خدعة العالمية.. سقوط قانون صاحب الكورة
- الغرب يصنع قواعد اللعبة ويحتكرها لنفسه
- الغرب جعل النموذج الخاص به هو المعيار الأوحد لقياس النجاح
كنا نلعب الكرة فى الشارع أمام منازلنا، وكانت تلك هى التسلية الممكنة لجيل لم يعرف النوادى، ولا حتى مراكز الشباب إلا متأخرًا، نجمع ما تيسر لنا من بواقى الإسفنج، ثم نضعه داخل جورب قديم، ونجتهد لكى تتخذ هذه المكونات شكلًا كرويًا بحجم متوسط، ثم نحاول تقليد ما نشاهده من مباريات قليلة لكرة القدم غالبًا ما تذاع يوم الجمعة عصرًا، ويكون المرمى عبارة عن «طوبتين» يحددانه، مع الاختلاف الدائم بين اللاعبين على المسافة الفاصلة بينهما، وغالبًا ما يكون تقسيم الفرق بالقرعة، أو عن طريق لعب «كيلو بامية»، وفى بعض الأحيان عندما يكون العدد فرديًا نلعب كرة القدم بنظام «الجون المشترك».
ظلت هذه هى الطقوس الأصلية للعب كرة القدم فى أغلب الأوقات، حتى عرف جيل آبائنا السفر إلى الخارج والعودة بالهدايا التى من أهمها «الكرة الكفر»، وهى كرة من الجلد تشبه إلى حد كبير تلك التى نشاهدها فى مباريات التليفزيون، وهى التى كان يمتلكها بعض من أقراننا الذين يحافظون على كراتهم بصورة مبالغ فيها نظرًا لندرتها.
كان صاحب الكرة يسمح لنا متفضلًا اللعب بكرته التى تجعلنا نشعر أننا كالنجوم الكبار، كانت لا تؤذى أقدامنا كما تفعل الكرة الشراب، كما أن حجمها وسرعة ارتدادها يجعلاننا نشعر أننا بالفعل داخل مباراة رسمية، لذلك فإننا كنا بالتأكيد نخضع لشروط صاحب الكرة، الذى لا بد أن يقسّم الفرق بنفسه، ويكون عضوًا فى الفريق الأقوى لضمان الفوز، على الرغم من أنه هو نفسه غالبًا ما يكون أقل فى مستوى اللعب من الجميع، كما أنه قد يقصى من اللعب من لا يحبهم من الأقران، وكما كانت له معاييره التحكيمية الخاصة التى قد يتدخل بها فى سير المباراة، فيلعب دور الحكم ليقوم بفرض ضربة جزاء أو فاول غير مستحق لفريقه، أو يتدخل لاحتساب هدف غير صحيح، وهكذا، وإلا فسيكون عقاب الجميع أن يسحب الكرة، وينسحب من اللعب، ليحرمنا جميعًا من متعة اللعب بالكرة الكفر العالمية الحديثة.
كل مرة أستمع فيها إلى إشارة إلى فكرة العالمية، أو إلى نتائج واحدة من الجوائز الكبرى، مثل نوبل أو أوسكار أو غيرهما، أتذكر فورًا قوانين صاحب الكرة.
لقد استطاع الغرب أن يضع قواعد اللعبة بنفسه، ليجعل من النموذج الخاص به المعيار الأوحد لقياس مدى النجاح الذى يمكن أن يتمتع به أى مبدع أو عالم، وهى المعايير التى لا تنطبق بالضرورة على كل المبدعين، فمن الممكن أن يحقق عالم ما أو مبدع نجاحه الكبير فى وطنه، لكن هذا العالم الغربى لا يعترف به، وبذلك يفقد تلك الصفة التى أقنعنا الغرب بأنها هى الأهم، وبأن صاحب الأثر لن يتمتع بأثره إلا إذا كان متمتعًا بتلك الصفات التى يستحسنها الغرب.
هى نفسها القواعد الاستعمارية التى استطاع الغرب عن طريقها إقناعنا بأننا لن ننجح فى التصنيع، وأننا يجب أن نكتفى بدور مصدر المادة الخام، لنظل على الدوام تحت سيطرة الحاجة إلى ما تنتجه صناعته، وهى القاعدة نفسها التى أنشأ فى ظلها تلك الجوائز التى تضمن للحاصل عليها تسويقًا إعلاميًا تحت عنوان العالمية.
إنها كرته هو، وقواعده هو، فهل يمكن لنا أن نخرج عن هذه السيطرة التى تبدو خفية حينًا، وجلية فى أحيانٍ أخرى، لنبتكر فنوننا، وننشئ جوائزنا، ونصوغ قواعدنا الخاصة للعالمية، دون أن نكون تبعًا لأحد؟ هل يمكن أن أحلم باليوم الذى يعود فيه احترامنا لفننا الخاص وإبداعنا الذى يميزنا عمن سوانا، دون أن نحاول مجرد تقليد الآخر؟
الحلم بالتأكيد ليس ببعيد، لا يحتاج سوى لإرادة أن نكون أنفسنا، وأن نضم إلينا من هم على شبه حقيقى بنا، لعلها تكون بداية جديدة لعالم حقيقى لا يخضع لتسويق الآخر لنفسه.