معركة «مجمع الخالدين».. يوسف ز يدان: أغلقوه أو حولوه إلى «سكن» لزواج الشباب.. وعلماء اللغة العربية: «كلام غير علمى»
حالة كبيرة من الجدل أثارها الدكتور يوسف زيدان، المفكر والروائى الكبير، بتصريحاته القوية عن مجمع اللغة العربية فى القاهرة، وتراجع دوره بصورة كبيرة، لدرجة مطالبته بإلغائه وتحويله إلى «نُزل» يتزوج فيه الشباب.
وقال «زيدان»، خلال استضافته فى برنامج «الشاهد»، الذى يقدمه الإعلامى محمد الباز، رئيس مجلسى إدارة وتحرير جريدة «الدستور»، على قناة «إكسترا نيوز»: مجمع اللغة العربية مالوش لازمة، وأتمنى لو مُنح المبنى الذى يضم المجمع إلى الشباب ليتزوجوا فيه».
«حرف» تواصلت مع علماء مجمع اللغة العربية فى القاهرة، لمعرفة آرائهم وردودهم على ما قاله «زيدان» عن دور المجمع، إلى جانب بعض القضايا اللغوية الأخرى التى أثارها، ومن بينها اختلاف الدلالات فى اللغة العربية، باعتباره مشكلة كبيرة.
خالد فهمى: موجودون فى المدارس والوزارات.. ولقاء «شبه شهرى» مع الجماهير
رأى الأستاذ الدكتور خالد فهمى، أستاذ العلوم اللغوية بكلية الآداب جامعة المنوفية، الخبير فى مجمع اللغة العربية بالقاهرة، أن ما قاله الدكتور يوسف زيدان يحتاج إلى مراجعة من جانبين، الجانب الأول وجودى حضارى، ويتعلق بأنه لا توجد أمة «محترمة» تقدر تاريخها وحضارتها، من دون أن يكون لديها مؤسسة رسمية مهمتها الأساسية الحفاظ على لسانها الوطنى والعمل على تحديثه.
أما الجانب الثانى فيتمثل فى إنجاز مجمع اللغة العربية عددًا ضخمًا من المعاجم فى كل مجالات وحقول المعرفة، فى الطب والهندسة و«الأنثربولوجى» والتاريخ والآثار والفيزياء والصيدلة والرياضيات والفنون الجميلة والزراعة والتربية الرياضية وعلم النفس والإعلام والموسيقى، فضلًا عن المشروع الكبير لخدمة التعليم بـ«المعجم الوجيز»، ثم خدمة المثقف العام بـ«المعجم الوسيط»، ثم خدمة تاريخ اللغة العربية بـ«المعجم الكبير»، الذى يُشتغَل عليه إلى الآن.
وعن نزول أعضاء مجمع اللغة العربية إلى الشارع، قال أستاذ العلوم اللغوية: «كلام الدكتور يوسف زيدان غير صحيح، يبدو أنه لا يتابع، فالمعجم لديه خبراء منتدبون من العاملين فيه، تحت مسمى «الكادر الخاص»، إلى عدد ضخم جدًا من الوزارات والإدارات، حيث يراقبون الأعمال والإصدارات اللغوية الخاصة بهذه الجهات».
وأضاف: «كما أن المجمع لديه لجنة للفتوى اللغوية ورقيًا وإلكترونيًا، ويستقبل يوميًا فتاوى رسمية، غالبها من القضاء المصرى وآخرها من مجلس الدولة، والأمر الثالث أن المجمع لديه لجنة مهمة باسم «اللغة العربية فى التعليم العام»، يؤدى من خلالها مهمة المراجعة فى التعليم الإلزامى الابتدائى والإعدادى، وكذلك فى الثانوية العامة والفنية، ولديه كذلك مرصد لغوى ولجنة فتاوى إلكترونية، ويستقبل أسئلة الجمهور على صفحته الرسمية، ويرد عليها بشكل دورى أسبوعيًا».
كما أشار فى السياق ذاته إلى استمرار مجمع اللغة العربية فى تدشين موسمه الثقافى، على امتداد سنوات طويلة، وقبل أيام، مارس المجمع التحامه مع الجمهور، من خلال عقد جلسة علمية مفتوحة للجمهور، دعا إليها منذ شهر، ودار موضوعها حول «طه حسين قيمة متجددة»، مؤكدًا أن هذا اللقاء مع الجماهير «شبه شهرى».
وتابع: «المجمع يلتحم مع الجماهير فى المناسبات العامة، فاحتفل على سبيل المثال بثورة ١٩، ويحتفل بيوم اللغة العربية، ويكرم النابهين من كل المؤسسات المصرية، من التعليم والصحافة وغرفتى التشريع المصرى وغيرها».
وأتم بقوله: «لذلك كله، أنا أتعجب من كلام الدكتور يوسف زيدان، وأرى أنها تهم مكررة، رديت عليها بأمثلة فيما سبق، تؤكد أن المجمَع ينخرط مع الجماهير، ويتوجه لخدمتهم، ويلتقط عباراتهم، وييسر لهم التواصل اللغوى دون تصعيب، ويدعوهم للتثقيف العام مع كل دورة مجمعية».
مصطفى عبدالمولى: المجمع لا يصلح لزواج الشباب من الأساس!
قال الدكتور سامى سليمان، رئيس قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة، إنه شاهد اللقاء الذى تحدث فيه الدكتور يوسف زيدان عن مشكلة اللغة، مشددًا على أن «زيدان» هو مفكر وأديب وكاتب كبير، يدرس كثيرًا من المشكلات الثقافية التى تهمنا فى واقعنا الحالى، خاصة المشكلات المتعلقة بتراثنا العربى، وما يتعلق برغبتنا فى تجديد حياتنا.
وأشار إلى أن مجمع اللغة العربية أنشئ فى ١٩٣٢، وإن كانت فكرته والدعوة إليه سبقت هذا المنشأ بفترة ليست بالقليلة، وهو معنى بدراسة مختلف القضايا المتصلة باللغة العربية، سواء تعلقت بكتب التراث فى مختلف المجالات، أو تعلقت باللغة فى واقعها المعاصر، وسواء تعلقت هذه المجالات باللغة فى مؤسسات التعليم أو مؤسسات الثقافة المختلفة.
وأضاف: «نحن نعرف أن المجمع يضم لجانًا كثيرة، وهذه اللجان قوامها علماء لغة، ومجموعات من العلماء المختصين فى مجالات المعرفة الإنسانية، ونعرف أيضًا أن المجمع يملك فرقًا كبيرة من الباحثين، الذين يسهمون فى دراسة مختلف القضايا اللغوية، لا سيما تلك المتعلقة بالتطور أو التغير الذى يحدث للغة، فى أى من مستوياتها».
وواصل: «نعرف أن المجمع يدرس مختلف التغيرات التى خضعت وتخضع لها اللغة العربية، ونعرف أن جانبًا من هذه التغيرات يبدو واضحًا لكل من يقرأ ويكتب فى دلالات الألفاظ، والمجمع يصدر دراسات كثيرة ومعاجم متنوعة تضم الدلالات الجديدة للألفاظ، ولست فى حاجة للإشارة إلى الكم الكبير من المعاجم الذى أصدر فى مختلف العلوم الاجتماعية والإنسانية، ولست فى حاجة للإشارة إلى أن من يراجع الإصدارات من «المجمع الوسيط» الذى أصدره مجمع اللغة العربية، سيجد أن المعجم يضم قدرًا ملحوظًا من الدلالات الجديدة التى حملتها الكلمات العربية، وقدرًا ملحوظا من الكلمات التى أخذت عن لغات أخرى وتم تعريبها فصارت جزءًا من الرصيد اللغوى فى اللغة العربية المعاصرة».
وأكمل: «إن هذا كله ليس جديدًا، هذا وصف لواقع يعرفه المثقفون المعاصرون، لكن أين تكمن مشكلة إقرار الاستخدامات الجديدة، أو فرض هذه الاستخدامات فى السياقات المختلفة التى تستخدم فيها اللغة العربية؟ أظن أن هذا الجانب لا يتعلق بالمجمع، ولكن بالمؤسسات الأخرى».
وشرح: «بمعنى آخر، مجمع اللغة العربية مؤسسة معنية بدارسة اللغة العربية، سواء التى كانت تستخدم قديمًا أو التى تستخدم فى المجتمع المعاصر، وهى مؤسسة مهمتها دراسة اللغة العربية فى استخداماتها المعاصرة، ثم اصطفاء ما ترى المؤسسة أنه يتوافق مع قواعد اللغة العربية أو مع تقاليدها، لكن المجمع لا يملك السلطة التى تمكنه من فرض هذه الاستخدامات فى المؤسسات الثقافية المختلفة أو فى الحياة اليومية». وتابع: «أظن أن هذا هو الجانب الذى يجب أن يكون واضحًا فى أذهاننا، فرض الاستخدامات الجديدة، أو تأكيد قبول الكلمات التى تم تعريبها، والصيغ الجديدة التى تستخدم فى التواصل بين الناس فى مجالات عديدة فى الحياة اليومية، وهو ليس أمرًا منوطًا بالمجمع، بل منوط بالمؤسسات القادرة على إلزام مختلف مستخدمى اللغة، على الأقل فى المكاتبات الرسمية، بقبول هذه الاستخدامات الجديدة».
سامى سليمان: نصدر دراسات كثيرة ومعاجم متنوعة تضم الدلالات الجديدة للألفاظ
اعتبر الدكتور مصطفى عبدالمولى، الأستاذ المساعد فى مجمَع اللغة العربية، أن ما قاله الدكتور يوسف زيدان عن وجود مشكلة فى اللغة بسبب اختلاف الدلالات هو أمر «ليس واقعيًا»، وأن الإشكالية التى طرحها «غير موجودة».
وقال «عبدالمولى»: «الدكتور يوسف زيدان قال إن هناك مشكلة فى اللغة، وإن هذه المشكلة تنبع من اختلاف الدلالات، منطلقًا فى ذلك من تعريف ابن جنى للغة على أنها ألفاظ يعبّر بها كل قوم عن أغراضهم، وبعد ذلك تحدث عن أن الواقع الحالى يناقض هذا التعريف، لأن الناس لم يعودوا متواصلين فيما بينهم، وذلك بسبب اختلاف الدلالات».
وأضاف: «لا أدرى متى حدث هذا، وأكبر دليل على أن كلام الدكتور يوسف زيدان ليس واقعيًا هو أنه كان يجلس مع الدكتور محمد الباز، وتحدثا فى حوار طويل وعريض يتفاهمان، من دون أن يحدث أى خلط فى الدلالات».
وانتقل «عبدالمولى» للرد على ما قاله الدكتور يوسف زيدان حول مجمع اللغة العربية، قائلًا: «لماذا أقحم مجمع اللغة العربية فى الأمر، وتحدث بصورة يكون الرد عليها نوعًا من تضييع الوقت؟ لأنه لم يتحدث بصورة علمية، مرحبًا بالنقد، أنا مجمعى ولى ربع قرن فى المجمع، والمجمع بالنسبة لى قيمة كبيرة، وأعددت دراسات عليا فى المجمع، ولكنى أتقبل النقد العلمى، ولو أحدهم ذهب إلى جامعة القاهرة، وتصفح رسالة الدكتوراه الخاصة بى، سيجد نقدًا لأفكار وقرارات اتخذها المجمع، لكنه نقد فى إطار العلم».
وأضاف: «لم أقل (نغلق المجمع ونقلبه إلى نُزل يتزوج فيه الشباب)، من أين تصور الدكتور يوسف زيدان أن المجمع يصلح لزواج الشباب من الأساس؟، هو مبنى صغير ولا يصلح لهذا الغرض»، مجددًا ترحيبه بـ«النقد العلمى المبنى على أساس»، وبأن يقول: «المجمع أخطأ فى كذا» أو «المجمع ينقصه كذا»، لكن سياق حديثه بهذا الشكل، يؤكد أنه لم يطلع على شىء مما يقوم به المجمع.
وواصل: «يا دكتور يوسف زيدان أتمنى منك أن تنشر بحثًا علميًا ينتقد أفكار المجمع بصورة علمية تليق بباحث وأكاديمى ومفكر وبمثقف، ونحن سنتلقف هذا البحث بالاطلاع والتعلم، إن كان فيه ما نتعلمه منه، أو الرد إن كان هناك رد، لا أن تقول نجعل المجمع نزلًا للشباب».