الأربعاء 22 يناير 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

لماذا كان السادات يكره أحمد بهاء الدين؟

السادات
السادات

فى نهايات العام 1986 بدأ الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين فى نشر حلقات صحفية فى عدة مطبوعات عربية تحت عنوان «محاوراتى مع السادات»، وهى الحلقات التى صدرت بعد ذلك فى كتاب، تعددت طبعاته ولا تزال تتوالى حتى الآن. 

كان الكتاب الذى قرر بهاء الاعتماد على ذاكرته وحدها فى نسجه وصياغته، شهادة كاتب كبير عرف بالنزاهة والحياد والموضوعية عن الرئيس السادات، من خلال الحوارات التى تواصلت بينهما على مدار عدة عقود. 

يحتل أحمد بهاء الدين فى ذاكرة الصحافة المصرية والعربية مكانة خاصة لا ينافسه فيها أحد، يدين له كثيرون بترسيخ قيم تحرى الدقة والصراحة والجرأة فى طرح الأفكار مهما كانت قسوتها. 

جاء الكتاب بعد ما يقرب من ثلاث سنوات على العاصفة التى أثارها كتابا هيكل «خريف الغضب» ويوسف إدريس «البحث عن السادات» فتعامل معه البعض على أنه مجرد حلقة من حلقات الهجوم على الرئيس السابق، لكنه لم يتسبب فى أزمة جديدة، ربما لأن بهاء لم يكتب بدافع الانتقام كما فعل هيكل، أو بدافع البحث عن النجومية مثل إدريس.. فقد كتب الكتاب بهدوء متماثلًا تمامًا مع شخصية بهاء الهادئة الوديعة. 

عندما صدرت الحلقات فى كتاب قرر بهاء الدين أن يؤكد ماهيتها والهدف منها، يقول: هذه الأحاديث ليست مذكرات، فالمذكرات تقتضى تغطية مرحلة من المراحل التى عايشها الكاتب بجميع جوانبها وبكل أحداثها وأبطالها، وهى أيضًا ليست كتابًا عن أنور السادات، فهذا عمل يقتضى دراسة الشخص التاريخى بكل مراحل حياته وبكل جوانب شخصيته وسياساته، وهذا أيضًا ليس هدف الكتاب. 

ويشير بهاء إلى أن هذه السطور اختارت لنفسها مساحة محددة للحديث، وهى محاورات مباشرة، دارت بين الكاتب ورئيس الدولة فى مراحل مختلفة وموضوعات متعددة، ولم يكن مقصودًا منها تسجيل كل ما دار من حوارات، مما يتعلق بمئات الأحداث ومئات الأشخاص، ولكنه عمد إلى الانتقاء الشديد لما تصور أنه يلقى ضوءًا مباشرًا على تفكير الرجل ودوافعه وطريقة نظرته للأشياء والأشخاص من الزاوية التى أتيح له أن يراها بشكل مباشر. 

وبأمانة مطلقة يقول بهاء: ليس لدى على هذه المحاورات شهود، إلا فى القليل النادر، وليس لدى وثائق إلا أقل وأندر، فأنا أسجل هذه الأحاديث معتمدًا على الذاكرة تمامًا تاركًا الحكم عليها للقارئ ورأيه فى أمانة الكاتب ومسئوليته، وليس لدى وأنا أقدم هذه المحاورات فى صورة كتاب، الكتير مما يمكن أن يضاف إلى هذا التقديم البسيط. 

السادات وكارتر وبيجن بعد اتفاقية السلام

يسجل بهاء فى تقديمه للكتاب أمرين. 

الأول: أن ما تلقاه من الذين عاشوا بعض هذه الأحداث نفيًا أو تأكيدًا، قد زاد كلاهما من تمسكه بدقة كل سطر كتبه فى هذا الكتاب، دون أى تعديل. 

الثانى: أنه من الممكن أن يكتب فى مجال الحوارات عشرة أمثال ما كتب، فالأحداث غزيرة والكلام كثير، ولكنه راعى كل الحرمات واحترم كل الخصوصيات، ولم يتطرق لآراء شتى للسادات فى شخصيات، محترمًا قاعدة أن المجالس أمانات، ومكتفيًا فى أضيق الحدود بما رأى أن له صفة الموضوع العام والشخص العام، وإذا كان قد تطرق إلى رواية بعض الأحداث الجانبية، والشخصيات، فقد كان ذلك فقط فى إطار شرح السياق الذى لا بد من شرحه لإعطاء جو الحوار مناسبته وظروفه، والحوارات ذاتها هى موضوع الكتاب وجوهره. 

وفى تأكيد على منهجية كتابه يختم بهاء مقدمته بقوله: الحقيقة عن أى شخص أو موضوع متعددة الجوانب، ولا يكتمل للقارئ أو الباحث القدر الكافى من الحقيقة إلا بقراءة الشهادات المتعددة، من وجهات نظر متعددة، فى رواية ما حدث، وذكر ما جرى، وقد التزمت بألا أعرض معلوماتى، وهى كثيرة بالطبع، ولكنى ذكرت ما رأيته بعينى، وما سمعته بأذنى، وما كان احتكاكى به شخصيًا مباشرًا، وهو اختيار صعب فى الكتابة، أرجو ألا يجده القارئ صعبًا فى القراءة، وفقنا الله جميعًا للوفاء للحقيقة قدر ما نستطيع، أما التحليل والآراء، فمجالها واسع وممتد على الدوام. 

توالت حلقات بهاء دون أن تثير صخبًا أو اعتراضًا، حتى كانت الحلقة الأخيرة، التى جاء بين سطورها على ذكر بعض المواقف التى جمعت بينه وبين الكاتب الصحفى الكبير موسى صبرى، ليبدأ حوار ساخن بينهما، شهدته صفحات جريدة « الأخبار» فى نهايات شهر ديسمبر ١٩٨٦.

لكن ما الذى قاله بهاء عن موسى. 

مقال موسى صبرى

يمكننا أن نقرأ معًا ما كان على لسان أحمد بهاء الدين الذى يقول: 

بعد أيام اتصل بى الأستاذ موسى صبرى فى البيت تليفونيًا عدة مرات، وكان الرد هو أننى مريض فى الفراش والتليفون بعيد عنى، ويبدو أن موسى صبرى ظن أننى أتهرب منه، وهو أمر غير صحيح بالطبع، ولكننى كنت راقدًا فى فراشى بالفعل، ذات صباح لم يكن فى البيت سوى ابنى عندما وجدت موسى صبرى واقفًا جوار فراشى فى غرفة النوم فجأة، مع أنها كانت المرة الأولى التى يأتى فيها إلى بيتى، واستنتجت فورًا أن موسى أراد أن يفاجئنى وأنا غير مريض، فقد ظهرت الدهشة على وجهه عندما وجدنى راقدًا فى الفراش متدثرًا بالأغطية، والمرض واضح علىَّ، المهم جلس موسى صبرى، وقال لى: ده إنت عيان صحيح، وأنا اتفقت مع الرئيس السادات على أننى سأذهب إليه بك فى أسوان على طائرة صباح الغد. 

رد أحمد بهاء الدين

وأخذ يحثنى على أن أسافر معه رغم المرض، وقال لى إنه تحدث مع الرئيس طويلًا، وإن الرئيس يذكر لى أننى لم أهاجمه شخصيًا قط، وأننى فرقت بين انتقاد سياسة مصر وبين مهاجمة مصر، وأن هذه القطيعة بيننا يجب أن تنتهى. 

وقلت لموسى صبرى: أولًا أنت ترى بنفسك أننى فعلًا مريض، وثانيًا أنك جئت لى مشكورًا فى أسوأ توقيت. 

سأله موسى: لماذا؟ 

فرد بهاء: خطبة الرئيس السادات الأخيرة يتهم فيها كل من يكتب فى صحف غير مصرية بكل أنواع الاتهام، وهى اتهامات لا أقبلها بأى شكل، ثم إن الرئيس السادات منعنى من الكتابة فى الأهرام، لأننى أعارض بعض سياساته، ولعلمك فإننى أعارض أساسًا سياساته الداخلية، وبالتالى فإننى سأواصل الكتابة فى الصحف العربية، وفى أى مكان أستطيع أن أجد فيه ناشرًا لما أكتب حتى فى أستراليا، فهذه مهنتى وواجبى وحقى وليحاسبنى من يشاء على ما أكتب، وأنا أكتب للقارئ العادى لا أكثر ولا أقل، لا للحاكم ولا لمصلحة، ومعنى قبول إنذار السادات هو القبول بالكف عن الكتابة والاعتقال المعنوى فى مصر، ومعناه أننى كنت مخطئًا فى الكتابة فى الصحافة العربية وهو ما لا أوافق عليه. 

أحمد بهاء الدين: الرئيس السادات منعنى من الكتابة فى الأهرام لأننى أعارض بعض سياساته

وأضاف بهاء: ثم إن الرئيس السادات ناقض نفسه فى هذا الخطاب مناقضة شديدة، فهو يزعم للعالم صباح مساء أن الصحافة المصرية تتمتع بحرية لا مثيل لها، وهو كما تعرف عكس الواقع تمامًا، ثم يأتى بإنذاره العلنى هذا للصحفيين المصريين فينقضى هذا الزعم عن حرية الكتابة، إننى أعتقد أنه لو اتصل تليفونيًا بأى كاتب من كبار كتابنا هؤلاء وطلب منهم عدم الكتابة فى الخارج لاستجابوا له، ولكن هذا الإنذار العلنى والتهديد على مرأى ومسمع من الناس جميعًا مهين لكرامتهم ولكرامة الصحافة، إنه يجعل الصحفى المصرى كالأرنب يؤمر بالدخول فى هذا القفص أو فى ذاك فيطيع، فكيف أذهب إليه فى هذا الوقت بالذات؟ إننى أقدر حسن نيتك، ولكن هذا اللقاء فى هذا الوقت لن ينتج عنه إلا تفاقم الخلاف. 

 الرئيس لا يحب مصطفى أمين.. ومصطفى أمين شديد الشك فى نوايا السادات نحوه

وقال موسى صبرى لبهاء: إن السادات فى هذا الخطاب لم يقصدك أنت ومن هم مثلك، وبصراحة فقد كان يقصد مصطفى أمين بالذات، أنت تعرف أن الرئيس لا يحب مصطفى أمين، ومصطفى أمين شديد الشك فى نوايا السادات نحوه، وهو يعتقد أن السادات يريد أن يمنعه من الكتابة فى الخارج، ثم يمنعه بعد ذلك من الكتابة فى الداخل فينهى حياته كصحفى، وقد كان مصطفى أمين يريد رفض إنذار الرئيس، ولكننا بذلنا جهودًا جبارة معه لإقناعه بأن هذه الشكوك ليست صحيحة، وأنه يجب أن يقبل ويترك العاصفة تمر. 

فقال بهاء لموسى: بالعكس إننى أرى شكوك مصطفى أمين صحيحة، وبصرف النظر عن عواطف السادات الشخصية نحو مصطفى أمين أو غيره، فما يتخوف منه مصطفى أمين يمكن أن يحدث لأى كاتب منا، وعلى ذلك فأنا لا يمكن أن أعد بقبول ما جاء فى خطاب الرئيس مهما كانت الظروف، وبالتالى فرحلتى إلى أسوان محكوم عليها مقدمًا بالفشل الذريع الذى لا داعى له والذى سوف يحرجك أنت أولًا. 

سأل موسى بهاء: وماذا أقول للرئيس إذن صباح غد فى أسوان عن سبب عدم حضورك معى؟ 

فقال له بهاء: كان طبيعيًا أن أرد عليه أن المرض الذى رآه بعينيه حجة كافية حتى يمر وقت آخر تهدأ فيه النفوس المتوترة، ولكننى قلت له: أريدك أن تقول للرئيس السادات على لسانى إننى أطالب بالمساواة بالمطربة شريفة فاضل، وبانت الدهشة الضاحكة على وجه موسى صبرى، وذكرت له ما حدث على صفحات جريدة الأخبار فى باب «أخبار الناس» أن المطربة شريفة فاضل صاحبة كباريه الليل فى شارع الهرم تغنى أسبوعًا فى كازينو الليل وأسبوعًا فى كازينو فى لندن، حيث يكثر السواح العرب، وأنها كانت تغنى ليلة عندما تصايح بعض السكارى بكلمات ضد السادات وكامب ديفيد، وأن شريفة فاضل سايرتهم بكلام يحمل نفس المعنى، وبعد أيام نشرت جريدة الأخبار فى المكان نفسه خطابًا من المحامى الأستاذ لبيب معوض يقول فيه على لسان موكلته شريفة فاضل إنها تؤدى عملها فى لندن كمطربة فقط، ولا علاقة لها بالسياسة، وأن ما نشرته الجريدة غير صحيح ويطالب بنشر هذا التكذيب فى المكان نفسه وإلا رفع دعوى قضائية ضد الجريدة. 

ويختم بهاء هذه الواقعة بقوله: رويت ذلك لموسى صبرى وقلت له: شريفة فاضل من حقها أن تغنى فى كباريه فى مصر وكباريه فى لندن، ومن حقها أن تنفى ما يوجه إليها من تهم غير صحيحة، وأنا أطالب بهذا الحق وبالمساواة مع شريفة فاضل فى كباريهات الصحافة، وضحك موسى صبرى ووافقنى على عدم ملاءمة الرحلة إلى أسوان فى ظل هذه الظروف. 

موسى صبري والسادات

انتهى ما كتبه بهاء، وعندما قرأه موسى صبرى قرر أن يرد عليه بالوقائع التى تنفى تمامًا أن تكون الواقعة المذكورة دقيقة. 

فى ١٨ ديسمبر ١٩٨٦ نشر موسى صبرى رده بعنوان «لعن الله الإنفلونزا.. يا أحمد بهاء الدين!»، وبدأه بقوله: فى كتاب الأستاذ أحمد بهاء الدين «محاوراتى مع السادات» الذى ينشره على حلقات فى عدد من الصحف العربية، فصول كثيرة، كان يمكن أن أتعرض لها بالتعليق، وربما بتعليق واحد يقول إن الكاتب العزيز اعتمد- كما سجل على نفسه- فى كل ما كتب على ذاكرته فقط، ولكن ذاكرته خانته، بل غدرت به، عندما صور الزعيم الراحل وكأنه تلميذ جاهل بالسياسة، منافق مع كل الناس، غبى لا يحفظ الدروس.. وكلما أقبل على امتحان، أو سقط فى امتحان، سعى إلى أستاذه أحمد بهاء الدين حيثما كان، يستلهم منه الحكمة والنصيحة والرشاد، وكثيرًا ما كان الأستاذ يضيق بهذا التلميذ البليد، ويستأذن فى الانصراف، ولكن التلميذ يتشبث به أن يبقى، وفى هذه الأجواء، جرت الـمحاورات مع السادات».

طالب موسى صبرى أحمد بهاء الدين بقليل من التواضع، قال له: نعم.. كنت أريد أن أقول لأحمد بهاء الدين، قليل من التواضع يا أخى يصلح الحوار، ولكننى آثرت الصمت، وأنا أقرأ له فى «الشرق الأوسط» كل اثنين فصلًا جديدًا، حتى وصل إلى الفصل الخامس والعشرين «قبل الأخير»، وإذا به يتناول واقعة حدثت بينى وبينه، ولم يكن معنا ثالث، وكانت فى غرفة نومه، وهو طريح الفراش بسبب الإنفلونزا. 

وبسخرية كانت معروفة عن موسى يقول: ولعنة الله على تلك الإنفلونزا التى هيأت للكاتب قصة خيالية وحوارًا حدث عكسه تمامًا، فقد شاء أن يجعل زيارتى له وحوارى معه فى سياق الخط الدرامى لقصته، وهو أن السادات ظل يلهث وراءه ويسعى أن يلقاه، وكان دائمًا يستجيب على مضض وضجر، ولكنه فى هذه المرة، قال لا.. لن أقابل السادات. 

وبحسم يبدأ موسى صبرى سرد ما جرى مقدمًا له بقوله: هذه هى الحقيقة، وكان هذا ما قاله عن هذه الواقعة: 

كتب أحمد بهاء الدين أننى طلبته بالتليفون أكثر من مرة، وكان الرد أنه مريض، وبعيد عن التليفون، وأننى تصورت أنه يتهرب منى، ولذلك فاجأته بالزيارة فى منزله، لأقول له إن السادات تحدث معى طويلًا عنه، وأنه يريد أن يلقاه، وأن القطيعة بينهما يجب أن تنتهى، ولكن بهاء رفض هذه الدعوة وأصر على الرفض، لأن السادات ألقى خطابًا عنيفًا هاجم فيه الكتاب المصريين الذين يكتبون فى صحف عربية، ووجه إليهم اتهامات يرفضها أحمد بهاء الدين، وهو مصر على الكتابة فى الخارج، ولذلك فإن اللقاء لا جدوى منه، وهكذا سافرت أنا من القاهرة إلى أسوان للقاء السادات وحدى، رغم أننى التزمت أمام السادات أن أحضر أحمد بهاء الدين معى!

ويؤسفنى أن أسجل، أن الحقيقة لوجه الله والتاريخ، تخالف تمامًا ما سطره قلم أحمد بهاء الدين، وأنا مضطر أن أروى ما جرى.

اتصل بى المرحوم أمين عدلى، العضو المنتدب السابق لمؤسسة «أخبار اليوم» وأبلغنى أن بهاء فى القاهرة، وأنه مريض، وأنه يريد رؤيتى، واقترح أمين عدلى أن أكون البادئ بالسؤال عنه، وفعلًا، سألت عنه تليفونيًا، وهو الذى رد على، واتفقت معه على زيارته اليوم التالى، ولم أعتد فى حياتى أن اقتحم منزل أحد، ولو كان من أعز الأصدقاء، من غير موعد، وهى ليست المرة الأولى، التى أرى فيها أحمد بهاء الدين فى بيته، كما ذكر فقد دعيت إلى بيته مع المرحومة زوجتى أكثر من مرة.

كانت الزيارة للسؤال عن صحته، مجاملة، لزميل أعتز به، وله مكانته فى نفسى، ولن أنسى لأحمد بهاء الدين عندما كان رئيس مجلس إدارة دار الهلال، أننى لجأت إليه، لأعمل فى المصور، بعد أن قرر جمال عبدالناصر إيقافى عن العمل فى «أخبار اليوم» وأبدى بهاء الدين ترحيبًا مشكورًا.

فى موضوع «كامب ديفيد» انتصر السادات ووضع جميع القادة العرب أمام الأمر الواقع

ولكن كان من الطبيعى أن نتحدث فى السياسة، وأذكر تمامًا أن أحمد بهاء الدين، قال لى إنه لا يجد الآن مبررًا لقطيعة السادات له، وغضبه منه، إنه يعطى السادات كل العذر لغضبه، ويقدر مشاعره الإنسانية، عندما لا يجد قلم أحمد بهاء الدين مناصرًا له بعد كامب ديفيد، هذا صحيح، ولكن بهاء فى المقابل لم يهاجم السادات أبدًا فى صحف عربية، كما فعل غيره، والتزم بذلك تمامًا.

ثم قال أحمد بهاء الدين: وعلى كل فإن موضوع كامب ديفيد، قد انتهى تمامًا، لقد انتصر السادات، ووضع جميع القادة العرب أمام الأمر الواقع، وكلهم سوف يتبعونه شاءوا أو لم يشاءوا.

قال لى: لن أرى أحمد بهاء الدين، لأننى لا أحب من يمسكون العصا من الوسط.

ثم قال أحمد بهاء الدين: لقد قررت أن أنهى جميع أعمالى فى الكويت، رغم أنهم حريصون على استمرارى، وأننى الآن أسوى حساباتى معهم، لأنه من المستحيل على، أن أبقى طوال العمر خارج مصر، كما أن الهدف من سفرى قد تحقق.

والرئيس السادات يعرف لماذا سافرت.

لقد استأذنته فى قبول العمل فى الكويت، لأننى كنت أريد أن أؤمن أسرتى ببوليصة تأمين كبيرة القيمة، وهذا تحقق والحمد لله.

ثم طلب منى أحمد بهاء الدين، بكلمات واضحة لا تحتمل أى لبس، أن أدبر له موعدًا مع الرئيس السادات، لكى يشرح له كل شىء.

وقد رحبت بذلك، كل الترحيب، ولم أكن سعيدًا أبدًا، ألا يكتب أحمد بهاء الدين فى الأهرام، ورأيى دائمًا، أنه كاتب معتدل، وهو محلل سياسى ممتاز، وله خبرة عميقة بالشئون العربية، وقلت لأحمد بهاء الدين: إننى على موعد مع الرئيس السادات غدًا فى أسوان، وسوف أعرض عليه الأمر، وأننى واثق كل الثقة أن السادات لن يعترض، وتحدثنا خلال ساعتين على الأقل، فى أمور شتى، وبمودة خالصة، واستمتعت بالحوار، لأننى فعلًا، أحب أحمد بهاء الدين، وأرى أنه على خلق طيب وكريم، ووعدت بهاء، بأننى سأتصل به بعد يومين من أسوان، لأخطره بما سوف يجرى.

وسافرت إلى أسوان، وذهبت فى موعدى للقاء الرئيس السادات، وكان لقاء عمل، خاصًا بخطاب يعده الرئيس السادات، لمناسبة لا أذكرها الآن، ثم رويت للسادات، الحوار الذى جرى بينى وبين بهاء، بكل تفصيلاته، وأستمع السادات منصتًا لكل ما رويت، ولم يقاطعنى، وفى نهاية كلامى سألت: متى يمكن أن تستقبل أحمد بهاء الدين، إنه فى القاهرة ينتظر تليفونًا منى؟

ودهشت لإجابة السادات: ألم يقل لك.. إنه قرر إنهاء أعماله فى الكويت، وإنه سيعود بعد ذلك لإقامة دائمة فى القاهرة؟

قلت: نعم.

قال: إذن.. سأقابله بعد أن يعود إلى القاهرة، وبعد أن ينهى أعماله فى الكويت.

وحيرتنى هذه الإجابة التى لم أكن أتوقعها، وقلت للرئيس السادات: لماذا هذا الموقف يا سيادة الرئيس، من أحمد بهاء الدين، إنه كاتب معتدل، وهو وجه مقبول من العرب، وهو فعلًا لم يهاجم شخصك أبدًا، وهو فعلًا لم يهاجم شخصك أبدًا، كما فعل الآخرون.

وبدأت نبرة السادات فى الحديث تتغير وعلا صوته، وقال فى غضب: كاتب معتدل، ومقبول من العرب، ولم يهاجمنى على رأسى، ولكننى لن أقابله.. وأمسك التليفون وقل له ذلك.

السادات: أحمد بهاء الدين كاتب بلا موقف إنه دائمًا يمسك العصا من الوسط وأنا لا أحب الذين يرقصون على السلالم

قلت: وهل هذا معقول يا ريس، ولماذا لا نكسب كل الأقلام بدلًا من أن نخسرها، الرجل عائد وهو يقول إنك انتصرت فى معركتك مع العرب، وإنك وضعت الجميع أمام الأمر الواقع، وإن الكل سيتبعك، وقد قرر العودة إلى مصر، فكيف يا سيادة الرئيس ترفض لقاءه. 

وتضاعف غضب السادات وهو يقول، بقصد إنهاء هذا الحوار: اسمع.. أنت تخرجنى عن طبيعتى، ولا يهمنى تأييد كاتب، ولا يهمنى أن يكون بهاء مقبولًا أو مرفوضًا من العرب، ولكن الذى يهمنى رأيى الشخصى فى أحمد بهاء الدين، إنه كاتب بلا موقف، إنه دائمًا يمسك العصا من الوسط، وأنا لا أحب الذين يرقصون على السلالم، وعد إلى فندقك، وأبلغه بالتليفون رأيى بنص كلماتى.

وحاول المهندس عثمان أحمد عثمان وكان يحضر هذا الحديث، وقد طلب إليه السادات أن يبقى عند حضورى وأن يخفف من حدة الموقف، ولكن السادات رحمه الله، كان فى حالة من حالات عناده التى لا تجدى معها المناقشة.

وقلت للرئيس السادات: إننى أقترح حلًا وسطًا.. سأتصل ببهاء.. وسأقول له بأسلوبى، لا بأسلوبك يا ريس.. إن الرئيس السادات مستعد لاستقبالك، وسعيد بذلك، ويرحب بأنك قررت إنهاء أعمالك فى الكويت.. وهذا ما كان يتوقعه منك.. وسوف يراك فى يوم عودتك إلى مصر، بعد إنهاء أعمالك هناك.

وقال المهندس عثمان: أيوه يا ريس.. كده معقول.

وعلق السادات بغير اكتراث: قولها زى ما أنت عاوز.. لكن أنا مش هأقابله.. أنا قرفت من الأساليب دى!

وسألته: لم أكن أتصور أن هذه مشاعرك يا ريس.. بهاء إنسان معتدل جدًا، عند مقارنته بغيره.. ولا أعرف حتى الآن لماذا هذا الإصرار على عدم رؤيته.

وعاد إلى السادات غضبه، وهو يقول لى: أنا فاهم بهاء أكثر منك.. بهاء لم ينه أعماله فى الكويت كما ذكر لك، وهو يريد أن يقابلنى فى القاهرة، لكى يعود إليهم فى الكويت، ويدعى أننى استدعيته، وأننى قلت له، وقال لى، وهذا يدعم مركزه فى الكويت، فهو الكاتب الذى نسعى إليه فى القاهرة، ولكنه يفضل البقاء فى الكويت.. يا موسى.. اسمع.. أنا تعبت من الحركات دى.. خلينا نشوف شغلنا.. إيه مقترحاتك للخطاب؟ 

وعدت إلى الفندق، وأنا أشعر بالفشل، كنت فعلًا، أريد أن يجرى هذا اللقاء، ولم أتصل ببهاء فى اليوم التالى، ولكننى اتصلت به فى اليوم الثالث، ولم أجده فى القاهرة، وأبلغت السيدة الفاضلة زوجته، أن تقول له، إذا ما اتصل بها من الكويت، أن كل شىء يجرى على ما يرام، ثم عدت إلى القاهرة، واتصلت ببهاء فى الكويت، وقلت له إن الرئيس يرحب بلقائه بعد إنهاء أعماله فى الكويت وعودته إلى القاهرة، وأن الرئيس سعيد بذلك.

وقبل ختام موسى صبرى مقاله بقليل يلعن الإنفلونزا مرة أخرى، ويؤكد أن هذه هى القصة كما حدثت تمامًا، ولا يدرى لماذا تحورت إلى نقيضها فى خيال أحمد بهاء الدين. 

ويوجه موسى كلامه لبهاء: أقول للعزيز بهاء، من المستحيل أن يعتمد كاتب، على ذاكرته، ولولا أننى سجلت هذا الذى جرى فى مذكراتى، لما استطعت أن ألم بتفصيلاته الدقيقة، وقد وقع بهاء فى أخطاء عديدة، بسبب الاعتماد على الذاكرة فقط.

تحدث موسى عن خطأين واضحين فى كلام بهاء.

الخطأ الأول كان فيما قاله بهاء من أن السادات ألقى خطابًا عنيفًا هاجم فيه الكتاب المصريين الذين يكتبون فى صحيفة الشرق الأوسط، وهم مصطفى أمين وإحسان عبدالقدوس ونجيب محفوظ.

والصحيح أن السادات لم يلق خطابًا عنيفًا أو غير عنيف فى هذا الموضوع، بل قال إن على أى كاتب مصرى أن يختار بين أن يكتب فى صحافة بلاده أو صحافة الخارج، وكان ذلك، فى اجتماع دعا إليه السادات القيادات الصحفية فى استراحة القناطر، وأصدر فيها قرارًا بتعيين إبراهيم سعدة رئيسًا لتحرير أخبار اليوم، لأنه رفض عرضًا ماليًا كبيرًا من صحيفة الشرق الأوسط، وقال السادات: إن شابًا يفعل ذلك، بينما الشيوخ يهرعون إلى الصحف العربية، وكان يقصد مصطفى أمين وإحسان عبدالقدوس فقط، ولم يكن نجيب محفوظ ممكن يكتبون فى صحيفة الشرق الأوسط أو غير الشرق الأوسط، وقد استجاب كل من مصطفى أمين وإحسان عبدالقدوس لقرار السادات، وأعلن كل منهما أنه اختار الكتابة فى صحافة بلاده، فى بيان قصير من ثلاثة أسطر، لا فى مقال كما ذكر بهاء الدين فى كتابه.

الخطأ الثانى كان خاصًا بحكاية شريفة فاضل كما رواها بهاء لموسى، وهى أنه طلب إبلاغ السادات، أنه يريد أن يتمتع بالحقوق التى تتمتع بها المطربة شريفة فاضل التى تغنى فى كباريه فى مصر وكباريه فى لندن، وأنه يطالب بهذا الحق وبالمساواة مع شريفة فاضل فى كباريهات الصحافة. 

ويصحح موسى الواقعة بقوله: أقسم غير حانث أننى لا أذكر شيئًا من هذه القصة، ولا أنفيها، وربما يكون بهاء قد ذكرها لى، ولكننى أستبعد تمامًا، أن يشبه بهاء، صحافة مصر بالكباريهات، وهو يغنى فى هذه الكباريهات منذ أكثر من ثلاثين عامًا. 

ويختم موسى صبرى مقاله بقوله: وبعد.. أرجو أن يتقبل العزيز أحمد بهاء الدين، هذا التصحيح منى، بصدر رحب، فإننى حريص على حقائق التاريخ.. حرصى على مودته.

لم يستسلم أحمد بهاء الدين أمام ما كتبه موسى صبرى، أرسل رسالة إلى جريدة الأخبار، وضع لها عنوان «متمسك بكل كلمة كتبتها» ونشرت فى ٢٢ ديسمبر ١٩٨٦. 

بدأ بهاء رده بهدم منهج موسى فى الرد، ودخل فى الموضوع مباشرة، قال: الأخ العزيز موسى صبرى.. نعم، لقد كتبت معتمدًا تمامًا على ذاكرتى، وقد كنت أمينًا مع القراء، فذكرت ذلك بوضوح فى مقدمة الكتاب الذى ينشر مسلسلًا فى مجلة «المصور» المصرية وفى أربع صحف عربية أخرى فى نفس الوقت، وتركت للقارئ أن يصدق ما يرد من منطلق رأيه فى مدى صدق كل كاتب من الذين يقرأ لهم، ولست أشك فى أنك كتبت ما كتبت- ردًا على كلامى- معتمدًا على ذاكرتك فقط، وإن كان ذكاؤك المعروف لم يخنك، فاستدركت فى آخر ردك المفصل الطويل قائلًا إنك تنقل ما كتبت من مذكراتك. 

طعن بهاء موسى فى مقتل، وكأنه يقول له إذا كنت تشكك فى ذاكرتى فأنا أيضًا أشكك فى ذاكرتك، والفارق بيننا أننى لا أكذب، فقد اعترفت للناس بما أفعل، أما أنت فقد دلست عليهم عندما ادعيت أنك تنقل من مذكراتك التى دونتها. 

يؤكد بهاء على ذلك: اسمح لى، دون زعل، أن أشك فى وجود مذكرات لك فيها هذا الكلام، لسبب بسيط جدًا، وهو أن كل الواقعة التى أزعجتك بغير مبرر، هى واقعة عابرة وتافهة، لا يكتب مثلها أحد فى مذكراته إلا إذا كان يسجل يوميًا ماذا أكل وماذا شرب بالتفصيل واقترح إذا كان هذا الكلام مسجلًا كما تقول فى مذكراتك أن تطلع عليه أى صديق مشترك لنا، وسوف أقبل شهادته بلا تردد، وبالتالى، فإن تعليقى الوحيد هو: إننى متمسك بكل كلمة كتبتها دون أى تعديل، بما فى ذلك واقعة زيارتك لى لاصطحابى معك إلى أسوان لمقابلة الرئيس السادات.

يتطرق بهاء بعد ذلك إلى تفنيد ما ذكره موسى، يقول: 

أؤكد لك أننى لم أطلب مقابلة السادات قط منذ ديسمبر ١٩٧٧، وبالتالى لم يحدث قط أن رفض السادات مقابلتى، وقد كنت أقول لمن يحدثنى فى هذا الموضوع فى تلك الفترة إنه لا شك أنه يشرفنى دائمًا أن أقابل رئيس دولتى مهما كان الخلاف السياسى، خصوصًا إذا كان السادات بالذات الذى عرفته جيدًا، ولكن أى لقاء سيكون غير ذى موضوع، فأنا مختلف معه سياسيًا وعلى مسائل جوهرية، والرئيس قد أمر بمنعى من الكتابة فى جريدة الأهرام لهذا السبب، وأن نلتقى معناه إما أن يعدل الرئيس السادات عن آرائه السياسية، وهو أمر غير معقول طبعًا، وإما أن أغير أنا من آرائى الأساسية من أجل أن أعود إلى الكتابة فى الأهرام، وهو أيضًا أمر غير وارد، فما هو المتوقع إذن من هذا اللقاء؟

وقد حدث، كما- لا شك- تعلم، بعد ذلك بسنوات أن عرض على الرئيس السادات العودة إلى تولى رئاسة تحرير جريدة الأهرام بعد وفاة المرحوم على الجمال، ونقلت إلى هذا العرض السيدة جيهان السادات فى منزل الرئيس بالجيزة، ولكننى اعتذرت لنفس السبب السابق المنطقى! وهو أنه من غير المتصور أن أتولى رئاسة تحرير جريدة تعبر وقتها عن سياسة أنا مختلف معها جذريًا طبعًا، تستطيع السيدة جيهان السادات إذا أرادت أن تكذب هذه الواقعة أيضًا، ولكننى مرة أخرى أقول إننى أسجل بأكبر قدر من الأمانة ما حدث، ومن حق أى إنسان بعد ذلك أن يقول ما يشاء.

وأنت تعرف أننى لم أتعود محاولة التقرب من أى صاحب سلطة، ولا محاولة الادعاء أمام الناس أننى صاحب علاقة مع مسئول أيًا كان، ولكنه ليس سرًا أن الرئيس السادات، وهو ما أعتز به حتى بعد أن سافرت إلى الكويت، كان يستدعينى لكى أكتب له خطاباته الكبرى فى المناسبات الهامة، وقد تعاقب فى تلك الفترة على منصب سفير مصر فى الكويت دبلوماسيان كبيران: السفير عز العرب أمين، ثم السفير ممدوح عبدالرازق. وقد كان كل منهما هو الذى يبلغنى استدعاء الرئيس السادات لى وبالمكان المحجوز على الطائرة، ويمكنك الرجوع إلى أحدهما أو كليهما.

كذلك ليس سرًا أننى كتبت للرئيس السادات بعض الوثائق الهامة، مثل «ورقة أكتوبر» التى أجرى عليها استفتاء عامًا، والمذكرة المشهورة التى أرسلها إلى معمر القذافى، بعد أن طلب من السيد ممدوح سالم أن يرسل لى كل أوراق الدولة السرية والمراسلات الخاصة بعلاقات ليبيا فى تلك المرحلة والأمثلة كثيرة والأحياء كثيرون، ولكننى لم أفكر فى كتابة كل شىء.

كما أن بعض الأوراق بخط الرئيس السادات ما زالت لدى حتى الآن، رغم أننى لست من هواة حفظ الأوراق ولا كتابة مذكرات يومية، فأنا أيها الزميل العزيز لا أنتحل علاقة ولا أتمسح فى ذكرى، ولو شئت لكتبت أضعاف ما كتبت فى هذا الكتاب، ولكننى ألزمت نفسى بكل مسئولية أدبية وأخلاقية، من وجهة نظرى طبعًا التى قد تخالفنى فيها.

الغريب أن الواقعة التى نسبتها إليك ليس فيها أى انتقاص منك، فخلاصتها أنك تطوعت بمحاولة رأب الصدع بينى وبين الرئيس، فلم أقل، كما ذكرت فى كلامك، أن السادات هو الذى طلب منك ذلك، وتطوعك كزميل صحفى لرأب الصدع بين رئيس الدولة وبين زميل صحفى آخر، حسبت أنه مديح لك وليس ذمًا، حيث إنك تعرف كما أعرف أن الأمر الشائع فى حياتنا الصحفية هو أن «يدس» الصحفى ضد زميله لدى رئيس الدولة أو أى مسئول كلما سنحت الفرصة، ولذلك فإننى لا أعتقد أن ما رويته عنك هو سبب غضبك ومقالك الطويل على واقعة عارضة تمامًا.

إنما سبب غضبك فى تقديرى هو انتقاداتى لسياسات الرئيس الراحل أنور السادات، الأمر الذى لا تطيقه على الإطلاق، وهذا حقك، وهو خلاف فى الآراء والمواقف السياسية لا غير. 

ولكن اسمح لى أن أخذ عليك طريقة تناولك لبعض الأمور، كوصفك سفرى إلى الكويت لرئاسة تحرير مجلة العربى بأننى فعلت ذلك «لتأمين أسرتى ببوليصة تأمين كبيرة القيمة» هذا الأسلوب من الايحاء غير البرىء لا أرضاه لك، فمن المؤكد أنك تعلم أننى كنت رئيسًا لتحرير جريدة الأهرام عندما أصبت بجلطة فى شريان فى الدماغ، أصابنى بشلل استمر شهرين وأرسلنى الرئيس السادات بعدها مباشرة إلى مستشفى البحرية فى أمريكا، حيث استمر علاجى شهورًا طويلة أخرى. وأننى استقلت من رئاسة تحرير الأهرام، وبإلحاح شديد منى، لهذا السبب وأن الأطباء طلبوا منى ذلك وطلبوا منى البعد عن العمل الشاق والتوتر وعن مصر كلها سنتين على الأقل وأننى عدت من أمريكا لأستقر فى الإسكندرية، فهى أبعد مكان عن مركز التوتر تستطيع مواردى أن تجعلنى أعيش فيه، وعروض العمل فى الكويت وفى غير الكويت سابقة على ذلك بسنوات. 

وأستطيع أن أطلعك على هذه العروض المكتوبة التى كنت أعتذر عنها باستمرار، وقد قبلت هذا العرض لرئاسة تحرير مجلة «العربى» بعد هذا المرض، لأن رئاسة تحرير مجلة ثقافية شهرية غير رئاسة تحرير جريدة سياسية يومية كبرى، ولست آسفًا على ما فعلت، بل أنا معتز به، وبما أنجزته خلال هذه المسئولية، والكاتب الصحفى لا يخجل من نشاطه وكتاباته المعلنة أمام الناس جميعًا، متحملًا المسئولية عنها، فهذا أمر يختلف عن «النشاطات الصحفية السرية» التى تعرف عنها ما أعرف عنها، وأعرف أنك تشاركنى نفس الرأى فيها.

وليس العمل «لتأمين مستقبل أسرتى» عيبًا ما دام أنه عمل علنى ورسمى شريف، ولكننى أؤكد لك، ولعلك تعلم ذلك أن فترة عملى فى الكويت لم تحقق لى مع الأسف «بوليصة التأمين» هذه التى تتحدث عنها أو تتخيلها، فأنت تعرف أن الذى يعمل نظير مرتب شهرى ثابت لا يحقق ثروة، فهو ليس تجارة ولا مقاولات ولا استيراد ولا تصدير، كما تعرف أننى وأنا فى مكانى فى القاهرة قبل ذهابى إلى الكويت وبعد عودتى منها، تنشر مقالاتى فى أكثر من صحيفة فى العالم العربى وفى أوروبا منذ أكثر من عشر سنوات، وأن هذا يحقق لى دخلًا يفوق بكثير أى دخل يمكن أن أحققه من عملى فى الكويت أو فى غيرها.

ومن الممكن أن أناقش كل نقطة ذكرتها، ولكننى ليست لى مثلك حرية استخدام أى مساحة من جريدة الأخبار، ولذلك اكتفى بأن أصحح «بذاكرة الإنفلونزا» بعض النقاط:

أولًا: ذكرت أن الأستاذ نجيب محفوظ لم يكتب قط فى جريدة الشرق الأوسط، وأقول لك إن الأستاذ نجيب محفوظ ينشر قصصًا فى جريدة الشرق الأوسط ومطبوعاتها الأخرى كمجلة «المجلة»، وهى واقعة أذكرها لا لمغزى معين، ولكن دليلًا على «الذاكرة».

قرار السادات بتخيير الكتاب المصريين بين الكتابة فى مصر أو فى الخارج، لم يكن فى خطاب علنى

ثانيًا: قولك إن قرار السادات بتخيير الكتاب المصريين بين الكتابة فى مصر أو فى الخارج، كان فى اجتماع مع رؤساء التحرير، وليس فى خطاب علنى وقولك يوحى بأن كلامه كان فى اجتماع مغلق، وأقول لك «بذاكرة الإنفلونزا» إنه كان خطابًا علنيًا، والخطاب العلنى ليس بالضرورة فى سرادق، المهم هو العلانية وقد نشر كلام السادات هذا على لسانه على جميع الصحف، ولا يهم نوع الجمهور بعد ذلك.

ثالثًا: ذكرت واقعة قولى لك، تعليقًا على هذا القرار من السادات «قل له إننى أطلب للكتاب المصريين المساواة مع المطربة شريفة فاضل التى تغنى أسبوعًا فى القاهرة وأسبوعًا فى لندن، ولكنك، رغم أنك تكتب مذكرات يومية، لم تسجل هذا الحديث كما سجلت، حسب قولك كل جملة خاصة بهذه الواقعة ربما لسخافة النكتة، ولذلك عندما أقسمت غير حانث أنك لا تذكرها، احتطت لنفسك وقلت إنك أيضًا لا تنفيها لسبب بسيط وهو الواقعة الخاصة بشريفة فاضل، كما رويتها أنا، منشورة فى جريدة الأخبار باب «أخبار الناس بقلم أبو نظارة» ولو عاد أى إنسان إلى جريدة الأخبار فسيجد هذه الواقعة مطابقة لموعد هذا اللقاء الذى جرى بينى وبينك.

ويختم بهاء الدين رسالته بقوله: يا صديقى موسى.. لقد كان يكفى أن تهاجم الكتاب كله، فأنا وأنت نختلف حول تقييم سياسات كثيرة للرئيس الراحل أنور السادات، دون هذه الزوبعة من الغمز واللمز، فإننى مثلك حريص على حقائق التاريخ حرصى على مودتك.

لم يكن أحمد بهاء الدين سهلًا أو بسيطًا، ولم يكن هادئًا ولا وديعًا كما صوروه لنا، والدليل رده على موسى صبرى الذى اعتمد على الغمز واللمز والتلقيح إذا جاز التعبير، وهو عندما يتهم موسى أنه غمز ولمز فى حقه، فهو أيضًا فعل ذلك، بل يمكننا اعتبار هذا الرد ضربًا تحت الحزام وبقسوة. 

لم يرفع موسى صبرى الراية البيضاء فى مواجهة أحمد بهاء الدين، وفى نفس العدد من جريدة الأخبار كتب ردًا عليه بعنوان «ولماذا.. ريش الطاووس»؟ بدأه بقوله: الأخ العزيز أحمد بهاء الدين.. سعدت بسطورك، لأنك لم تغضب، وأنا حريص على مودتك بلا غضب، وقبل أن أتناول ردك بالتعليق، أرجو أن أبرئ نفسى أمام صداقتنا، من تهمة الغمز واللمز التى نسبتها لى.

بدأ موسى صبرى فى الرد على ضربات بهاء بضربات أعنف، يقول: 

عندما ذكرت قولك لى إنك سافرت إلى الكويت، لكى تؤمن أسرتك ببوليصة تأمين كبيرة، فإننى لم أفعل أكثر من أننى رددت ما قلته فى «جلسة الإنفلونزا»، فمن أين لى أن أعرف بقصة هذه «البوليصة»؟ وأنا صادق كل الصدق، عندما أقول إننى لم أقصد بذلك أى إيحاء غير برىء، أنت لا ترضاه لى كما ذكرت، وإذا كنت لا ترضى لى بذلك، فإننى- وبكل الأمانة- لا أرضاه لنفسى، وخاصة بالنسبة لك أنت بالذات، وأنت كاتب أحترمه قبل أن أحبه، ولست أنت الذى أضعك موضع شبهة فى السعى وراء مال حرام.

وإذا كنت لم تحقق هذا الهدف المشروع، ولم تتعاقد على «بوليصة التأمين»، فإن هذا يسوءنى، فكلنا فى حاجة نفسية أولًا إلى أن يؤمن أسرته، ولسنا من أصحاب الخزائن التى تؤمن «الأولاد»، ولن نترك لهم إلا الذكرى النظيفة عن كفاح عرق شريف، وكلمة صدق. ويقول صبرى: الواقعة لها وجهان.. وقد وصفت أيها الأخ العزيز، الواقعة التى نسبتها لى بأنها عابرة وتافهة وأنها أزعجتنى بغير مبرر، لأنها فى المقام الأول مديح لى، إذ حاولت رأب الصدع بينك وبين رئيس الدولة، وقد ألفت أن زملاء المهنة يحاولون العكس، هذا صحيح، لقد كنت سعيدًا فعلًا، بأن أكون واسطة خير، وكنت أرجو فعلًا أن تلتقى بالسادات، وأن تعود إلى مصر، ولكنك أوردت الواقعة بصورتين. 

صورة تمتدح مسلكى.

وأخرى تظهر الرئيس السادات وكأنه يسعى إليك لاهثًا، راجيًا، متوسلًا أن يلقاك، وأنه كلفنى بهذه المهمة، وأنك رفضت وأبيت وقلت لى بالحزم والحسم: لا.. لن ألقاه، وهذا لم يحدث بل حدث العكس تمامًا. 

أنت طلبت منى هذا اللقاء، وطرحت أمامى ما يشبه الاعتذار عن مسلكك السياسى، وقلت لى إنك متفهم تمامًا، أسباب غضب السادات، ولكن الموضوع السياسى، قد انتهى تمامًا، وأصبحت «كامب ديفيد»، حقيقة واقعة، وقد وضع السادات الرؤساء العرب أمام الأمر الواقع، وسوف يتبعونه شاءوا أو لم يشاءوا.

وهذا هو وجه الغرابة، فيما كتبته أنت عن هذه الواقعة، وغيرها من عشرات الوقائع التى سردتها فى كتابك، وكلها تسير فى خط واحد تعمدت أنت إبرازه- على غير طبيعتك- وهو أن السادات كان يلهث وراءك، وأنه الرئيس الجاهل بالسياسة الخارجية، والسياسة العربية، والسياسة الداخلية وأنك ضقت ذرعًا بخطاياه، وبأنه لا يستمع إلى نصائح أستاذه أحمد بهاء الدين الغالية الحكيمة المستنيرة، ولذلك فقد نفضت يدك منه يأسًا من إصلاحه!

وإذا كنت أنا قد غضبت من معظم ما جاء فى فصول كتابك، نقدًا لسياسة السادات- وهذا موقف صحى لا أنكره- فإن غضبى نصب على هذا المنطق «النرجسى» الذى لم نعهده منك، وسئمناه من نرجسية غيرك، وإذا بك أنت، تظهر بنفس الدور فيما كتبت عن حوارك مع السادات ولعلك توافقنى أنها صورة مضحكة حقًا، أن أتخيل السادات صاحب قرار أكتوبر وصاحب قرار السلام، الزعيم الذى هز العالم كله، بنصر أكتوبر، وشجاعة اقتحام السلام، صورة مضحكة حقًا أن أرى عملاقية السادات، تجلس أمامك مرتعشة خائفة وجلة، تتلقى الدروس، ولا تنفذ النصائح، وتسقط فى امتحاناتك كأى تلميذ خائب، يتوسل لأستاذه أن يمن عليه بدرجة النجاح!

صدقتى با بهاء.. أن هذه هى الصورة التى رسمها قلمك للسادات، ولدورك مع السادات، وهذا موضع دهشة- بل ذهول- كل من قرأ فصول كتابك، فقد اعتدنا هذه النرجسية من غيرك الذى تعرفه، ولم نعتد أن نراك وأنت الحمامة الوديعة، وقد انتفخت وتخايلت فى ريش طاووس زائف!

ولا أريد أن أكشف تناقضًا فى سطور تعليقك، فهل أنت استقلت من رئاسة تحرير «الأهرام» بسبب قسوة المرض، كما ذكرت فى هذا التعليق، أم بسبب خلافك على سياسة السادات، كما ذكرت أيضًا فى هذا التعليق؟ 

وأرجو أن تكون متأكدًا أننى أعرف حقائق صلتك بالسادات منذ أن عرفته أنت، وأعرف أيضًا حقائق صلاتك العائلية بين السيدة الفاضلة زوجتك والسيدة الفاضلة جيهان السادات، وأعرف أن السادات منذ أن تولى، لم يكن ليتصل بك، ثم حدث أن أفرج عن الأستاذ على أمين، وتولى منصب مدير تحرير الأهرام ثم رئيس تحريره، وأعرف أن على أمين تحدث أمامى- فى استراحة جاناكليس- مع السادات، ولم يكن أحد معنا، وهو أقنع السادات بأن يتصل بك، وأن يتصل بالمرحوم على حمدى الجمال، وقال على أمين للسادات: إن أحمد بهاء الدين كاتب نظيف، فكيف لا تتصل به؟ وكيف تتوقع أن يساند سياستك، دون أن يكون على علم بحقائق هذه السياسة؟ واقتنع السادات، وبدأ الاتصال بك وبعلى حمدى الجمال.

وكل ما ذكرته أنك كنت تكتب لفترة خطب السادات، وأنك كتبت ورقة أكتوبر ثم رسالته الشهيرة إلى القذافى، كل هذا صحيح، وأنا أعلمه علم اليقين، ولست فى حاجة إلى سؤال سفيرنا فى الكويت لتبين صحته، وهذا يعنى أنك كنت موضع ثقة الرجل واحترامه، وليس صحيحًا أنه أصدر أمرًا بمنعك من الكتابة فى «الأهرام» وأنت فى الكويت، ولكن الصحيح أن «الأهرام» نشرت لك مقالًا عن وزارة الثقافة، وكانت «كامب دافيد» هى الموضوع الأول والأساسى فى ساحة السياسة، فسأل الرئيس السادات المرحوم على حمدى الجمال، رئيس تحرير الأهرام، أمام باقى رؤساء التحرير، وكنا معه فى الطائرة: هل معقول أن يكتب بهاء عن وزارة الثقافة الآن؟

وسألنى على حمدى الجمال بعدها: ماذا يقصد الرئيس؟ هل يقصد المنع من الكتابة؟ وكانت إجابتى أن الرئيس لا يقصد المنع، ولكنه يرى فى هذا المقال تهربًا من مناقشة موضوع السلام.

وأؤكد لك، أننى لو كنت كتبت منتقدًا كامب ديفيد، أو لاتفاق السلام بأسلوبك الموضوعى الرقيق، لما كان هناك جدل، حول ما تكتب، وشاهدى على ذلك زميلنا وصديقنا الأستاذ عبدالرحمن الشرقاوى، فلم يكن مقرًا اتفاق السلام، وصارح السادات برأيه فى جلسة نقاش طويلة، وكانت وجهة نظره، ألا نسمح بسفارة لإسرائيل فى مصر، إلا بعد جلاء آخر جندى إسرائيلى، ولم يغضب السادات، ولم يمنع الشرقاوى من الكتابة، وعندما استقال الشرقاوى من رئاسة مجلس إدارة ورئاسة تحرير «روزاليوسف» بعد حملة صحفية عنيفة ضد حكومة ممدوح سالم بعد أحداث ١٨ و١٩ يناير، أصدر السادات قرارًا بتعيين الشرقاوى رئيسًا للمجلس الأعلى للفنون والآداب بدرجة وزير، واستمر على أطيب صلة بالشرقاوى، إن السادات لم يكن يكدره رأى ينقده أو يعارضه، بل كان يؤلمه أشد الألم ما وراء الرأى الناقد من خفايا، كان السادات يعرفها بحكم خبرته بالأشخاص وعلمه بسلوكهم، كان هذا هو ميزان السادات فى الحكم على الكلمة المكتوبة.وإذا كان صحيحًا أن السيدة جيهان السادات، قد عرضت عليك رئاسة تحرير الأهرام، ولى تحفظ على ذلك، فلم يكن من اللائق أيها الصديق العزيز أن تحشر اسم السيدة جيهان فى هذا الموضوع، فأنت أول من يعلم أنها لا تملك حق تقديم هذا العرض، وإذا كانت أرادت أن تجاملك فى جلسة عائلية، وبصفتها الشخصية، فإن هذا لا يعنى عرضًا من السادات.

ومع ذلك فإذا كان السادات راغبًا فى أن تتولى رئاسة تحرير الأهرام بعد وفاة على حمدى الجمال، فهذا يؤكد أن الرجل يثق فى كفاءتك ونزاهتك، وأنه لا يهتم بخلاف فى الرأى إذا كان نابعًا من موقف شرف واقتناع.

وأرجو أن تعرف يا عزيزى أن السيدة جيهان السادات هالها وأفزعها وأذهلها موقفك، بعد وفاة السادات، وبعد عودتك للكتابة فى الأهرام، حاملًا لواء الهجوم على السادات، وفى هذا المجال روت لى الكثير عن سعيك لديها، لكى يصفو لك السادات فى حياته، وقبل أشهر من مصرعه. 

وقد كنت أفضل لك، فعلًا أن يكون نقدك للسادات فى حياته، ولو فى صحيفة عربية، وأنت تمزق اليوم، جثمانه بعد موته فى أربع صحف عربية ومجلة مصرية واحدة، كنا رأيناك مستقيمًا مع نفسك، أما أن تختزن كل هذا المقت للزعيم الراحل، حتى ينطلق منفجرًا بعد موته، ومعتمدًا فقط على ذاكرة الإنفلونزا، التى خانتك، فهذا ما لا نرضاه لكاتب نحبه ونحترمه مثل أحمد بهاء الدين.

وأنت أيها الأخ العزيز لا تزال مصممًا على كل كلمة كتبتها اعتمادًا على «ذاكرة الإنفلونزا»، وأنت حر فى ذلك، وليس لى تعليق على سلوك عنادك، إلا أنه مجرد عناد، لا يجوز لكاتب أن يتشبث به، ونحن فى معرض رواية وقائع التاريخ.

وكما شكك بهاء فى معلومات موسى صبرى فى وقائع بعينها، رد موسى بتشكيك فيما قاله بهاء.

أولًا: قولك إن الأستاذ نجيب محفوظ كان يكتب قصصًا فى «الشرق الأوسط» ليس صحيحًا على الإطلاق، وإذا كان ينشر القصة، فلم يكن نشر القصص يزعج السادات فى قليل أو كثير، ولكن كانت تزعجه الأقلام السياسية المصرية التى كانت تطعن سياسة مصر فى مقتل، على صفحات «سعودية»، وهذه الأقلام لا تجرؤ أن توجه نقدًا لسياسة السعودية مثلًا!، ولا شك أن الأسماء المصرية الكبيرة كانت أداة ترويج لمثل هذه الصحف التى شنت أعنف الحملات على مصر وسياسة مصر، وفرق شاسع أن يقرأ الناس لأقلام مصطفى أمين وإحسان عبدالقدوس وأحمد بهاء الدين، وبين أن يقرأوا للأساتذة «طحنون بن بطى» و«حشر بن المعلا» و«ثوينى بن أبيه»!!

ثانيًا: أؤكد أن قرار السادات بتخيير الكتاب المصريين، بين الكتابة فى مصر أو فى الخارج، لم يكن فى خطاب علنى، تزعم أنت أنك سمعته بذاكرة الإنفلونزا الحادة جدًا، بل كان فى اجتماع خاص مع رؤساء تحرير الصحف، هذه واقعة لا تحتاج إلى أى جدل.

ثالثًا: حكاية المطربة شريفة فاضل التى تقول أنت عنها، إنها نشرت فى «أخبار الناس» بصحيفة الأخبار، وأن الأستاذ لبيب معوض المحامى، قد أنذر الصحيفة بمقاضاتها، وأن «أخبار الناس» نشرت خطاب المحامى، فأرجو أن أؤكد لك هذه المرة، أنها ليست صحيحة جملًا وتفصيلًا.. فلا «أخبار الناس» نشرت، ولا المحامى احتج.. ولكنها ذاكرة الإنفلونزا الحادة جدًا، وقد تلقيت رسالة من الأستاذ لبيب معوض المحامى، يؤكد فيها، أنه لم يكن يومًا وكيلًا عن الفنانة شريفة فاضل، بل كان خصمًا لها فى إحدى القضايا، وبالتالى فلم يحدث أن أرسل إلى «الأخبار» خطابًا عنها بهذه الصفة أو غيرها، كما أنه بطبيعة الحال لم ينذر الصحيفة برفع دعوى.

ويختم موسى صبرى رده الذى أغلقت به جريدة « الأخبار» هذا الحوار الساخن بقوله: هذه هى الحقائق أيها الأخ العزيز أحمد بهاء الدين، ولسنا فى مجال تبادل الحراب والجراح، ولكننا فى حوار مودة، نترك بعده للقارئ أن يحكم لى أو لك، ونسأل الله جميعًا أن يحمى ذاكرتنا ومذكراتنا من غدر «الإنفلونزا» أو غير «الإنفلونزا».. ولك تحيتى وحبى.

لن أفرض عليك رؤيتى ولا يقينى بصدق بهاء الدين أو موسى صبرى، فما قالاه أمامك وتستطيع أن تحكم أنت بنفسك أيهما كان صادقًا.. وأيهما لم يكن كذلك.