الخميس 21 نوفمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

الروائى والقاص المغربى عيسى ناصرى: نجيب محفوظ فتح عينى على سحر الواقعية

عيسى ناصرى
عيسى ناصرى

«الفسيفسائى» تتكون من 3 مخطوطات تفرز كل منها رواية تتكامل مع الأخرى

 الكتابة عندى محاولة لاستكشاف العالم.. والجوائز وسيلة وليست غاية

جُل الروايات التى ترشحها دور النشر لـ«البوكر» فيها شىء من التاريخ

أفق جديد فى عالم الرواية يصنعه الكاتب المغربى الشاب عيسى ناصرى، عبر روايته «الفسيفسائى» الصادرة عن دار «مسكيليانى» للنشر، والتى حقق من خلالها طفرتين، الأولى على مستوى البناء الروائى والسردى، والثانية على مستوى الحكاية نفسها، وهى الحالة التى أهلتها لتكون ضمن القائمة القصيرة لجائزة الرواية العربية «البوكر»، التى أُعلنت منتصف فبراير الماضى، بين 6 روايات أخرى.

ورأت أمانة جائزة «البوكر» أن رواية عيسى ناصرى تستلهم من «فن الفسيفساء» موضوعًا وبناءً، من خلال أحداث تقع فى مدينة «وليلى» المغربية، بما تضمه من مواقع رومانية أثرية، تقع ضمن 3 «مخطوطات».

وعيسى ناصرى روائى وقاصّ مغربى من مواليد «مريرت» فى المغرب، عام 1985، ويعمل أستاذ لغة عربية بالسلك الثانوى التأهيلى، وحصل على الماجستير فى «التنمية اللغوية وقضايا المصطلح الأدبى»، من جامعة سيدى محمد بن عبدالله فى مدينة فاس، وصدر له: «مسخ ذوات الناب»، مجموعة قصصية، فى 2016، و«عمى الأطياف»، مجموعة قصصية، 2017، ثم رواية «الفسيفسائى»، فى 2023.

عن روايته «الفسيفسائى»، ومشاريعه المقبلة، وقضية الجوائز، والحراك الذى ظهر إثر انتشارها، وعن عمله فى التدريس وأثره على تجربته الإبداعية، وغيرها، كان لــ«حرف» هذا الحوار مع الكاتب المغربى عيسى ناصرى.

■ تفتتح «الفسيفسائى» بجريمة قتل لكن بعد ذلك تتشعب لـ٣ حكايات بنظام «الحكاية التوليدية»، على غرار «ألف ليلة وليلة».. لماذا تبنيت هذا البناء الروائى؟

- العنصر البوليسى فى الرواية يحضر فى مقطعى «المستهل» و«النهاية»، كإطار للوحة الروائية المؤلفة من ٣ مخطوطات، الأولى عبارة عن رواية تاريخية بعنوان «الفتى المورى»، وكتبها «جواد الأطلسى»، والثانية بعنوان «ليالى وليلى»، وهى مليئة بلمحات فنتازية، أما الثالثة فهى عبارة عن مذكرات كتبتها الطبيبة النفسية نوال الهناوى، عن شخصية «تهامى» الذى كتب «ملحَق الفسيفسائى». 

وتتمثل التشابكات بين هذه المخطوطات فى أن كل رواية تتمخض عن رواية أخرى. إذ نجد كتّاب هذه الروايات يحكون عن بعضهم، بحيث إن كلّ كاتبٍ يخرج بروايته، من صُلب كاتب آخر. فـ«تهامى الإسماعيلى»، يكتب فى «ملحق الفسيفسائى»، عن «أريادنا نويل»، والأخيرة تكتب عن «جواد الأطلسى» فى «ليالى وليلى»، و«جواد الأطلسى» يكتب «الفتى المورى». الأمر فى النهاية أشبه بدمية «الماتريوشكا» الروسية، التى تختزن فى بطنها دُمى أخرى، متفاوتة الحجم ومختلفة الملامح والنقوش.

■ «الفسيفسائى» روايتك الأولى بعد مجموعتين قصصيتين.. إلى أيهما تميل أكثر القصة أم الرواية؟ وأيهما يتيح لك المساحة لطرح أفكارك ورؤاك عن العالم؟

- الكتابة عندى مغامرة، بحث مستمر ومحاولة لاستكشاف العالم، وأنا الآن بصدد اكتشافه مع القارئ بالرواية، وهذا لا يعنى أننى هجرت القصة، فقد أعود إليها بعد هذه الرواية، بحيث لا أفضلية لدىّ لجنس سردى على آخر، ذلك أننى دائمًا ما أنطلق من تصور أن العالم غامض ومتعدد وملتبس، لذا أصور امتداد هذا العالم واتساعه بالرواية، وألتقط اختزاله وكثافته بالقصة القصيرة.

■ وصلت «الفسيفسائى» لقائمة البوكر القصيرة. إلى أى مدى تؤثر الجوائز على الكاتب وإبداعه؟

- فى إجاباتى عن سؤال الجوائز، دائمًا ما أقول إن الجائزة أداة لا غاية، فالكاتب عليه أن يتخذ الجائزة وسيلة للتحفيز وتحقيق الانتشار لعمله، هذا هو التأثير الذى من المفترض أن يكون للجائزة. أما إن كانت غاية فى ذاتها، فحالما يتحصل عليها الكاتب، قد يحدث له انطفاء وفتور وتراجع فى الإبداع.

■ ذكرت أن «الفسيفسائى» جاءت متشظية كحال الواقع المعيشى، إلى أى مدى رصدت هذا التشظى وملامحه؟

- «الفسيفسائى» يمكن تصنيفها ضمن اتجاه الرواية الجديدة الباحثة عن شكل جديد يستوعب غموض العالم وفوضاه، وتنافر ظواهره وتناقضها، لذا توسلت بجماليات التفكيك والتشظى فى السرد، إذ عمدت إلى تجزىء الرواية إلى ٣ مخطوطات، إضافة إلى مُلحَق، وكل مخطوطة قطّعتها إلى فصول، وكل فصل يضم وحدات نصية صغيرة.

هذا التشظى فى المبنى يقابله تشظى فى المعنى، وفى العلاقات الاجتماعية والإنسانية بين شخصيات الرواية، فجلّ العلاقات والمصائر تنتهى غالبًا إلى الشتات والتيه والضياع: «إخصاء أيدمون- طلاق تهامى الإسماعيلى- ذبول زهرة، مقتل أريادنا..».

واعتماد جماليات التشظى يجعل القارئ فى موضع التساؤل عن مغزى تفكيك الوحدات النصية وتنافرها وتجاورها، وعن علاقة ذلك بظواهر العالم التى تتصف بالغموض والفوضى، وبواقع الشخصيات التى تُغالِب الحيرة والشتات والتيه.

■ قلت أيضًا إن موقعًا أثريًا فى المغرب ألهمك فكرة الرواية، ما بين الفكرة وخروج الرواية إلى النور، كيف سارت هذه الرحلة؟

- فضاء الرواية الرئيس «وليلى» كان مكانًا تاريخيًا ملهمًا اتكأتْ عليه رواية «الفسيفسائى» فى تشكيل متخيَّلها السردى، فما يختزنه موقع «وليلى» الأثرى من فسيفساءات قديمة أعطانى شرارة الإبداع الأولى، فتولدت لدى فكرة العودة إلى الماضى البعيد، إلى القرن الثانى الميلادى، زمن الوجود الرومانى فى موريتانيا الطنجية «المغرب الآن» جعلت «الفسيفساء» المفقودة جسرًا إلى هذه الحقبة، هذه «الفسيفساء» المنهوبة من الموقع، والتى صنعها الفتى المورى «أيدمون»، كانت ناطقة بأحلام «الموريين»، وتوْقِهم للحرية والانعتاق من القمع والاضطهاد.

■ فى «الفسيفسائى» لمحة تاريخية يمثلها الفتى المورى «أيدمون»، فهل يمكن تصنيفها على أنها رواية تاريخية؟

- التاريخ لا يشغل سوى حيز المخطوطة الأولى «الفتى المورى»، وهى المخطوطة التى يمكن أن نصطلح عليها اسم الرواية التاريخية. أما بقية المخطوطات فهى مزيجٌ به ملامحُ من الرواية النفسية والواقعية والفنتازية والبوليسية.

■ هل ظاهرة انتشار الروايات التاريخية تعود إلى الجوائز الثقافية؟

- ارتباط الرواية التاريخية بالجوائز، خاصة «البوكر»، أعتقد أن هذا راجع إلى تحمّس الكتّاب العرب لهذا النوع الروائى، الذى يصطاد التفاصيل المنسية، ويمنح مساحة لاشتباك التخييل الروائى بالتاريخ. ومن جانب التلقى فالروايات التاريخية لها جمهورها العريض الذى ينتظرها بشغف. ومن ثم يمكننى أن أقول إن جل الروايات التى ترشحها دور النشر لـ«البوكر» فيها شىء من التاريخ، لذا من الطبيعى أن نرى فى قوائمها الأخيرة روايات تاريخيّة.

■ تعمل فى تدريس اللغة العربية، هل تحض طلابك على القراءة؟ وما مدى استجابتهم لذلك؟

- القراءة جزء من يومى، طقس روتينى اعتدته منذ الصّغر، ومن الطبيعى أن أسرّبه إلى تلامذتى. وكان من بين أولوياتنا، نحن أساتذة «العربية»، رفع مستوى القراءة وتكريس عادة المطالعة، والنتيجة أن لمسنا فى السنوات الأخيرة إقبالًا كبيرًا على القراءة. وثمة تلاميذ من مؤسستنا شارك فى «تحدى القراءة العربى»، بل منهم من بلغ مراحل متقدمة فى الإقصائيات الوطنية.

■ مَن مِن الكتاب المصريين المعاصرين والراحلين قرأت لهم؟ وهل تأثرت بأحدهم؟

- بدأت منذ الصغر بـ«المنفلوطى»، الذى تشربتُ لغته الجميلة، ثم نجيب محفوظ، وتعرفت عليه فى الثانوية عبر رائعته «بداية ونهاية»، وفتح عينى على سحر الأدب الواقعى، بعده عرفتُ توفيق الحكيم عبر «عودة الروح»، ثم طه حسين من خلال روايته السيرية «الأيام»، لأقرأ فيما بعد لكل من يوسف إدريس وأحمد خالد توفيق ونوال السعداوى، وغيرهم. وكل واحد من هؤلاء ترك بصمته فى ذائقتى وخيالى ولغتى.

■ من أقرب شخصياتك الأدبية إلى قلبك؟

- كل شخصياتى تسكننى، هم عائلتى الكبيرة المتناثرة فى قصصى وروايتى، لكن الأقرب منها إلى وجدانى شخصية «جواد الأطلسى»، الذى خلعت عليه الكثير منى فى رواية «الفسيفسائى»، ولم أتردد أن ألبستُه اسمى مقلوبًا فى آخر الرواية، منحته اسم «ناصر العيسى».

■ ما الطقوس التى تحرص عليها فى الكتابة؟ هل لك عادات ثابتة لا تتغير؟

- ليست لدى طقوس ثابتة، يختلف الأمر حسب سياق الكتابة وظرفها وإملاءاتِها. لكن على العموم أحتاج إلى عزلة وصفاء ذهنى، مع قهوة وموسيقى هادئة.

■ ما مشاريعك الإبداعية المقبلة؟

- أودّ أن أعود إلى مخطوطة رواية للاشتغال عليها، مع كتابة قصص من حين لآخر.

■ أخيرًا.. ما الذى تحلم بتحقيقه على المستوى الإنسانى والإبداعى؟

- أحلم بمجتمع يقرأ، مجتمعٍ تكثر فيه المكتبات وصالونات القراءة فى كل مدرسة أو مؤسسة أو بيت، مجتمعٍ يرتقى بالكِتاب ويكرَّم فيه الكاتب.

■كيف ترى مستقبل الكتاب الورقى فى ظل المنافسة التى يلاقيها؟

- الكتاب الورقى لا يتزحزح عن عرشه مهما تعددت الوسائط الإلكترونية، التى أراها تخدم الكتاب أكثر مما تضرّ به، فهى تروّج الكتاب الورقى أكثر مما تزاحمه، وتسهم فى التعريف به ونشره على نطاق واسع، وتشجّع على تداوله. وحتى مواقع القراءة وتطبيقاتها، ومنصات التواصل الاجتماعى، تُسهم فى تكريس عادة القراءة، وإعطاء الأولوية للكتاب الورقى.