حمل بعير.. تداخل القرآن والعلم فى قصة يوسف الصديق
- اختلاف المفسرين بين «الجمل» و«الحمار» ودراسة علمية تحسم الجدل
اختلف المفسرون فى قصة يوسف الصديق حول معنى {حمل بعير}، عندما سأل النبى يوسف إخوته من بنى إسرائيل مَن يبلغ عمّن أخفى صواع ملك مصر فى راحلته، أى مكيال القمح، وذلك فى أثناء خروجهم من مصر بالقمح الذى اشتروه منه، بسبب المجاعة التى أصابت الأرض المصرية والعربية فى السنوات العجاف. ذهبت غالبية المفسرين للكتاب المقدس أن «حمل بعير» تعنى حمل جمل. بينما ذهبت غالبية المفسرين للقرآن الكريم أنه حمل حمار.
فى هذا الصدد كانت دراسة المهندس «محمد عبدالرازق جويلى» الباحث فى علوم تفسير القرآن الكريم، الذى توغل بنا فى الماضى السحيق، ليؤكد لنا أن النبى إسماعيل عليه السلام أول من ركب الجمل وروّضه للسير فى الصحارى، بعد أن كان متوحشًا فى الماضى منذ آلاف السنين، لا يستطيع أحد ركوبه أو السير به.
وأضاف «جويلى» أنه إذا أخذنا بالاحتمالين: حمل بعير= حمل حمار، فإن نصيب الفرد فى بنى إسرائيل كان أقل من رغيف فى اليوم، وحمل بعير= حمل جمل، فإن نصيب الفرد لن يزيد على رغيفين فى اليوم. من هنا كانت المجاعة التى أدارها النبى يوسف، عليه السلام، أيام السنوات العجاف فى المنطقة العربية والعالم كله.
فى العهد القديم نجد الإشارة إلى الإبل كوسيلة للنقل، اُستخدمت فى زمن سيدنا يعقوب، عليه السلام. وفى قصة يوسف، عليه السلام، جاء ذكر الجِمال فى «سفر التكوين» فى العهد القديم «فَقَامَ يَعْقُوبُ وَحَمَلَ أَوْلاَدَهُ وَنِسَاءَهُ عَلَى الْجِمَالِ»، سفر التكوين ٣١: ١٧، هذا النص يؤكد أن سيدنا يعقوب استخدم الإبل فى النقل، وحمل الأولاد والنساء.
لكن القرآن لم يذكر الجِمال كوسيلة للنقل، بل ذكر العير والبعير أى الحمير. قال تعالى {وَ لَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّى لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ}، يوسف: ٩٤. عن ابن جريح عن مجاهد: «أيتها العير» قال: كانت حميرًا، وفى تفسير القرطبى: قال مجاهد كان عيرهم حميرًا.
وقال تعالى أيضًا: {قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَ لِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَ أَنَا بِهِ زَعِيمٌ}، يوسف: ٧٢. فى تفسير الطبرى «عن ابن جريج عن مجاهد قال، قوله (حمل بعير) حمل حمار». طبعًا بعض المفسرين نقلوا معنى آخر من الإسرائيليات، واعتبروا أن البعير هى الإبل. ففى تفسير القرطبى لـ{ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم}: البعير هنا الجمل فى قول أكثر المفسرين، وقيل إنه الحمار.
من هنا نُدرك أن القرآن استخدم كلمة تحتمل عدة معانٍ: الجمل والحمار. ولم يستخدم كلمة جمل صراحة.. لماذا؟ العلم الحديث يكشف لنا هذا السر اليوم.
ويوضح المهندس «محمد جويلى» أنه يمكن قياس قصة النبى يوسف مع قصة النبى صالح وقوم ثمود، الذين كانوا نحو سنة ٤٠٠٠ قبل الميلاد، وأرسل لهم الله ناقة تسقيهم من اللبن، بما يدل على أن الجمال كانت غير مستأنسة فى الصحارى آنذاك، قبل أن يعقروها.
وما يؤكد دقة كلمات القرآن الكريم، وأنه يتفق مع العلم الحديث، دراسة حديثة أُجريت على عظام الجمال، التى تعود إلى آلاف السنين، ووُجدت فى مناطق متفرقة من الشرق الأوسط، بينت أن الجمل استُخدم كوسيلة للنقل أول مرة عام ٩٣٠ قبل الميلاد، أى بعد سيدنا يعقوب بزمن طويل. وتقول الدراسة إن الوسيلة المستخدمة فى زمن يعقوب هى الحمير، فى تطابق كامل مع القرآن الكريم، ومع تفسير سيدنا مجاهد رضى الله عنه.
جاء على موقع «ناشيونال جيوجرافيك» أن الجمال لم تُروض بواسطة البشر إلا فى القرن العاشر قبل الميلاد. وتقول الدراسة إن الجمل ذكر فى التوراة ٤٧ مرة، مع أنبياء الله عليهم السلام: إبراهيم، يعقوب، يوسف.
لكن الدراسة التى أُجريت على بقايا عظام للجمال منتشرة فى فلسطين، بينت أن قياس عمر هذه العظام باستخدام تقنية الكربون المشع يعطى عمرًا لأقدم عظم لا يتجاوز ٩٠٠-٩٣٠ سنة قبل الميلاد، حيث ظهرت الجمال فجأة كوسيلة للنقل، باعتبارها أكثر كفاءة من الحمير التى استخدمت سابقًا كوسيلة للنقل.
الدراسة تتوقع أن الإبل قد تم ترويضها واستعمالها للنقل أولًا فى الجزيرة العربية قبل الميلاد بألف سنة تقريبًا، وذلك من خلال فحص بقايا لعظام الإبل، التى بينت بوضوح علامات الإجهاد وبعض الجروح والكسور التى نتجت عن استخدام الإبل فى التنقل المتكرر وحمل الأمتعة.
وجاء فى معجم «لسان العرب»: قال ابن برى: «وفى البعير سؤال جرى فى مجلس سيف الدولة ابن حمدان وكان السائل ابن خالويه والمسئول المتنبى، قال ابن خالويه: والبعير أَيضًا الحمار وهو حرف نادر أَلقيته على المتنبى بين يدى سيف الدولة، وكانت فيه خُنْزُوانَةٌ وعُنْجُهِيَّة، فاضطرب فقلت المراد بالبعير فى قوله تعالى «ولمن جاء به حِمْلُ بَعير»، الحمارُ فكسرت من عزته!
وبالتالى فإن يعقوب وإخوة يوسف، عليهم الصلاة والسلام، كانوا بأرض كنعان، وليس هناك إِبل، وإنما كانوا يمتارون على الحمير، فى قوله تعالى {حمل بعير}، أَى حمل حمار، وكذلك ذكره مقاتل بن سليمان فى تفسيره.