الأربعاء 04 ديسمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

أيمن رجب طاهر: الناس أوقفت دفن جثث الموتى وأكلتها من الجوع أثناء الشدة المستنصرية

حرف

- سليم الأول اقترف جرائم همجية بحق المصريين واعتبر البلد غنيمة له ولجنوده

- أعمل الآن على مشروع رواية تاريخية تتناول سيرة شخصية تاريخية مهمة

- والدى غرس فىّ حب القراءة وكان يطلب منى تلخيص القصص التى أقرأها

- القصة القصيرة ليست الأصعب لكنها الأكثر حنكة ودقة فى التعبير

التاريخ هو المتعة الخالصة بالنسبة له، ففيه يرى مصائر البلاد والعباد ويحكم على الواقع ويستشرف المستقبل، ومن خلاله يكون فلسفة خاصة للتعامل مع إشكاليات الحياة بكل ما تحمله من متناقضات.

إنه الروائى أيمن رجب طاهر الذى أصدر أكثر من 13 رواية تاريخية، تتناول الأحداث والوقائع المصيرية والمهمة من زوايا كثيرة، وفاز بالعديد من الجوائز منها جائزة الدولة التشجيعية عن روايته «القحط».

وتحمل روايات أيمن رجب التاريخية فلسفة خاصة تعبر عن رؤيته للأحداث، كما تصنع حالة درامية ممزوجة بالوقائع التاريخية بشكل شيق وجذاب، وهو ما منح كتابته نبضًا وحيوية تخطف ذهن القارئ وتمنحه متعة خاصة.

عن تجربته فى الكتابة بشكل عام والرواية التاريخية بشكل خاص، حاورت «حرف» أيمن رجب طاهر.

■ كان والدك أستاذًا للغة العربية وقلت إنه أول من زرع فيك حب القراءة والكتابة.. كيف بدأ هذا الأمر؟

- والدى الأستاذ رجب طاهر محمد حصل على دبلوم مدرسة المعلمين العليا «لغة عربية» عام ١٩٤٦م وهو من جيل الرواد فى حمل رسالة التعليم فى بلدتى أبنوب مع رفاقه سواء ممن حصلوا مثله على شهادة المعلمين أو الشهادة العالمية من معهد فؤاد الأول الأزهرى بأسيوط.

ومنذ أن وعت ذاكرتى على ما حفر بها من ذكريات، كنت أرى أبى يقرأ مجلات «العربى» الكويتية أو «الهلال» أو مجلة قديمة أذكر أنها كانت «المقطف» ومن صحفه المفضلة كانت جريدة «الأهرام»، وكنت أحب تصفح المجلات وتجذبنى الصور جدًا، فقرأ أبى ما فى نفسى من حب المطالعة فبدأ يقتنى لى مجلات «ميكى وسمير» التى يأتى بها بائع الجرائد لبلدنا، ومن هنا بدأ يغرس فى نفسى حب القراءة وزاد على ذلك حب التلوين للصور غير الملونة وهى هواية اكتشفتها أنا بنفسى.

وكان أبى يطلب منى تلخيص القصص التى كنت أقرأها بل وضع بين يدى كراسة أدوّن بها أى معلومة تثير شهيتى للمعرفة والكثير من المعلومات كنت أدعمها بلصق صورة بجانب ما كتبت، فهكذا بدأ الأمر ومع مرور السنوات وتفتح المدارك تطورت القراءة معى إلى مطالعة مقالات المجلات وقراءة بعض كتب مكتبته الخاصة.

■ تعمل أستاذًا للغة العربية أيضًا ومع ذلك أصدرت ١٣ رواية تاريخية مقابل ٤ روايات اجتماعية.. كيف نمت كل هذه المحبة للكتابة التاريخية؟

- أعود لأبى أيضًا حين كان يتبادل مع رفاق جلسته فى مندرة بيتنا الكبير قصصًا من التاريخ، كنت أستمع لهذه القصص، إلى جانب ذلك الجهاز العظيم الذى نشأت معه فى البيت ألا وهو التليفزيون الأبيض والأسود وما كان يعرضه من مسلسلات وعلى وجه الخصوص شدتنى المسلسلات التاريخية مثل: «على باب زويلة « و«النديم»، والمسلسلات التاريخية المتناولة حقبًا دينية، وأيضًا مسلسل «ألف ليلة وليلة»، وحين وعيت أكثر عن طريق القراءة بدأت أقرأ الروايات التاريخية فقرأت على باب زويلة لمحمد سعيد العريان، و«كفاح طيبة» لنجيب محفوظ، و«وا إسلاماه» لـ«باكثير»، إلى غير ذلك من روايات تناولت أحداثًا تاريخية مهمة.

■ أبرزت جرائم الاحتلال العثمانى فى روايتك «أنسباى.. حكاية أنس بن مصرى».. لماذا إذن يطلق الجميع على غزو العثمانيين فتحًا وليس احتلالًا كما ذكرت فى روايتك؟

- حقيقة لا أدرى من أطلق على الهجوم الغاشم الذى قادة السلطان سليم الأول بن بايزيد على مصر مصطلح «الفتح»، الذى يحمل فى معناه رفع الظلم وإتاحة حياة كريمة بعد تحرير البلاد من ظلم المحتلين كما كان فى فتح عمرو بن العاص لمصر وتحريرها من الاحتلال الرومانى وأيضًا رفع الظلم عن سكان البلاد المجاورة لمصر مثل البربر فى برقة وطرابلس وغيرهما من سكان الشمال الإفريقى، أما ما اقترفه سليم بن عثمان من جرائم همجية فى حق أهل مصر فشىء يندى له الجبين خجلًا من اعتبار هذا البلد غنيمة يجب على جنده حمل كل ما يقدرون عليه من أموال وأمتعة وأثاث ومنقولات وممتلكات وتجريف هويتهم إلى غير ذلك من جرائم، حتى إنه استباح الصناع والحرفيين والفعلة المصريين فأرسلهم إلى الأستانة؛ ليعمروا ويزينوا مدينته.

■ كتبت أيضًا عن الشدة المستنصرية فى روايتك «القحط».. ما رؤيتك لهذه الفترة من عمر مصر؟

- من الناحية التاريخية تعتبر الشدة المستنصرية من أكثر الحوادث إيلامًا فى حياة المصريين، فإن كان نبى الله يوسف الصديق، عليه السلام، ألهمه الله عز وجل إنقاذ مصر طوال سبع سنين شداد بعد أن احتفظ فى المخازن والصوامع بما يضمن الحياة لشعب مصر والبلاد ما حولها، فتلك بكل المقاييس معجزة، أما ما حدث أثناء حكم المستنصر بالله الفاطمى فكان كارثة على مصر حين ندر نزول المطر ومع مرور الأيام تراجع منسوب النهر إلى أن جفّ واستحال إلى مستنقعات عفنة لا تصلح للاستعمال وأنهى الناس على ما فى المخازن من غلال حتى كنسوها، وأكلوا الحيوانات المباح ذبحها، ثم استداروا إلى استباحة أى كائن يمكن اقتناصه حين هلكت معظم الحيوانات، أكلوا الجيف ومع تمادى الجوع امتنعوا عن دفن جثث الموتى وأكلوها ومن فرط الجوع بات الواحد منهم يقتنص الضعاف والأطفال لقتلهم وتناول لحومهم وما تبع ذلك من انتشار الأوبئة والأمراض التى أهلكت أكثر أهل مصر، حتى أن الأسر والعائلات كانت يموت أفرادها بأكملهم خلف الأبواب المغلقة داخل الدور والبيوت ولا يعلم أحد عنهم شيئًا.

■ تعتمد على الكثير من المصادر، كما ذكرت، ولكن ماذا إذا كانت المصادر نفسها لا تقول الحقيقة كاملة؟

- لا بد فى كتابة الرواية التاريخية من الرجوع إلى مصادرها التاريخية؛ لاستقاء المعلومات والمعرفة العامة بأحوال تلك الفترة ولا أظن أن كتبًا مثل «بدائع الزهور فى وقائع الدهور» لابن إياس تكون حوادثها غير حقيقية، أو مؤلفات تاريخية مثل: «انفصال دولة الأوان واتصال دولة بنى عثمان» لابن زنبل الرمال والمعروف بـ«وقعة السلطان الغورى مع سليم العثمانى» أو «البداية والنهاية» لابن كثير أو مجموعة «عبدالرحمن الرافعى» إلى غير ذلك من كتب دوّن بين دفتيها حقائق التاريخ.

■ عرجت على الكثير من الفترات التاريخية فى عمر مصر.. ما أهم المراجع التى تعتمد عليها فى هذا الشأن؟

- من أهم الكتب التى اعتمدت عليها فى كتابة الرواية التاريخية: «موسوعة مصر القديمة» لـ«سليم حسن» و«الحياة اليومية فى مصر» لـ«بيير مونتيه»، ترجمة عزيز مرقس منصور، و«الطب المصرى القديم» لـ«جون إف نن»، ترجمة عمرو شريف وعادل وديع فلسطين، و«النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة» لـ«ابن تغربردى الأتابكى» و«البداية والنهاية» لـ«أبوالفدا إسماعيل ابن كثير» و«مصر الإسلامية وتاريخ الخطط المصرية» لـ«محمد عبدلله عنان» و«تاريخ الجامع الأزهر» ل«محمد عبدالله عنان» و«أشكال العديد فى صعيد مصر» لـ«درويش الأسيوطى» و«فضائل مصر وأخبارها وخواصها» لـ«ابن زولاق» و«سيرة القاهرة» لـ«استانلى لينبول» ترجمة حسن إبراهيم حسن، و«حضارة العرب» لـ«جوستاف لوبون» و«بدائع الزهور فى وقائع الدهور» لـ«ابن إياس» و«انفصال دولة الأوان واتصال دولة بنى عثمان» لـ«ابن زنبل الرمال» والمعروف بـ«وقعة السلطان الغورى مع سليم العثمانى»، و«عجائب الآثار فى التراجم والأخبار» لـ«عبدالرحمن الجبرتى». 

وكذلك مجموعة كتب عبدالرحمن الرافعى: «عصر محمد على، وعصر إسماعيل جزء ١و٢، والزعيم أحمد عرابى ومصر المجاهدة فى العصر الحديث (الثورة العرابية والاحتلال الإنجليزى والسودان) ومصر المجاهدة فى العصر الحديث (التراجع والانتكاس من الاحتلال إلى ثورة ١٩١٩)، وثورة ١٩١٩ وتاريخ مصر القومى من سنة ١٩١٤: ١٩٢١»، و«التاريخ السرى لاحتلال إنجلترا مصر» لـ«ألفريد سكاون بلنت» و«مصر من نافذة التاريخ لجمال بدوى» و«تاريخ أسيوط وحضارتها عبر العصور» لمجموعة مؤلفين.

■ فزت بالكثير من الجوائز منها جائزة الدولة التشجيعية وغيرها.. كيف ترى دور الجوائز فى حياة المبدع؟

- جائزة الدولة التشجيعية وغيرها من الجوائز والمشاركة فى المسابقات الأدبية، أعتبرها محفزًا مهمًا لمواصلة المبدع فى مسيرة إبداعه؛ فيكفى أن ناقدًا قد قرأ العمل ووصل إلى درجة من القناعة أن هذا العمل متميز بشكل ما. 

■ تناولت نقطة مخفية فى تاريخ الجيش المصرى وهى بطولات الهجانة فى الحرب العالمية الأولى.. ماذا عنها؟

- الكثيرون تناولوا الحرب العالمية الأولى كأحداث تاريخية محضة لكن فيلق العمال والهجانة المصرى تناولته من ناحية روائية فى رواية «الهجانة»، فالهجانة مصطلح قديم لا وجود له حاليًا، وتعنى الجنود النظاميين من المصريين والسودانيين، الذين يتميزون بالبشرة السوداء الدالة على قوة التحمل، ويستخدمون الجمال فى تنفيذ المهام العسكرية الموكلة إليهم سواء بواسطة الاحتلال الإنجليزى أو بواسطة الجيش المصرى، فهم يخدمون الوطن والمحتل معًا، إلى درجة أن يستخدمهم المحتل للاعتداء على أبناء بلدانهم لجمع المال، كما ينفذون المهام الوطنية التى يكلفهم بها الجيش المصرى كحماية الحدود ومواجهة المهربين، بهذا يعيشون تناقضًا واضحًا مؤثرًا على شخصياتهم. 

وفيلق العمال والهجانة رمز لمسلوبى الإرادة، سواء يملكون السلاح أو لا يملكونه، والراضخون للتعليمات الصائبة والخاطئة التى لهم والتى عليهم، ويطيعون من يكفرون به، لأنهم يدركون حجمهم لدى المسئولين عن أوطانهم، أو بالأحرى لدى حكوماتهم التى ستضحى بهم بلا تردد، وفى الوقت ذاته يدركون حقيقة ما وراء الوجه المبتسم للمحتل الأجنبى، فخلفه نيران حارقة لا تعرف الرحمة، فهم بين نيران مشتعلة من كل جانب. 

ومن جوانب تصحيح الصورة كانت إضافة الجديد لما هو معروف، وفى ذلك ما عمدت إليه الرواية من تشريح سلوك المحتل العدوانى الهمجى وأسبابه ونتائجه بشكل سردى بعيدًا عن المباشرة، وأيضًا حجم التعذيب والقهر الذى لا يمكن توضيحه إلا من خلال ممارسات المهمشين ومعيشتهم الصعبة وغير الإنسانية مقارنة بمعيشة الجنود الإنجليز وهى من الحقائق التاريخية أيضًا.

أما عن حبكة الرواية الأساسية فى العمل فقد وجد «غلاب النجار» نفسه مجبرًا على السفر وإلا سيتم التنكيل به، لكن كانت تواجهه مشكلة كبيرة تجاه إمكانية السفر ألا وهى، أين يترك ابنته؟، وهنا منطقية الحبكة وبناء صراعات متتالية، فنحن نتحدث عن أنثى فى مجتمعات بداية القرن الماضى، حيث كانت طرق التعامل والتفاهم والاستيعاب مختلفة، كما أن غلاب ليس له أقارب فى الوجه البحرى، إلى جانب صعوبة تركها لدى أقاربها الموجودين فى الصعيد فهى أنثى، فضلًا عن خطورة تركها لدى معارفه أو بمفردها وهى بالعشرينيات من العمر.

ومن ثم فلم يجد طريقة إلا الحيلة بأن تقوم «منصورة» وهى ابنة «غلاب» النجار بالتحول الشكلى إلى ولد، وتصبح «منصور» أمام الجميع، حتى لا يطمع فيها العمال المصريون أو الإنجليز وغيرهم، وهنا نجح الروائى فى جعل القارئ يلهث مع مشاعر الأنثى التى أُجبرت على أن تكون ذكرًا، وعبر أحداث متتالية عنيفة ومتتالية.

وترتكز الرواية على الحقيقة التاريخية لمقابر المصريين والسودانيين وغيرهم بالدول الأوروبية فى بلجيكا وفرنسا، وهى فكرة طازجة روائيًا، فتتناول ما كان للمدنيين الذين تم إجبارهم على السفر والعمل بالسخرة لتنفيذ أعمال البنية التحتية الشاقة واللازمة لمواجهة دول المحور قبيل الحرب وأثناء اشتعالها، وكانت تشمل إعداد مقرات الجنود وإنشاء خطوط السكك الحديدية كخط سكك من فوران لشامبيرى وغيرها، وإنهاء تجهيزات المبانى والموانئ وصناعة الأثاث، وإنشاء محطات التلغراف كما فى «جرونوبل»، ومرورًا بالذهاب إلى «ليون»، أو تجهيز مهمات الجيش المحارب فى قلعة ساواشى خلف البحر، وإجراء استعدادات معركة جاليبولى وغيرها.

■ كتبت القصة القصيرة والمسرحية والرواية.. لكن الرواية كان لها الوجود الأكبر فى عقلك.. لماذا؟

- القصة القصيرة لا نقول عنها الأصعب لكن الأكثر حنكة ودقة فى التعبير عنه، والمهارة فى اقتناص اللحظة القصصية والتعبير عنها، وأصدرت عدة مجموعات قصصية مثل «التابوت، ومدونة الأساطير، وصدى لضوء خافت، وسأبوح بسرى لخلانى السطور» وغيرها، والكثير منها يعبر عن واقع وعادات وتقاليد وموروثات الحياة فى الصعيد، أما مسرحية «بيت الحكمة» فمستوحاة من حوادث سقوط بغداد على يد هولاكو 1258م وما تبعها من أحداث جسام، فالمسرحية محكومة بأسس ومفردات الفن المسرحى، أما الرواية فوجدت فيها المساحة الأرحب فى التعبير عن الأحداث والوقائع ومكنونات الشخوص والأبطال ووصف الأمكنة فى زمانها الذى عاشت فيه.

■ فى النهاية ما المشروع الذى تعمل عليه الآن؟ 

- مشروع رواية تاريخية تتناول سيرة شخصية تاريخية مهمة.