الإثنين 16 سبتمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

أحمد القرملاوى: مشروع فنى مستوحى من أعمال نجيب محفوظ.. قريبًا

أحمد القرملاوى
أحمد القرملاوى

- نشر أعمال الكاتب أحمد بهجت والشاعر مجدى نجيب فى «ديوان»

- «كوميكس أديب نوبل» قدم 30 فنانًا شابًا للمشهد الثقافى والفنى

- أكتب وكأننى أؤلف نوتة موسيقية من حروف وكلمات

أهم ما يميز الروائى والقاص أحمد القرملاوى هو التنوع والاختلاف غير المعهود الذى يغلف حياته فى عالم الأدب، فهو فى الوقت الذى يفكر ويكتب ويبدع أجمل الأعمال الأدبية، يبذل- بشكل موازٍ- جهودًا مهنية مضنية فى التوثيق لأهم وأفضل رموز الكتابة فى مصر، ولعل ثمار جهوده تلك تجلت فيما أنجزته دار «ديوان»، التى يشرف على قسم النشر فيها. 

«القرملاوى» الذى يكتب القصة القصيرة والرواية، يخوض كذلك سباق الترجمة الشاق الذى يحتاج لقدرات خاصة، وهو أيضًا «صياد جوائز» من الطراز الرفيع، فقد حصد العديد من الجوائز المهمة، منها جائزة الشيخ زايد للكتاب عن روايته «أمطار صيفية»، و«كتارا» عن روايته «ورثة آل الشيخ»، وجائزة معرض القاهرة الدولى للكتاب عن روايته «نداء أخير للركاب».

ولم تبتعد ترجماته أيضًا عن ساحة الجوائز، فقد حصد كتابه المترجم «كافيهات.. حكايات من مقاهى باريس» لمؤلفه ديديه بلوند جائزة جورج براسانس عام 2019.

أما تجربته مع قسم النشر فى دار «ديوان»، فقد أثمرت الكثير من النجاحات، التى تجلت فى استحواذ الدار على أعمال الكاتب الكبير نجيب محفوظ، ونشرها بشكل جديد وبأغلفة جديدة ورؤية بصرية مغايرة، وأثمرت كذلك عن نجاح مشروع تحويل أعمال أديب نوبل إلى «كوميكس».

عن هذه التجارب المتنوعة وعن أعماله المرتقبة، أجرت «حرف» مع أحمد القرملاوى الحوار التالى.

■ فى نهاية العام الماضى عبرت عن أمنيتك فى أن تنجح رفقة شركائك فى دار «ديوان» فى إعادة تقديم تجربة نجيب محفوظ للقراء فى ثوب جديد.. هل تحققت أمنيتك؟

- الأمنيات لا تتحقق، بل تولّد أمنيات جديدة لا تتوقف عند حد، وفى طريقك إلى محطة ما تكون قد عقدت العزم على الوصول لمحطة تالية، وهكذا دواليك. 

وقد بدأ مشروع النشر فى «ديوان» بطموح جامح، مع حصولها على حقوق النشر الحصرية لأعمال «محفوظ»، فأسست «مشروع نجيب محفوظ»، وهو مشروع ثقافى وفنى لا يقتصر فقط على إعادة نشر أعماله، بل يهدف إلى تقديم فن حداثى مصرى يستوحى من أعمال «محفوظ» ويتفاعل معها، وقد نتج عنه طبعة «ديوان» التى لاقت استحسانًا لافتًا من جمهور القراء الأحدث سنًّا، إضافةً إلى نتاج آخر لا يقل أهمية وهو تقديم ٣٠ فنانًا شابًا للمشهد الثقافى والفنى، الذين صنعوا باكورة إصدارات «مشروع نجيب محفوظ المصوَّر» الذى يهدف إلى تحويل أعماله لروايات مصورة وأعمال «كوميكس»، وهو طموح ليس له سقف سيأخذنا لمحطات أبعد وأمنيات بلا حدود.

■ ما أهم المشروعات المقبلة التى تعملون عليها فى «ديوان»؟

- هناك العديد من المشروعات التى يصعب المفاضلة بينها على أساس الأهمية، لكن ثمة أسماء مهمة ستَشرُف «ديوان» بتقديم أعمالها، مثل الراحل الكبير أحمد بهجت والشاعر والفنان الفذ مجدى نجيب، والتى لا بد أن تنال ما تستحقه من اهتمام وإتقان، كما نحضِّر لمشروع فنى بالغ الروعة مستوحى من أعمال نجيب محفوظ، بالإضافة إلى باقة منتقاة من أعمال المبدعين الرائعين فى مصر والوطن العربى، ستزدان بها قائمة إصدارات «ديوان» عما قريب.

■ قلت إن من أهم أحداث الأعوام السابقة بالنسبة لك هى رسالة أرسلها لك الدكتور محمد المخزنجى واقترح عليك فيها كتابة مقدمة لمجموعتك القصصية «قميص لتغليف الهدايا».. فى رأيك لماذا افتقدنا الدور المحفز للكتاب الكبار، والذى فى السابق يوسف إدريس وخيرى شلبى وغيرهما؟

- كان حدثًا استثنائيًا بالفعل يوم تكرَّم علىَّ الدكتور محمد المخزنجى باقتراحه كتابة كلمة للغلاف الخلفى لمجموعتى القصصية «قميص لتغليف الهدايا»، دعمًا منه وإعجابًا بهذه التجربة التى رأى فيها ما يستحق كلماته الرقيقة. 

ولا أملك إجابةً شافية عن هذا السؤال، غير أن الظروف التى طرأت على المشهد المعاصر تقدم العديد من التفسيرات الممكنة، فقد تنوعت وسائط المعرفة بدرجة تراجعت معها سلطة الأب، والأستاذ، وكل ما يرتبط بالسلطة الأبوية فى العموم.

كما تنوعت وسائل النشر الحديث بحيث لم يعد الكاتب بحاجة لتوصية من كاتب كبير حتى ترى كتابته النور، وصار التواصل مباشرًا والتفاعل آنيًا بينه وبين جمهور القراء، ما أدى لتراجع دور الناقد والكاتب الكبير فى إبداء الرأى الفنى قبل وصول النص النهائى إلى القارئ. 

غير أن الكاتب الذى يطمح لتطوير أدواته والارتقاء بتجربته الإبداعية لأقصى ما يستطيع، سيُقدر تمامًا قيمة الأساتذة الكبار، وسيسعى دائمًا للحصول على تقييم موضوعى لنتاجه الإبداعى من أولئك الذين يملكون الخبرة والتجربة. 

■ فزت بجائزة الشيخ زايد للكتاب عن رواية «أمطار صيفية» وجائزة كتارا عن «ورثة آل الشيخ».. فى رأيك ما الدور الذى تلعبه الجوائز فى حياة المبدعين؟ 

- تلعب الجوائز عدة أدوار فى حياة المبدع، تتباين وفقًا لطبيعة الجائزة من ناحية، وطبيعة المرحلة التى يحصل خلالها المبدع على الجائزة من ناحية أخرى، فالجائزة التى تجىء فى بداية مشوار المبدع تسهم فى التعريف باسمه وأحيانًا فى توسيع دائرة قرائه، كما تمنحه الثقة والاعتراف الضرورى فى البدايات، أما الجائزة التى يحصل عليها عند مرحلة متأخرة من مشواره الإبداعى فتقع من نفسه موقع التكريم اللائق، خاصة حين تكون الجائزة مرموقة ولها وزنها فى الأوساط الإبداعية، وحبذا لو ساعدت قيمتها المالية فى مكافأة المبدع عن انشغاله بالعمل الإبداعى على حساب العديد من متطلبات الحياة.

■ خضت تجربة الترجمة مع «كافيهات.. حكايات من مقاهى باريس».. كما ترجمت «يبدأ بنا» لكولين هوفر.. هل لديك مشاريع أخرى فى الترجمة؟

- أحببتُ هذه التجربة واستمتعت بها كثيرًا، فقد اكتشفت أن قراءة العمل أثناء ترجمته تأخذ أبعادًا مختلفة عن القراءة المعتادة، لم أختبرها قبل خوض هذه التجربة، ففى حين يتقمص الكاتب شخصياته ويتعايش مع عالمه أثناء تأليف قصة أو رواية، فإن المترجم يتقمص شخص المؤلف ويستعير صوته ويتوحد مع أسلوبه أثناء الترجمة، حتى ينقل النص من لغته الأصلية إلى اللغة المترجم إليها بأمانة وصدق، وهذه تجربة تختلف جوهريًا عن الكتابة الإبداعية.

وكررت التجربة حين توليت ترجمة رواية «يبدأ بنا» للروائية الأمريكية كولين هوفر فى تعاون مع دار «كيان» للنشر، ولم أكن أهدف إلى الترجمة فى ذاتها بقدر ما اهتممت بالتعاون مع دار نشر أؤمن بتجربتها وأعجب بأدائها وتربطنى صداقة حميمة ومحبة صادقة بمؤسسيها، كما أتعاون الآن معهم فى ترجمة رواية متميزة على مستوى المضمون والأسلوب، أرجو أن نحتفل قريبًا بصدورها.

■ روايتك «أمطار صيفية» تناولت تأثير الموسيقى على الروح، ولاحظنا أن الآلات الموسيقية حاضرة كعناصر فنية فى الكثير من أعمالك.. هل هذا نابع من أنك عازف بالأساس؟

- لو سئلت عن المادة الفنية الأقرب لطبيعتى، لكانت الموسيقى هى اختيارى الأول قبل الكتابة، فالموسيقى تملأنى طوال الوقت، وأحاول أحيانًا الإفلات منها فلا أستطيع، وقديمًا كان الهاجس الذى يخيفنى أثناء الامتحانات هو أن تسيطر على عقلى مقطوعة ما، فلا أعود قادرًا على التركيز أثناء الامتحان. وقد بدأت ممارسة الفن عبر باب الموسيقى فدربت نفسى على الكيبورد والعود فى مرحلة مبكرة، وصرت أعزف الآلتين سماعيًا حتى تغلب العود وصار آلتى المفضلة، واستدعى لحياتى أصدقاء كثيرين من موسيقيين أقضى بصحبة أصواتهم وموسيقاهم أمتع أوقاتى، على رأسهم جميعًا محمد عبدالوهاب.

أما الكتابة فتمثل لى محاولتى المتواصلة لكتابة نوتة موسيقية باستخدام الحروف والكلمات، لذا أعتنى أثناء الكتابة باختيار اللفظة التى لا تحقق المعنى فقط، بل التفعيلة الموسيقية التى ترتاح إليها أذنى، فالموسيقى إيقاع منغم، والسرد إيقاع منغم أيضًا يستخدم مخارج الحروف ومقاطع الكلمات والتفخيم والترقيق كأدوات نغمية وإيقاعية تكتب بها المقطوعة السردية، التى تطرَب لها آذاننا ونحن نقرأها على الورق.

■ روايتك «ورثة آل الشيخ» كانت تبحث فى الأساس عن تاريخ عائلة ما، لكنها مرت بالمتغيرات والتحولات الاقتصادية والاجتماعية فى مصر.. هل قصدت تقديم تحليل للواقع؟

- أرى أن الزمن هو المادة الخام التى يشتغل عليها الفن الروائى، وأن الرواية وعاء لحفظ التاريخ الحقيقى للمجتمعات الإنسانية، ولنا مثال فى الروايات الكلاسيكية التى نستطيع أن نتعرف منها على طبيعة الحياة فى مجتمع ما فى زمن ما، بطريقة يصعب إيجادها فى كتب التاريخ والمراجع العلمية، ولنا مثال فى روايات بلزاك ودستويفسكى وزفايج ونجيب محفوظ وغيرهم. 

أما عن روايتى «ورثة آل الشيخ» فكانت محاولتى لتشريح الزمن وفهم آلياته التى تتشكل بها الحياة، ورصد ما يتبقى من حياة البشر بعد فوات أعمارهم وانتهاء وجودهم المادى فى الحياة، فقد كان هذا هو الدافع وراء كتابة رواية مستوحاة من تاريخ عائلتى، وعلى الرغم من أنها انحازت إلى التخييل على حساب الحكايات الواقعية التى جمعتها من أفواه أقاربى، فإن التاريخ الناتج عن التخييل أصدق تعبيرًا عن الحياة مما يسطر فى كتب التاريخ.

تفرض الهندسة نفسها على أحمد القرملاوى وظهر ذلك فى عدد من الكتابات منها «صلاة ق ٤» فى مجموعة «قميص لتغليف الهدايا».

من منا لا يتأثر بمهنته ومجال دراسته، والهندسة على وجه الخصوص تؤسس لمنهج فى التفكير، والنظر للأمور يسهم فى تشكيل عقلية دارس الهندسة ورؤيته للحياة. وقد استفدت من دراستى للهندسة منهجية التفكير، والاهتمام بالتخطيط والتنظيم، وتفكيك الأمور لعناصرها البسيطة بقدر الإمكان. 

كما اكتسبت من عملى فى الهندسة المعمارية وإدارة المشروعات معرفةً بشخصيات لا حصر لها، وتجارب ألهمتنى العديد من الحكايات. 

قصة «صلاة ق ٤» على سبيل المثال تستمد جذورها من دراستى الجامعية، وعلى الأخص مادة معالجة الهياكل الخرسانية Repair، وكان الدكتور قد ساق أثناء المحاضرة مثالًا لهيكل خرسانى فقد صلاحيته، بسبب سقوط أحد العمال داخل قاعدة خرسانية أثناء الصبة، وقد تناول المسألة بموضوعية جافة تهتم فقط بإصلاح الخلل الهندسى الناتج عن وجود جسم غريب داخل القاعدة الخرسانية، بغض النظر عن كون هذا الجسم الغريب آدميًا لفظ أنفاسه داخل كتلة الخرسانة الصماء.. فظلت روح هذا العامل الفقيد تلح على فى محاكمة العالم الذى تسبب فى إزهاقها، حتى كتبت «صلاة ق ٤».

■ ما العمل الذى تعكف عليه حاليًا؟

- أعكف على المراجعة الأخيرة لروايتى الجديدة، التى أتمنى أن أعود من خلالها للتفاعل مع القراء والنقاد والزملاء الروائيين، حيث أتشوق لهذه الأجواء منذ مدة ليست بالقصيرة.