الخميس 19 سبتمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

أحمد راتب.. الموهوب الذى «عاش كما يحلو له»

أحمد راتب وعائلته
أحمد راتب وعائلته

من القلائل الذين تشبه أدوارهم أرواحهم، مع اختلاف الحبكة الدرامية وظروف الشخصية. فأحمد راتب هو نفسه «عيسوى»، الفنان البوهيمى الذى اختار أن يعيش حياته الفنية منذ الميلاد وحتى الوفاة «كما يحلو له». تمامًا مثل ذلك الإفيه الشهير الذى لازمه، منذ أن قاله فى فيلم «يا رب ولد».

«عاش كما يحلو له».. عبارة تصف بدقة شديدة حياة الفنان الكبير أحمد راتب، فلم يشغل نفسه يومًا بأى صراعات أو مشاحنات بحثًا عن بطولة مطلقة، قد لا تضيف له بقدر ما أضافت إليه أدواره كممثل «سنيد»، إن صح هذا التعبير، فالبصمة التى تركها «راتب» من خلال هذه الأدوار لا تقل عن أى أدوار بطولة لأى فنان.

هو «السحت بيه ١٠٠ فل عليه» كما هتف له أهالى «خان يوسف» فى رائعة «المال والبنون»، حين تمرد على واقعه وخرج يبحث عن تغييره، لكنه رغم التغيير الكبير الذى طرأ على حياته، لم ينسَ أو يتناسَ أهله، وآثر أن يغدق عليهم بالمال والعطايا، حتى لو على سبيل التفاخر وإرضاء غروره.

هو «شلبى» فى «الإرهاب والكباب»، المواطن الصعيدى الطريد الذى خرج من بلدته هربًا من الثأر، ليصطدم بواقع أشد قسوة، من خلال تجربته كماسح أحذية فى مجمع «التحرير»، حيث التقى بمختلف أطياف المجتمع، ليدور على لسانه دور مكتوب بحرفية شديدة من قبل السيناريست الراحل وحيد حامد، لتتحول مشاهده فى الفيلم إلى أيقونة توازى فى نجاحها نجاح الفيلم ذاته.

هو «سامح» الطالب المجتهد المثقف الباحث عن مناقشة رسالة الدكتوراه مع أستاذه العزيز «الدكتور رأفت»، رفقة الفنان الكبير فؤاد المهندس، فى العمل المسرحى الشهير «سك على بناتك»، فى دور يشبهه كثيرًا فى الواقع.

فـ«راتب» لمن لا يعرفه من الفنانين المثقفين، بدأ التمثيل عندما كان لا يزال طالبًا فى المدرسة، وبعد التحاقه بكلية الهندسة انضم لفرقة التمثيل فى الكلية، لكنه لم يكمل الدراسة بها، وفضل الالتحاق بالمعهد العالى للفنون المسرحية، الذى حصل منه على درجة البكالوريوس، لتُلحق به صفة الفنان الأكاديمى، وليس مجرد هاوٍ.

هو «محسن» الموظف القنوع الكادح رب الأسرة، الذى يقدس الحياة الزوجية والأسرية، ويتحرى مصدر ماله وقوت أبنائه، فى الفيلم الشهير «طيور الظلام». و«راتب» الحقيقى كان مثله تمامًا، لم يعبأ بأى مشاحنات، وامتلك قناعة لا تفنى، وكان يقدس المنزل مثلما تحدثت ابنته «لمياء» عنه. 

من ينسى «الكحيت»، هذه الشخصية التى قدمها فى مسلسل «ناس وناس»، لمواطن يعيش على أسطح إحدى العمارات فى حالة مادية تحت خط الفقر، ولكن حياته اليومية لم تخلُ من الدعابة والسخرية من الظروف التى تحيط به؟

فى السطور التالية، نكتب فى «حرف» عن ابن منطقة السيدة زينب، الذى ولد فى عام ١٩٤٩، لأسرة بسيطة الحال، عن «أبو البنات» الذى رزقه الله بـ«لمياء» و«لبنى» و«لميس»، عن الفنان البسيط الذى لم يعرف للتكلف طريقًا يومًا.

لمياء أحمد راتب: محبة جمهوره «جائزته الكبرى».. وتكريم «المتحدة» أثلج صدرى

«أعز الولد ولد الولد» بتلك الكلمات بدأت لمياء راتب، ابنة الفنان الراحل أحمد راتب، حديثها عن والدها فى وصفها له بعيدًا عن الشاشات، حيث لخصت طبيعة الفنان الكبير فى تعامله مع أحفاده قبل أبنائه، مشيرة إلى امتلاكه من الحنان المفرط والعاطفة ما جعلهم كأبناء لا يستطيعون نسيان مواقفه حتى اليوم وبعد مرور 8 سنوات على وفاته.

لمياء راتب كشفت فى حديثها مع «حرف» عن كواليس وأسرار من حياة والدها، وعن أعماله الأقرب إلى قلبه وإلى قلبها شخصيًا، والعديد من الحكايات فى حياة فنان نجح فى أن يحتل مكانة فنية ذات قيمة سواء على مستوى الأعمال المسرحية أو السينمائية أو التليفزونية التى قدمها طيلة مسيرته الغنية بالأعمال.. وإلى نص الحوار. 

لمياء أحمد راتب 

■ ٨ سنوات على وداع فنان كبير بقيمة أحمد راتب.. ولكن نود الحديث فى البداية عن الراحل كـ«أب» كيف يمكن وصفه؟

- الحديث عن أحمد راتب الأب لا يمكن اختزاله فى مجرد كلمات، والدى كان شخصًا مفرطًا فى العطاء يمتلك قلبًا طيبًا لم يتعكر يومًا ما، لديه من الحنان والرحمة والود ما كان يجعله شخصية استثنائية ليس فى التعامل مع أبنائه فحسب ولكن فى التعامل مع أحفاده، حيث كان يرفض أن يعاقبهم أحد أو ينهرهم، تلك الحنية والعطاء انعكسا بشكل مباشر على شخصيته كزوج أيضًا فى التعامل مع والدتى، كان زوجًا متعاونًا وودودًا ومتسامحًا لأقصى درجة، بل لا أبالغ حين أقول إن والدى كان يتعاطف مع كل شىء ضعيف فى الشارع مثل الحيوانات الأليفة، كما كان يكره الصخب والصوت العالى، ويصر على التعامل بهدوء فى جميع المواقف.

■ شخصيات عديدة ونوعية قدمها الراحل خلال مسيرته.. مال الشخصية الأقرب فى صفاتها له؟

- لا توجد أى شخصية أو دور قدمهما الراحل خلال مسيرته الفنية العظيمة تشبه شخصيته الحقيقية على الإطلاق، خاصة أنه كان شخصًا سريع الغضب للغاية ولكن فى نفس الوقت سريع العفو والمصافحة، كما تميزت شخصيته بالاجتماعية الشديدة أكثر مما كان يظهر فى أعماله، لكنه فى الواقع لم يكن لينجح فى إخفاء مشاعره وكتمها داخله بل يعبر عنها على الفور، وعلى الرغم من إتقانه أدواره التى قدمها فإنه لا توجد شخصية فى هذه الأدوار تشبهه فى حياته الخاصة.

■ هل كانت للفنان الكبير هوايات خاصة خارج إطار العمل الفنى؟

- والدى، عليه رحمة الله، كان يسعد دائمًا بالأشياء المعنوية أكثر من المادية، ولم يعشق شيئًا سوى عمله وفنه، كما كان زوجًا يقدس المنزل، دعنى أقول رجلًا أسريًا فى المقام الأول لا يعرف سوى العمل والمنزل فقط.

■ نترك أحمد راتب الأب قليلًا وننتقل إلى الفنان المتنوع.. شخصيات عديدة قدمها الراحل ألم يكن هناك دور له مكانه خاصة لديه؟

- على الرغم من أدواره العديدة المتميزة التى قدمها والدى، فإنه كان يعشق شخصية محمد القصبجى فى مسلسل كوكب الشرق أم كلثوم، بل كان يعتبره دور عمره الذى ترك بصمة فى مسيرته الفنية لم ولن ينساها أحد، خاصة أن دور القصبجى احتاج منه مجهودًا كبيرًا وتحضيرات استغرقت وقتًا ومذاكرة دقيقة للشخصية بكل تفاصيلها حتى خرجت للجمهور بالشكل الذى صنع حالة من التفاعل بينه وبين الجمهور كانت سببًا فى سعادته وفخره بالشخصية.

■ القصبجى الدور الأقرب لقلبه.. ولكن ما الدور الأقرب إلى قلب الابنة؟

- أحب جميع أدوار والدى وأرى أنه نجح فى تقديم كل دور بشكل مختلف جعل الجمهور يتعلق به، ولكن أقرب أدواره شخصية «شلبى»، ماسح الأحذية فى فيلم الإرهاب والكباب مع الزعيم عادل إمام، خاصة إتقانه اللغة الصعيدية بشكل جيد فى الحديث، علاوة على السيناريو والدور الرائع الذى رسمه له المؤلف العبقرى وحيد حامد، لذلك أعتبر مشاهده فى الفيلم بمثابة علامة لن تُنسى فى تاريخه، كذلك أحب أيضًا دوره فى فيلم «المنسى» مع الزعيم أيضًا رغم أن الدور مساحته كانت صغيرة.

■ على ذكر الزعيم عادل إمام.. أعمال عديدة جمعتهما كيف كانت درجة الصداقة بينهما؟

- علاقته بالزعيم كانت علاقة صداقة وطيدة واحترام وتقدير متبادل، لأن الفنان عادل إمام على الصعيد الفنى كان يجيد اختيار الأدوار التى يطرحها على أحمد راتب، ويعلم مسبقًا الدور الذى سيجيد فيه، وكان دائمًا ما يقول له: أنا بختار لك أدوار مفيش إلا أحمد راتب بس اللى يعرف يعملها.

■ بعد وفاة الوالد هل انقطعت علاقتكما بالزعيم؟

- بالعكس، بل هو على تواصل معنا حتى الآن، وبعد وفاة الوالد كان دائمًا يسأل عن والدتى ويعرض خدمات الصديق بشكل دائم دون كلل.

■ تلك المسيرة الكبيرة بالتأكيد مر فيها الراحل بكبوات.. هل قدم عملًا ندم عليه يومًا؟

- على الإطلاق، لا أذكر أنه ندم على عمل قدمه سواء للسينما أو المسرح والتليفزيون وندم عليه، بل على العكس كان فخور بكل عمل يقدمه ويعتبره إضافة لتاريخه الفنى، ومثلما كانت أعماله الفنية جيدة وطيبة السيرة كانت علاقاته الشخصية أيضًا كذلك، حيث لم تشهد علاقته بأى من زملائه فى الوسط الفنى خلافًا يومًا ما، وكان الجميع يشهد له بحسن الخلق فى التعامل.

■ من كانوا يحتلون مكانة أصدقائه المقربين؟

- بالتأكيد الزعيم عادل إمام خاصة أنه جمعتهما أدوار عديدة مثل «الإرهابى» و«الإرهاب والكباب» و«المنسى» و«طيور الظلام» والعديد من الأعمال، كما كانت لديه صداقة وثيقة بالفنان الراحل صلاح السعدنى والراحل عهدى صادق، والفنان أحمد بدير، والفنانة الكبيرة إسعاد يونس وسوسن بدر.

■ من وجهة نظرك.. هل كان أحمد راتب يستحق مكانة أكبر من تلك التى حظى بها؟

- والدى حصل على المكانة التى استحقها من حب الجمهور له وتقديرهم له فى كل مكان كان يذهب إليه، ليس معنى ذلك أنه لم يكن يستحق مكانة أكبر، لكن تاريخه وشهرته وحب الجمهور واحترامهم له قبل أى شىء يبقى الإنجاز والمكانة الأهم التى سعى إليها طيلة مسيرته الفنية.

■ «مسرح وسينما وتليفزيون» قدم فيها أعمالًا عديدة.. أى منها كان يجد فيها نفسه؟

- المسرح بالتأكيد، على الرغم من حبه لكافة الأعمال التى قدمها فى السينما والدراما التى ترك فيها بصمة لا تُنسى، إلا أن المسرح كان عشقه الأكبر، حيث كان يقول دائمًا إن ميزة المسرح أنه يرى تفاعل الجمهور وردود أفعالهم فى نفس اللحظة التى يقدم فيها الدور ما كان يجعله يعتبر المسرح الأقرب له.

■ ٨ سنوات ومفيش مهرجان فى مصر فكر يكرم اسم أحمد راتب.. كلمات غاضبة أطلقتها منذ أيام، ما الذى دفعك لذلك؟

- على الإطلاق لم يكن غضبًا أو استياءً كما تصور البعض على قدر ما كان بمثابة فضفضة، خاصة أن والدى قدم ما يزيد على ٥٠٠ عمل فنى سواء فى المسرح أو الدراما التليفزيونية أو فى السينما، وكنت أتمنى أن يجد التكريم الرسمى له من قبل الدولة أسوة بالتكريم الشعبى والجماهيرى الذى ناله طيلة حياته حتى لا ينساه الناس.

■ ولكنه غضب لم يدم طويلًا بعد إعلان المسرح التجريبى والشركة المتحدة عن تكريمهما للفنان الراحل.. كيف استقبلت نبأ تكريمه؟

- بالتأكيد، قرار تكريم والدى المستحق من قبل مهرجان المسرح التجريبى والشركة المتحدة للخدمات الإعلامية أثلج صدرى وشعرت بأن الراحل حصل على التكريم الذى يستحقه بعد تلك المسيرة من العطاء، وجاء التكريم شرفًا كبيرًا لنا كأسرة أحمد راتب واستجابة سريعة لم أكن أتوقعها من الشركة المتحدة ووزير الثقافة الدكتور أحمد هنو، والدكتور سامح مهران، رئيس مهرجان المسرح التجريبى، وشعرت لحظة التكريم بأن والدى نال حقه بعد سنوات من رحيله، خاصة أن مسيرته تستحق التكريم على هذا العطاء.

انفراد.. سيناريو دور أحمد راتب فى «سُك على بناتك» مكتوب بخط يده

تنفرد «حرف» فى احتفائها بالفنان الكبير أحمد راتب، بنشر النوتة الخاصة بالراحل مكتوبًا فيها بخط يده دوره فى المسرحية الشهيرة سك على بناتك. 

النوتة الخاصة احتوت على نص السيناريو، كما جاء على لسان الفنان الراحل فى دوره الشهير «محسن»، خلال حديثه مع الفنان الراحل فؤاد المهندس فى أحد مشاهد المسرحية. 

مسرحية «سك على بناتك» بطولة الراحل الكبير الفنان فؤاد المهندس وسناء يونس وشريهان، وشارك فيها الفنان أحمد راتب بدور «محسن»، الطالب فى كلية العلوم، والذى يناقش رسالة الدكتوراه تحت إشراف أستاذه الدكتور رأفت، وهو الدور الذى قدمه الفنان فؤاد المهندس، وعرضت عام ١٩٨٠، وشارك فيها نخبة من النجوم وحققت إقبالًا جماهيريًا كبيرًا فى ذلك الوقت.