الأربعاء 27 نوفمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

مصر التى على غلاف المصور.. سيرة مجلة عظيمة فى وطن عظيم

مجلة المصور
مجلة المصور

عندما مات الأديب والمؤرخ اللبنانى الموسوعى جورجى زيدان بشكل مفاجئ فى ٢١ يوليو ١٩١٤ كتب عليه ألا يشهد بداية الحرب التى ستنطلق شرارتها بعد موته بأيام قليلة ليبدأ العالم رحلة مجنونة من شبق القتل والتدمير ٤ سنوات تالية، أتت على الأخضر واليابس واجتثت أرواح ملايين البشر فيما عرف بعد ذلك بالحرب العالمية الأولى.

كما لم يشهد جورجى ثورة المصريين العارمة فى العام التالى لنهاية الحرب ١٩١٩، الثورة التى خرجت من رحمها سنوات مزدحمة بالانكسارات والانتصارات الوطنية حتى ولد دستور ١٩٢٣ وخرجت من العدم جملة مدفونة ستعيد الحياة لشعب مقتول بالقهر وهى جملة «الأمة مصدر السلطات»، تلك الجملة السحرية التى قالت الأمر ببساطة لا تحتمل التأويل مفادها أننا شعب عظيم نمتلك تاريخًا تنوء من حمله أكتاف الأمم المنتفخة، ولا يصح أن نظل بلا صوت، لذلك كان طبيعيًا أن تظهر حياة نيابية دسمة يقودها حزب الوفد بقيادة سعد باشا زغلول الذى شكل وزارة الشعب فى بداية عام ١٩٢٤. 

كما لم يشهد جورجى زيدان عدد مجلة الهلال فى شهر مايو ١٩٢٤ الذى كتب فيه ابناه الحبيبان «إميل وشكرى» مقالًا مهمًا، كان بمثابة رسالة له فى العالم الآخر يعلنان فيها عن نجاحهما فى قيادة سفينة مجلته الحبيبة «الهلال» إلى بر الأمان بعد أن ظن الجميع أن موته المفاجئ كان موتًا لتجربته، حيث كان الابنان حينها لا يزالان خارجين من طور المراهقة قبل سنوات، وإرث الأب الثقافى بدا للعيان ثقيلًا عليهما.. لكن إميل وشكرى زيدان حافظا على مجلة الوالد وعملا على تحويلها إلى مؤسسة ضخمة للصحافة فى زمن كان الأمر جديدًا وغريبًا.. لكنهما على أى حالة فعلوها.

وتحت عنوان «حديث الإدارة» كتب إميل وشكرى زيدان مقالًا فى عدد مجلة الهلال مايو ٢٤ حمل نبوءة المصور حيث قالا فيه نصًا: «ما برحنا منذ مدة بعيدة ونحن نفكر فى إصدار مجلة أسبوعية فكاهية مصورة تكون بجانب الهلال كالرفيق بجانب رفيقه أو كالأخ الأصغر بجانب أخيه الأصغر، وقد صحت عزيمتنا أخيرًا بعد أن تمت استعداداتنا الفنية على إصدار هذه المجلة فى شكل شائق مبهج جذاب».

بالفعل فى يوم ٢٤ أكتوبر ١٩٢٤ حمل إميل وشكرى النسخة الأولى لوليدهم الجديد وفى صدر غلافه صورة صاحب الجلالة الملك فؤاد الأول، واستقبلت الناس المجلة برسالة جديدة كتبها الأخوان فى مفتتح المجلة يعلنان فيها عن دستورهما الذى شيداه ليكون قضبانًا متينة عفية تناطح الزمن يمشى عليها قطار التجربة الجديدة دون أن يخرج عنها، كانت أول جملة فى الافتتاحية كافية لتلخيص هذا الدستور، وهذا نصها:

«أيها القارئ الكريم

هذه مجلة أصدرناها لتسليك وتبهجك وتتحدث إليك حديث صديق مقتطف لك من كل بستان زهرة ومن كل شجرة ثمرة».

إذن الأمر كان واضحًا فى ذهن الأخوين زيدان «مجلة صديقة للقارئ». وهو ما تحقق وما أثبتته الأيام وصارت صديق القارئ ومرجعه بعد أن غرست مجلة المصور الوليدة عمود خيمتها فى جدار التاريخ تلتقم أحداثه وتشهد على تقلباته وترصد مفارقاته.. ثم تحبس هذا كله داخلها لتكتبه بحروف لا تمحى وتصير هى والتاريخ سواء.. من يرد قراءة الأخير عليه دخول محراب الأولى والتقليب فى صفحاتها التى كونتها صفحة وراء صفحة كحبات العقد عبر مائة سنة مما تعدون، وهو أمر لو تعلمون أو لا تعلمون عظيم.

لا شك أن قرنًا من الزمان عمر طويل فى تاريخ الأوطان.. بل إنه رقم يزيد على أعمار كثير من الدول والأقطار، لكن مجلة المصور طوت هذا الرقم الآن وصارت تملكه وتوجب الاحتفال به.. وهو الأمر الذى أثقل كاهل كتيبتها هذا العام بمهمة ثقيلة وشاقة وهى إصدار عدد تذكارى يوثق تلك السنوات العامرة ما استطاع إليه سبيلًا، ويكون جديرًا بأن يوضع على جدار تاريخ الصحافة موثقًا لمجلة عريقة عظيمة متجزرة فى الوجدان الوطنى اسمها المصور. وعلى الرغم من صعوبة المهمة لكنهم على أى حال فعلوها وصدر العدد المئوى فى ثوب زاهى براق تفوح منه رائحة الجهد والعمل الشاق والشغف لكتيبة ساقتها الأقدار السعيدة أن تجلس فى نفس الأماكن التى جلس عليها عظماء المهنة خلال مائة عام مضت.

الحق أن الزميل عبداللطيف حامد وكتيبته كانوا موفقين تمامًا فى اختيار عنوان هذا العدد «مصر سيرة وطن عظيم.. ومسيرة شعب أصيل». 

واكتظ العدد الذى يتعدى عدد صفحاته ٤٧٠ صفحة بلقطات نادرة وذكية التقطتها بذكاء أعين كتيبة التحرير بإدارة رشيدة من الزميل أشرف التعلبى، وإشراف ديسك مركزى الزميل محمود عبدالدايم، ورافقت تلك اللقطات صور شديدة الندرة اختصها الزملاء من منبع أرشيف المصور الكنز الذى لا ينضب.. وظهرت فى صورة بهية بفضل إخراج فنى راقٍ بقيادة الزميل هانى وافى.

وحتى لا نفقد المنتج طزاجته فلن نتعمق فى تبويب العدد وما أنتجه الزملاء داخله لنترك لمقتنيه أمارات الدهشة والإعجاب عندما يبدأ فى تقليب أوراق المجلة ثقيلة الحجم عظيمة القيمة.

لكن عملًا بمبدأ «الجواب يبان من عنوانه» فإننا سنترك لكم ما تيسر من أغلفة المصور على مدى ١٠٠ عام مضى، يكفى أن تلقى نظرة سريعة عليها لتعرف عن أى قيمة تتحدث، وستجد تاريخ مصر أمامك مرسومًا على الأغلفة وستدرك قيمة هذا الوطن الذى يعيش فيك ويتخلل حبه مسام جلدك وستعرف لماذا اختار عبداللطيف حامد ورفاقه اسم «مصر» ليكون هو بطل الغلاف.

بالغ التحية والتقدير لكل زميل أسهم فى إخراج هذا العدد المشرف.