الخميس 12 ديسمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

مزاج العالم.. كيف أصبحت «البيرة» سلعة عابرة للقارات والثقافات؟

حرف

- رحلة موسوعية فى تاريخ صناعة البيرة الحديثة فى العالم عبر القرون 

- كيف ساعد اقتصاد البيرة فى تشكيل لحظات مختلفة عبر التاريخ؟

- باحث أمريكى يرصد كيفية تصنيع البيرة واستخدامها لإضفاء المعنى على حياة البشر

- تبادل التقدم التكنولوجى فى الصناعة أسهم فى حدوث اختلافات وتقاربات إقليمية فى أصناف البيرة

مشروب له تاريخ طويل، هو ثالث أكثر مشروب يستهلك على الأرض بعد الماء والشاى، والمشروب الكحولى الأكثر شعبية على مستوى العالم.. يعتبر منتجًا أساسيًا يتم تقديمه فى المناسبات الرياضية والحفلات، والتجمعات البشرية فى جميع أنحاء العالم.

المجتمعات القبلية كانت تصنعه لحفلات الزفاف والجنازات ومهرجانات الحصاد، وفى وقت لاحق، نظر الأوروبيون له على أنه جزء من مهمتهم الحضارية، «البيرة» هى واحدة من عدد قليل من المنتجات الغذائية التى يمكنك تتبع تاريخها مع تاريخ الحضارة على الكوكب.

وتمتلك كل دولة تقريبًا علامة تجارية محلية رائدة أكثر مبيعًا وشهرة، من «بدويايزر» فى الولايات المتحدة الأمريكية، و«كورونا» فى المكسيك، إلى «تسينجتاو» فى الصين، و«هينيكن» فى هولندا.

لكن القصة التى وراء ذلك ليست بهذه البساطة، فالبيرة الحديثة التى تم اختراعها فى جميع أنحاء العالم هى نتاج للعولمة وتأثير الثقافة الغربية، حيث انتقل المنتج الأوروبى عبر التجار والمهاجرين، لتغيير الأنماط المحلية وتحويل أذواق المستهلكين.

ومن خلال دوائر التجارة والهجرة والمعرفة، أصبحت البيرة سلعة عالمية عابرة للقارات والثقافات، هذا ما يوضحه بالتأريخ كتاب «قفزت: كيف جعل السفر والتجارة والذوق البيرة سلعة عالمية» للباحث الأمريكى فى تاريخ الغذاء «جيفرى إم بيلشر».

الكتاب صدر فى سبتمبر الماضى، فى 352 صفحة، عن دار نشر جامعة أكسفورد، ويصحبنا فيه المؤلف فى رحلة لفهم مشهد صناعة البيرة العالمى المعاصر، وتاريخه الكبير على مدى القرون الماضية.

حيث يتتبع الباحث- من خلال التاريخ الحى لتقاليد البيرة والتخمير كسلعة عالمية تم حملها من خلال الاقتراض والمقايضة من أوقات ما قبل الرأسمالية وحتى وقتنا الحاضر- كيف أن شيئًا شخصيًا مثل الذوق وتفضيل نوع أو علامة تجارية معينة للبيرة، يتشكل فى الواقع من خلال القوى العالمية والسياسات المحلية. 

الشرب ثقافة

وتنبع أهمية الكتاب من كونه يقدم الشرب كثقافة من خلال فهم الاتجاهات الاقتصادية الأوسع، وتطور مشروب البيرة من جذورها المجتمعية، مع الصناع الحرفيين المميزين فى أوروبا وآسيا وأماكن أخرى، إلى سلعة يتم إنتاجها بكميات كبيرة ومعززة بالتكنولوجيا مدفوعة بالعلامات التجارية والمكانة وعمليات الدمج، ليصبح الاتجاه السائد حاليًا هو مصانع البيرة الصغيرة المحلية فى كل دولة.

ويتناول «بيلشر» فى كتابه اقتصاد البيرة، وكيف ساعد فى تشكيل لحظات مختلفة عبر التاريخ، هذا فى الوقت الذى يقدر فيه حجم سوق البيرة فى عام ٢٠٢٤، بنحو ٧٢٤.٥ مليون دولار، مع توقعات بوصوله إلى ٩١٤.٢١ مليون دولار بحلول عام ٢٠٢٩.

ويستند الكتاب إلى وثائق دولية وإصدارات متخصصة فى الصناعة، ليستكشف كيف صنع البشر مشروب البيرة، وكيف استخدمه المستهلكون من النخبة فى الماضى وحتى الآن، لإضفاء معنى على حياتهم. 

تقاليد الإنتاج

ويروى «المؤلف» تقاليد التخمير والإنتاج المعاصر للبيرة فى جميع أنحاء أوروبا وأمريكا الشمالية وإفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، مشيرًا إلى أن تبادل التقدم التكنولوجى فى الصناعة، أسهم على مر القرون فى حدوث اختلافات وتقاربات إقليمية فى أصناف البيرة، ولكن دائمًا بالتزامن مع تطورات اجتماعية وثقافية أخرى. 

ويتتبع «بيلشر» فى كتابه تطور مشروب البيرة فى المجتمعات المختلفة، فيقول إن النخب المحلية كانت تظهر حداثتها وتطورها من خلال اختيار البيرة المبردة على المشروبات التقليدية. 

وهو الأمر الذى جعل البيرة موحدة للغاية، لدرجة أن معظم المستهلكين لم يتمكنوا من التمييز بينها، مما أدى إلى منافسة شرسة، أدت إلى إفلاس عدد لا يحصى من الشركات.

وإلى جانب الأبعاد المجتمعية والثقافية التى يتناولها الكتاب، فهو يمتلئ أيضًا بأسرار تجارية مثيرة للاهتمام، كبعض المناورات التسويقية الساخرة، على سبيل المثال تبرعت شركة «هينيكن» ذات مرة بالمال للمدارس الإفريقية، وفى المقابل كان يتم طلاء تلك المدارس باللون الأخضر، لضمان ولاء العملاء فى سن مبكرة. 

بداية الاختراع

تعتبر الجعة «البيرة» واحدة من أقدم المشروبات المصنعة فى العالم، إذ قد يعود تاريخ تصنيعها إلى العصر النيوليثى المبكر «نحو ٩٥٠٠ عام قبل الميلاد»، عندما أنبت البشر القمح للمرة الأولى فى تاريخ الزراعة، وقد تم ذكرها فى السجلات التاريخية بمصر القديمة وبلاد الرافدين، وربط المؤرخون بين اختراعها وتطور المدنية.

ويحكى الباحث بداية اختراع مشروب البيرة الحديث فى العالم، فيقول: فى ٥ أكتوبر ١٨٤٢، ابتكر صانع جعة بافارى «ألمانى» يدعى «جوزيف جرول» بيرة «بيلسنر» الأصلية، باستخدام مكونات من الريف البوهيمى مثل الشعير الذهبى من مورافيا «منطقة تاريخية جبلية تقع شرقى جمهورية التشيك»، والمياه المحلية الناعمة. 

هذا النوع الأول من البيرة يأخذ اسمه من مدينة «بلزن» التشيكية، والذى لا يزال إنتاجه مستمرًا حتى اليوم، ومنذ ذلك اللحظة، أصبحت «بيلسنر» فريدة من نوعها فى الأسلوب والجودة، ويمكن تكرارها فى أى مكان فى العالم.

وفى هذا التوقيت، افتقر مصنعو الجعة فى «بلزن» للسمعة الراسخة، وكان عليهم النضال من أجل المكانة ضد المنافسين فى جميع أنحاء أوروبا الوسطى وحول العالم، هذا إلى جانب أن البيرة بأنواعها كان السماح بها قانونيًا هو أمر يحدده السياسيون والقضاة، وليس المصنعون والمستهلكون.

ويضيف المؤلف: على الرغم من تسميتها على اسم مدن معينة مثل «بلزن»، و«بودفايز»، و«ميونيخ»، و«فيينا»، فإن أنواع البيرة فى القرن التاسع عشر، نشأت من الحركة المتزايدة فى عصر العولمة. 

حيث جمع تطويرها بين الأساليب البريطانية الجديدة للتخمير وعملية الإنتاج مع التقدم البافارى فى التخمير البطىء، ومن هنا اكتسبت البيرة سمعتها فى الأسواق القارية والعالمية، والتى أصبحت ممكنة بفضل شبكة واسعة من خطوط السكك الحديدية والسفن البخارية.

تطوير الصناعة

يقول «بيلشر» إن المصانع فى «بلزن» وأماكن أخرى كانت تستخدم مكونات محلية نسبيًا، ولكن الإنتاج الصناعى تجاوز الإمدادات، مما اضطرها إلى شراء المواد الخام من أسواق السلع الأساسية الدولية. 

واعتمدت الصناعة المتوسعة على تنقل العمال المهرة، سواء الطلاب الذين يسافرون للتعلم أو عمال الصناعة الذين يحصلون على وظائف فى بلاد أخرى، ومع تحرك الأشخاص والسلع والأفكار بوتيرة متسارعة، كانت الرغبة فى تثبيت البيرة فى مواقع معينة مفهومة من الناحية النظرية، وغير قابلة للتحقيق فى الممارسة العملية.

ويرى «الكاتب» أن التقدم فى العلوم والتكنولوجيا، كان السبب الرئيسى فى تطوير صناعة البيرة فى القرن التاسع عشر، لافتًا إلى أنه بالفعل فى أواخر القرن الثامن عشر، اعتمدت شركات الصناعة البريطانية على نطاق واسع موازين الحرارة ومقاييس السكر، لتجنب الأعطال المكلفة.

وتم استخدام هذه الأدوات من قبل المصانع المتقدمة فى القارة الأوروبية وفى الأمريكتين، والمفاجأة أن المجهر «الميكروسكوب» كان أداة تحويلية بشكل خاص، حيث مكن العلماء من كشف أسرار التخمير.

معامل خاصة

ويحكى «الباحث» أن مصانع الجعة الكبرى أنشأت مختبراتها الخاصة، وكان علماء التخمير من بين أبرز الكيميائيين النظريين فى القرن التاسع عشر، حيث قاموا بنشر هذه المعرفة وإضفاء الطابع المؤسسى على مهنتهم من خلال مدارس التخمير ومحطات البحوث والمنشورات العلمية، وبالتالى إنشاء شبكات دولية للمعرفة.

ويشير المؤلف إلى أن تطبيق الكيمياء التحليلية فى مراقبة الجودة الصناعية، أدى بدوره إلى فرض معايير كمية، ساعدت على ضمان المزيد من المنتجات الموحدة، مع تقييد إبداع صانعى البيرة الممارسين أيضًا.

كما أسهمت الحركة المتزايدة للمستهلكين فى تغيير أذواق البيرة، وجلب التصنيع المهاجرين من الريف إلى المدينة، ومن أوروبا إلى الأمريكتين، وسمح ارتفاع الدخول من أجور المصانع فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر للعمال بتناول الأطعمة التى كانت فى السابق مقتصرة على النخب. 

سلعة حديثة

ويشرح «بيلشر» الأسباب التى جعلت البيرة سلعة حديثة فى القرن التاسع عشر، أولها أن المستهلكين لم يعودوا قادرين على استخدام حواسهم للحكم على الجودة فى السوق، وبدلًا من ذلك كان عليهم أن يثقوا فى الأسماء التجارية.

وثانيها أن صانعى البيرة أنشأوا مساحات جديدة للاستهلاك، محولين الحانات التقليدية إلى قصور وحدائق متقنة الصنع، ومن خلال المطابقة الأسلوبية، والمناطق الجغرافية المتخيلة، والاستهلاك التجارى، اتخذ المشروب وضعه.

ويوضح الكاتب الكيفية التى انتقلت بها عملية تصنيع المشروب إلى جميع أنحاء أوروبا الوسطى، فيروى أنه فى خريف عام ١٨٣٤، قام شابان من صناع الجعة من «ميونيخ» و«فيينا» بجولات فى مصانع الجعة فى إدنبرة «عاصمة أسكتلندا»، باهتمام كبير، وطرحوا الأسئلة، وشاركوا بحرية معرفتهما بعملية تخمير البيرة البافارية «الألمانية»، التى لم تكن معروفة فى بريطانيا فى ذلك الوقت.

وفى أثناء زيارتهما لغرفة التخمير فى كل مصنع، قام أحدهما بتشتيت انتباه مضيفيهما، بينما قام الآخر بوضع عصا المشى فى وعاء من البيرة المغلى، ثم يفتح صمامًا مخفيًا لملء الأنبوب المجوف بسائل التخمير، ثم يغلق مرة أخرى عند سحبه.

وبالعودة إلى مكان إقامتهما، قام صانعو الجعة بتحليل العينات المسروقة باستخدام مقياس السكر، ثم تطبيق المعرفة المكتسبة بطريقة غير مشروعة لتصنيع الجعة البافارية المميزة، وفى المقابل، تم تقليد هذه الجعة الجديدة من قبل المنافسين فى جميع أنحاء أوروبا الوسطى.

شعبية واسعة

ويشير «الباحث» إلى أن البيرة «البافارية» الداكنة حققت شعبية واسعة النطاق فى جميع أنحاء ألمانيا فى أربعينيات وخمسينيات القرن التاسع عشر، وفى «ميونيخ»، قدمت البيرة كمصدر أساسى للتغذية للكثيرين من الطبقات العاملة، على سبيل المثال كان الرجال غير المتزوجين، يتناولون وجباتهم فى الحانات، حيث يتناولون مشروب البيرة.

وفى هذه الأثناء، اصطفت ربات البيوت مع الصهاريج خارج مصانع الجعة لأخذ البيرة اليومية إلى عائلاتهن، وكان المشروب يمتص ما يصل إلى نصف الأجر اليومى، ويحدد إلى حد كبير مستوى معيشة العمال، ولذا عندما ارتفعت أسعاره فى عام ١٨٤٤ ومرة أخرى فى عام ١٨٤٨، اقتحمت الحشود منازل صانعى البيرة البارزين.

ويلفت «المؤلف» إلى أن مشروب البيرة لم ينظر إليه على أنه مصدر تغذية فقط، بل على أساس كونه علامة مرضية على الثروة والمكانة، ففى البلدات الريفية الصغيرة فى ألمانيا كانت الحانات تتم زيارتها بمرح من قبل العملاء المتميزين، الذين استمتعوا بمشروب بيرة «ميونخ»، لأنها تنتمى إلى المجتمع الراقى.

لكن الموضة لم تكن عامل الجذب الوحيد، فيوضح «بيلشر» أن مثل العديد من الأطعمة الصناعية فى القرن التاسع عشر، كان ينظر إلى بيرة الجعة على نطاق واسع على أنها تتمتع بمذاق طازج وطابع صحى أكثر من البيرة المخمرة، والتى غالبًا ما يكون مذاقها حامضًا ويعتقد أنها تؤوى الكوليرا. 

طلب متزايد

ويقول «الكاتب» إن الطلب المتزايد على البيرة البافارية، أدى إلى تحقيق أرباح هائلة للمصانع، وألهم منافسين جُددًا، وذلك حتى قبل ربط «ميونيخ» بنظام السكك الحديدية الألمانى فى عام ١٨٤٠، حيث كانت مدينة «لايبزيج» الصناعية تستورد ١٠ آلاف هكتولتر من البيرة البافارية سنويًا. 

وبحلول أوائل ستينيات القرن التاسع عشر، كانت قطارات البيرة الخاصة تغادر مرتين أسبوعيًا من «ميونيخ» إلى «راينلاند» و«باريس»، ولتلبية الطلب اضطر مصنعو الجعة فى «ميونيخ» إلى شراء الثلج الذى يتم حصاده من نهر «بيرنهورن» الجليدى فى النمسا. 

وفى «زيورخ»، أصبح وصول أول قطار بيرة من «ميونيخ» محفورًا فى الذاكرة التاريخية لمصانع الجعة المحلية، الذين يتذكرون أنه «منذ تلك اللحظة فصاعدًا زادت كمية البيرة فى جميع مصانع الجعة السويسرية بشكل ملحوظ، وأصبحت الجودة أفضل بكثير».

ويؤكد «الباحث» حيوية مشروب البيرة بالنسبة للمستعمرين البريطانيين، فيحكى واقعة أن أحد الضباط فى الهند قال فى عام ١٨٧٨: «لو طردنا من البلاد، فلن يكون هناك أى أثر أو نصب تذكارى لحكمنا.. سنعيش بعد ١٠ سنوات، خلف زجاجات البيرة الفارغة التى تركناها وراءنا».

ويأخذنا «المؤلف» من جديد إلى عملية انتقال البيرة من أوروبا إلى الأمريكتين، حيث إنه بحلول ستينيات القرن التاسع عشر، ابتكر مصنعو الجعة فى أوروبا الوسطى مجموعة من أنواع البيرة المختلفة، حتى قبل أن تدمج خطوط السكك الحديدية أسواق البيرة الأوروبية بشكل كامل.

وكان مصنعو البيرة يراقبون منافسيهم عن كثب، ويعملون على ضمان تميز منتجاتهم أمام المستهلكين، وفى هذه الأثناء حمل المهاجرون الناطقون بالألمانية الفارين من التغيير الاقتصادى والاضطرابات السياسية، هذه المنافسة الدولية إلى الأمريكتين، حيث فتحوا عالمًا جديدًا من بيرة الجعة.

وانطلق قطار تصنيع التخمير فى المجتمعات الأمريكية بالتزامن تقريبًا مع نمو البيرة فى أوروبا الوسطى، وقام صانعو البيرة الأمريكيون بتكييف أساليبهم مع الظروف والأذواق الجديدة، وكان التقدم العلمى الذى دفع عجلة التصنيع، نتيجة لشبكات المعرفة التى امتدت عبر العالم.

عدم مساواة

ويعبر «بيلشر» عن رفضه عدم المساواة الاجتماعية فى صناعة البيرة، فمنذ فترة طويلة تعانى النساء سوء المعاملة فيها، رغم أنه لآلاف السنين كان صنع الجعة يعتبر عملًا نسائيًا ومسئولية منزلية، ولكن مع تحول الإنتاج إلى التصنيع، تم الضغط على النساء أو استبدالهن بالكامل. 

ويرجع «الكاتب» هذه الحالة إلى قانون نقاء البيرة الألمانى الشهير، والذى تم وضعه لسببين، أحدهما للمساعدة فى السيطرة على سوق الحبوب وإظهار أن الشعير هو الحبوب الأكثر كفاءة فى التخمير، وثانيهما لتقييد صانعات الجعة، اللاتى كان ينظر إليهن على أنهن متخصصات فى الأعشاب، مثل الساحرات تقريبًا.

ولذا تحولت المنتجات المحلية الفريدة، التى غالبًا ما كانت تصنعها النساء فى المنزل، إلى سلع عالمية متجانسة مع قيام مصانع التخمير العملاقة بتصدير منتجاتها من البيرة، باستخدام تكنولوجيا التبريد الجديدة، والسكك الحديدية، والسفن البخارية. 

هذا فى الوقت الذى ساعدت فيه المعالجة الصناعية للأغذية على إعادة صياغة النكهات القوية، ما أدى إلى تحويل البيرة، بمذاقها الطازج، إلى رمز للنظافة والحضارة.

والمفارقة أن فى العصر الحديث، لم تنته هذه الحالة من عدة المساواة، فما زالت النساء يكافحن للتقدم للعمل فى شركات البيرة الكبيرة، التى قد تكون مسئولة عن الإعلانات الجنسية والعلامات الكارهة للنساء.

جذور محلية

ويرى «الباحث» أن كل الطعام يتحرك، تمامًا كما يفعل الناس، حتى إن الأطعمة من مكان معين، فى وقت واحد، وصلت من جميع أنحاء العالم، وهو ما يوضح لنا الجذور المحلية لأى غذاء وشراب، ومنها البيرة.

ويشير «المؤلف» إلى أنه على مدى نصف القرن الماضى، أدى التركيز العالمى لصناعة البيرة إلى رد فعل بين الذين يسعون إلى إعادة عملية التخمير إلى الجذور المحلية والمجتمعية لمقاهى ما قبل الحداثة، لكن فى الوقت نفسه كانت مصانع البيرة الصغيرة فى كثير من الأحيان مدفوعة بنفس السعى الرأسمالى للربح والتوسع.

ولكن منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين، تسبب تصنيع عالم الغذاء فى حدوث طفرة كبيرة فى التحول إلى سلعة دولية، وهذا هو المكان الذى أصبحت فيه «بيلسنر» الباهتة هى البيرة المهيمنة فى العالم، وذلك لأنها كانت مشروبًا خفيفًا وسهل الشرب، ويمكن صنعه بتكلفة أقل، حيث تعلم مصنعو الجعة استخدام المكونات المساعدة مثل الأرز والذرة.

ويرى «بيلشر» أنه مع انتقال قصة البيرة إلى طفرة البيرة الحديثة واستقرارها، فإن صعود مصانع الجعة المحلية تظاهر بأنه تمرد ضد صناعة البيرة الكبيرة، ولكنه تصرف فى نفس الإطار.ش