الخميس 21 نوفمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

مزامير شيخ الجبل

الروائى التونسى الهادى التيمومى: «الحشاشين» تحفة درامية حقيقية

الهادى التيمومى
الهادى التيمومى

رغم صدور رواية «قيامة الحشاشين» للروائى التونسى الهادى التيمومى، فى عام 2020، ظلت أصداء انتشارها ونجاحها تتردد، خاصة بعدما فازت بجائزة أفضل رواية عربية فى معرض «الشارقة» الدولى للكتاب لعام 2021، قبل أن تفوز فى نفس العام بجائزة «الكومار الذهبى » لأفضل رواية تونسية.

«قيامة الحشاشين» تستدعى تاريخ وزمن فرقة «الحشاشين» الدموية، من خلال حكاية أستاذ التاريخ، الذى يلتقى أحد شيوخ «الباطنية»، ويعثر على كنز أثرى وجده فى قبر قديم، فيتبين أن السر المدفون هو «مزامير شيخ الجبل»، التى تعتبر تعاليم حسن الصباح.

وعادت تلك الرواية من جديد إلى الواجهة، بعد النجاح الكبير الذى حققه مسلسل «الحشاشين» فى موسم رمضان المنقضى، من إنتاج الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، وهو ما دفع «حرف» إلى إجراء حوار مع «التيمومى» عن الرواية والمسلسل، وتجربته الأدبية بصفة عامة.

تتويج رواية قيامة الحشاشين للتونسي الهادي التيمومي بجائزة أفضل رواية عربية  لسنة 2021
الروائى التونسى الهادى التيمومى

■ فى روايتك «قيامة الحشاشين» استدعيت التاريخ لتحاور الحاضر.. إلى أى مدى تستجلى الرواية التاريخية حقائق الماضى؟ وهل الأدب مطالب بتأريخ ما مضى؟ 

- الرواية التاريخية بمثابة إعادة استكشاف للتاريخ، استكشاف مختلف يتضمّن التّفكيك وإعادة التّركيب، وبذلك لا يسير الرّوائى فى خطّ موازٍ لِسيْر المؤرّخ. هدف الرّواية ليس توثيق الأحداث ورصفها، ولا حتى تمحيصها وإثبات مدى مصداقيتها، ولكن تطويعها دون تعسف لإنتاج معنى وإبلاغ رسالة، وقراءة الحاضر وهمومه فى ضوء الماضى. وبذلك ترتبط الرواية التاريخية بـ«الفنتازيا»، إذ يتداخل التخييل مع التأريخ فى نسيج منتظم، وتأتلف سرديّة جديدة لها ظلال القديم ومرايا الحاضر.

وبكل حال فإنّ مَن يقرأ «قيامة الحشّاشين»، باعتبارها بحثًا أو دراسة تاريخيّة، يكون قد أخطأ هدفَه، وكذلك مَن يقرأها باعتبارها بحثًا عقائديًّا عن الفكر الإسماعيلى أو الباطنى، فهى رواية معاصِرة تستند إلى فضاءات وشخصيّات وأحداث تاريخيّة، لتطويعها فى مُنجَز حكائى.

«قيامة الحشّاشين» تأخذ قارئَها إلى زمن حسن الصبّاح، وتنزل به فى فضاءات «الحشّاشين»، حتّى يكاد يلمس الأشخاص ويشمّ الرّوائح والطّعوم، لكنّها تفتح فى ذات الوقت كُوّة فى ذهنه لِيرى حاضرَه ويفهمَه، دون إغفال التّقنيات السّرديّة التى تكفل شدّ القارئ وتشويقه.

غلاف رواية قيامة الحشاشين

■ متى وكيف جاءتك فكرة الرواية؟

- لم تزل بلداننا منذ بداية عصر الانحطاط رهينةَ آفات مُتراكِبة، تزداد تفاقُمًا وتحكم علينا بِمزيد من التخلّف والتّدمير الذّاتى، لعلّ أهمّها التّحجّر الفكرى والاستبداد والإرهاب، وقد اعتاد كثير من المحلِّلين وأصحاب الرّأى، عندنا أن يَنسبوا هذه الآفات إلى «الآخر» وفق «نظريّة المؤامرة»، قائلين إنّ الغرب الصّليبى والإمبرياليّة العالميّة والقوى الاستعماريّة، هى التى أنتجت تلك العاهات وبثّتها بيننا، أمّا تاريخنا وتراثنا وفقهنا فهى أنصع من البياض، ولا تشوبها شائبة، وما علينا إلّا التمسّك بها.

«قيامة الحشّاشين» تطرح فكرة مختلِفة، إذ إنّ للتّحجّر والانغلاق والتسلّط والإرهاب مساحة واسعة فى تاريخنا وميراثنا، فكثير مِن فِرقنا، و«الإسماعيليّة» مثال صارخ، تحتكر الحقيقة وتعتبرها إرثًا باطنيًّا يخصّها وحدها، وتعتبر كلّ مختلف عنها ضالًّا وكافرًا، ولا حرمة لِدمه ولا لِماله، يجوز استعباده وقتله، وتاريخنا حافِلٌ بِرفض المختلِف ونبذه، وبالتّناحر، وبالقتل المستنِد إلى الفتاوى ذات الخلفيّة المذهبيّة والفئويّة.

كانت الفكرة التى راودتنى أنّ تراثنا ليس بالصّورة الجميلة التى نتوهّمها أو نخدع بها أنفسنا، وليست «الباطنيّة» غير مثال من عاهاتنا الكثيرة، وأنّه لابدّ لنا من عمل فكرى جبّار حتّى نتجاوز أخطاء الماضى، ونقف حقًّا على أرضيّة الحداثة التى تؤهّلنا لبناء أوطان مختلفة.

اعرف موعد عرض وإعادة مسلسل «الحشاشين».. أحداث الحلقتين 5 و6
مسلسل الحشاشين

■ ما رأيك فى المسلسل المصرى «الحشاشين»؟ هل نجح صُنّاعه فى كشف أسطورة حسن الصباح وفرقته المتطرفة؟

- تابعتُ المسلسل بإعجاب، بلغ فى مواضع كثيرة حد الانبهار، وجودتُه لا تحتاج لشهادتى المتواضعة. كنتُ أتابع مسبَقًا أصداءَ تصويره، وتنتابنى مخاوف مِن سقوطه فى محاذير أفسدت من قبل أعمالًا دراميّة تاريخيّة، لكنّ المسلسل خرج إلينا نقِيًّا من الشّوائب التى خطرت بِذهنى، وكان عملًا احترافيًا وإبداعيًا بامتياز.

نجح المسلسل فى تصوير البيئة الفكرية والسياسية والمذهبية التى دارت فيها الأحداث المقصودة، وأبهرنا بمشاهد تحاكى الحقيقة، مثل حصار قلعة «ألموت» وضربها بالمنجنيق، ومشاهد أخرى ذات أبعاد رمزية وتخييلية عالية، مثل نقل فدائيى الصباح إلى الجنة الوهمية.

جمع المسلسل بين سيناريو جيد، وممثلين ذوى مواهب عالية، ووضعت على ذمة القائمين عليه إمكانات مالية ولوجستية، مكنتهم من صناعة ديكورات مناسبة، والانتقال إلى بيئات مناسبة فى بلدان عديدة، إضافة إلى تحضير «الإكسسوارات» التى تساعد فى خلق المناخات البصرية المطلوبة، مثل الملابس والأسلحة والأوانى وغيرها، فتكاملت كل تلك العناصر لتضع بين أيدينا تحفة درامية حقيقية.

الروائى التونسى الهادى التيمومى يوقع رواية قيامة الحشاشين

■ فازت روايتك «قيامة الحشاشين» بجائزة «الكومار الذهبى» لعام ٢٠٢١، وفازت فى نفس العام بجائزة أفضل رواية من معرض «الشارقة للكتاب». ما الذى تعنيه لك الجوائز الأدبية؟ وهل تحقق هذه الجوائز رواجًا للعمل وللكاتب؟

- التثمين الحقيقى لجهد الكاتب هو إعجاب القارئ بالرواية وانتشارها وتداولها فى نطاق واسع، وذلك لا يتحقق إلا لرواية جمعت مقومات النجاح، لأن كثرة المنتوج تجعل التميز غاية صعبة الإدراك.

الجوائز هى أيضًا تثمين للكتاب، واعتراف بجهد المبدع، وليس أحب للمجتهد من أن يقال له: «لقد أحسنت، ونحن نقدر جهدك ونرفعك إلى المكانة التى تستحق».

الجائزة، خاصة إن كانت ذات بُعد عالمى ومصداقية حقيقيّة، تمثل إضافةً نوعية للكتاب، لأنها عمل دعائى عابر للحدود، يضمن له المقروئية والانتشار، إذ إن أعدادًا متزايدة من المثقفين فى أصقاع متباعدة سيسعون للحصول على الكتاب، ثقةً فى قيمته العالية استنادًا إلى رأى لجان الفرز.

كثيرون من قصار النظر يتصورون أن قيمة الجائزة مادية بالأساس، فى حين أن ذلك أقل المكاسب، فانتشار الكتاب بعد ذلك، وترجمته إلى لغات أخرى، هو ما يضمن له الديمومة المرجوة.

غلاف رواية قبعات مبتكرة

■ لمن قرأت من الكتّاب المصريين المعاصرين والراحلين؟ وأيهم المفضل عندك؟

- أغرمت منذ شبابى الأول، ككل أبناء جيلى، بروايات نجيب محفوظ، والتهمت كل ما وقع بين يدى من درره الثمينة، ثم مع النمو المعرفى لشاب متعلم، أُعجبت بالأدب الذهنى لتوفيق الحكيم، وقرأتُ كثيرًا ممّا كتب، وإن عدتُم الآن إلى روايتى «قيامة الحشّاشين»، فستجدون فى صفحتها الأولى بصمة الأديب الخالد توفيق الحكيم، ففى روايته «أهل الكهف» اقترح أسماء «يمليخا» و«مشلينا» و«مرنوش» لِتسميتهم، وهى نفس الأسماء التى استعرتها حين شبهتُ شيوخ مزار الحطيب بأهل الكهف.

شدنى أيضًا الفكر النقدى للأستاذ طه حسين، الذى اكتشفتُ من خلاله الفكر الاستشراقى قبل أن أعرف المستشرقين، واستقطب كتابه الجدلى «فى الأدب الجاهلى» كثيرًا من نقاشاتنا واختلافاتنا، إذ صُدِمنا فى تلك السنّ بِتشكيكه العميق فى ما كنا نراه حقائق مطلقة عن الشّعر الجاهلى، كما لا تزال بعض كتبه الأخرى حاضِرة فى تفكيرى، مثل «الفتنة الكبرى» أو «مع أبى العلاء فى سجنه». كما لا يفوتنى ذكر جمال الغيطانى وعلاء الأسوانى، وصاحب «أرض زيكولا»، الكاتب الراقى عمرو عبدالحميد.

الهادى التيمومى