الفضائحى.. هل كتب أحمد فؤاد نجم مذكراته الغرامية؟
-عادل حمودة عثر فى ملفاته الخاصة على قصيدة كتبها الشاعر أحمد فؤاد نجم بخط يده عنوانها «رسالة مفتوحة»
-عائلته الكريمة تضم أخًا كان لصًا للخزائن وآخر كان ابن ليل كل علاقته بالوطنية أنه كان قد مارس شقاوته أحيانًا ضد معسكرات جيش الاحتلال الإنجليزى فى منطقة قناة السويس فيسرق مع عصابته بعضًا من مهماتها
- قبض عليه بتهمة الاشتراك مع زميل له فى تزوير استمارات حكومية بأسماء وهمية
- لم يكن شعر أحمد فؤاد نجم الأول إذن إلا وسيلة لنفاق المسئولين عن السجن
- عندما سألوه عن سبب زواجه من صافيناز وهو الأمر الذى لم يكن يتوقعه أحد قال لهم باستخفاف: «أعمل إيه ما هى رامية نفسها على وبتطاردنى فى كل حتة، فقلت أتجوزها وخلاص»
هل لدينا سيرة ذاتية حقيقية للشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم؟
السؤال يبدو غريبًا، فنجم المولود فى 22 مايو 1929 أصدر على حياة عينه مذكراته التى اختار لها اسمًا يتناسب مع حياته وسلوكه فى الحياة وهو «الفاجومى».
والفاجومى لمن لا يعرف كلمة تعنى الشخص الذى يتحدث بسرعة وبلا حساب فيخرج من فمه رذاذًا يصطدم بوجه من يحدثه، والدلالة واضحة، فهو يتحدث دون أن يخشى شيئًا، ويمكننا أن نذهب بها إلى أنه الشخص الجرىء والشجاع الذى يقول رأيه بصراحة دون أن يخشى شيئًا أو يحسب أى حساب لشىء.
صدرت النسخة الأولى من مذكرات نجم فى العام 1993 عن دار « سفنكس» للنشر، التى كان يملكها الناشر وصانع الصحف الشهير عصام إسماعيل فهمى، وكتب لها المقدمة الكاتب الصحفى الكبير صلاح عيسى.
كان العنوان الكامل للكتاب هو « مذكرات الشاعر أحمد فؤاد نجم... الفاجومى»، وعلى الغلاف ومن باب الترويج تم الإعلان عن احتواء الكتاب على أجرأ 20 قصيدة سياسية ممنوعة، ويمكننا أن نعتبر ذلك من باب الغش التجارى، ففى الوقت الذى صدر فيه هذا الكتاب لم تكن هناك أى قصيدة ممنوعة لنجم، وكان الأدق أن ينوهوا بأنها أجرأ 20 قصيدة سياسية كانت ممنوعة.
ختم نجم مذكراته بعبارة قال فيها: الليلة دى أنا مش فاكر تاريخها، كل اللى فاكره إنها كانت ليلة صيفية من سنة 1962، وكانت ليلة ولا كل الليالى، ليلة ما تنحسبش من العمر، رغم أنها كانت أهم وأخطر ليالى العمر، على الأقل بالنسبة لى وبالنسبة للشيخ إمام وبالنسبة للمارشال المتعجرف الأليط الأسطى محمد على الصايغ الشهير بمحمد على.
ثم نوه بأنه تم الجزء الأول من الفاجومى بحمد الله.
لم يكن غريبًا أن يكتب صلاح عيسى مقدمة لمذكرات أحمد فؤاد نجم، ليس لأنه كان صديقًا له ويعرفه جيدًا، وجمع بينهما الطريق فى محطات كثيرة، ولكن لأن صلاح كان هو من أشرف على الصياغة النهائية للمذكرات، فوقتها كان صلاح يباشر عمله فى مراسلة عدد من الصحف العربية، وكان قد أعد مذكرات نجم لها قبل أن تنشر فى كتاب.
لا يعنى ذلك أن صلاح هو من كتب هذه المذكرات، لكنه وضع اللمسات الأخيرة عليها، وهو ما يفسر لنا تماسك الجزء الأول من المذكرات وتسلسله المنطقى، وحبكته الدرامية، وحالة التشويق والإثارة البالغة فيه، وهو ما لم يتوافر لبقية الأجزاء التى كتبها نجم ونشرها فى صحف وكتب صدرت بعد ذلك عن دور نشر مختلفة، وعندما نتصفحها نجد كثيرًا من الإعادة والتكرار الذى يبعث على الملل.
الشاهد أن حياة أحمد فؤاد نجم كانت مرتبكة بدرجة كبيرة، للدرجة التى ستصل معها إلى قناعة كاملة بأنه لم يكن يكتب مذكراته كشاعر كبير، بقدر ما أخذ من هذه الحياة مادة للارتزاق والتكسب، فقد كان يكتب ما يطلب منه بصرف النظر عن دقة الوقائع.
هنا يمكننا أن نعود إلى صلاح عيسى مرة أخرى، فى كتابه المهم «شاعر تكدير الأمن العام.. الملفات القضائية للشاعر أحمد فؤاد نجم.. دراسة ووثائق»، الذى صدر فى طبعته الأولى بالعام ٢٠٠٧.
العودة هنا للمقارنة بين المقدمة التى كتبها صلاح لهذا الكتاب والمقدمة التى سبق وكتبها لمذكرات الفاجومى التى صدرت فى العام ١٩٩٣.
فى المقدمة الأولى كان صلاح واضحًا وصريحًا، لم يجمل حياة أحمد فؤاد نجم، كشف عن القضية الجنائية التى تورط فيها، وهى قضية مخلة بالشرف، كما كشف عن إخوته المجرمين.
لن أحدثكم أنا عما جرى، لكن سأترك صلاح الثانى يفند لنا ما قاله صلاح الأول.
يقول صلاح الأول فى مقدمة العام ١٩٩٣:
«كان نجم مجرد طفل يتيم فى شجرة عائلته الكريمة أخ كان لصًا للخزائن، وآخر كان ابن ليل، كل علاقته بالوطنية أنه كان قد مارس شقاوته أحيانًا ضد معسكرات جيش الاحتلال الإنجليزى فى منطقة قناة السويس، فيسرق مع عصابته بعضًا من مهماتها».
ويرصد رحلته بعد خروجه من الملجأ الذى وضعته أسرته فيه.
فيقول: «أما أحمد فؤاد نجم فقد غادر الملجأ- كما دخله- يتيمًا وفقيرًا ووحيدًا، ليندفع مع تيار الوحدة، فيعيش حياة الصعاليك الذين كانوا يزحمون أرض الوطن، يلتقط رزقه من بين أنياب الوحوش فى بلد محتل ومشندل، وبدلًا من أن يصبح ملكًا- كسميه صاحب الجلالة الملك أحمد فؤاد الأول- أصبح أجيرًا فى أحد التفاتيش الزراعية المملوكة لصاحب الجلالة، ولكن الحظ السيئ يترصده، فيفصل من وظيفته، ليعيش عاطلًا فترة، ثم يلتحق بمنزل خاله فيعمل به خادمًا إلى أن يجد عملًا فى معسكرات جيش الاحتلال، ويتركه فى نهاية عام ١٩٥١ مع آلاف العمال المصريين الذين استجابوا لنداء حكومة الوفد فى تلك السنة وتركوا أعمالهم فى المعسكرات لإجبار المحتلين على الرحيل بعد أن ألغت الحكومة معاهدة ١٩٣٦».
«وتفى الحكومة بوعدها، فتعوضه عن وظيفته التى تركها بوظيفة حكومية فى أحد فروع هيئة قناة السكك الحديدية، وبعد سنوات يفكر فى أن يتزوج فلا يجد مالًا ولا سكنًا، وببساطة يشترك مع أحد السعاة فى تزوير بعض المستندات ويتقاسمان مقابلها النقدى، إلى أن يأتى اليوم الذى يجد نفسه فيه فى السجن يقضى عقوبة مدتها ثلاث سنوات مدانًا بتهمة التزوير واحتلاس الأموال الأميرية.
هنا صلاح يتحدث بوضوح عن الجريمة التى ارتكبها نجم، حاول أن يبرر له ما فعله، فاستند إلى أنه كان يبحث عن بيت وزوجة، مما دفعه إلى أن يزور أوراقًا رسمية.
لكن بعد ما يقرب من ١٤ عامًا، يقول صلاح الثانى عن الواقعة نفسها:
«عُين أحمد فؤاد عاملًا بوزارة المواصلات، حيث تنقل بين وحداتها الإدارية على امتداد السنوات التسع التالية، فعمل فى محطة الزقازيق للسكك الحديدية، ثم نقل إلى مصلحة البريد للعمل طوافًا، أى موزعًا للخطابات بمنطقة بريد أبوزعبل، إلى أن استقر أخيرًا كعامل فى ورش النقل الميكانيكى».
« وفى ١١ فبراير ١٩٦٠ قبض عليه بتهمة الاشتراك مع زميل له فى تزوير استمارات حكومية بأسماء وهمية، ليحصلا بمقتضاها على بضائع يبيعانها ويحصلان على ثمنها وحكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات».
«وخلال فترة العقوبة التى أمضاها بسجن مصر العمومى بالقلعة التقى بأخيه المفقود (على) الذى كان مسجونًا فى السجن نفسه باعتباره ملك سرقة الخزائن».
لم يبرر صلاح لأحمد فؤاد نجم فعلته هذه المرة، اكتفى بأن ذكرها مجردة، ربما لأنه شعر أن نجم الذى تحول إلى شخصية عامة تستضيفه القنوات الفضائية وتستكتبه الصحف وتعقد له الندوات وتقدم إليه التكريمات لا يحتاج إلى تبرير لما يفعله، أو أنه أصبح لا يسأل عما يفعل، فلا ضرورة هنا لأن يقول إنه سرق لأنه كان يريد الزواج أو تأسيس بيت، رغم أن هذا التبرير نفسه لا يمكن أن يقبله أحد، فالجريمة لا تبرر، وإذا بررت فمن أجل أن نفهم لماذا حدثت، وليس لإعفاء المجرم من المسئولية.
مؤكد أنك توقفت عند قصة شقيق نجم «على» الذى يصفه صلاح بأنه كان «ملك سرقة الخزائن»، لقد فقدته الأسرة، ويحكى نجم عنه فى مذكراته يقول: «رجعت هانم أم مرسى- أمه- إلى قواعدها فى عزبة أبونجم، البت المفعوصة اللى خرجت امبارح من الحجلة على بيت العدل، رجعت النهارده حاجة تانية، ما بقاش اسمها هانم، بقت الست أم عبدالعزيز، بعد ما ضاع منها «على» البكرى وأول الفرحة، ضاع فى السفر والغربة بعد ما عرفتلوش طريق جرة، لكن كان دايمًا حاضر ومعانا فى حواديتها عن جماله ونباهته، وأحيانًا فى غناها الحزين اللى كان بيسحرنى ويبكينى».
صلاح الأول فى العام ١٩٩٣ يحدثنا عن بدايات نجم فى الشعر، وهى بدايات تشينه ولا تجعله يفخر بها، يقول: «ويكتشف ضباط السجن أن المزور المرتشى- سمى صاحب الجلالة- يكتب شعرًا جميلا فيدهشون، وتسعدهم قصائد النفاق التى كتبها فى مزايا سعادة الباشا المأمور، وحضرة ضابط العنبر، فيتباهون به، ويقدمونه فى حفلات المصلحة».
لم يكن شعر أحمد فؤاد نجم الأول إذن إلا وسيلة لنفاق المسئولين عن السجن، وهو ما جعلهم يعجبون به ويحتفون بصاحبه.
لكن صلاح الثانى فى العام ٢٠٠٧ يعود ليجعل بدايات أحمد فؤاد نجم الشعرية براقة إلى حد ما، فيقول: «فى حوالى عام ١٩٦١ وهو فى الثانية والثلاثين من عمره، بدأ يكتب الشعر، ولفتت موهبته عددًا من ضباط السجن فشجعوه، ونظموا له ندوات شعرية فى مسرح السجن، ونشروا له بعض قصائده فى مجلة كانت تصدرها مصلحة السجون، ويحررها المسجونون، وفازت إحدى قصائده بجائزة فى مسابقة نظمتها المجلة عن عيد الأم، ثم أقنعه أحدهم بأن يجمع أشعاره فى ديوان يشترك به فى مسابقة للكتاب الأول، التى كان ينظمها المجلس الأعلى للفنون والآداب، فتقدم إليها بديوانه الأول «من الحياة والسجن»، وأحاله المجلس إلى الدكتورة سهير القلماوى فتحمست له، وأوصت بنشره، وكتبت له مقدمة».
لم يذكر صلاح عيسى هذه المرة شيئًا عن نفاق نجم لضباط السجن ومأموره وحراسه، وقد يكون ما أصبح عليه نجم هو ما جعل صلاح يصوره كمناضل فى سجنه، فأعاد سيرته الأولى دون أن يشير إلى سقطاته فيها.
صلاح واصل تجميله لنجم، يقول: «استفاد نجم من الميزة التى يعطيها قانون السجون للمسجونين حسنى السير والسلوك، فأفرج عنه فى ١١ مايو ١٩٦٢، بعد قضاء ثلاثة أرباع المدة التى حكم عليه بها، ولم يجد صعوبة فى العثور على عمل، فقد أوصت به الدكتورة سهير القلماوى لدى الأستاذ يوسف السباعى، الذى كان يجمع بين السكرتارية العامة للمجلس الأعلى للفنون والآداب، والسكرتارية العامة لمنظمة التضامن الأسيوى الإفريقى، فعينه موظفًا بالمنظمة الأخيرة».
كم كان صلاح عيسى كريمًا مع صديقه وهو يحاول غسيل تاريخه وسمعته، صنع تاريخًا لبدايات نجم لم تكن له، معتقدًا أن أحدًا لن يلتفت إلى ما كتبه قبل ذلك عن نفس الشخص وعن نفس الوقائع.
المقارنة الثالثة نجدها بين ما كتبه صلاح الأول فى العام ١٩٩٣ وصلاح الثانى فى العام ٢٠٠٧ وتخص بداية العلاقة التى ربطت بين أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام، وهى العلاقة التى استمرت لما يقرب من ربع قرن.
يقول صلاح الأول: بعد خروج نجم من السجن يذهب ليبحث عن غرفة يقيم بها، وتقوده أقدامه إلى حارة مملوكية تلتف على نفسها كوليد فى رحم أمه، تحمل اسم «حارة حوش قدم»، وهى عبارة فارسية بمعنى قدم الخير، وهناك يلتقى بمغن ضرير صعلوك، بدأ حياته مقرئًا للقرآن، ثم مؤذنًا ومنشدًا فى حلقات الذكر، ثم عمل سنيدًا مع الشيخ زكريا أحمد فيتقاسمان غرفة فى أحد بيوت الحارة، ويكونان دويتو يجوب الأفراح، وحفلات الطهور وجلسات المزاح التى يقيمها أهالى القاهرة المملوكية، ومجاورو الأزهر والحسين».
هنا أحمد فؤاد نجم بالنسبة لصلاح ليس أكثر من شريد يضعه القدر فى طريق شريد آخر، لكن صلاح الثانى حاول تحسين الصورة، فكتب قصة مختلفة للتعارف الأول بين نجم وإمام.
يقول صلاح الثانى: « كان صدور ديوان نجم الأول بعد ذلك بشهور هو المناسبة التى تعرف بها على الشيخ إمام عيسى، إذ وقعت نسخة منه كان قد أهداها لقريب له يعمل موظفًا بوزارة السياحة بالمصادفة فى يد سعد الموجى، الذى كان يعمل آنذاك مديرًا لإدارة المطبوعات بالوزارة نفسها، فسعى للالتقاء به، وأبدى إعجابه بالديوان، واصطحبه معه إلى حارة «حوش قدم» بالغورية، حيث قدمه إلى الرجل الذى ارتبط به على امتداد ربع القرن الذى تلى ذلك».
لا يمكننى أن ألوم على صلاح عيسى- رحمه الله- ويمكننى أن ألتمس له ألف عذر، بل إننى أميل إلى أن نجم كان يحكى حياته بأكثر من صورة، وأكثر من طريقة، وأكثر من أسلوب، وليس بعيدًا أن صلاح وهو الكاتب المحنك والمؤرخ الذى لا يمكن أن يخدعه أحد وقع أسيرًا لحكايات نجم المتناقضة.
ما أخرج به هنا معكم أن ما بين أيدينا من حياة أحمد فؤاد نجم لا يمكن أن يكون هو حقيقته، بل إننا لا يمكن أن نعتمد على الكتاب الذى أصدرته ابنته «نوارة» «وأنت السبب يا بابا» لمعرفة حياة نجم الحقيقة، فهى صحيح روت ما شاهدته بنفسها، لكنها نقلت عنه الكثير، وكثير من كلام نجم فى الحقيقة لا يمكن أن نثق فيه أو نصدقه.
وهو ما يجعلنى أتساءل: هل قال نجم كل شىء، أم أنه كان يخفى أشياء كثيرة؟
لقد صدر نجم كتاب مذكراته الأول بإهداء إلى بناته.
قال فيه: إلى بناتى عفاف ونوارة وزينب، يمكن ما تلاقوش فى حياة أبوكم شىء تتعاجبوا بيه، لكن أكيد مش حتلاقوا فى حياة أبوكم شىء تخجلوا منه، هو ده اعتقادى اللى دافعت عنه ودفعت تمنه بمنتهى الرضا.
يشعر كل منا أنه لم يفعل شيئًا يخجل منه، وهكذا يعتقد أحمد فؤاد نجم، وهذا حقه تمامًا، لكن هناك واقعة مهمة فى حياة نجم لا يعرفها الكثيرون، وأعتقد ونحن نتحدث عن مذكراته وسيرته الذاتية لا بد أن نمر عليها.
هل تسمحون لى بالعودة بكم إلى العام ٢٠٠٣.
فى هذا العام كان الكاتب الكبير صلاح عيسى لا يزال رئيسًا لتحرير جريدة «القاهرة» التى تصدر عن وزارة الثقافة، ووقتها كان يعمل إلى جواره كواحد من أقطاب الجريدة الصديق الكاتب والباحث الكبير أيمن الحكيم.
على التليفون الداخلى للجريدة استدعى صلاح أيمن من مكتبه، وعندما دخل عليه وجده قد أصدر تعليمات مشددة بألا يقترب أحد من المكتب حتى ينتهى من الاجتماع مع أيمن.
بدأت الريبة تتسرب إلى نفس أيمن وقلبه، فصلاح لم يكن من رؤساء التحرير الذين يديرون عملهم فى مكاتب مغلقة أو اجتماعات سرية، وعندما عرف أيمن ما الذى يريده صلاح فيه، ولم يكن خاصًا بالجريدة، قدر حجم القلق والحرص، ومدى السرية التى يحيط بها صلاح الاجتماع.
سأل صلاح أيمن الحكيم مباشرة: هل كتبت المذكرات الجنسية لأحمد فؤاد نجم؟
نفى أيمن تمامًا أن يكون كتب شيئًا من هذا على الإطلاق.
كان صلاح ينظر لأيمن بتشكك، وقبل أن يستفسر الحكيم عما يقصده صلاح، وضع الكاتب الكبير أمامه مجموعة أوراق مطبوعة عنوانها «مذكرات نجم الجنسية» بقلم أيمن الحكيم، عشر حلقات كانت منشورة عبر موقع إلكترونى، طبعها صلاح واحتفظ بها.
أكد أيمن نفيه، قال لصلاح إنه لم يكتب شيئًا من هذا، وأنه أول مرة يقرأ هذا الكلام.
نصح صلاح أيمن أن يتوجه إلى مباحث الإنترنت ليتقدم ببلاغ ضد الموقع الذى نشر هذه الحلقات، قال له: يبدو أن هناك من انتحل اسمك، وكتب هذه الحلقات المفخخة، ولا يريد أن يقترن اسمه بها، فأراد أن يورطك، أو يعطى ما كتبه مصداقية، لأنك متخصص فى هذه المساحة من الكتابات.
توجه أيمن الحكيم- الذى روى لى هذه الواقعة بتفاصيلها- إلى وزارة الداخلية، وتقدم ببلاغ رسمى إلى مباحث الإنترنت، بأن هناك من انتحل اسمه ونشر شيئًا لا علاقة له به، وبعد الفحص والتدقيق عرف أيمن من مسئولى وزارة الداخلية أن الحلقات منشورة على مدونة عنوانها «مذكرات نجم الجنسية»، وأن هذه المدونة تدار من خارج مصر، لكن لم يحددوا له الدولة التى انطلقت منها على وجه التحديد.
عاد أيمن الحكيم إلى صلاح عيسى ليخبره بما دار فى وزارة الداخلية، فوجده يقول له: كويس إنك عملت كده عشان تبرئ ذمتك، لأن صافيناز كاظم لو قرأت هذا الكلام واسمك عليه يمكن أن تولع فيك صاحى.
كان أيمن فى الجلسة الأولى التى جمعته بصلاح قد قرأ بعض الفقرات فى هذه المذكرات، وتعرف على مضمونها، طلب من صلاح أن يعطيه نسخة منها، لكنه رفض، وقال له: ممكن تتسرب هنا أو هناك وتبقى كارثة.
تنتظر منى أن أسأل أيمن السؤال الطبيعى والمنطقى، فلماذا لم يطبع هو نسخة من هذه المذكرات طالما أنها كانت متاحة ووصلت لصلاح عيسى؟
سألت أيمن بالفعل.
فقال لى: إنه كان قد قرر ذلك بالفعل، لكن المشكلة أن المدونة نفسها التى نشرت هذه الحلقات اختفت، ولا يعرف حتى الآن هل تدخل صلاح عيسى لإغلاق هذه المدونة، أم أن صاحبها هو نفسه الذى قام بذلك، بعد أن عرف أن هناك من طبعها واحتفظ بها، بما يعنى أنها أصبحت متاحة، ويمكن أن تنشر فى أى وقت وفى أى مكان؟
المفاجأة أن أيمن سأل صلاح عيسى عن رأيه فى هذه المذكرات وهل هى حقيقية، فرد صلاح بأنها حقيقية مائة فى المائة، لأنه سمع معظمها قبل ذلك من نجم فى جلسات جمعت بينهما.
أما كيف تم تسجيل هذه المذكرات، فقد رجح صلاح أن نجم فى جلسة من جلساته فضفض مع الموجودين، وقد يكون هناك من سجلها دون أن يدرى، ثم كتبها ونشرها على مدونته، لكنه خشى من المسئولية القانونية، بسبب حصوله عليها دون موافقة.
صلاح برر لأيمن حذف صاحب المدونة المجهول للمذكرات بأنه قد يكون فعل ذلك ليس خوفًا من نجم فقط، ولكن خوفًا من أطراف كثيرة كانت تمسها المذكرات وقد ذكرها بالاسم.
من يعرفون أحمد فؤاد نجم لا يستبعدون بالطبع أن يكون فعل ذلك، جلس وتحدث وأفاض، لأنه كان يفعل ذلك دائمًا.
لقد اقترب من هذه المساحة فى الجزء الأول من مذكراته.
تعالوا معنا نذهب معه إلى هناك.
كان نجم يحكى عن الحاج عبده الدمرادش، يقول: «نوادر الحاج عبده الدمرداش ما تقلش حلاوة عن فنه، وهو كان زى حالاتى ضعيف جدًا أمام سحر بنات أمنا حوا رضى الله عنها وأرضاها، ويبدو أنه كان متقلب المزاج متعدد العلاقات برضه زى حالاتى».
«وفى ليلة من ذات الليالى كان سهران فى فرح، وكان الشادر اللى حيغنى فيه منصوب تحت شباك «الدنيارة» اللى كان هو لسه دالقها من أسبوعين، صاحبتنا خدت خبر اتحففت واتزوقت على سنجة عشرة ولبست قميص ماركة «عش النمل» اللى هو عدم المؤاخذة لا يبين ولا يخبى، وقعدت على الشباك ونزلت ابنها الصغير يلعب قدام الشادر عشان تشغله سلك تليفون توصل من خلاله الرسالة للحاج عبده، وهو دا بقى فن التلقيح اللى أبدعته وأبدعت فيه بنت البلد المصرية اللى حيرت عمنا بيرم العظيم ونزلته من بروج الأدب وفرجت عليه اللى يسوى واللى ما يسواش».
«لسه الحاج عبده حيقول يا هادى، زعقت صاحبتنا على ابنها، والكلام ليكى يا جارة: ما تطلع بقى يا واد وكفاية سنكحة، هو انت لسه فيك نفس يا مدهول؟ اطلع دا أنت سلمت النمر، وانهد حيلك، ونفسك انقطع خلاص»
«الحاج عبده طنش واستمر فى المغنى والسميعة تقول آه، إن صاحبتنا تسكت، أبدًا، وفوجئ الناس بالحاج عبده بيبص ع الشباك ويرتجل الموال التالى: يا نمل نام لى/ وسلم لى على نملى/ وأكتر سلامى/ ع اللى لابس/ قميص حرير نملى/ طلبت منه الوصال/ قام بالعجل نام لى/ يا قلبى فضك/ من اللى بالعجل بينام/ هلبت ما نام لغيرى/ قبل ما نام لى».
«ويقال والله أعلم إن المرا خشت والشباك اتقفل إلى يومنا هذا».
الإشارة واضحة فلم يكن أحمد فؤاد نجم يتورع عن الخوض فى حياة من مروا بحياته الخاصة، ولم يكن لديه مانع أيضًا من الحديث عن حياته الخاصة بشكل مفتوح ومفضوح.
لم تكن حياة نجم الزوجية مخفية عن أحد، يوثق صلاح عيسى فى تقديمه لكتاب «الفاجومى» الأمر، يقول: «تزوج نجم أربع مرات، وأنجب من زوجته الأولى ابنة تزوجت وأنجبت أبناء فهو جد وله أحفاد».
«وفى بداية السبعينيات نشر خبر يقول إن أحمد فؤاد نجم قد تزوج من الكاتبة الصحفية المعروفة «صافيناز كاظم» ولم يصدق كثيرون النبأ، لأن صافيناز بنت ذوات تخرجت فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة وحصلت على ماجستير فى النقد المسرحى من إحدى الجامعات الأمريكية، فكيف تتزوج صعلوكًا مثل نجم؟ وقال الكاتب الكبير محمد عودة مبررًا دهشته: زى ما تقولوا شكوكو اتجوز سهير القلماوى».
وثبت فيما بعد أن النبأ كان صحيحًا، وقد أثمر هذا الزواج ابنة واحدة اسمها نوارة هى الآن طالبة بالجامعة – فى العام ١٩٩٣ –».
«ثم انفصل الزوجان ليتزوج نجم بعد ذلك من حفيدة أحد الباشوات هى التى عرفها الناس بعد انفصالهما باسم عزة بلبع، وقد كتب فيها عددًا من أجمل قصائده، وأثناء إقامته فى الجزائر نشرت الصحف العربية نبأ زواجه من ألمع ممثلات المسرح فى الجزائر».
«وفى العام الماضى- ١٩٩٢- وهو فى الثالثة والستين من عمره تزوج إحدى جاراته، فى حارة (حوش قدم)، وأنجب منها ابنة أصغر من أصغر حفيداته».
لقد سمعت صافيناز كاظم تتحدث عن زواجها من أحمد فؤاد نجم.
وقتها كانت تكتب معنا مقالًا أسبوعيًا فى جريدة «صوت الأمة»، ووجدتها ترسل لنا رسالة تقول إنها بعد أيام ستحتفل بعيد ميلادها الخامس والستين، فاقترحت على رئيس التحرير الأستاذ عادل حمودة أن أجرى معها حوارًا شاملًا نحتفى فيه بها وبمشوارها فى عالم الكتابة والصحافة، فوافق على الفور.
تواصلت مع صافيناز التى كان تغضب جدًا من كتابة اسمها بهذه الطريقة وترسل للصحف لتكتب اسمها «صافى ناز كاظم»، وافقت على الفور، ودعتنى إلى اللقاء بها فى بيتها بمساكن أعضاء التدريس خلف جامعة عين شمس.
على طول الحوار وعرضه لم تأت صافيناز كاظم على سيرة أحمد فؤاد نجم، ولم يأت ذكره إلا مرة واحدة ودون اسمه، كانت تتحدث عن ابنتها نوارة، قالت: نوارة أخذت منى الاستقامة، لكن بيننا اختلاف جذرى، فهى تجد القيمة العليا فى الكتمان وأنا أجد القيمة العليا فى الصراحة، فأنا دائمًا أحرجها بصراحتى، وهى دائمًا تُغضبنى بكتمانها، ورغم أنى التى ربيتها، لكنها أخذت من أبيها الكثير، فهى فوضوية جدًا مثله.
خارج الحوار حدثتنى صافيناز عن غضبها الكبير من أحمد فؤاد نجم، عما تعتبره خطيئته الكبرى التى لا تستطيع أن تغفرها له أبدًا.
تحدثت صافيناز عن زواجها من نجم، قالت إنها كانت ترى فيه نموذجًا للمناضل الذى جارت عليه الحياة دون أن تمنحه ما يستحقه، فقررت أن تكون عوضًا له، أن تمنحه شيئًا يخفف عنه مآسى الحياة، أن تنتشله كما قالت من حالة الضياع التى يعيش فيها، وراهنت على أنها يمكن أن تنجح، لكنها فوجئت أنه فى أول مرة يجلس مع أصدقائه بعد أيام من الزواج، عندما سألوه عن سبب زواجه من صافيناز وهو الأمر الذى لم يكن يتوقعه أحد، قال لهم باستخفاف: «أعمل إيه ما هى رامية نفسها على وبتطاردنى فى كل حتة، فقلت أتجوزها وخلاص».
أصاب أحمد فؤاد نجم صافيناز فى كرامتها، وهى أعز ما تملك.
عندما عرفت بما قاله أغلقت صفحته تمامًا، لكنها لم تطلب منه الطلاق، لأن كثيرين كانوا سيشمتون فيها، فأغلقت قلبها على جرحها وصمتت، لكنها لم تغفر له أبدًا.
يظل معنا سؤال حائر الآن، أعتقد أنك حتمًا طرحته على نفسك، وهو: ما مصير مذكرات نجم الجنسية التى طبعها صلاح عيسى ورآها أيمن الحكيم معه؟
مؤكد أن صلاح عيسى لم يتخلص منها، فقد كان يعمل فى الصحافة بروح المؤرخ، ولأن هذه الأوراق مهمة، فمؤكد أنه احتفظ بها، ولا أعرف هل لا تزال فى أوراقه أم أنها اختفت؟
وهو سؤال أعتقد أن الوحيدة التى تملك الإجابة عليه هى زوجته الكاتبة الكبيرة أمينة النقاش.
خاص: قصيدة مديح من «نجم» لعادل حمودة
تبقى لدينا هنا فى قصة أحمد فؤاد نجم قصة أعتقد أنها مهمة لفهم هذا الشاعر الكبير الذى لا يختلف أحد على قيمته، وإن كانت حياته نفسها ستظل محل خلاف وجدل وأخذ ورد.
فبعد أن نشر الجزء الأول من مذكراته فى كتاب، فكر الكاتب الكبير عادل حمودة وكان وقتها مسئولًا عن تحرير «روزاليوسف» أن يحصل على حق نشر الجزء الثانى من المذكرات، وبالفعل تواصل معه، وتم الاتفاق، ووضع له مكافأة كبيرة تليق بمقامه.
لكن المفاجأة أن أحمد نجم لم يقدم لروزاليوسف شيئًا له قيمة، كان يأتى قبل النشر بساعات ويطلب ورق «دشت» ويكتب أى كلام يأتى على خاطره، فوجد عادل أن نجم لا يعتنى بكتابة المذكرات العناية التى تتناسب وحجم روزاليوسف، فأوقف نشر المذكرات.
غضب نجم وبحث عن وسطاء، وتم التوافق من جديد على نشر المذكرات بعد العناية بكتابتها- وهو ما يؤكد أن الجزء الأول كان من صناعة صلاح عيسى- لكن عاد نجم إلى سيرته الأولى- كما قال لى عادل حمودة فى أحاديث سابقة بينى وبينه، فأوقف المذكرات مرة أخرى، لتبدأ موجة من الغضب فى قلب نجم من عادل حمودة أعتقد أنها لم تنته حتى مات.
وهنا ننشر قصيدة لأحمد نجم أعتبرها بمثابة الوثيقة، وقد يكون من المناسب أن أحكى لكم كيف حصلت عليها فى المرة الأولى قبل ما يقرب من ٢٣ عامًا.
كانت قد بدأت معركة طاحنة بين عادل حمودة وأحمد فؤاد نجم على خلفية مقال كتبه عادل عنوانه «الجياد لا تباع فى السوبر ماركت» كتبه احتجاحًا على احتفال رجل أعمال بعيد ميلاد نجم، مما دفع نجم لأن يصدر كتابًا منحطًا بكل المقاييس عن عادل حمودة بتمويل ودعم مباشر من رجل الأعمال.
كنت أجلس مع عادل حمودة، سألته عن هذه المعركة، وعن سلوك نجم وأدائه، فقال لى: «أنا لا أصدقه أبدًا لا فى مدحه ولا فى قدحه، لقد كتب هذا الرجل الذى يهاجمنى قصيدة مدح فىّ قبل ذلك».
طاردت عادل حمودة حتى أحصل على القصيدة لننشرها فى جريدة صوت الأمة، رفض فى البداية، لكنه وافق بعد إلحاح، عندما قلت له: من حقنا أن نعرف ما حدث، ومن حق جمهور نجم أن تكون لديهم الصورة كاملة.
بالفعل حصلت على القصيدة وقدمت لها بالآتى: عثر عادل حمودة فى ملفاته الخاصة على قصيدة كتبها الشاعر أحمد فؤاد نجم بخط يده عنوانها «رسالة مفتوحة»، كان عادل قد نشر مذكرات أحمد فؤاد نجم فى «روزاليوسف» أثناء مسئوليته عن تحريرها ثم حدث خلاف بينه وبين الشاعر الكبير الذى عاد ليكتب هذه القصيدة التى ننشرها ليس فقط لأنها مجهولة، وإنما أيضًا لاستكمال أعمال الشاعر الشهير.
يقول نجم فى قصيدته المجهولة:
«صباح الخير على الورد اللى فتح فى جناين مصر
صباح الداية واللفة
ورش الملح فى الزفة
صباح الصحة والعافية
على ولاد صلاح حافظ
وإحسان عبدالقدوس
أحفاد الأم الشمس
فاطمة اليوسف ست الكل».
«صباح الفل
أنا عمكو الفاجومى
باصبح عليكو
وأبوس بين عينكو
وأرقيكو... وأحميكو
من قر الحسود
وقلب الحقود
وعين اللى شافكو
ولا صلوش ع النبى».
«الحارس الله
والضامن الله
سماح سماح
فى كل اللى عدى
وكل اللى راح
المصارين فى البطن بتتخانق
والضفر مبيطلعش من اللحم
والدم عمره ما يبقى مية
وأنا وأنتو
طريقنا واحد
ودمنا واحد
ومصيرنا واحد
وعشقنا واحد
وكرهنا واحد
وعدونا واحد
وربنا واحد».
«صباح الخير يا نور الجناين
وشموع الفرح
ويا شمعدان السبوع
يا عادل يا بن حمودة
نور بقى على المولود وع المعازيم
وأنا جاى لك بقلب سليم
فاتح لك حضنى على الآخر
فإيه رأيك؟
تسامح ولا تتأخر».
بعد هذه الواقعة بدأت أعيد ترتيب أوراقى مرة أخرى فى تفاعلى مع ما يكتبه أحمد فؤاد نجم، بدأت أراه بشكل مختلف تمامًا، ولم يكن غريبًا بعد ذلك عندما قرأت أن بداياته الشعرية كانت بقصائد نفاق كتبها فى مديح مأمور وضباط السجن حتى يحصل على بعض المزايا، فقد كانت هذه طريقته فى التفاعل مع الحياة، لكن هذا لا يجعلنى أنكر أو أتنكر لقيمته كشاعر كبير، فالحياة لا تسير على طريق واحد.. وكل منا لا يظل لونًا واحدًا فى حياته.