الثلاثاء 03 ديسمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

ماذا فعل «آخر المعجزات» بقصة نجيب محفوظ؟

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ

مظاهر الإنشاد الصوفى، والعمارة الإسلامية، والبيوت القديمة، والبارات، وطقوس الحضرة الصوفية وأغانى الخمسينيات، كل ذلك ممزوج بواقع عصرى جامد خالٍ من حياة، كل شىء ميت حتى النظرات فى العيون، وما بين الماضى والحاضر، والروحانية والمادية، كان فيلم «آخر المعجزات» من بطولة غادة عادل، وخالد كمال، وأحمد صيام، وإخراج عبدالوهاب شوقى عن قصة نجيب محفوظ، ولكم جذبنى كثيرًا هذا الفيلم ودفعنى للتفكير فى الكيفية التى يضل بها الإنسان عن القوة الكامنة داخله.

«تبدو كالمسحور عندما تطالع هذه البناية القديمة»؛ هكذا قلتُ لعبدالوهاب شوقى قبل أكثر من 10 سنوات، كنا يافعين وما زلنا ننقب عن منابع شغفنا وإلهامنا فى الماضى والحاضر أمامنا طوال الوقت. «لقد أزالوا سينما النصر»، أذكر حالة الأسى التى تملكتنا ونحن نتأمل الرياح تعصف بغبار الأرض الخالية، ونحاول أن نحافظ على ذاكرتنا حيث هنا كان يوجد منفذ للجمال والفن على الأرض. 

قبل ثلاثة أعوام وربما أكثر، وضع أمامى الصديق المخرج عبدالوهاب شوقى قصة «معجزة» لنجيب محفوظ، وقال إن لم تكن قد قرأتها بعد فقد فاتك جانب شديد الأهمية من أدب نجيب محفوظ. وخلال سنوات تطورت أفكار عبدالوهاب حول القصة إلى معالجة سينمائية مميزة؛ مع كل حديث حولها كان يزداد لهفى إلى مشاهدة هذا العمل الأول. 

ومع فرحتى الشديدة بأن الفيلم الأول لعبدالوهاب سيتم تقديمه فى افتتاح مهرجان الجونة السينمائى، أعلنت إدارة المهرجان قبيل ساعات من الافتتاح عن اعتذار بعدم عرض الفيلم. 

وأعتقد أن يرفض أى مهرجان عرض أى فيلم فهو حق مكفول، ولكن قبول الفيلم ثم التراجع عن عرضه يضعنا فى شكوك حول هذا الحق لو أن التراجع جاء بهدف محدد، مثل حماية المجتمع من فكرة أو صورة ما، ولكن الأزمة تنشأ إذا جاء الرفض بلا هدف، وعلى حسب كتاب قديم قرأته فى الإدارة، فإن المشكلات إذا تجاهلناها صارت أزمات، والأزمات إذا تجاهلناها تحولت إلى كارثة مدمرة لا ينفع معها تقويم أو إصلاح. 

آخر المعجزات

فيلم «آخر المعجزات» يحمل بصمة فنية متفردة من عبدالوهاب شوقى، حيث قدم معالجة بصرية شديدة الإيجاز والتكثيف لقصة نجيب محفوظ، مزاوجًا بين فلسفة القصة العميقة وعناصر الثقافة الشعبية المصرية. 

يقدم الفيلم نقدًا شاعريًا للإنسان المعاصر والذى ركن إلى يأسه، وشعوره بالهزيمة من الحياة، وراح ينتظر حلًا لمشاكله يهبط عليه من السماء، ويمكن القول إننا لو وضعنا تسلسل الأحداث فى اعتبارنا فسنجد أن الفيلم ينتصر للإنسان الذى يبحث عن الحلول فى الأرض، ويدرك أنه قادر على صناعة مصيره بيده. 

يُعتبر هذا الفيلم فرصة ثمينة لتقديم أعمال محفوظ فى حلة سينمائية جديدة تعكس اهتمامًا عصريًا بأعماله الخالدة وتتيح لجيل جديد من المشاهدين تذوق هذه الأفكار الفلسفية والإنسانية من منظور يناسب واقعهم. ومع اعتبار محفوظ رمزًا أدبيًا عالميًا نال جائزة نوبل، فإن من المهم أن يُعرض عمل مستلهم من أعماله فى مثل هذه الفعاليات لتقدير التراث الأدبى المصرى.

وعليه، يجب أن نتساءل عن آليات صيانة تواصل صحى بين المبدعين وصناع القرار فى المهرجانات السينمائية، والهيئات الرقابية، لدفع عجلة الإبداع السينمائى لتقديم أفكار أدبية أصيلة برؤية حداثية تعبر عن هوية مجتمعنا المعاصر وتراثنا الثقافى.