الخميس 21 نوفمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

سيد البحراوى.. صاحب الموقف الواعي

سيد البحراوى
سيد البحراوى

مدين أنا بـ اعتذارات كتير لـ الدكتور سيد البحراوى، بس سيبك منى، وتعالى أحكى لك عنه.

البحراوى كان أستاذ اللغة العربية فى كلية الآداب جامعة القاهرة، فـ هو أستاذى اللى تتلمذت على إيديه مباشرة لـ فترة، وكان ناقد وله منتج أدبى، وكل دا مهما اختلفت معاه أو عليه فـ هو أثرى المكتبة العربية، وأسهم فى تطوره، وكل الكلام اللى ممكن يتقال عن أكاديمى ناشط ومجتهد ومبدع انشغل بـ تقديم الإضافة، إنما مش هو دا الموضوع.

هو كان نوع من أساتذة الجامعة ما شفتش زيه، يعنى الواحد قابل أساتذة أجلاء وعظام، إنما لما كنا نقرا فى أدبيات اليسار «الماركسى تحديدًا» كان يعجبنا كلام جرامشى عن المثقف العضوى، ونتناقش بـ الساعات عن هذا المفهوم وطبيعته، فى حين إنه على الأرض هذا المثقف العضوى ما كانلوش وجود تقريبًا إلا فى حالات نادرة سيد البحراوى كان أبرزها.

مش هـ أدوشك بـ تنظيرات أنا نفسى زهقت منها، لكن خلينى أقول لك إنه هذا الرجل كان منخرط مع تلاميذه ومجتمعه ومحيطه وطبقته بـ صورة خيالية، مفيش السور أو الحاجز اللى بـ يتكون تلقائيًا حوالين من كانت له حيثية أكاديمية كانت أو غير أكاديمية، كنا فى التسعينيات، وكان الواحد مجرد ما اسمه يتنشر فى بريد القراء بـ مجلة أدبية، يبدأ تلقائيًا يتعامل بـ اعتباره «مش زى الناس». 

هو كان صديق طلابه، وبـ يشتبك مع محيطه بـ اعتباره جزء منه، مش بـ اعتباره الأب ولا الرائد ولا الحكيم، لا، هو واحد مننا، ولإن له ثقل فـ الثقل دا ينعكس على هذا المحيط دون اصطناع أو تكلف، عمل دا رغم إنه هذا له خطورة من جانبين؛ أولًا، إنت محتاج فى الحالة دى تاخد الناس على قد عقلها، لكن تاخد بالك إنك ما تكونش على قد عقلها، يعنى تفهم وتتفهم تواضع مستواهم وتتفاعل معاه، من غير مستواك إنت الفكرى والمعرفى ما يتواضع زيهم.

ثانيًا، لما السور اللى بينك وبين ناس كتير يتشال، وارد، بل غالبًا هـ تلاقى اجتراء عليك، مش بـ الضرورة اجتراء فى سلوكيات وقحة مباشرة، إنما إحساس إنك «فى المتناول» دا أكيد إحساس مزعج، خصوصًا لما تكون بـ الفعل تمتلك الفرصة الكاملة فى فرض ما تراه من سياجات حواليك، إنت مش محتاج لـ الناس دى فى حاجة، وأعتقد هنا إن ربنا صرف له كتير من الصبر، كتير جدًا الحقيقة.

أمر تانى يخص سيد البحراوى وهو «الموقف الواعى»، ناس كتير أخدت مواقف، أخدتها بـ شجاعة وتحملت تمنها من حريتها وصحتها وتضحيتها بـ المال والمكاسب عمومًا، فـ الموقف نفسه مش نقطة تميزه، إنما إنك تاخد موقف صلب عن وعى، دا موضوع تانى، خصوصًا لما يكون فى الموقف دا مش كتير واقفين فى صفك أو منتبهين أساسًا لـ موضوعك.

خلينى مباشرة أكلمك عن الموقف، فى النص التانى من التسعينيات بدأت ظاهرة، لـ الأسف استفحلت دلوقتى وبقينا غرقانين فيها لـ وداننا، وهى تغول الإعلام على كافة مناحى المعرفة، فـ بقى الكاتب والصحفى والمذيع يقدر يقدم نفسه بـ سهولة على إنه «مفكر» أو «باحث» أو «مؤرخ» أو ما أشبه، والجريدة تبقى راسها بـ راس الكتاب، والمقالات الصحفية تحل محل الدراسات وهلم جرا.

قبل الفترة اللى بـ أحكى لك عنها ما كانش دا حاصل، ما كانش يجرؤ كاتب على طرح نفسه مقارنة بـ نجيب محفوظ لـ إنه «بـ يبيع كتير» مثلًا يعنى، ثم إنه دا بدأ يظهر على استحياء، والوسط الثقافى استسلم لـ إزالة هذه الفوارق، بل نقدر نقول رحب بـ ما إنه يعنى يعد بـ فرص لـ أى حد إنه يبقى أى حاجة فى أى وقت.

البحراوى كانت له فى هذا الشأن مواقف شهدتها بـ نفسى، وإصرار على إنه دا تخريب، وتخريب طفولى كمان، الجملة دى سمعتها منه فى الجريون، وهو بـ يحتد على أحدهم، لـ إنه دعاه لـ الكتابة فى صحيفة سيارة تمهيدًا لـ تنجيمه لـ يليق بـ اسمه، وما كنتش فاهم ساعتها مشكلته فين، بس أظن فهمتها بعد قليل من الوقت، يمكن سنة مثلًا، مفيش أخطر من إنك تحط الحاجات فى غير مكانها، مفيش.

الله يرحمك يا دكتور سيد، حاجات كتير ما كنتش فاهمك فيها وأنا صغير، واعتذرت لك عن دا مرة فى حياتك، لكنها ما كانتش كفاية، الله يرحمك!