤتمرات الفيديو الآمنة، والبريد الإلكترونى، وهواتف بروتوكول الصوت عبر الإنترنت (VOIP)، التى أحدثت ثورة فى إدارة الأزمات.

تعتبر غرفة عمليات البيت الأبيض هى مركز الاتصالات للرئاسة الأمريكية، فإذا أراد الرئيس الأمريكى التحدث إلى أى زعيم أجنبى، فإن كل ذلك يمر عبر غرفة العمليات.

ولذلك يكشف المؤلف عن أن إجراءات الأمن فى الغرفة مشددة - حيث يمنع استخدام الهواتف المحمولة بأى شكل من الأشكال، وعليك وضع هاتفك فى خزانة عند دخولك. وهناك أجهزة كشف كافية، بحيث إذا أحضر أحدهم هاتفه، يتم القبض عليه.

وحتى يومنا هذا، لا تسجل أى مكالمات بين رؤساء الدول. ولكن بدلًا من ذلك، يستمع ثلاثة موظفين عبر سماعات الرأس ويدونون كل شىء يدويًا، ثم يقارنون رواياتهم لاحقًا، ويلفت إلى أنه لم يسجل سوى عدد قليل من المحادثات فى الغرفة، إحداها كانت فى مارس ١٩٨١، بعد إطلاق النار على رونالد ريجان فى واشنطن.

وقائع تاريخية

يتتبع ستيفانوبولوس أحداثًا خلال مراحل مهمة فى التاريخ الرئاسى الأمريكى، تتراوح من الهزيمة فى فيتنام وإدارة جونسون الدقيقة للحرب، وجهود موظفى نيكسون لتجنب الحرب العالمية الثالثة فى أعقاب حرب أكتوبر ١٩٧٣، بينما كان الرئيس عاجزًا عن العمل.

وذلك إلى انهيار الاتحاد السوفيتى، وأحداث ١١ سبتمبر التى تجلى فيها بوضوح الالتزام الشديد لموظفى غرفة العمليات بواجبهم؛ فحتى عندما اعتبر البيت الأبيض فى خطر فى الأحداث، رفض الموظفون المعينون هناك أوامر مغادرة مناصبهم، وبقى موظفون آخرون لدعمهم، بمن فيهم رئيس الطهاة فى البيت الأبيض.

وفقًا للكاتب، حث فرانك ميلر، المدير الأول لسياسات الدفاع، الجميع على مغادرة الغرفة خلال الساعات الأولى عقب مقتل ما يقرب من ٣٠٠٠ شخص، لكن أحدًا لم يفعل، ما دفع ميلر لأن يطلب من الجميع كتابة أسمائهم وأرقام الضمان الاجتماعى الخاصة بهم، حتى يتسنى التعرف عليهم فيما بعد، فى حال تعرض البيت الأبيض للهجوم.

وذلك بعد أن سادت مخاوف من توجه طائرة مخطوفة إلى البيت الأبيض. وذكر المؤلف أن كل من كان بالداخل، حوالى ٢٠ شخصًا، امتثلوا لطلب ميلر.

ضباط الخدمة

يقول الكاتب إن الجزء الأكثر إلهامًا فى العمل على كتابه، هو مقابلة ضباط الخدمة فى الغرفة، الذين يتم استقطابهم إلى غرفة العمليات لفترات تتراوح بين سنة وثلاث سنوات، من جميع أنحاء الحكومة: وكالة المخابرات المركزية/ وكالة استخبارات الدفاع/ وكالة الأمن القومى، والأمن الداخلى، ووزارة الخارجية، والبنتاجون.

ويؤكد أنهم وطنيون محترفون للغاية وغير مسيسين يعملون بلا كلل، يخدمون الرئاسة وبلدهم بتميز وشجاعة، وليس الرئيس الموجود فى منصبه، فالولاء للبلد يفوق الولاء للدور الذى يقومون به.

ويوضح ستيفانوبولوس الدور المحورى لهم لإبقاء الحكومة على اطلاع دائم وأمنها خلال الأزمات، وأيضًا فى ربط وتسجيل مؤتمرات الفيديو التى يجريها الرئيس مع رؤساء الدول الأجنبية.

ويقول إنهم منذ إنشاء الغرفة، تعامل هؤلاء مع الكوارث الأمريكية ومع مخاوف نووية، واغتيال رئيس، ومحاولتى اغتيال اثنين آخرين. كما تابعوا وحللوا الحروب الأمريكية التى أودت بحياة مئات الآلاف وخسائر بمليارات الدولارات.

إدارة مختلفة

يأخذ المؤلف القراء بعد ذلك فى رحلة عبر نقاط تحول دراماتيكية فى اثنتى عشرة إدارة رئاسية أمريكية، حيث يركز على أزمة رئيسية واحدة خلال كل رئاسة تناولها الكتاب ومرت بها غرفة العمليات.

خلال ذلك، يكشف الكثير عن أساليب الإدارة المختلفة لرؤساء الولايات المتحدة، ويعرض العديد من الأحداث الشيقة. ويشير إلى أن موقف كل رئيس من الغرفة يعكس شخصيته.

ويقول الكاتب إن ليندون جونسون ورونالد ريجان أرادوا «التواجد فى موقع الأحداث». بينما لم يعجب آخرون، مثل ريتشارد نيكسون ودونالد ترامب، بالتواجد ضمن نطاق مجلس الأمن القومى.

وفضل فورد المكتب البيضاوى على غرفة العمليات، لأنه كان «وسيلة لترسيخ شرعيته كرئيس».

جون كينيدى

يركز الفصل الأول من الكتاب على إدارة كينيدى وبداية غرفة العمليات. وفى نهاية الفصل، يروى ستيفانوبولوس محادثة بين ضابط الخدمة أوليفر هاليت والسكرتير الصحفى للبيت الأبيض بيير سالينجر، بعد اغتيال الرئيس كينيدى فى نوفمبر ١٩٦٣. 

كان سالينجر يتصل للحصول على آخر المستجدات أثناء توجهه إلى اليابان مع وزير الخارجية دين راسك وخمسة أعضاء آخرين فى مجلس الوزراء. وكما يشير المؤلف، فإن نصوص المكالمات نادرة باستثناء المكالمات الرئاسية، لذا من اللافت للنظر وجود مثل هذه الوثيقة. 

يتصل سالينجر بغرفة العمليات عدة مرات على مدار اليوم للحصول على آخر المستجدات من هاليت حول حالة كينيدى، والتى تبلغ ذروتها بإبلاغ هاليت سالينجر بأن «الرئيس قد مات».

ليندون جونسون

يلفت الكاتب إلى أنه خلال حرب فيتنام، استخدم الرئيس ليندون جونسون غرفة العمليات أكثر من أى رئيس آخر على الإطلاق يائسًا، للحصول على أى معلومة من فيتنام قد تساعد فى إنقاذ أرواح الأمريكيين.

ويروى: فى الساعات الأولى من صباح ٢٠ مايو ١٩٦٥، وبينما كان معظم سكان واشنطن نائمين، كانت غرفة العمليات فى البيت الأبيض تعج بالنشاط، وجسد هذا المشهد جوهر إدارة الرئيس جونسون، حيث أصبحت غرفة العمليات المركز العصبى لإدارة حرب فيتنام.

واعتمد الرئيس اعتمادًا كبيرًا على الغرفة، فكان يتصل بها باستمرار للحصول على آخر المستجدات، مدفوعًا برغبة ملحة فى الحصول على معلومات مفصلة. سجلت المكالمات، المسجلة على أجهزة التسجيل، استفساراته حول جوانب مختلفة من الصراع - أشياء مثل أعداد الضحايا وحالة الطائرات العائدة من المهام. 

على سبيل المثال، فى ٣٠ مارس ١٩٦٥، الساعة ٨:١٠ صباحًا، استفسر جونسون عن الخسائر فى سايجون، مظهرًا حاجته إلى الانغماس فى كل تفاصيل الحرب.

ريتشارد نيكسون

من ناحية أخرى، كره الرئيس ريتشارد نيكسون غرفة العمليات، ونادرًا ما كان يدخلها وكان أقل الرؤساء استخدامًا لها. وفى ظل تعامله مع العديد من الفضائح المحلية، بما فى ذلك ووترجيت، قضى نيكسون معظم أيامه وحيدًا.

جيرالد فورد

واجه الرئيس جيرالد فورد أزمة كبيرة فى غرفة العمليات فى عام ١٩٧٥، عندما استولى نظام الخمير الحمر فى كمبوديا على سفينة شحن تحمل العلم الأمريكى، وهى إس إس ماياجويز. 

ورد فورد بإرسال مفرزة من مشاة البحرية لمهاجمة جزيرة كانت السفينة وطاقمها محتجزين فيها. وفى النهاية، أطلق الخمير الحمر سراح السفينة وطاقمها، لكن ٣٨ من مشاة البحرية قتلوا فى الصراع. ويعتبرون الضحايا النهائيين لحرب فيتنام.

ويشير المؤلف إلى أنه نادرًا ما كان فورد يزور غرفة العمليات فى مهام رسمية، لكنه كان يتجول بانتظام فى المجمع مع السيدة الأولى بيتى «بملابس السباحة»، «فى طريقهما إلى المسبح الخارجى الجديد فى البيت الأبيض».

جيمى كارتر

يتناول ستيفانوبولوس رئاسة جيمى كارتر المضطربة وأزمة الرهائن فى إيران، فبعد أكثر من خمسة أشهر بقليل من اختطاف ٥٣ أمريكيًا من السفارة الأمريكية فى طهران واحتجازهم من قبل أنصار آية الله الخمينى، قرر كارتر القيام بمهمة إنقاذ محفوفة بالمخاطر عرفت باسم «الصحراء الأولى». 

فشلت المهمة وقتل ثمانية عسكريين عندما سقطت مروحيتهم، مما أنهى فعليًا رئاسة كارتر.

ويحكى المؤلف أنه خلال إحدى المناقشات مع الكابتن فى البحرية الأمريكية جيك ستيوارت، سأل كارتر عن إمكانية استخدام الوسطاء الروحانيين لتحديد مكان الرهائن.

حيث شارك هو والسيدة الأولى روزالين كارتر فى هذا الأمر فى اجتماعٍ بغرفة العمليات. وانبهرا بفكرة الوسطاء الروحيين. 

بيل كلينتون

تضمنت أزمة غرفة العمليات الرئيسية لإدارة كلينتون، الحرب فى البوسنة والإجابة على سؤال مدى تورط الولايات المتحدة فى الحرب الأهلية فى البلقان. بعد عامين من الحرب، قرر كلينتون المشاركة فى حملة قصف شرسة لحلف شمال الأطلسى أنهت الحرب على الفور تقريبًا.

رونالد ريجان

فى الساعة ٢:٢٧ مساء من يوم ٣٠ مارس ١٩٨١، كان الرئيس رونالد ريجان يغادر فندق واشنطن هيلتون عندما شهد اليوم منعطفًا دراماتيكيًا. أطلق جون دبليو هينكلى الابن ست طلقات نارية، ارتدت إحداها وأصابت ريجان فى صدره. 

ريجان فى اجتماع بغرفة العمليات
  • دفع جيرى بار عميل الخدمة السرية ريجان فورًا إلى داخل سيارة الليموزين، صارخا: «اخرج من هنا! انطلق! انطلق! انطلق!». فى البداية، بدا ريجان سالمًا، لكنه سرعان ما انهار بعد دخوله مستشفى جامعة جورج واشنطن، مما أثار حالة من الارتباك والذعر على نطاق واسع.

ويعلق الكاتب: أصبح البيت الأبيض، وخاصة غرفة العمليات، مركز إدارة الأزمة. واتخذ مستشار الأمن القومى ريتشارد ألين قرارًا غير مسبوق بتسجيل وقائع غرفة العمليات، مقدمًا نظرة فريدة على ردود فعل وقرارات كبار مساعدى ريجان خلال هذه اللحظة الحرجة.

وبما أن نائب الرئيس بوش كان فى رحلة عائدة إلى واشنطن، فقد أثيرت تساؤلات حول من كان يرأس السلطة التنفيذية. 

وعلى الرغم من أن دستور الولايات المتحدة ينص بوضوح على ترتيب الخلافة الرئاسى بصفته رئيسًا لمجلس النواب، فقد صرح وزير الخارجية ألكسندر هيج سرًا وعلنًا بأنه كان مسئولا حتى وصول بوش.

يعتبر الرئيس جورج بوش الأب هو المفضل لدى المؤلف، فالرئيس الحادى والأربعون كان ملمًا بالشئون الصينية، ويشار إليه بـ«مسئول مكتب الحكومة المختص بالصين». ومنذ توليه منصب رئيس مكتب الاتصال الأمريكى فى الصين، اكتسب بوش معرفة وثيقة ببكين. 

جورج بوش الأب

خلال أحداث ميدان تيانانمن فى الصين عام ١٩٨٩، أراد أن يعرف فى أى المسارات كانت تتقدم دبابات جيش التحرير الشعبى.

ويكتب المؤلف: «من الصعب أن تجد شخصًا فى غرفة العمليات لديه ذكريات سيئة عن العمل فى إدارة بوش الأولى». مضيفا: كان الرئيس وزوجته يتصلان بالغرفة بعد ظهر يوم الأحد لمعرفة ما إذا كان أى من الموظفين يرغب فى مشاهدة فيلم معهم وتناول الفشار.

ويستكمل الكاتب روايات أخرى حول رد فعل السيد بوش المسترخى عندما وضع طفل أحد الموظفين يده فى كأس بيرة الرئيس. «اهدأ! أنا جد»، قال للوالدين المذعورين.

أو عندما كان الرئيس يتصل ويطلب من أحد ضباط الخدمة أن يرسلوا له بعض البرقيات المضحكة، لأنه كان يعلم أنه «عين سفراء مضحكين للغاية». ويشير المؤلف إلى أن رئاسة جورج بوش الأب كانت فريدة من نوعها، ليس فقط بسبب التقدم التكنولوجى، ولكن أيضًا بسبب الثورات الديمقراطية العديدة التى حدثت فى جميع أنحاء الكتلة الشيوعية. 

بعد فترة وجيزة من سقوط جدار برلين، واجهت إدارة بوش أول أزمة حقيقية لها عندما غزا صدام حسين الكويت. حيث رد الرئيس بوش بقوة بتعبئة نصف مليون جندى إلى المنطقة، وفى خلال شهر واحد فقط، حرر التحالف الذى تقوده الولايات المتحدة الكويت. 

وعلى الرغم من النصر الحاسم، لم يكافأ بوش سياسيًا، حيث خسر الانتخابات الرئاسية عام ١٩٩٢ أمام بيل كلينتون.

دونالد ترامب

يوضح الكاتب أن الرئيس ترامب تجنب جلسات غرفة العمليات – لأنه لم يعجبه فكرة اضطراره للحضور. أراد من الجميع أن يذهبوا إليه.

ويكشف أيضًا إن ترامب طلب من مساعدى غرفة العمليات إعداد «كتب مطبوعة» - وهى طريقة لتلخيص أخبار القنوات التليفزيونية إلى الرسائل المعروضة أسفل الشاشات. 

ويعلق المؤلف أن الغرفة شهدت أربع سنوات من الفوضى خلال رئاسة دونالد ترامب، وذلك من حقيقة أن ترامب رفض اتباع المعايير الراسخة، وأيضًا مع اندفاعه وتجاهله الصارخ لإجراءات الأمن. 

حيث كانت أزمة غرفة العمليات الأساسية خلال إدارة ترامب هى ترامب نفسه، بينما قدمت جائحة كوفيد-١٩ مجموعة مختلفة من التحديات.

جو بايدن

تعاملت غرفة العمليات مع أزمات أكثر تقليدية خلال رئاسة جو بايدن. فى مواجهة اتفاق أبرمته الإدارة السابقة لسحب جميع القوات الأمريكية من أفغانستان، سعى بايدن إلى المتابعة، لكن الأمر تحول إلى كارثى عندما قتل انتحارى ٢٠٠ شخص، من بينهم ١٣ من أفراد الخدمة الأمريكية. 

واجهت إدارة بايدن أزمة أخرى بعد بضعة أشهر فقط، عندما أصبح من الواضح أن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين يخطط لغزو أوكرانيا.

باراك أوباما

أوباما

يقول الكاتب إنه ليس هناك واقعة تاريخية أكثر تشويقًا من اللحظة التى أدت إلى التقاط الصورة الأكثر انتشارًا لـ«غرفة الاجتماعات» - مقتل أسامة بن لادن. حيث يكشف ستيفانوبولوس أن الصورة - التى تظهر الرئيس باراك أوباما فى غرفة اجتماعات ضيقة يتلقى تحديثات حول الغارة على أسامة بن لادن- كان من الممكن أن تبدو مختلفة تمامًا. كانت هناك غرفة أكبر متاحة، لكن المسئولين كانوا قلقين من فقدان رابط الصوت والصورة، إذا حاولوا نقله من الغرفة الضيقة.

ومن المواقف الطريفة التى يرويها المؤلف أنه فى عام ٢٠١٢، حاول أوباما الاتصال بالأمير السعودى نايف بن عبد العزيز كان يتلقى العلاج فى عيادة كليفلاند، لكن المكالمات الواردة من غرفة العمليات رفضت مرارًا وتكرارًا باعتبارها مزحة.

قال درو روبرتس، الضابط السابق فى غرفة العمليات، لستيفانوبولوس: «قالوا: حسنا يا صديقي! ثم أغلقوا الخط». «اتصلنا خمس مرات أخرى بحيل مختلفة مثل: (لا، انتظر! أنا جاد!)، وأُغلق الخط خمس مرات أخرى».